بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

قرار مجلس الشيوخ الاميركي
والنفاق السياسي

 

 

شبكة المنصور

بقلم المحامي حسن بيان

 

ـ بعد اصدار مجلس الشيوخ الاميركي لقراره الداعي الى تقسيم العراق الى ثلاث كيانات صدرت بعض ردود الفعل السياسية والاعلامية مما استدعى بالمقابل رداً"من بعض الشيوخ الاميركيين"على بعض من سجل اعتراضاً او تحفظاً وخاصة من العراقيين.

ـ وبالنظر لخطورة الابعاد التي يجسدها هذا القرار،فإن كل ردود الفعل المعترضة او المتحفظة كانت دون المستوى المطلوب لمواجهة هكذا قرار صدر بأغلبية ملحوظة بأصوات جمهورية وديمقراطية.

ـ فالقرار الذي صدر في سياق ما اعتبر بحثاً عن مخرج لإنسحاب اميركي من العراق بتخفيف فاتورة التكلفة البشرية ،وتخفيف الضغط السياسي المتزايد على اميركا لسحب قواتها من العراق،سعت الادارة الاميركية الى التخفيف من وطأته باعتباره غير ملزم .وانه في سياق الدفاع عن هذا القرار أيضاً،لم يتوان العديد من أعضاء مجلس الشيوخ وخاصة عرابوه وفي مقدمتهم"بيدن"،ان يعلنوا ما أقدم عليه مجلس الشيوخ ،لم يكن أكثر من ملاقاة لما يطرحه الذين يديرون الشأن السياسي العراقي اليوم ودليلهم على ذلك ان مشروع"الدستور العراقي"الذي صوتت عليه الجمعية الوطنية المنتخبة قد وافقت عليه،وهو ينص على قيام نظام فيدرالي وعلى تقسيم العراق الى كيانات ثلاث،واحد في الشمال وآخر في الجنوب وثالث في الوسط.وان الاعتراضات والتحفظات الداخلية التي أبدتها بعض القوى السياسية في الداخل العراقي لم تحل دون تجميد العمل بهذا الدستور،وان كان اعطي وعد بتعديل ببعض بنوده ولكن حتى اللحظة لم يظهر ان هناك توجهاً جدياً لتعديل احكام الدستور وخاصة لجهة ما تضمنته احكامه حول اقامة نظام فيدرالي.

ـ هذا الذي نص عليه الدستور في العراق،شكلت بعض القوى رافعة وحاضنة له وخاصة قوى الائتلاف الكردي وقوى الائتلاف العراق الموحد الذي يضم قوى عديدة ،لكن ركيزتيه الاساسيتين،"حزب الدعوة"الذي ينتمي اليه المالكي وقبله الجعفري،و"المجلس الاعلى" برئاسة عبد العزيز الحكيم.

ـ وتجدر الاشارة،الى انه قبل صياغة مشروع مسودة الدستور والتصويت عليه،ليصبح ناظماً لطبيعة النظام السياسي المراد تأسيسه في العراق،كان موضوع اقامة نظام فيدرالي على أساس التوزيع العرقي والمذهبي ،بنداً دائم الحضور في كل الصياغات السياسية لبرامج القوى التي كانت مؤتلفة في تحالف سياسي معارض للنظام السياسي قبل تعرض العراق للغزو ومن ثم الاحتلال.وللتذكير فقط،ان "اعلان شيعة العراق "ركز على هذه المسألة وطالب بكيانية ذات تركيب مذهبي وايضاً وثائق المؤتمرات التي كانت تعقد في ظل الرعاية الاميركية والبريطانية والايرانية قبيل احتلال العراق.

ـ من هنا،فإن ما قاله عرابو القرار في مجلس الشيوخ الاميركي،بأن ما صدر عن المجلس لم يكن ينطوي على اكثر مما طالب ويطالب به،الذين يديرون السلطة حالياً في العراق او الذين يدخلون اليها يخرجون منه لا لأسباب وطنية بل لأسباب تتعلق بالخلاف حول قسمة جبنة المنافع والخدمات وانما كانوا يقولون الحقيقة حول هذا الموضوع الذي يدغدغ عواطف ومصالح القوى المؤتلفة وهي تتولى ادارة العملية السياسية.

ـ وانه من خلال رصد مواقف اطراف الداخل ،خاصة تلك التي تعتبر نفسها معنية بما يسمى بالعملية السياسية،
ـ يسجل ما يلي:

ـ ترحيب من الائتلاف الكردي
ـ سكوت من المجلس الاعلى
ـ سكوت حزب الدعوة.
ـ اعتراض من المالكي،هذا الاعتراض جاء من خلال موقعه كرئيس للحكومة وليس من خلال موقعه الحزبي حيث ان حزبه ما يزال يلتزم الصمت حيال هذا القرار.

ـ ومن مقاربة مواقف الاطراف المنخرطة في"العملية السياسية"،التي تتولى ادارة العراق تحت اشراف قوات الاحتلال،مع الموقف الاميركي،يتبين ان الذين اصدروا القرار،كانوا منسجمين مع انفسهم،ويتصرفون في ضوء مصالح اميركا الانية التي تبحث عما تسميه "مخارج مشرفة" للانسحاب من العراق والمصالح البعيدة والتي تقضي بإعادة رسم الخوارط السياسية والجغرافية على قاعدة تأمين أرضية لتوفير امن حالي وآمان مستقبلي للمصالح الاميركية والصهيونية.

ـ اذاً، ان اميركا وهي تتحرك خارج حدودها ،تتصرف بموجب من مصالحها،وهي ترى ان مصالحها لم يعد بالامكان حمايتها في المنطقة العربية،الابتقسيم الكيانات العربية الى كيانات ترتسم حدودها بحدود انتشار الاعراق والطوائف والمذاهب،وهذا تطور جديد في الرؤية الاميركية الا وهو النزول تحت سقف سايكس ـ بيكو والاخذ بوجهة النظر الصهيونية كثابت من ثوابت الاستراتيجية الاميركية الجديدة.

ـ من هنا، فإن أطراف الداخل العراقي الذين رحبوا بالقرار الاميركي والذين يلتزمون الصمت حياله،انما ينسجمون مع انفسهم ايضاً،لأن القرار جاء أيضاً ليؤكد ان مشروعهم الداخلي لاعادة صياغة اوضاع العراق السياسية على قاعدة التقسيم بات يتوفر له غطاء خارجي ومن الموقع الدولي الاكثر تأثيراً حالياً في السياسة الدولية.

ـ ان من يسكت عن هذا القرار يعني،انه موافق ضمناً، ومن يعترض عليه عبر موقف يفرضه الموقع السياسي وليس الخيار فإن موقفه يتبدل بتبديل الموقع السياسي وهذا واقع حال المالكي الذي يلتزم حزبه الصمت اسوة بالموقف الايراني والذي يطابق الى حد كبير موقف"المجلس الاعلى"، فلو لم يعد المالكي رئيساً للحكومة ،وعاد الى موقعه الحزبي،فأي موقف سياسي سيتخذه؟ انه بطبيعة الحال موقف حزبه الذي كان المحرك الاساسي "لإعلان شيعة العراق".

ـ من هنا،فإن قرار مجلس الشيوخ الاميركي على سلبياته الكثيرة كان له ايجابية واحدة،اذ انه وضع على المحك مواقف كل من يعتبر نفسه معنياً بالشأن العراقي داخلاً وخارجاً.

ـ في الداخل،اعاد القرار تثبيت حالة الفرز السياسي بين من هو مع الخيار الاميركي بدءاً من مرحلة الاعداد والتخطيط والتنفيذ لغزو العراق واحتلاله،وانتهاء بالتعامل الايجابي مع الوقائع التي افرزها ويفرزها الاحتلال ومنها وصول مشروع تقسيم العراق الى مرحلة متقدمة في تدرج القرارات الاميركية الكبرى تحو التنفيذ العملاني وبين من هم ضد هذا الخيار ، وهم قاتلوه وتصدو له بداية وما يزالون،يقاتلون ويتصدون للحؤول دون حصوله الى غاياته النهائية.

ـ وانه بدون استثناء،فإن قوى الداخل العراقي التي انخرطت في العملية السياسية التي يضبط اداءها المحتل الاميركي هي مع قرار مجلس الشيوخ الاميركي وان من يبدي اعتراضاً ظاهرياً انما يندرج ضمن اطار ما يسمى النفاق السياسي ، ومنهم موقف المالكي.

ـ هذا في الداخل،اما في الخارج،فإن ما صدر من بيانات رافضة وشاجبة ومنها موقف جامعة الدول العربية ،فإنها وان كانت تعتبر نقطة ايجابية تسجل لصالح قوى الاعتراض،الا انها تبقى دون ذي تأثير فعال،لأنها اتت لتسجيل موقف رفع عتب وليس ضمن خطة عملانية او تأسيس لآ لية عمل تؤدي في النهاية للحؤول دون تمرير هذا القرار.

ـ ولعل الابلغ تعبيراً في مواقف الخارج في تعاملها مع قرار مجلس الشيوخ الاميركي،هو الموقف الايراني بحيث ان السكوت الايراني عنه،كشف عن مضمر حقيقة الاهداف الايرانية حيال العراق.

ـ فإيران على اختلاف نظمها السياسية،تعتبر نفسها انها صاحبة مشروع خاص في العراق،وهذا المشروع هو اعادته الى نظام الولايات والتي تندرج اليوم تحت مسمى الفيدرالية.

ـ لذلك فإن ايران ترى في القرار الاميركي فيما لو قيض انه التدرج الى المراحل التنفيذية النهائية،انها الفرصة الذهبية السانحة ،التي تمكنها من تحقيق اهدافها في لحظة افتقار العرب الى مركزهم الجاذب والمبادر للتدخل لحماية الامن القومي العربي،وفي لحظة تطابق الخيار الاميركي مع الخيار الصهيوني في توفير التغطية الدولية لبدء مخطط تقسيم الوطن العربي الى كيانات جديدة بدءاً من العراق.

ـ فهل بعد هذا السكوت الايراني على قرار مجلس الشيوخ الاميركي من بقي يراهن على ان الموقف الايراني لا يلاقي الموقف الاميركي المسكون حالياً بالفكر الصهيوني حول تقسيم العراق؟

ـ واذا كان الموقف الايراني يلاقي الموقف الاميركي حول موضوع تقسيم العراق،وهو الذي بات معروفاً ولم يعد يحتاج الى ادلة ثبوتية بأنه هدف استراتجي للصهيونية العالمية فهل يكون الموقف الايراني يرفع وتيرته الاعلامية ضد"اسرائيل"هو موقف اصلي وتمليه خيارات استراتجية ،ام انه مجرد موقف تكتيكي،استعراضي يراد من خلاله تحسين شروطه التفاوضية مع الادراة الاميركية أولاً،وثانياً،الاقرار بدور له في الترتيبات الامنية والسياسية الاقليمية والتي يشكل ركناها الاخران تركيا و"اسرائيل".؟

ـ اليس اسقاط المكون العربي،هو احد الاهداف الاميركية لإقامة ما يسمى بالشرق الاوسط الجديد؟

ـ ان ايران تطمح لدور في هذا النظام ،وهي لن تستطيع ممارسته الا بوجود فراغ في المراكز العربية الجاذبة،وهذا حاصل بعد "اتفاقيات كامب دايفيد"،ولا تستطيع الا بإسقاط الساتر السياسي العربي على المداخل الشرقية للوطن العربي والذي يجسده العراق،ولهذا تعد الخطط لإنفاذه والذي لن يمر الا عبر عراق ضعيف وخير تعبير عن حالة ضعفه هو التقسيم.

ـ من هنا،فإن من يعتبر نفسه متضرراً من مشروع تقسيم العراق عليه ان يتخذ الموقف الذي يساعد على الحؤول دون تمرير هذا المشروع والانضمام الى قوى الاعتراض الفعلية عليه.

ـ وان عنوان القوى المعترضة على قرار تقسيم العراق واضح،وهو المقاومة الوطنية العراقية التي تقاوم الاحتلال وبذلك تكون هي المشروع الوحيد والمتاح لإسقاط مشروع تقسيم العراق.

ـ ومن يعتبر نفسه انه ضد قرار تقسيم العراق،عليه ان يقلع أولاً عن نفاقه السياسي اذا كان يعلن غير ما يضمر،وان يطور موقفه السياسي والاعلامي والعملاني ان كان صادقاً في معارضته ورفضه للتقسيم،وان اسقاط مشروع تقسيم العراق وحماية وحدته الوطنية ،لا يمكن الا بإسقاط الاحتلال،فإذا كان التقسيم بات يعتبر نتاجاً طبيعياً لهذا الاحتلال،فإن اسقاطه هو نتاج طبيعي لإنهاء الاحتلال.

ـ واذا كان من يعتبر نفسه، انه ضلل بالمواقف الاميركية،فبإمكانه ان يعيد النظر في مواقفه ويعود الى رحاب وطنيته، ويساهم مع بني قومه الذين قاوموا ويقاومون الاحتلال في استعادة بلدهم لسيادته وحريته واستقلاله .

ـ انها دعوة الى قوى الداخل العراقي بشكل خاص ، وعودتها الى وطنيتها ولو متأخرة أفضل لها من ان لا تعود أبداً.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الثلاثاء /  27 رمضان 1428 هـ  الموافق  09 / تشــريــن الاول / 2007 م