بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

لا خوف على الصيغة اللبنانية
والمطروح لبننة العراق وفلسطين

 

 

شبكة المنصور

بقلم المحامي حسن بيان

 

ثلاث ساحات عربية،تنوء اليوم تحت ضغط التهابات سياسية وامنية،باتت آثارها واضحة على معالم الحياة فيها،والتي هي لبنان وفلسطين والعراق.وما يشكل عاملاً مشتركاً بين ما يدور على هذه الساحات،ان العنف السياسي يتدرج الى عنف دموي وبالعكس أيضاً،وان اطراف هذين العنفين بأشكالهما المختلفة منفتحون ويتواصلون ومتداخلون في بعض الحالات مع عناصر تأثيرات من خارج هذه الساحات .وانه كلما ازداد الصراع حدة بين اطراف الداخل،اتسعت مساحة الشروخ بينهم،واصبحت امكانية التوافق أكثر صعوبة،وامكانية التدخل من الخارج أكثر سهولة،وهذا لم يعد بحاجة لأدلة اضافية لإثبات حقيقة الاوضاع السياسية القائمة على هذه الساحات.

واذا كان لبنان الذي يقف على عتبة استحقاق دستوري لملء موقع مفصلي في التركيب السلطوي،يعيش هذه الحالة منذ تشكل كيانه،فإن فلسطين التي تقف على عتبة مخاض ولادة "دولتها" تعيش منذ فترة مقدمات تشكل الكيان الوطني على قاعدة المواصفات اللبنانية وان بمضامين مختلفة.

أما في العراق،فإنه منذ وقوعه تحت الاحتلال،أخذت سلطة الاحتلال تستحضر النموذج اللبناني في اعادة تكوين مؤسسات الدولة وتركيب السلطة.

هذه الصيغة اللبنانية الجاهزة والتي اختبرت فوائدها لمصلحة تأثيرات الخارج منذ ما يزيد عن ستين عاماً ما تزال على حيويتها في اعادة انتاج نفسها وتجديد شخصيتها بقوى جديدة،وهي باتت النموذج الذي يراد تعميمه على كل ساحة عربية تنفجر فيها تناقضاتها الداخلية بعوامل ذاتية داخلية،او تفجر بعوامل تدخل خارجي.

وعلى هذا الاساس،لا يصح القول "بعرقنة لبنان"ولا"بفلسطنة"بل الصحيح،هو لبننة العراق وايضاً فلسطين.

فلبنان،الذي يقوم نظامه السياسي على أساس"فيدرالية"طوائفية تنعدم فيه المساواة في المواطنة وخاصة لجهة المساواة في الحقوق السياسية،بحيث تغلب على اللبنانيين سمة "المواطنة"في اطار دوائر الاصطفاف الطوائفي،على سمة "المواطنة"في اطار الانتماء الوطني الواسع.

هذا"النطام اللبناني"المشدود الى مراسي التثقيل الطائفي،تديره سلطة تضبط ايقاعاتها،توازنات الداخل المفتوحة على تأثيرات الخارج والتي هي مثلثه الاضلاع ،عربية واقليمية ودولية.

لذلك،فإن تركيب الكيان اللبناني الذي أفرزته معطيات النظام الدولي الذي تشكل بعيد الحرب العالمية الاولى،ركبت سلطته السياسية في ضوء معطيات النظام الدولي الذي تشكل بعيد الحرب العالمية الثانية، بحيث جاءت التسوية كمحصلة لتوازنات الاستراتجيات الدولية المتقابلة "وكونت"سلطة تظللت بتلك التسوية بحيث تبقى تسوية الداخل قائمة طالما بقيت تسوية الخارج قائمةولهذا كان اي  خلل في نصاب تسوية الخارج ينعكس خللاً في تسوية الداخل تنفجر أزمة سياسية بأشكال مختلفة على مدى العقود السابقة.

واذا كانت الازمة الحالية شكلت رقماً قياسياً في مداها الزمي واتخذت مناحي عنفية شديدة فهذا يعود الى أربعة أسباب:

ـ السبب الاول: انهيار النظام الدولي الذي كان قائماً على قاعدة ثنائية الاستقطاب الدولي،وتقدم الموقع الاميركي لتصبح له اليد الطولى في تقرير السياسة الدولية ورسم معالم النظام الدولي الجديد القائم على أساس القطبية الواحدة.

ـ السبب الثاني: انهيار "النظام العربي"كقوة سياسية في المحيط الاقليمي الشرق اوسطي والتي بدأت خطواته العملية بإخراج مصر من دائرة الفعل الايجابي في حل الازمات الوطنية العربية،كنتيجة طبيعية لاتفاقيات كمب دايفيد والتي استكملت بإحتلال العراق.
هذا الاخراج لمصر والاحتلال للعراق والارباك لبعض المواقع العربية التي تعتبر نفسها في وضع الممانع لفرض الترتيبات الدولية الجديدة،أسقط المركز الجاذب العربي واحدث فراغاً فتح المجال لمواقع اقليمية أخرى بالتدخل.

ـ السبب الثالث: اعتبار"اسرائيل"معنية بترتيبات الحلول السياسية للازمات الوطنية العربية،وهي ان لم تقدم نفسها كطرف مباشر،فإن أهدافها المرحلية والاستراتيجية مدرجة ضمن الاستراتيجية الاميركية الاشمل بآلياتها التنفيذية.

ـ السبب الرابع: ان ما مكن هذه الاسباب ان تلج بسهولة الى الواقع الداخلي هو طبيعة التركيب السياسي لبنية النظام اللبناني،وانعدام وجود المركز الوطني الجاذب.

واذا كان المظهر الحالي للازمة في لبنان يبدو وكأنه يضع البلد على حافة انهيار الكيان وسقوط الصيغة،الى ان ما يحول دون ذلك هو ان" الصيغة اللبنانية"هي صيغة مثلى للحوؤل دون قيام دولة بنظام مؤسساتي يتقدم فيها الولاء والانتماء المواطني على أي انتماء او ولاء آخر.كما ان هذه الصيغة تشكل حالة مثلى لتدخل خارجي بطلب داخلي للمساعدة على ايجاد حلول لأزمات تبدو في ظاهرها مستعصية على الحل بإمكانات الداخل لوحدها.

من هنا،فإنه لاخوف على الصيغة ،ولاخوف على النظام بتركيبته الطوائفية ،ولاخوف على نصاب التوازن السياسي الطوائفي لمن ينتابه قلق من ذلك،لأن المستفيدين من هذه الصيغة ومن التركيب السطلوي ماضياً وحاضراً،داخلاً وخارجاً،حريصون على هذه الصيغة لأنها تلبي مصلحة القوى الطوائفية في الداخل اللبناني،وتلبي حاجة قوى تأثيرات الخارج لاستمرار ديمومة مرتكزات الداخل التي توفر أرضية تفسح المجال للتدخل في كل ازمة تعصف بلبنان.

هذه "الصيغة اللبنانية"التي تستمد قوتها من الرعاية الدولية والتركيب البنيوي الداخلي يراد اسقاطها على الوضع الفلسطيني كما على الوضع العراقي.

واذا كان التركيب السكاني في الضفة الغربية وقطاع غزة ليس موزعاً على أساس الانتماء الطوائفي كما هو الحال في لبنان حيث انتصبت حدود سياسية للطوائف،فإن تركيب سلطة في دولة ما تزال تمر بمراحل المخاض التأسيسي ان لم يكن الجنيني،وعلى قاعدة المواصفات الاميركية فإنها ستكون سلطة مركبة تحمل في بنيتها كل عناصر التأزم"الخابت"تارة والتأزم المنفجر تارة أخرى وبما يحول دون قيام دولة تستند الى مركز وطني جاذب يستطيع تجاوز فواصل الجغرافيا ويصهر الفلسطنيين في بوتقة وطنية مشدودة الى خيارات وطنية تشكل نقطة ارتكاز قوية يمكن الاستناد اليها للانطلاق التفاعلي مع العمق القومي.

واذا كانت "الصيغة اللبنانية"رسمت معالمها بداية دون عنف دموي داخلي،ولا خوف ممن يتباكون عليها لأن الاهتزازات تطال اعادة توزيع الحصص وليس الصيغة،فإن الخوف،ان يستمر التأزم السياسي في الداخل الفلسطيني بعد الاحداث الدموية التي حصلت في غزة،الى المستوى الذي يجعل الدعوة لقيام دولة فلسطنية ثنائية"التركيب الكياني" دعوة ذات مشروعية شعبية لدى قطاعات شعبية واسعة دفعت غالياً في مواجهة الاحتلال ،وتدفع غالياً في تحمل عبء الصراع الداخلي والخطورة في ذلك ان الداعين لقيام دولة ذات ثنائية كيانية،يجدون مناخاً فلسطنياً مستقبلاً لهذه الدعوة،بحيث تبدو الدعوة لقيام بهذه الدولة بأنها تلبية لحاجة شعبية وليس لتأمين أرضية دائمة لتوفر فرص التدخل عندما تضطرب المصالح.

أما عراقياً،فإنه بعد الاحتلال،وتقويض مؤسسات الدولة واعادة تكوينها على قواعد جديدة،فإن اميركا التي وضعت حربها على العراق ومن ثم احتلاله في سياق ما سمته ايجاد شرق أوسط جديداو كبير، فإن سلوكها السياسي منذ وقع العراق تحت الاحتلال تحكمه رؤية ثابتة هي وجود عراق موحد شكلاً ومقسم واقعاً.وهذا الرؤية الاميركية لحال العراق الذي تريده اميركا والذي بدأت تنفيذه عملياً بعد الاحتلال مباشرة وكانت العناوين السياسية للنظام المرتقب،قد جرت الاشارة اليها في الوثيقة التي قدمت تحت اعلان شيعة العراق الى قيام نظام في العراق يقوم على أساس الفيدرالية مع ما يشتمل على بلورة كيانية مذهبية كاملة على مستوى البنى الفكرية والنظامية والاجتماعية والتربوية والتي تقود ضمناً الى كيانية سياسية المكونات المجتمعية ذات التباين المذهبي.(ملاحظة صدر الاعلان في حزيران/2002).

كما ان مؤتمر لندن الذي انعقد في نهاية 2002 برعاية اميركية واحتضان بريطاني وحضور ايراني،طرح قيام نظام في العراق يرتكز على الفيدرالية كنظام دستوري،ولم يشر الى هوية العراق القومية،وفي معرض تكلمه عن الشعب في العراق أشار بأنه مكون من اكراد وسنة وشيعة وبمعنى آخر،أشير الى الاكراد سنداً لهوية قومية وبالنسبة لسائر السكان اشير اليهم كسنة وشيعة سنداً للانتماء الطائفي.

هذه العناوين السياسية التي تضمنتها الوثائق السياسية للقوى التي كانت تجتمع برعاية اميركا وحلفائها،جرى ادراجها في متن مشروع الدستور والتي طرحت الفيدرالية على اساس التوزع القومي للاقلية الكردية وعلى أساس التوزع المذهبي في سائر المناطق.

وعلى هذا الاساس،فإن اعادة ترسيم معالم دولة جديدة في العراق،يسقط قيام الدولة الواحدة الموحدة بمركزها الوطني الجاذب ويطرح قيام نظام قائم على المحاصصة الطائفية والقومية،بحيث صيغ بالشكل الذي يحمي مصالح قوى تدخل الخارج ويوفر حماية لمصالح قوى الداخل المرتبطة بقوى الخارج.

ان هذا الذي يراد تنفيذه في العراق في ظل الاحتلال ، تحت شعار قيام العراق الجديد،لا شك فيه انه سيكون لعراق جديد،لكن ليس على قاعدة المواصفات الوطنية ذات المضمون والبعد التوحيدين،بل على قاعدة المواصفات التي تسقط المركز الوطني الجاذب ،وتعيد تشكيل السلطة السياسية على قاعدة الطوائفية كما هي الحال في لبنان يضاف اليها تعقيدات اضافية للوضع العراقي لوجود اقليات قومية فيه.

والى ان ترسم الحدود النهائية للكيانية السياسية الطوائفية والعرقية في العراق،يوفر الاحتلال وكل المستفيدين من تقسيم العراق وفي مقدمتهم ايران، الحماية السياسية والامنية لقوى الداخل التي يناط بها تولي الشق الداخلي من تنفيذ مخطط رسم الفواصل السياسية بين المناطق واكمال مخطط الفرز الطائفي للمناطق التي يختلط سكانها طائفياً ومذهبياً وعرقياً.

وانه اذا كان من خوف،فهذا الخوف هو ان يصبح مطلب التقسيم الواقعي على أساس التوزيع المذهبي والطائفي مطلباً شعبياً لدى قطاعات شعبية عريضة،اذا ما استمر تنفيذ هذا المخطط عبر شلالات الدم التي تسال على أرض العراق برعاية الاحتلال والتدخل الايراني المستور منه والمنظور، وصولاً الى تكريس هذا الواقع في صيغ دستورية وكما هو حاصل في لبنان.واذا كانت المقاومة الوطنية العراقية تعمل لإسقاط المشروع كناتج طبيعي لإنهاء الاحتلال وكل افرازاته السياسية،الا ان الخوف أيضاً ان يصبح الشرخ الطائفي والمذهبي اكثر اتساعاً بفعل المجازر التي ترتكب والمخفي فيها أفظع من المعلن برعاية الاحتلال والمتعاونين معه والمستفيدين منه،والجرح أغزر نزفاً وعندئذ تصبح عملية اعادة توحيد العراق اكثر صعوبة وتعقيداً واكثر تكلفة.

هذا هو الخوف الحقيقي،وهذا هو القلق الذي ينتاب الحريصين على وحدة العراق وعروبته وديمقراطية الحياة السياسية، من ان يتحول الى "لبنان آخر"عبر صياغة نظام سياسي على قاعدة المواصفات اللبنانية ،بحيث يصبح عرضة للاهتزازت والازمات الداخلية،كلما اهتزت أنصبة توازنات مصالح الخارج وبهذا يفقد هذا البلد حصانة الوطنية فضلاً من فقدان دوره وتشويه هويته.

اننا على يقين ان المقاومة الوطنية العراقية تعي هذا جيداً،وتعمل لإجهاض هذا المشروع واسقاطه،لكن وعيها لا يكفي،اذ ان مشروعها ببعديه التحريري والتوحيدي يحتاج الى دعم ورعاية واحتضان من كل الذين يعتبرون انفسهم في موقع المتضررين من هذا المخطط عراقيين كانوا ام عرباً ام من الاطار الدولي الاوسع ففي انتصارها،انتصار للكل والا الكل سيكون خاسرين.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الجمعة /  23 رمضان 1428 هـ  الموافق  05 / تشــريــن الاول / 2007 م