بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

تقرير بترايوس ـ كروكر
تبرير عسكري متأخر وترحيل سياسي مبكر

 

 

شبكة المنصور

بقلم المحامي حسن بيان

 

بعد طول انتظار وبعد مرور عشرة أشهر على تقرير" بيكر ـ هاملتون" وستة أشهر على تدعيم القوات الاميركية في العراق بأعداد اضافية وصلت الى 168 الف جندي عدا العاملين في الشركات الامنية جاء تقرير بترايوس كروكر المعروف سلفاً،المنتظر ترقباً ليشير الى حصول تقدم على الصعيد الامني دون ان يواكبه تقدم على المستوى السياسي ،ومنتهياً الى خلاصة ،بأن زيادة القوات قد حققت اهدافها وانه يمكن اجراء خفض تدريجي لهذه القوات لكن الانسحاب كارثي.

هذا التقرير الذي تُلي تحت صيغة شهادة ،ومن ثم استجواباً امام اعضاء الكونغرس لم يقنع الغالبية الديمقراطية ولا الاختراقات الجمهورية لا بمقدمات ولا بمضمون ولا بالخلاصات التي توصل اليها واضعا التقرير.

لكن ما بدا" مقتنعاً" جداً و"مبتهجاً" بما أدلى به بترايوس ـكروكر هو الرئيس جورج بوش ،الذي سارع وبعد أيام قليلة على تقديم التقرير الى الاعلان عن عزمه تخفيض عدد القوات الاميركية العاملة في العراق واعادتها الى مستوى ما قبل الزيادة اي بحدود 130 ألف جندي اميركي.

هذا التقرير الذي اعجب الرئيس واغضب الكونغرس أعجب أيضاً الادارة المحلية العراقية التي تدير العملية السياسية تحت الاشراف الاميركي ولم يجارها اصطفاف سياسي واسع داخل العراق وخارجه بأن ثمة تقدم حصل في المنحى الايجابي وفق ما تروج له الادارة الاميركية بجناحيها العسكري والسياسي.

وبإطلالة سريعة على الوضع في العراق لمعرفة ما اذا كان التقرير أعطى تشخيصاً موضوعياً لحقيقة الوضع بجوانبه السياسية والعسكرية ،يتبين من خلال الوقائع الميدانية ان ما خلص اليه التقرير جافى الحقيقة ولم يقاربها،لأن ما سماه خفضاً لمستوى العمليات العسكرية والامنية كنتيجة لزيادة القوات ،لم يعط نتائج سياسية موازية،فلو كان هناك فعلاً تقدم على الصعيد الامني،لكن الامر انعكس تلقائياً تقدماً في المجال السياسي،اما وان التقرير يؤكد بأن التقدم في المجال السياسي لم يكن في مستوى الامال فهذا يعني،ان التقدم في المجال الامني ، كان تقدماً مبيناً على حسابات وهمية وليس على حسابات واقعية.

ان الذي يؤكد ان التقرير لم يكن دقيقاً في تشخيصه للوضعين العسكري والامني على الاقل ،هو ان عمليات المقاومة لم تتوقف لحظة حتى في المناطق التي كانت قوات الاحتلال تعمد الى تركيز قواتها فيها كما حصل في الانبار سابقاً وكما يحصل في ديالا حالياً وفي بغداد بوسطها وشمالها وجنوبها وشرقها وغربها.والدليل على ذلك ان مستوى الاصابات التي اوقعتها المقاومة في قوات الاحتلال حافظ على وتيرته لا بل انه سجل ارتفاعاً هذه السنة بالقياس الى السنوات السابقة.

اما اذا كان التقرير يعتبر ،ان خفض منسوب العمليات مؤقتاً كماً ونوعاً في المناطق التي تحشد فيها قوات كبيرة هي مؤشر على تحسن الصعيد الامني،فهذا الاستنتاج لا يستقيم موضوعياً اذا ما ادركت ان المقاومة تعيد تكييف اوضاعها القتالية في ضوء الوضع المقابل للقوى المحتلة.واذا كان الامر يتطلب تغييراً في تكتيك العمليات العسكرية وتبديلاً في قواعد التموضع بالنظر الى الاوضاع المستجدة، فهذا لايعني ،ان تمركز قوات الاحتلال بكثافة في منطقة معينة يمكّنها من توفير مناخات آمنة لها، ولوكان الامر كذلك،لما كانت قوات الاحتلال عمدت الى ايجاد "تشكيلات"شعبية مقابل اغراءات مالية حاضراً ووعدٍ بدور سياسي مستقبلاً،لتساعد في ضبط الوضع الامني في منطقة تعتبرها آمنة بقياسات الامن العسكري وليس السياسي.

فإذا كان تمركز القوات عدة وعديداً في منطقة معينة لم يستطع ان يحول دون تواصل العمليات العسكرية ضدها فكيف يكون الامر اذا ما أقدمت هذه القوات المحتلة على الانسحاب أو عمدت الى تخفيض قواتها كما كان في السابق؟

ان الامور تعود الى بداياتها الاولى مع خبرة مضافة للمقاومة فرضتها معطيات التعامل مع قوات كثيرة العدد شديدة التمركز.ولهذا فإن القول بأن تقدماً حصل على الصعيد الامني،هو قول ليس في محله،بدليل استمرار المقاومة في كل نواحي العراق وبقاعه وبدليل ازدياد حدة المأزق السياسي لأطراف الادارة المحلية العراقية،الذين ظنوا ان التقرير يمكنه ان يساعدهم على تجاوز مأزقهم فإذا بهم يقعون في تخبط سياسي لا يستطيعون الخروج منه لأنهم أسرى خيارات سياسية واداوات تنفيذية لقوى دولية واقليمية لا تريد للعراق ان يعود كياناً وطنياً موحداً بهوية قومية واضحة،وبدور فاعل ضمن مداه القومي الذي ينتمي اليه واقعاً وتاريخاً.

ان التقرير الذي انتظره الاميركيون أشهراً كان تقريراً يراد له ان يحقق هدفين في آن :

ـ الهدف الاول ،حماية متأخرة لقرار الرئيس بوش بزيادة القوات،الذي لم يثبت واقعاً انها حققت اهدافها العسكرية،

ـ والهدف الثاني ،توفير الاسباب التي تمكن الرئيس من سحب الزيادة من القوات ،دون ان يصور ذلك بأنه اخفاق او انتكاسة جديدة للادارة الاميركية في ادارتها للحرب على العراق ومن ثم ادارتها لاحتلاله.

من هنا،فإن "التقرير"ـ الذي لم يشكل مقاربة سياسية جدية وفعلية لحقيقة الوضع في العراق،لأن هدفه كان تبريراً متأخراً لقرار الرئيس بزيادة القوات وايجاد مخرج له لسحبها وفي البعد السياسي ترحيلاً مبكراً لمأزق اميركا الى ادارة ما بعد بوش،ـ شكل خطوة متراجعة جداً عن تقرير"بيكر ـ هاملتون"،الذي بغض النظر عن الموقف السياسي منه سلباً او ايجاباً،فإنه قدم مقاربة سياسية ان لجهة تشخيص حقيقة الواقع الامني والسياسي في العراق وان لجهة رسم آفاق حلول لأزمة لا يمكن ان تجد طريقها للحل الا في اطار ترتيبات حلول سياسية على مستوى المنطقة العربية،وخاصة موضوع الصراع العربي ـ الصهيوني.

ان هذا التقرير ان كان يذكر بشيء،فإنما يذكر بتقارير ما قبل الحرب،حيث يثبت وباعتراف من كان على مقربة من مركز القرار الاميركي بشن الحرب على العراق،بأن التقارير كانت ملفقة ومفبركة وكاذبة،وهي حبكت خيوطها واستندت الى معلومات غير صحيحة لأجل ايهام الرأي العام الاميركي وتضليل الرأي العام العالمي،وان كشف زيف هذه التقارير جاء ممن كان يقدمها ويدافع عنها وقياساً على ذلك،فإنه لن يتأخر الوقت كثيراً خاصة وان الوضع في العراق اصبح تحت المجهر الشعبي الاميركي،وتحت مجهر السجال السياسي الداخلي في اميركا ليأتي من يقول ومن داخل الادارة الاميركية ،بأن تقرير "بترايوس كروكر"كان يفتقر الى الدقة والموضوعية ولم يكن الهدف منه الا تزيين قرارات الرئيس وايجاد المخارج له للرجوع عنها وترحيل المأزق الى الادارة اللاحقة وان الوضع الكارثي ليس بإنسحاب القوات الاميركية من العراق،بل الوضع الكارثي هو باستمرار هذه القوات في احتلالها لبلد دمرت مرافقه وقوضت بنيته الوطنية وفسخت بنيته المجتمعية،وهي باستمرارها لاحتلال هذا البلد فلأجل استكمال مخطط اعادة صياغة اوضاع العراق على أسس طائفية ومذهبية وعرقية،وبذلك،تسهل السيطرة على مقدراته النفطية التي يراد تمريرها تحت مشروع "قانون النفط" وتحول دون استنهاضه مجدداً بعد ان تكون قد أغرقته في دوامة عنف دموي وفرضت واقعاً على الارض من خلال رعاية وحماية عمليات الفرز الطائفي والقومي وفرض تغيير قسري على التركيب الطائفي للمدن والحواضر التي شكلت أرضاً خصباً لانطلاقة العمل المقاوم ووفرت له الاحتضان الشعبي الذي مكن هذه المقاومة من ان تستمر في نضالها وادائها وزيادة فعاليتها رغم آلة الحرب المدمرة التى تحوز عليها قوات الاحتلال ورغم الاختراقات السياسية والامنية المعادية التي مكنت النظام الايراني من ان يقدم نفسه لاعباً اساسياً على ساحة العراق تتقاطع اهدافه ومصالحه مع اهداف المحتل الاميركي المسكونة ادارته الحالية بالفكر الصهيوني ورغم كل زعم معاكس.

وعلى هذا الاساس،فإن التقرير سواء في تقديمه مخرجاً وتبريراً للادارة الاميركية،او في تقديمه تطميناً للادارة المحلية ،بأن القوات الاميركية باقية في العراق وفي بقائها بقاء لهذه الادارة في مواقع السلطة السياسية والامنية،لن ئؤثر على مجريات الامور،اذ ان المقاومة ستبقى قائمة طالما بقي الاحتلال قائماً بغض النظر عن عدد قواته وعديدها.

ان الاحتلال ينظر اليه من منظار سياسي،وكل حراك سياسي منه لا يخاطب الطرف النقيض،يبقى حراكاً ودوراناً ضمن الحلقة المفرغة،ويبقى حراك الفريق الواحد حول نفسه.

فلا هذا التقرير ولا غيره من التقارير المشابهة يمكن ان تضع حداً للمأزق الاميركي في العراق،بل الذي يضع حداً لهذا المأزق هو خروج المحتل من العراق،وبانتظار ان يأتي تقرير أميركي يقر بهذه الحقيقة ويسلم بدور المقاومة كممثل شرعي للطموحات الوطنية للشعب في العراق سيبقى الصراع مفتوحاً على كل آفاقه،وسيكون المنتصر في النهاية ارادة قوى الشعب المقاوم على قوى ادارة المصالح وهذا منطق التاريخ الذي لن تسقطه التقارير الملفقة وآخرها تقرير بترايوس ـ كروكر.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الجمعة /  23 رمضان 1428 هـ  الموافق  05 / تشــريــن الاول / 2007 م