بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

من يوميات مقاتل بعثي

 

 

شبكة المنصور

المقاتل الدكتور محمود عزام

 

في الستينات .. وقبل ثورة تموز الخالدة ..وعندما كنا طلابا في الثانوية..نحن البعثيون ..كانت تربطنا علاقات قوية ومتينة مع بعضنا البعض وغالبا ما تصل الى حد يتجاوز بكثير العلاقة التي تربطنا بأخواننا واولاد عمومتنا وأقربائنا ..وكان التكافل بيننا لايعرف الحدود ..كنا نتقاسم اللقمة والملابس والاحذية وحتى دفتر الاجتماعات ..وكانت أحلامنا وامنياتنا بسيطة الى حد السذاجة..كان الشيوعيون من أصدقاءنا لا هم لهم الا البحث عن سر هذا التجانس وغالبا ماكنا ندخل في نقاشات معهم عن مبدأ تطبيق الاشتراكية الذي نمارسه فعليا في حياتنا البسيطة .. 

كنا نتسائل بيننا قبل كل اجتماع حزبي اوبعده.. اذا كان الحزب يؤمن بهذا النهج القومي والثوري والجهادي من اجل الامة العربية وتحرير فلسطين ومواجهة مخططات الاعداء التي تريد تمزيق الامة وتشتيت قدراتها وطاقاتها ..فماذا سيواجه  العراق من تحديات وصعاب وتضحيات ومؤامرات لو اتيح للحزب في يوم من الايام ان  يستلم السلطة في العراق؟  

وهل نستطيع بزخم ما نحمله من آمال وأهداف كبيرة من ان نواجه التحام و(ائتلاف ! ) قوى الشر التي لا تريد للعراق والحزب ان ينجح في مهمته الوطنية والقومية من أجل تحقيق الوحدة والحرية والاشتراكية .   

وبعد ان ينفض اللقاء  كنا نرجع الى المنطلقات النظرية ومقررات مؤتمرات الحزب القومية والقطرية بيانات الحزب التي نخفيها بسرية وننهل من موجوداتها ما يشجعنا على التمسك بهذه الاهداف ويزداد استعدادنا للتضحية بالنفس وبالغالي والنفيس من أجل مسيرة حزبنا العظيم .. 

ودخل البعض منا السجون والمعتقلات التي زادتنا صلابة وقوة وايمان رغم تعاطف الكثير من السجانين معنا ..كانت صلابتنا واصرارنا وانسابنا ومعارفنا وعوائلنا شفيعنا في الحصول على الحرية من المعتقل .. 

ونحن نعد العدة للثورة ونتقاسم الادوار حسب التوجيهات والاوامر ..كان القلب ينبض بقوة ..ليس خوفا من نتيجة المواجهة فقد وضعنا كل شيء في الحسبان ..ولكن هو الهاجس القديم ..كيف سيواجه الحزب الهجمة المضادة لقوى الشر والظلام التي ستتوحد ضدنا  لو اننا انتصرنا ؟ 

واندلعت الثورة ..واشرقت على العراق شمس البعث التموزي ..وتدافعت الايام ..مرة تدفعنا معها للامام ..ومرة تتناسى رفاق الماضي ..وعندما تتذكرنا وتبحث عنا ترانا ( بنفس عقليتنا القديمة !) وبنفس ( المبدئية ..والواقعية ) وبنفس درجات الخوف على الثورة والحزب .. 

وتقدم علينا من تقدم في الحزب والدولة ..وبقينا بنفس روحية البعثي الملتزم والمبدأي والمناضل ..حريصين على الحزب والثورة اكثر من حرصنا على ارواحنا وعوائلنا التي بدات تعاني من غياباتنا الكثيرة عليها .. 

وحالفنا الحظ بالسفر الى الخارج لأكمال دراستنا العليا ..وكنا نتعامل مع الساحة في الخارج كأنها العراق ..وتعرضنا الى الكثير من المضايقة والملاحقة من أجل العراق ..ومع كل موجة معادية ..كنا في المقدمة ..مع المقاومة التي كان البعث يقودها في لبنان.. وفي ألوية  المهمات الخاصة ..وفي معارك البصرة وديزفول والمحمرة والشلامجة .. 

وفي يوم الايام في  8/8/1988  كنا مع المحتشدين والمتظاهرين في ساحة الاحتفالات الكبرى..غير مبالين بمواقعنا ومسؤولياتنا .. 

وفي اليوم التالي اتجهنا مع رفاقنا ومختصينا للعمل بجدية لاعادة بناء العراق وتطويره وتحديثه وكان شعارنا ..اختصار الزمن ولا للمستحيل من اجل العراق .. 

وتقدمنا ..في الحزب والدولة.. 

وكانت كل خطوة الى الامام في المسؤولية تزيدنا خوفا على الثورة التي أخذت تقترب من الخطوط الحمراء .. 

وتواصل ليلنا بالنهار ..للوصول الى الاتقان التام والابداع .. 

ودخلنا الكويت ..وبدأت كوابيس الماضي تزداد اتساعا وشمولا ووضوحا..انه الخوف على العراق وعلى ما انجزناه  ..وبدات معركة جديدة ومن نوع غريب ..عندما اصطف ( العرب ) الذين تربينا من عشرات السنين على التضحية من اجلهم مع الاجنبي ..ودخل العراق في نفق الحصار الشامل المظلم..وحدث ما حدث من تدمير وتهديم وسحق للبنية التحتية للعراق في الهجوم الامريكي ومن تحالف معه على كل شيء في العراق بما فيها المدارس والجامعات ومجمعات الماء والكهرباء والمصانع والاسواق والدور السكنية لعامة للناس ..وخلال هذه الهجمة دخلت ايران والخونة المتعاونين معها ارض العراق في الجنوب وبدأت تساعد القوات الغازية في حملات الاعدام الجماعية للجنود والمناضلين العائدين من جبهات القتال بعد انسحابها من الكويت .. 

وأعلن وقف اطلاق النار .. 

وأعدنا بناء العراق لبنة لبنة..رغم الحصار الذي فرض على حليب أطفالنا وأقلام مدارسهم ..وازداد الاعداء شراسة ..وتصميم على انهاء التجربة في العراق ..وتصاعدت لغة العداء والحقد والحسد .. 

وأصبحنا اكثر قربا ..وأكثر تحملا لثقل المسؤولية.. 

وازددنا خوفا على العراق الذي أحاطت به الذئاب من كل مكان ..وكان كل شيء يلوح في الافق يوحي بانها المنازلة التي كتبها لنا الزمان منذ بدء الخليقة ..ليمتحن صبرنا وايماننا وليطهر نفوسنا وارواحنا .. 

منازلة تأريخية فيها غالب واحد ومهزوم واحد ..فيها نحن المنتصرون وهم المهزومون حتى وان احتلوا العراق ..لأنها ليست معركة قوتين متصارعتين ..بل معركة الايمان كله ضد الكفر كله.. 

واليوم .. 

نتذكر.. بعد ان جربنا الاضطهاد والقمع والحرمان ونحن صغار ..جربنا الحياة في  السجن والمعتقل ونحن صغار ايضا .. وخبرنا حيل المحققين ..وتحملنا سياط الجلاد ..ووحدتنا القضبان ..وأمسكنا بالسلطة وخضنا نضالا مريرا من اجل النهضة والعمران والتطوير والتقدم ..بعد ان حلمنا بان يكون وطننا افضل من البلدان التي درسنا فيها ..وشعبنا اكثر رفاهية وسعادة .. 

اليوم.. 

لم تعد للالقاب قيمة الآن ..التميز والابداع والاختراع ..الاستاذية التي حصلنا عليها..وشهادة الدكتوراه بامتياز ..وغيرها من العناوين الكبيرة والبراقة التي يشهد لها الاعداء قبل الاصدقاء ..كلها ليست ذات معنى الآن..لأن وطني محتل وممزق ..وتأريخي محرف..وهويتي أضحت بندقيتي.. 

اليوم انا مقاتل بعثي..ولست اكثر من ذلك .. 

مقاتل يعرف باتقان كيف يستخدم البندقية والقاذفة ضد قوات قوات الاحتلال .. 

واعذروني للتوقف ..لان الاشارة وصلتني ان رتل العدوان ..آت. 

 

mah,azam@yahoo.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

الجمعة /  06  ذي القعدة 1428 هـ  الموافق  16 / تشــريــن الثاني / 2007 م