بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

هل استعاد العراقيون رشدهم ؟؟

 

 

شبكة المنصور

د. فيصل الفهد

 

ها قد مضى قرابة خمس سنوات على احتلال العراق.. ورغم أن كل شيء أصبح واضحاً ولم يعد بإمكان أي طرف أن يدعي أنه يحتاج إلى وقت لينهي الجدل في داخل عقله ونفسه ليتأكد من أن ما جرى في العراق هو عدوان همجي وخروج على الشرعية الدولية والإرادة البشرية!! 

نعم مضى خمس سنوات والعراق يترنح من ما يحدث فيه في كل لحظة إلا أن المتغير المثير هو أن كثير من العراقيين استعادوا وعيهم الذي فقدوه من هول الصدمة و ما حدث ولا يزال في بلدهم.. هذا البلد الذي صنع أبناؤه أولى الحضارات الإنسانية وفتحوا أمام العالم أبواب التعلم والعلم عندما اخترعوا الكتابة.. فالعالم كل العالم يدين لهم بالوفاء لما قدمه لهم هذا البلد العريق... ولكن المثير لكل الجدل أن من خطفوا ثمار الحضارة أبوّ بحقد واضح إلا أن يزيلوا آثار ومنجزات ودلائل عبقرية العراقيين.. ولا يحتاج أي عاقل لأن يبذل جهداً في التفكير البسيط ليكتشف أن ما يحصل في العراق هو عمل لا يختلف عما قام به من قبل المغول والتتار لتدمير حضاراتنا في الماضي مع وجود فارق واضح بين مغول وتتر الأمس واليوم فأولئك الذين غزو بلادنا قبل قرون عادوا إلى رشدهم وتجاوزا تخلفهم الحضاري ليندمجوا ويتعلموا من أهل الحضارة التي حاولوا تدميرها بعكس ما نراه اليوم في مغول هذا العصر فإنهم لا يكتفوا بتدمير حاضرنا بل يعملوا على أن يقطعوا أوصاله عن الماضي في ذات الوقت الذي يعملون فيه على نسف أي مرتكز يمكن أن يكون أساس لبناء صرح حضاري لمستقبل مشرق للأمة.

وقبل أيام أجرى رئيس حكومة الاحتلال الرابعة (المالكي) حوارات مع سيده بوش عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة وابرم معه اتفاقيات مشابهة لتلك التي وقعها مع أسياده في النظام الإيراني تضمنت بيع مستقبل العراق وثرواته أضافه إلى بقاء قوات الاحتلال الأمريكي في قواعد ثابتة ( أنجز اغلبها) وإضفاء الشرعية على وضعها القانوني المشبوه والسيطرة الأمنية وتامين الحماية لحكومة العملاء والخونة خشية عليها من انتفاضة القوى الشعبية الوطنية والمقاومة العراقية الباسلة ان اتفاقية بوش المالكي او ماسمي الشراكة الإستراتيجية مؤامرة جديدة تستهدف العراق أرضا وشعبا وتاريخا وهي الأساس من وراء مشروع احتلال العراق قد تم تمريرها في زحمة اللغط حول مؤامرة انابولس واتفاق بوش وخادمه المالكي تعيد الى الأذهان الاتفاقيات التي ابرمها الاحتلال البريطاني وقبرها الشعب العراقي بنضاله وتصديه البطولي ومن هنا فأن مصير هذه الجريمة لن يكون أفضل حال من جرائم الاحتلال البريطاني فالعراقيين اكبر من ان تمرر عليهم مثل هذه ألاتفاقيه النكراء.

ان بوش وذيله الخائب المالكي لا يجيدان غير لغة القتل والدمار والخراب وللتذكير نقول أن دول العدوان بكل جبروتها وقدراتها على التدمير تحجم عن معالجة كل ما سببته من دمار وخراب ومآسي في العراق طيلة سنوات الاحتلال أم أن هذا الدمار هو هدف أساسي من أهداف احتلال العراق؟! ألم يستطع العراقيين بإرادتهم الحرة وعقولهم النيرة ووفائهم لبلدهم أن يردوا على أكبر عدوان حدث في التاريخ على شعب عام 1991 بأن استطاعوا أن يعيدوا الحياة لكل ما دمرته آلة العدوان خلال فترة قياسية (3-6 شهور) وبجهد عراقي صرف؟! 

فالهدف المقصود لم يعد فيه أي التباس أو غموض... إنهم يريدون إلغاء أهم درس في تاريخ الحضارة البشرية وهو  تاريخ العراق وحضارته.

إن المثير للسخرية والاستهجان بعد احتلال بغداد في 9/4/2003 هي تلك الدعوات المشبوهة التي رفعها بعض من لبسوا رداء الطائفية وجسدوا بشكل لا يقبل الشك ضلوعهم بالمخطط الامبريالي الصهيوني لتدمير العراق.. تلك الدعوات التي استهدفت تعطيل جهد العراقيين وقتل حماستهم في مواجهة المحتل بل إن أصحاب هذه الدعوات دفعوا فئات لا يستهان بها ليس فقط للاستكانة للمحتل بل وشرعوا لهم التعاون معه ومع من جاؤوا معه من عملاء وجواسيس وخونة وذهبوا بعيداً في تنفيذ مآربه في إضفاء الشرعية (الصورية) على وجود المحتل عبر المسرحية الكوميدية القاتلة (الانتخابات المهزلة والدستور الأعمى) لقد أصبح واضحاً أن هؤلاء الذين غطوا عمالتهم وحقدهم على الإسلام والعروبة بعباءة الدين (وهو بريء منهم براءة الذئب من دم يوسف)... هؤلاء الذين حرموا قسم من أبناء شعبنا العراقي من ممارسة حقه في شرف الجهاد دفاعاً عن العراق لم يكتفوا بذلك بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك وأخطر منه عندما بثوا سمومهم الطائفية المقيتة عن وجود أغلبية وأقلية ومربع هنا ومثلث هناك ونسوا حقائق واقعة ووقائع لا يمكن لهؤلاء العملاء أو غيرهم أن يزيلوها من ذاكرة الماضي والحاضر مثلما سيفشلون إنشاء الله في إزالتها من المستقبل الواعد المستقبل الذي يرسمه أبناء العراق الشرفاء من كل أطيافه وألوانه الجميلة.

إن حقائق الماضي البعيد والقريب تثبت أن العراقيين جسد واحد وعقل نير متماسك وأحاسيس ومشاعر وطنية واحدة زادها وقواها التنوع المذهبي والعرقي.. ولم يعرف أبناء شعبنا ظاهرة في حياتهم وتعاملهم الاجتماعي والوظيفي (طيلة 35سنة) شيء عنصري (عربي أو كردي أو تركماني... الخ) أو ديني (مسلم أو مسيحي أو صابئ) أو طائفي (سني أو شيعي)... وفي النظام الوطني العراقي قبل الاحتلال كان العراقيون يعملون ويبدعون ويتقدمون الصفوف بعضهم على البعض الآخر بموجب معايير لم نسمع أو نقرأ أو حتى نتلمس أنها كانت بنية على أساس عرقي أو طائفي... ومن هنا فإن كل عراقي واعي مدرك يندهش وهو يسمع من هؤلاء العملاء أن في العراق قبل الاحتلال تفضيل لفئة على أخرى بموجب معايير قومية أو طائفية ولينظر جميعنا إلى خارطة تركيبة الدولة العراقية من قمتها إلى قاعدتها الدنيا وبكافة المجالات ومنها الحساسة جداً فسنجد فيها كل العناوين من كل الأطياف بلا استثناء.. وربما يقول أحد العملاء أن هؤلاء كلهم بعثيون ونقول ربما وليكن... أليسوا البعثيين هم جزء مهم من العراقيين!! وهم الذين يشكلوا حجم فعال من هذا الشعب! ونسأل أولئك العملاء أليس انضواء كل هذا الطيف من العراقيين (عرب وكرد وتركمان...) (مسلمون ومسيحيون وصابئة....) (سنة وشيعة) إلى حزب البعث العربي الاشتراكي دليل ماحق على أن النظام الوطني العراقي بعيداً كل البعد عن تخرصاتهم الرخيصة الغبية... العنصرية والطائفية.

لكن (وهذا معروف) كان هناك تدقيق على مسألة تبعية الفرد (عراقيته) وأخلاقيته عندما يتقدم للعمل في بعض المواقع الحساسة وهذا شيء معمول به في أغلب دول العالم وهو أمر لم ولن يخفى على أحد.

وبعد كل ما تقدم هل يصح أن يبقي المتوجس على موقفه الخاطئ من نفسه وبلده... فلينظر كل منا حوله ويفكر قليلاً منذ نيسان 2003 هل ما حصل ويحصل من جرائم المحتلين وعملائهم يدلل لأي من المتوجسين أنهم يريدون خيراً للعراق؟

إنها دعوة لإيقاظ الضمير والوجدان لكل عراقي يحب وطنه ويعتز بانتمائه للعراق ويريد الخير لنفسه ولأهله ولا يقبل لهم العار والخذلان في الدنيا والآخرة... فهل من العراقيين الشرفاء من يقبل أن يعيش أبناؤه بذل عار اقترفه هو بحق نفسه وأهله؟

وهل يصدق أي عاقل أنه يمكن لآي من الذين لبسوا عباءة الدين أن يبرر أمام الله الواحد الأحد تقاعسنا عن تلبيه نداء الوطن والدفاع عنه وعن الشرف والعزة والكرامة... ففي لحظة الحساب لن ينفع ندم أو لوم أو جهل... فحق الأوطان والأعراض مثل القوانين التي لا يعفى من عقوبتها من جهل بها.

نؤكد على أبناء شعبنا الذين لا يزالون مترددين في موقفهم من المحتلين وعملائهم... لا تزال هناك فرصة أمامكم لتكسبوا رضا الله والوطن وتكونوا مع جموع العراقيين الذين سيحصدون النصر المؤزر القريب إنشاء الله وسيسجلون ليس في تاريخ العراق والأمة العربية فحسب بل في تاريخ الإنسانية أنهم كانوا وسيبقون رسل الحضارة وروادها وهم من يسطرون اليوم وغداً أعظم ملاحم البطولة والشجاعة والتضحية في مقاومتهم للغزاة من مغول وتتر العصر أمريكا وبريطانيا ومن سار على ضلالتهم من الباغين وسترمى كل الاتفاقات التي يبرمها الاحتلال مع عملائه في زبالة التاريخ فالعراقيين ومعهم كل الشرفاء من أشقائهم العرب لن يسمحوا لا لبوش ولا لخادمه المالكي أن يزوروا ويشوهوا تاريخ العراق ويبعوا مستقبله فما بني على باطل فهو باطل.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاحد / 29  ذو القعدة 1428 هـ  الموافق  09 / كانون الأول / 2007 م