بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

أين الدول الكبرى من اتفاق بوش المالكي ؟

 

 

شبكة المنصور

د. فيصل الفهد

 

رغم مرور أكثر من أربعة سنوات ونصف على جريمة احتلال العراق وتوضحت خلالها كثير من الحقائق والوقائع التي حاول المحتلين خلط أوراقها وتزييفها بهدف تضليل الرأي العام وتمرير الاحتلال وكأنه نتيجة طبيعة لواقع افتراضي نسجه المطبخ الدعائي الأمريكي الصهيوني الا ان ادارة بوش لم تكتفي بكل ما أحدثته من كوارث ومصادرتها لماضي العراق وتدميرها لحاضره بل ذهبت بعيدا للسيطرة على مستقبله عندما وقعت مع صنيعتها المالكي اتفاقا بيع به العراق أرضا وخيرات وشعبا بلا مقابل وأصبح فيها هذا البلد الكبير المهم الغني بأهله وثرواته ومستقبله ملكا حكرا على المؤسسات والشركات الامريكيه ألعملاقه( ومرر بدون ان يلتفت اليه احد لاسيما الشعب العراقي حيث لم يتم التركيز عليه اعلاميا) وإذا نظرنا إلى هذه العملية من كل جوانبها فأننا ندرك أن إدارة بوش لمتقيم وزنا لاأحد حتى إلى مجلس الأمن الذي طوعت إرادة أعضائه (المسلوبة) ليقبلوا بالأمر الواقع الذي فرضته على العالم بعد جريمة العدوان على الشعب العراقي واحتلال بلدهم الذي هو عضو مؤسس في المنظمة الدولية.

وينطلق موقف الدول دائمة العضوية والدول الأخرى الفاعلة دولياً مثل ألمانيا واليابان وروسيا والصين والهند والبرازيل وغيرها ومن حسابات المصالح الذاتية والرغبة في عدم إثارة الثور الأمريكي الهائج ضدها هذا عدا الهدف الجوهري المهم لهذه الدول وهو رغبتها بأن يتمرغ أنف الأمريكيين في الوحل العراقي وبذلك سيضعف الموقف الأمريكي و ربما يخفف من هذه العنجهية والضغوط التي تمارسها الإدارة الأمريكية الحالية وبشكل سافر ضد كل المنظومة الدولية بما فيها تلك الدول التي انصاعت ودعمت السياسة الغوغائية الأمريكية في العالم بالذات احتلال العراق وأفغانستان ودعم الكيان الصهيوني.

لقد تحقق في العراق ما كانت الدول الكبيرة تتمناه أن يحصل من تورط كامل للولايات المتحدة وغرقها في المستنقع الذي أعدته لها القيادة العراقية الشرعية وتوعدت به المحتلين قبل الاحتلال... ورغم أن هذه الحقيقة المطلقة أصبحت الشغل الشاغل لإدارة بوش الشريرة التي أصبحت لا تفكر إلا بإنقاذ ما تبقى من سمعتها واعتباراتها وربما قواتها وآلتها العسكرية المهانة وتحاول من أجل تحقيق هذا الهدف أن تستعين بمن أدارت لهم ظهرها عندما قررت هي وذيولها واغلبهم اسقطوا نتيجة مساهمتهم في تنفيذ هذه الجريمة بحق الإنسانية وبحق العراقيين إلا أن الذي يطفوا على السطح أن تلك المجموعة من الدول (بالذات فرنسا وألمانيا وروسيا والصين وربما غيرها) لازالت لحد الآن تطمح في أن تزداد حدة الخسائر الأمريكية في العراق وهذا حسب تقديرها (وفيه شيء كبير من الصحة) سيعطل جانب مهم من بقية المشروع الأمريكي لاسيما ما يتعلق بأوروبا وإلى حد كبير ما يخص بقية حلقاته التي ألغيت أو أجلت في المنطقة العربية.

إن الإدارة الأمريكية تدرك أن وضعها الحالي في العراق أصبح من الخطورة ما يوجب عليها أن تتصرف سريعاً لتتجاوزه بأقل الخسائر إلا أنها (لحد هذه اللحظة) لم تصل إلى الشجاعة التي تفرض عليها إعلان قرار سحب ما تبقى من علوجها من أرض العراق الطاهرة وهذا ما سوف ترغم على اتخاذه الإدارة الأمريكية بالقوة (التي لا تؤمن هذه الإدارة بغيرها) وهذا ما تقوم به المقاومة العراقية البطلة في كل يوم.. حيث تنجز هذه المقاومة الباسلة مهمتها الوطنية الإنسانية الكبرى بسحق رؤوس الأوغاد الذين تطاولوا على بلدنا وشعبنا ودنسوا مقدساتنا وبذلك لن يجد العقلاء في امريكا مخرجاً لهم سوى الإعلان عن القرار الصائب بسحب قواتهم المعتدية وكذلك أجهزتهم الاستخبارية من العراق وترك العراق ليحكمه أهله الوطنين الشرفاء ومثل هذا القرار لانتوقع ان يصدر مادام بوش في البيت الاسود.

ويكاد هذا هو الخيار الأوفر حظاً للإدارة الأمريكية القادمه والذي سيحقق لها وللآخرين توازن في الوضع الدولي وسيكفل للأمريكيين قدر مناسب من المرونة في إعادة عرض أنفسهم على المجتمع الدولي بطريقة ربما فيها شيء من القبول إضافة إلى تحسين صورتهم التي تهشمت بفعل ما ترتكبه الإدارة الأمريكية من جرائم بحق شعوب العالم.... أما عن العراقيين فرغم أنهم يتمنون أن ترتد عصابة بوش عن غيها وتغادر طيشها اليوم قبل غدٍ حقناً لدماء الطرفين إلا أنهم في حالة عدم عودة الوعي والرشد المطلوب إلى عقول المسئولين الأمريكيين.... مستمرين بالوفاء بكل ما تعهدوا به أمام الله وتربة العراق الطاهرة الغالية بالانتقام من كل الجناة الذين كانوا وراء كل ما أصاب العراق وشعبه من مآسي منذ 1991 وحتى الآن وهذا يشمل جميع الأطراف؟!

إذن فالعراقيين ليس أمامهم سوى خيار الاستمرار في تدمير المحتلين وعملائهم طالما اختار هؤلاء الأشرار الاستمرار على منهجهم الإجرامي ضد أبناء شعبنا الصابر ومنها انهم سيقبرون الاتفاق الاخير بين بوش وصنيعته المالكي ولهذا فإن على الدول الكبرى التي لا تزال تلتزم جانب الصمت إزاء الخروقات الأمريكية للشرعية الدولية والعدوان على الآخرين وبالذات على العراق وأفغانستان أن تقوم بدورها بالشكل الذي يوازي المكانة التي حظيت بها والتي تلتزمها باتخاذ المواقف التي تتوافق ومنزلتها ومسؤولياتها الدولية وأن لا تبقى تتملق الأمريكيين في مواقفهم وسياستهم الطائشة التي ألحقت الضرر بشعوب العالم وان تتصدى لهذا الاتفاق لأنه لن يضر العراقيين فقط بل سيضر مصالحهم الستراتيجيه لاسيما موضوع النفط.

إن الدول الكبرى إذا ما استمرت على موقفها الضبابي الانتهازي هذا فإنه يعني حتماً أنهم يريدون لأنهار الدم أن تستمر ويزداد معها غرق أمريكا في المستنقع العراقي بحجم أكبر إلا أن هذا لا يعني أن المسئولين في هذه الدول يريدون الخسارة المطلقة للولايات المتحدة ونهايتها في العراق مثلما لا يريدون للمقاومة العراقية أن تنتصر بشكل مطلق ... إن الذي يريده هؤلاء (قادة الدول الكبرى) هو وصول أمريكا إلى درجة تعجز فيه عن استخدام أسلوبها الابتزازي ضد الآخرين وأن تنكفئ على ذاتها وأن لا تضع أوربا في مقدمة أولوياتها إضافةً إلى عدم سيطرتها المطلقة على مخزون النفط في منطقتنا والذي يعني بالنسبة لأوروبا واليابان الكثير ... حيث ستتمكن أمريكا في حالة نجاح مشروعها في العراق الهيمنة على كل احتياطيات النفط للمراحل الزمنية القادمة وسيشهد العالم انخفاضاً حاداً في كميات النفط المنتجة عالمياً في مقابل ازدياد كبير في استهلاكه وأسعاره التي ستعبر المائتين دولار بما يعني أن سيطرة مطلقة لأمريكا على نفط المنطقة سيؤدي بالنتيجة إلى سيطرتها على العالم والتحكم فيه أكثر من الآن وهذا هو أحد الأسباب التي تجعلنا نطالب الدول الكبرى أن تمارس ضغوطها على الإدارة الأمريكية وتدعم نضال الشعب العراقي وصولاً إلى حلول منطقية تعيد للشعب العراقي سيادته وكرامته وتعوضه عما أصابه من حيف وعدوان باسم الشرعية الدولية وتمكنه من إعادة بناء مؤسساته الشرعية وبناه التحتية بطريقة تليق به وبتاريخه وتضحياته الجسيمة وبدون أن تقدم هذه الدول على ممارسة هذا الدور فإنه لا معنى لأن تبقي على تسميتها بالدول الكبرى وعليها هي والولايات المتحدة الأمريكية وكل العالم أن يتقبلوا الحقائق الجديدة التي سيفرضها الشعب العراقي ومقاومته الباسلة والتي ستغير كثير من الموازين في ما هو قادم من أحداث في العالم !!!

وأخيراً فإن العراقيين يطرحون على هذه الدول الكبرى سؤالاً منطقياً وهو ما الذي يجب عليها أن تتخذه من مواقف أخلاقية وقانونية بعدما ثبت أمام العالم أن الإدارة الأمريكية قدمت إلى مجلس الأمن وثائق ومعلومات كاذبة ومزوره جعلتها مبرراً لعدوانها واحتلالها للعراق؟ وهذا ما أصبح يشكك في مصداقية الدول المتمدنة والتي تريد أن تصدر قيمها وحضارتها إلينا وإلى غيرنا؟ ثم أين احترامهم لأنفسهم ولثقة المجتمع الدولي بهم؟ ألا تعد قضية احتلال العراق بكل تداخلاتها وما ترتب عليها مناسبة وفرصة لتعديل المكاييل وإعادة توصيف المهام التي يقوم مجلس الأمن والمنظمة الدولية بما يتواءم مع أهدافها وبنودها ووظائفها؟ وهذا ما يجب أن تقوم به دول مثل روسيا وفرنسا والصين وألمانيا قبل غيرها وإلا فما معنى أن تكون هذه المجموعة دول كبرى..!!؟

 

 

 

 

شبكة المنصور

الإثنين /23  ذو القعدة 1428 هـ  الموافق 03 / كانون الأول / 2007 م