بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

بعد خمس سنوات من احتلال العراق

 

 

شبكة المنصور

د. فيصل الفهد

 

يعتقد كثيرين أن طرح مثل هذا السؤال وفي هذا الوقت فيه الكثير من السذاجة لا سيما بعد مضي أكثر من أربعة سنوات ونصف على الاحتلال الإمبريالي الصهيوني للعراق.وأياً كانت هذه الاعتقادات فلابد من التذكير ببعض الجوانب التي قد تخف حدتها في ذاكرتنا رغم أهميتها القصوى بسبب ضخامة حجم المعلومات التي يتم طرحها وتداولها في وسائل الإعلام والنشريات التي أغرقت الأسواق وأغلبها يتناول الموضوع من وجهة نظر تخدم مشروع الاحتلال بحكم الهيمنة الأمريكية الصهيونية على وسائل الإعلام والنشر في العالم وهذه درجت في العادة على تسليط الأضواء على جوانب هي أبعد ما تكون عن أساس وجوهر عملية احتلال العراق.

وابتدءا لابد من إسقاط الفرضية أو الفرية التي كان ولا يزال بعض أعداء العراق والعرب والمسلمين يستخدمها بمناسبة وبدون مناسبة لإلقاء اللوم على النظام العراقي الوطني(17تموز1968-9/4/2003).

 بأنه كان السبب الأول والأخير بجلب الاحتلال وهنا نريد أن نذكر هؤلاء (رغم علمنا أنهم يعلمون علم اليقين أن هذا المبرر خاطئ ومجافي للحقيقة) بالأمور التالية:

نرجوا أن يطلعوا على كل الوثائق الأمريكية والبريطانية والصهيونية المنشورة منذ خمسينات القرن الماضي والتي تتناول بالتفصيل رؤية هذه القوى ومخططاتها للسيطرة على العراق منذ الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية وبروز الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى بما في ذلك الصراع الذي كان قائماً بين الولايات المتحدة وبريطانيا حول النفوذ في العراق وأنهم تجرعوا المر عندما حدثت التغيرات السياسية في العراق وقرروا أن يدخلوا من الشبابيك بعد أن خرجوا علناً من أبواب العراق الذي كانت أهميته تزداد في كل لحظة وليس في كل يوم وكان كل طرف يخطط لكي ينقض على العراق لاحتلاله ولكن الظروف الدولية ووجود الاتحاد السوفييتي حينها لم تمكنهم من ذلك إضافة إلى وجود أنظمة عربية (عميلة) ولكنها تحسب حساب شعوبها بعض الشيء ( رغم ان تلك الانظمه أرحم من الأنظمة الحالية التي بدأت بلافتة وطنية وانتهت إلى قاع العمالة).

بعد قيام ثورة 17 تموز 1968 وتأميم النفط 1972 وإعدام الجواسيس ودفع العرب لاستخدام النفط سلاح في المعركة ضد الكيان الصهيوني ومشاركة الجيش العراقي في حرب تشرين 1973 مع القوات السورية والمصرية بشكل فعال والشروع بأكبر تنميه انفجارية عرفها بلد كان محسوب على البلدان النامية... كل هذا اعتبر من وجهة نظر الإمبريالية العالمية والصهيونية تجاوز للخطوط الحمراء ولعل رفع شعارات تحرير فلسطين ودعم المقاومة الفلسطينية البطلة بكل الإمكانيات زاد الأمور تعقيداً وأثار حفيظة أعداء الأمة بشكل أكبر وهنا نذكر ببعض الحقائق :

‌أ- سئل هنري كيسنجر بعد أزمة وقف ضخ النفط العربي إلى أوروبا وأمريكا أثناء حرب تشرين 1973 عن إمكانية استخدام أمريكا القوة العسكرية لاحتلال منابع النفط ؟

 فأجاب أنهم سيستخدمون سلاح الغذاء ( وهذا ما يفسر للقارئ الكريم لماذا استخدم قرار مجلس الأمن حول الحصار على العراق منتصف التسعينات المصطلح المسمى مذكرة التفاهم (النفط مقابل الغذاء والدواء) وذكر كيسنجر حينها أن الأمريكيين والغرب سيجعلون العرب الذين قرروا استخدام النفط سلاح في المعركة يدفعون الثمن غالياً وإن كل دولار سيدخل الجيب الأيمن للعرب سيخرجونه( أي الأمريكان) من الجيب الأيسر أضعاف بشراء الحديد( السلاح) كما أكد كيسنجر أنهم سوف يعالجون خلل سيطرة العرب على النفط من خلال السيطرة الكاملة على جميع المنطقة ( وهذا ما فعلوه بشكل تدريجي).

‌ب- في عام 1978 سربت المخابرات الأمريكية معلوما ت إلى صحيفة نيويورك تايمز ( القريبة من المخابرات الأمريكية) تفيد أن العراق إذا ما استمر بتنميته الانفجارية الواسعة سيصبح خلال عشرين عاماً (1998) واحد من ستة عشرة دولة متقدمة في العالم...... وهنا نتساءل ما الذي حصل في تلك الفترة.

- التغير في إيران مجيء خميني الذي رفع شعار تصدير الثورة الإسلامية إلى العراق ثم العدوان عليه في 4/9/1980.

- زيارة السادات للأرض المحتلة والاستسلام المهين للكيان الصهيوني.

- إنشاء قوة المار ينز وتركز تدريباتها على غزو المناطق الصحراوية بما يعني أن مهامها ستكون ( في المنطقة العربية)حتماً.

رغم المخطط العدواني لإيقاف عجلة التقدم والنهوض الحضاري في العراق استطاع العراق وبتضحيات كبيرة أن يردع النظام الإيراني ويسقط عدوانه في 8/8/1988 بعد حرب ضروس استمرت ثمان سنوات خرج منها العراق بجيش قوي وتجربة فريدة إلا أنها حولت الاقتصاد العراق من اقتصاد دائن إلى مدين بحكم التكلفة العالية للحرب ومتطلباتها.

بعد هذا النصر العراقي العربي الإسلامي على الشعوبيين الفرس بدأت بوادر الصفحة العدوانية الأمريكية الصهيونية رافقها حملات دعائية منظمة وتوجيه الأنظار إلى الإنجازات العلمية التي تحققت بوجود واحدة من أهم مرتكزات التقدم العلمي وهم العلماء العراقيين الذين استطاعت دولة العراق العصرية بناؤهم بشكل متميز فكان العالم يسمع في كل يوم إنجازاً يتفوق على سابقه وكادت الإنجازات العلمية أن تلامس ما يعتبر حكراً وحصراً على الدول الكبرى ومنها على سبيل المثال لا الحصر إطلاق منظومة العابد ألصاروخيه بنجاح باهر وكاد على وشك إنجاز منظومة الأقمار الصناعية ........وغيرها الكثير من تلك التي تؤشر حجم التطور الهائل في البنية العلمية العراقية.

في نفس عام 1988 تم تعيين شوارسكوف قائداً لقوات التدخل السريع والذي وضعت في أولويات مهامه تقويم الأخطار التي تتعرض لها الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وقد زار شوارسكوف بالفعل المنطقة (ومن ضمنها دول الخليج العربي ومصر والسعودية ) ليعود في نهاية 1989 ويقدم تقريره الذي حدد فيه .إن الخطر الرئيس على أمريكا هو العراق وفي هذه الفترة بدأ الحديث عن المدفع العملاق وغيره من الإشارات التي تؤكد النوايا العدوانية ألمبيته سابقاً ضد العراق وفي تلك الفترة بدأت قوات التدخل السريع تدريباتها الخاصة على أساس أن العدو هو العراق وليس الإتحاد السوفييتي( كما كان يعلن سابقاً من أن إنشاء هذه قوات المارينز كان لمواجهة الخطر الأحمر) وحينها تم تحديد الأهداف والمواقع الإستراتيجية العراقية التي سيتم تدميرها في العراق.

نفذ هذا المخطط الأمريكي في ذات الوقت الذي أوكلت فيه لحكام الكويت مهمة التآمر على العراق لإيجاد المبررات والمسوغات التي تمنح الإدارة الأمريكية الفرصة للعدوان على العراق وتحطيم كل قدراته التي بناها خلال أكثر من عقدين من الزمن بما فيها القوات المسلحة والقاعدة الصناعية المتقدمة.

دخلت القوات العراقيه الكويت كنتيجة طبيعية للدور الذي لعبه آل الصباح ضد العراق لا سيما سرقة نفط العراق وإغراق الأسواق بكميات كبيرة من النفط الخام الأمر الذي خفض أسعاره إلى حدود أصبح فيها بيع النفط غير مجدي اقتصادياً في وقت يعلم حكام الكويت حاجة العراق الماسة لعوائد النفط لإعادة هيكلة الاقتصاد العراقي.بعد الحرب العدوانية الإيرانية وتسديد الديون والقروض.

إضافة إلى سلوكيات استفزازية لا حصر لها عدا الوثائق الكثيرة التي حصلت عليها الجهات الرسمية العراقية والتي تثبت ضلوع حكام الكويت بالتآمر على العراق وتدمير اقتصاده والإساءة إلى شعبه ومنها المراسلات بين المسئولين في الكويت والمخابرات الأمريكية.

للأسف الشديد ضلع بعض الحكام العرب في المخطط العدواني الإمبريالي الصهيوني حيث مارس هؤلاء دورهم القبيح في تنفيذ المؤامرة في وقت كان يمكن فيه معالجة الموضوع عربياً( أصدرت الحكومة الأردنية كتابها الأبيض الذي يتناول بالوثائق والأدلة كيفية مساهمة بعض الحكام العرب في التآمر على العراق ............

تم العدوان على العراق في ليلة 16-17/1/1991 وتم تدمير كل البنى التحتية العراقية حتى بلغ حجم القنابل والصواريخ والأعتدة المستعملة أرقاماً فاقت كل الحروب نوعاً وكما ً إلا أن، الملفت والمثير في الأمر أن الرئيس الشهيد صدام حسين كان يعد خطة إعمار كل ما يدمره المعتدين والقصف والعدوان مازال مستمراً .......وهذا ما حدث فعلاً حيث استطاعت الملاكات العراقية من إعادة بناء كل ما دمر في العدوان وبزمن قياسي (ثلاثة أشهر) وهذا ما عجزت عن تحقيقه قوات الاحتلال رغم إمكانياتهم الهائلة بعد 9/4/2003 .

نود أن نلفت الانتباه هنا إلى حقيقة مهمة جداً وهي انجرا ر البعض بالحديث عن أن ما حدث من عدوان على العراق 1991 والحصار الذي فرض عليه ثم احتلاله في نسيان 2003 كانت بسبب الكويت.......نود هنا أن نشير إلى أن العدوان على العراق كان سيحصل سواء كنا دخلنا الكويت أم لم نقم بذلك لأن العراق ومنذ عام 1972 كان كما قلنا قد تجاوز الخطوط الحمراء التي تضعها الدوائر الإمبريالية الصهيونية ولا يسمح بتجاوزها من قبل دول العالم الثالث.

وضعت خطة احتلال العراق قبل دخول الجيش العراقي الكويت وهذا ما أثبتته الوثائق لاحقاً ثم أعيد مناقشتها بعد وقف إطلاق النار عام 1991 من قبل وزير الدفاع حينها تشيني وعدلت عام 1992 ولم تتح لهم فرصة تنفيذها بسبب فشل الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية ومجيء كلينتون للسلطة.
استمر العدوان على العراق بكل أشكاله السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والعسكرية منذ 17/1/1991 ولم يتوقف إلا أنه لم يحقق لهم الأهداف المرسومة ولذلك رجعوا إلى مخطط الاحتلال وبدؤوا يفتشون عن مسوغات تبرر لهم احتلال العراق.

أن الذرائع التي ساقتها قوى العدوان لاحتلال العراق مثل مقترح أسلحه الدمار الشامل وتحرير الشعب العراقي من الدكتاتورية وعلاقة العراق بتنظيم القاعدة وتهديد دول المنطقة وغيرها من الادعاءات التي.

ثبت زيفها وعدم مصداقيتها حيث أثبتت الأحداث التي أعقبت 9/4/2003 أن قوى الاحتلال عملت على إسقاط دولة العراق بهدف السيطرة على العراق والاستحواذ على خيراته والحفاظ على أمن الكيان الصهيوني وإنجاز حلقة متقدمة من المخطط الأمريكي الصهيوني الكوني للهيمنة على العالم بحيث يكون القرن الحالي قرناً أمريكياً.

لقد أظهرت الفترة التي أعقبت الاحتلال وحتى الآن أن الأمريكيين ومن جاء من خلفهم أبعد ما يكونوا عن الشعارات التي سبق وأن تحدثوا عنها قبل وبعد الاحتلال وبذلك أصبح واضحاً أن ادعاءاتهم لم تكن سوى نوع من الدعاية السياسية للدخول على العراقيين والرأي العام من باب يمكن أن يتقبلونهم به لا سيما الشعارات الفضفاضة مثل الحريات والديمقراطيات وحقوق الإنسان وحقوق المرآة ..............و....و....ومن التي أثبتت الأيام الماضية أن الأمريكيين وعملائهم عملوا ضدها بكفاءة عالية جداً.

إن الصورة القائمة للأوضاع في العراق اليوم ستستمر لتصبح أساساً لملامح المرحلة القادمة من الاحتلال حيث يتجلي واقع الحال عن تدمير بلد بالكامل وإلغاء كل مؤسساته الحيوية و إلغاء الجيش وقوى الأمن الداخلي....... استشهاد مليوني عراقي وزج مئات آلالاف من الشرفاء في معتقلات الاحتلال وتهجير اكثر من خمسة ملايين خارج العراق وثلاثة ملايين داخل العراق اضافه الى مسح مدن بالكامل من الوجود... آلاف من عمليات الاغتصاب للنساء والأطفال عمليات سرقه ونهب وقتل في كل لحظة..... سيطرت نماذج سيئة متخلفة على كل مقدرات الحياة .......هيمنة عناصر عميلة للاحتلال على الحياة الاقتصادية والاجتماعية وقيامهم بسرقة كم كبير من الأموال وإيداعها بحساباتهم في بنوك الأردن وأوروبا وأمريكا ...... تفريغ العراق من علمائه ( إما بالاغتيالات أو التهجير الإجباري)وسرقة ثرواته التاريخية والحضارية الفنية والاقتصادية (ليس النفط حسب بل الكبريت والفوسفات والحديد....والزئبق).

والسؤال الذي يطرح نفسه بعد كل هذا ........هل سيبقى الحال على ما هو عليه؟

الجواب أصبح واضحاً فالعراق شعب حي مؤمن مجاهد له تاريخه وتراثه في مواجهة الصعاب ومنها الاحتلال وقد أثبت في الماضي أنه شعب جبار وهو يثبت اليوم ذلك من جديد فالعراقيين الذين هالتهم صدمة احتلال بغداد في 9/4/2003 بدؤا يستفيقون من آثارها ففي كل يوم هناك وعي متزايد ليس في رفض الاحتلال بل بمقاومته بكل الوسائل المتاحة وفي المقدمة منها المقاومة العسكرية الباسلة.

إن غد العراق القادم القريب..........سيحدده أبناءه الشرفاء من المجاهدين الذين شرعوا برفع راية التحرير ولن يتوقفوا حتى ينزاح ظلام الاحتلال ويعود للعراق استقلاله وشرعيته وهذه ليست أمنيات بل واقع فعلي يتحرك وذهب الكثير وبقى القليل إنشاء الله.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الثلاثاء / 03 ذي القعدة 1428 هـ الموافق  13 / تشــريــن الثاني / 2007 م