بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

تراجع المقاومة العراقية : تهويشات اعلامية ساذجة

 

 

شبكة المنصور

عوني القلمجي

 

ارتفعت في الاونة الاخيرة اصوات حاقدة وأقلام ماجورة وكتّاب مرتزقة ، معلنين عن افول نجم المقاومة العراقية وتراجع عملياتها العسكرية وعن انخفاض عدد قتلى الجنود الامريكان ، الى جانب تحسن الوضع الامني وخصوصا داخل بغداد وضواحيها.

ولم تكن بعض القنوات الفضائية والإذاعات ووسائل إلاعلام العربية والاجنبية بعيدة عن ذلك ، حيث اخذت تركز على هذه المعزوفة وتظهر عودة الحياة في العراق الى طبيعتها وتنقل بالصوت والصورة رجوع الاف الهاربين من جحيم الاحتلال الى ارض الوطن وخاصة من سوريا والاردن.

ومن المؤسف حقا ان تجد هذه التهويشات الاعلامية صدى لها في اوساط عراقية وعربية ، مما ولدت حالة من الاحباط والتشكيك بقدرة المقاومة على هزيمة المحتل.

في حين تؤكد الوقائع والاحداث على تقدم المقاومة العراقية ومحاصرتها لقوات الاحتلال الامريكي ووضع قائدها الاعلى بوش في ورطة لا يعرف سبل الخروج منها ، الامر الذي دفع العديد من الخبراء العسكريين والسياسيين الامريكيين الى مطالبة بوش بالانسحاب وفق جدول زمني حفاظا على هيبة وسمعة امريكا بين دول العالم وشعوبه ، بل وصل الامر الى حد استقالة العديد من رجالات بوش المخلصين والهروب من السفينة قبل غرقها ، امثال وزير دفاعه «رونالد رامسفيلد وكارل روف كبير مساعديه الأساسيين ثم سكرتيره الصحفي طوني سنو وسكوت ماكليلان الناطق باسم البيت الأبيض ودان بارتليت مستشاره السياسي وكارين هيوز مستشارة بوش المكلفة بتحسين صورة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم العربي والإسلامي واخيرا وليس اخرا استقالة فرانسيس تاونسند مستشارته لشؤون مكافحة الإرهاب والأمن القومي..

نعم لقد تراجعت عمليات المقاومة فعلا وتحسن الوضع الامني قليلا في بغداد ، لكن القول بان مرد ذلك يعود الى وجود ضعف في اداء المقاومة او محاصرة معاقلها او جراء تكبدها خسائر كبيرة ، لا ينطوي على شيء من الحقيقة. وما حدث هو ان بوش اصبح في امس الحاجة الى تقليل عدد قتلى جنود الاحتلال ، لاقناع الشعب الامريكي ، بان استراتيجيته الجديدة تحقق تقدما ملموسا ، ولسحب البساط من تحت اقدام الحزب الديمقراطي الذي يوجه سهامه ضد بوش ويركز على فشل استراتيجيته الجديدة لكي يحرمه من هذه الورقة التي تؤهله للفوز في انتخابات الرئاسة المقبلة.

وقد تطلب ذلك تجنب قوات الاحتلال للمواجهات العنيفة في مناطق التماس مع المقاومة العراقية والتقليل من الهجمات الكبيرة والواسعة بالاعتماد على القوات الامريكية لوحدها ، والحد من حركة قوات الاحتلال داخل المدن وخارجها. ووصل الامر الى استبدال الارتال العسكرية التي تؤمن احتياجات قوات الاحتلال من عتاد وسلاح وارزاق ، بطائرات الهليكوبتر لتجنب العبوات الناسفة على جانبي الطريق والتخلص من الكمائن التي تنصبها المقاومة باحكام شديد واصبح الجنود الامريكيين يقضون معظم الوقت في التثكنات العسكرية المحصنة.

وكل هذا من شانه ان يقلل من الخسائر البشرية والمادية.

الى جانب ذلك اعتمدت القوات المحتلة في اي مواجهة مع المقاومة عند الضرورة على قوات الحكومة اضافة الى مرتزقة مجالس الصحوة وتكتفي هي بتقديم الدعم والاسناد.

بالمقابل وعلى الجهة الاخرى ، فان المقاومة العراقية قد استغلت بدورها هذا التغيير والهدوء النسبي في المعارك لاعادة ترتيب اوراقها ، ومنها احداث تغيرات واسعة في مواقعها والقيام بحركة تنقلات واسعة في مجموعاتها القتالية من مكان الى اخر وشمل ذلك اماكن سلاحها ومعداتها تحسبا من المعلومات التي بحوزة بعض العشائر قبل انتقالها الى معسكر الاحتلال. لتقتصر عملياتها بشكل رئيسي ضد القواعد والثكنات العسكرية ، تدمير القاعدة العسكرية في سلمان باك نموذجا.

ومع ذلك دعونا نفترض وجود تراجع حصل في معسكر المقاومة وان شيوخ العشائر ومجالس صحوتها والمشاركة الفعالة لما يسمى بالجيش العراقي والشرطة واجهزة الامن وزيادة عدد قوات الاحتلال قد فعلت فعلها ، ترى ما هو العيب في ذلك؟

المعركة التي تدور رحاها بين المقاومة العراقية وقوات الاحتلال ليست حربا نظامية ولها اجال محددة وقصيرة والتراجع فيها من قبل اي طرف لا يمكن اعتباره مقدمة لهزيمته ، فما يحدث على ارض العراق هي حرب تحرير شعبية طويلة الامد ، ومن اهم مستلزماتها التغيير الدائم في الية ادارتها ومنها اللجوء الى تراجع قوات المقاومة كلما تطلبت الضرورة ذلك ، خاصة وان المحتل لديه امكانات هائلة ويتمتع بالقدرة على الصمود وتغيير مسار الصراع احيانا ، فقبل 500 عام من تاريخ ميلاد المسيح ، اوصى الصيني صن تزو في كتابه الموسوم << الكتاب المقدس للمقاومة >> والذي اختير من بين افضل 100 كتاب في تاريخ العالم ، بانه اذا اردات المقاومة الشعبية كسب المعركة ضد عدو متفوق ، عليها اتباع العديد من القواعد والمباديء منها :

اذا اصبح عدوك اقوى منك تفاداه واذا كان غاضبا ازعجه واذا تعادلت معه فحاربه واذا لم يكن متعادلا معك اوقع الانقسام في صفوفه ثم اعد تقييم وضعه ، في حين اكد الخبير العسكري النمساوي المتميز كلاوفيتز هذه المباديء بعد 2400 عام بلغة ومصطلحات جديدة. ناهيك عن ان حروب التحرير دون استثناء قد اتبعت هذه المباديء في حالات كثيرة. وعليه فالتراجع لا يعني السلبية في كل الاحوال ، وانما يؤخذ به من اجل خلق الظروف المناسبة لاستنزاف العدو.

ولولا المام المقاومة العراقية بكل هذه الخبرات لما تمكنت من تحقيق كل هذه الانتصارات الكبيرة.

في الجانب الاخر فان اكثر ما يحزن في هذه التهويشيات الاعلامية ، انها تمكنت من ايهام اوساط عراقية وعربية حين ربطت زورا بين التحسن الامني وتراجع عمليات المقاومة العراقية وكأن المقاومة هي التي كانت وراء التفجيرات وقتل المدنيين الابرياء وهدم المساجد والحسينيات والقتل على الهوية.

في حين اثبتت الوقائع والاحداث بان الذي يقف وراء كل ذلك هي قوات الاحتلال والمرتزقة والموساد الاسرائيلي والمخابرات الايرانية اضافة الى فرق الموت وفيلق غدر ومليشيات جيش المهدي الذي اعترف زعيمه قبل ايام بان فرق الموت والقتل قد انطلقت من مدينة كربلاء.

وليست مصادفة ان تنخفض اعمال التخريب والقتل والتفجيرات كلما احتاج بوش تسويق استراتيجياته الخائبة لاثبات تقدمها ونجاحها كسلاح يشهره في وجه خصومه.

وعلى سبيل المثال لا الحصر فان مثل هذا التحسن قد حدث قبل شهرين من تقديم تقريري القائد العسكري الميداني سانشز والسفير الامريكي كروكر الى لجنة الدفاع في الكونغرس الامريكي ليثبتا بان قوات الاحتلال تحقق تقدما وان المقاومة في طريقها الى الزوال.

حيث صدرت الاوامر الى قادة جيش المهدي بترك العراق والسفر الى ايران والزام مليشيات الحكومة بالتوقف ، الى حين ، عن الاعمال الاجرامية ضد الابرياء .

وهذا بالضبط ما يحدث الان.

ان المقاومة العراقية بريئة من كل تلك الجرائم القذرة ضد المواطنين بل على العكس من ذلك فهي شديدة الحرص على حماية الناس من جرائم المحتل واعوانه فهؤلاء المواطنين هم من يقف وراء المقاومة ويقدم لها الدعم والاسناد والحماية لمقاتيلها والدفاع عنها.

وبالتالي فمهما فعل المحتل ومهما حاول تلميع صورته ومهما تظاهر بالقوة والجبروت ، فان مشروع الاحتلال قد انتهى الى الفشل على الرغم من ان قواته لم تهزم بعد.

فالحرب كما يقال هي امتداد للسياسة بوسائل عنيفة واذا لم يتم تحقيق اهداف الحرب السياسية فانها تعتبر فاشلة بكل المقاييس. فالادارة الامريكية حين قررت احتلال العراق فانها ارادت بعد السيطرة عليه وجعله ولاية امريكية ، ان تسير قدما لتحقيق مشروعها الكوني وبناء الامبراطورية التي ينتهي التاريخ عند ابوابها وان يكون القرن الواحد والعشرين قرنا امريكيا ، وما مشروع الشرق الاوسط الكبير الذي كان مقررا اقامته بعد احتلال العراق الا جزء او حلقة وسيطة لتحقيق الهدف الامبراطوري المنشود.

امريكا اليوم غير امريكا قبل احتلال العراق ، فبالامس رفع بوش شعار من ليس معنا فهو ضدنا وهدد العالم ودوله بالحروب الاستباقية والحروب الوقائية والخروج من المعاهدات الدولية التي تحد من حركته وغير العقيدة النووية من دفاعية الى هجومية ، واخضع دول العالم الكبير منها قبل الصغير للهيمنة الامريكية واجبرها على السير بالاتجاه الذي يخدم مصالح امريكا ، وجعل المنظمات والهيئات الدولية خدم امناء لتلبية مصالح الولايات المتحدة وتاييد سياساته العدوانية او السكوت عنها ، بل وباشارة منه تغير البلدان سياستها وعاداتها وتقاليدها بل ودينها.

اما اليوم وبعد ان مرغت المقاومة العراقية سمعة امريكا وهيبتها في الوحل اصبح بامكان اي دولة ان تقول لا لامريكا حيث لم تعد امريكا القوة التي لا تقهر.

ومن الطريف في هذا الصدد ومن باب الاستهزاء بالقوة الامريكية فقد ذكر الكاتب الايطالي ماركو ديرامو في مقال نشرته جريدة ديل منافستو بتاريخ الخامس عشر من هذا الشهر بان امريكا التي تعتبر نفسها اكبر قوة عسكرية شهدها التاريخ لم تتمكن من السيطرة على العراق الذي تبلغ مساحته 22 مرة اقل من مساحة الولايات المتحدة ، وسكانه 12 مرة اقل من سكانها ودخله القومي لا يساوي الا 1 على 141 من دخلها.

المقاومة العراقية بخير وهي تواصل تقدمها على طريق التحرير كونها مقاومة مشروعة تدافع عن ارضها وكرامة اهلها واستقلال بلادها ، في مقابل قوات محتلة أتت من بعيد لتعتدي على البلاد والعباد خلافا لكل القوانين والشرائع الدولية وبالتالي فان اصحاب الحق هم المنتصرون .

لندع المحتل واعوانه ينسجون الاقاويل والحكايات كما يحلو لهم ، فان شهادة ميادين القتال اصدق انباءا مما يكتبون ويفترون.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الخميس /  19  ذو القعدة 1428 هـ  الموافق  29 / تشــريــن الثاني / 2007 م