بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

سامحونا..نحن مضطرون للانتصار

 

 

شبكة المنصور

علي الصراف

 

 لا بد لكل حرب، كحرب العراق، ان تنتهي بانتصار طرف وهزيمة آخر. الدلائل الراهنة تقول ان الولايات المتحدة تعاني سكرات الهزيمة. على الأقل فان كلمة "نصر" تختفي بسرعة من أحاديث وتصريحات وتقارير القادة العسكريين والسياسيين، لتحل محلها كلمات مثل: "الصبر"، "المطاولة"، "الاستمرار على النهج"، "عواقب الهزيمة".. الخ.

التاريخ يقول ان الغزاة لا ينتصرون. وبالتأكيد، ليس عندما يمارسون فظائع أسوأ مما فعل النازيون.

ولكن، ضع التاريخ جانبا.

هل يمكن للمقاومة العراقية أن تُهزم؟

لنقل ان الجيش الأمريكي (الذي يعترف وزير دفاعه "انه منهك، وانه فقد توازنه، ولكنه لم ينكسر بعد") سيظل قادرا على البقاء لخمس سنوات أخرى. وانه سيتسبب بأعمال إبادة تطال مليون عراقي آخر، وتهجير خمسة ملايين آخرين فوق الخمسة ملايين الذين هجروا حتى الآن. فهل سيعني ذلك "نهاية" المقاومة؟

يمكن للحصيف أن يلاحظ أن هذا، لو حصل، فانه سيكون "بداية" أخرى للمقاومة وليس نهاية لها.

والحقيقة، فكلما كبر جيش الضحايا من جراء الجرائم التي يرتكبها الإحتلال، كلما زاد وقود المقاومة حطبا.

وقل انهم لن يفعلوا هذا. فهل سينجح العملاء في إقامة حكومة، من أي نوع؟

الدلائل العملية تقول، لا.

دع عنك انهم حشد من اللصوص والأفاكين، ودع عنك كل مظاهر الفساد، التي تُمارس على رؤوس الأشهاد، ودع عنك انهم حوّلوا الدولة الى جهاز لإدارة أعمال النصب والنهب والقتل، بأسوأ مما يمكن لأي حثالة أن تفعل، فان المشكلة لا تقتصر على هذا. ولو إقتصرت عليه لكان أمرها سهلا.

هناك ثلاث مشكلات جوهرية على الأقل، تحول دون ظهور حكومة قادرة على البقاء.

المشكلة الأولى، هي ان كل أولئك الذين ينحشرون في المنطقة الخضراء، تحت ظلال زيزفون العم سام، لا يمتلكون الرؤية ولا الكاريزما ولا الوسائل التي تسمح لهم بطرح مشروع وطني يلتف حوله العراقيون. وهم، كـ"شعيط ومعيط.." لا يمتلكون القدرة على الصدور عن خطاب وطني جاد. من ناحية، لأنهم مأجورون (علنا) لهذا وذاك وذلك. والمأجور لا يجرؤ على الكثير أصلا. ومن ناحية ثانية، لأن أيديهم صارت ملوثة بدماء مئات الآلاف من الضحايا، فصار وراءهم طلابو ثأر لا ينام لهم ثار. ومن ناحية ثالثة، لأن ثقافتهم المتدنية ومشاغلهم الرخيصة، تجعل من المستحيل على أي منهم أن يخرج بمشروع ولا يكون موضعا للسخرية والاستهزاء.

والمشكلة الثانية، هي انهم طائفيون، والطائفية لا تشتغل في العراق. هم انفسهم يخجلون من الطائفية التي هي مبرر وجودهم الوحيد. ويحاولون، بعجز مضحك، ان يغطوها بكلام آخر، إلا ان أعمالهم تظل تفضحهم، بأفضل ما يمكن لكل أعمال أن تفعل.

والعراقيون ليسوا طائفيين. تاريخ العراق الإجتماعي ليس كتاريخ لبنان. يوماً فيوماً، وبرغم كل ما حصل، يتضح ان الوسيلة الطائفية لتمزيق صفوف العراقيين، لم تنجح في إنقاذ الاحتلال من ورطته. ولا هي ساعدت الطائفيين على إقامة نظام مستقر. وذلك لأنها جعلت الدولة جهازا عفنا لا يمكنه ان يحكم عشرة كليومترات مربعة في أي مكان في العراق.

وفي النهاية، فانك لا تستطيع ان تحتل بلدا، وتحكمه عن طريق عصابات ومليشيات، وتضمن في الوقت نفسه ألا تكون هناك مقاومة. وضع كهذا، خلاق، بطبيعته، للمقاومة. الاحتلال الدائم يتطلب حكومة صارمة مع نفسها، لا حكومة فوضى. والطائفية في العراق، كما ثبت للأعمى قبل البصير، كانت، فقط، مصدرا للفوضى.

والطائفية لا تشتغل، ليس لأن البيئة الاجتماعية غير مهيأة لها، وليس لأن الثقافة الطائفية هزيلة قياسا بالتحصيل الجامع والعام، وليس لأن العراقيين يرون انفسهم في مرايا ثقافية كانت تحمل خصائصها من كل ركن في الفسيفساء الوطنية، بل، وفوق ذلك كله، لأن التداخل الاجتماعي، والسياسي، والإداري، وتداخل المصالح بين أبناء الشعب الواحد، لم يسمح لأي طائفة في العراق ان تقدم نفسها كمشروع لهوية مستقلة.

نعم، هناك رجال دين يحظون بالقليل او الكثير من الاحترام، إلا ان هؤلاء لم يقدموا الطائفية كمشروع لهوية مستقلة، ولا هم قدموها كأداة لإدارة الدولة. وظل الفاصل بين الدين والدولة قائما في فقه حتى أكثر الطائفيين طائفية.

أما المشكلة الثالثة، فهي ان الوطنية العراقية، كغيرها من الوطنيات، لا تقبل الاحتلال. وامريكا بالذات ليست مبتغى المراد. وتحالفها مع إسرائيل لا ينزل على قلوب العراقيين بردا وسلاما. وجرائم قواتها لم تبق مزيدا لمستزيد في طلب الكراهية. ولعل واشنطن تلاحظ انه حتى عملاؤها يحاولون ان ينأوا بأنفسهم عنها، لكي يكسبوا من المسافة شيئا من "الشرعية". ولكن، وحيث انهم جاءوا على ظهور دباباتها فان لعنة العار لن تزول عن جباههم، وسيظلون، بسببها، هدفا للقذائف وللاحتقار على حد سواء.

الآن، المقاومة موجودة لأن الاحتلال هو الذي يخلقها. وهي موجودة لأن عملاء الاحتلال لا يستطيعون إدارة دولة. وهي موجودة لأن الوطنية الحقة تستوجبها. وفي حين ان الاحتلال وحكومته يقولان للعراقيين، "هؤلاء نحن" وهما يبرهنان على طبيعتهما المنحطة بما يرتكبان، فان المقاومة موجودة لأنها تقدم بديلا وطنيا أولا، وتمثل تعويضا شافيا للكرامة ثانيا، ولأنها تتمثل التحصيل الجامع والعام في ثقافة العراقيين، ثالثا.

وهكذا، فسواء أحب المقاومون ام كرهوا، فانهم مُجبرون على الاستمرار، وهم سائرون، بقوة خارجة عن إرادتهم، في طريق الانتصار.

 الدنيا متضادات. هناك خير وهناك شر. هناك أسود وهناك أبيض. هناك جميل وهناك قبيح. ومن جملة هذه المتضادات يأتي الانتصار الإجباري للمقاومة العراقية.

بأيديهم أولا، قبل أيدينا، يصنع المحتلون وعملاؤهم هزيمتهم بأنفسهم.

لا يحتاج قادة "العراق الجديد" ان يفعلوا أي شيء إضافياً. يكفي تماما أن يبقوا على سجيّتهم كلصوص وطائفيين ومأجورين، لكي تكون هزيمتهم من صنع اليد.

وجودهم، بحد ذاته، هو نصر مؤزر للمضاد.

فشلهم في إدارة دولة، هو دليلُ المضاد عليهم.

تناحراتهم على الحصص والمغانم، تقول ما فيه الكفاية عن طبيعتهم.

ومن أعمال القتل العشوائية والاغتيالات وتفريغ البلد من خبراته، الى تحويل الجامعات والمستشفيات الى مراكز للطائفية، فانهم فعلوا ما يكفي لجعل كل وجه من أوجه "لعبان النفس" شاهدا على وضاعتهم.

ومثل السارق الذي تشهد يده اليسرى على ما فعلت يده اليمنى، فانهم بأنفسهم يشهدون على بعضهم البعض.

النكتة، هي انهم يبدون وكأنهم ينتقصون من المقاومة عندما يقولون ان المقاومين هم من "الصداميين" و"التكفيريين". ولكن تعال. شوف. بأم العين. عندما تأتيك المذمّة من مليشياوي، لص، طائفي، ويقتل الأبرياء على الهوية، وفوق ذلك هو إما عميل لايران او عميل للسي آي أيه او عميل للموساد، فلسوف يكفي الصداميين والتكفيريين شرفا ان مذمتهم تأتي من ناقص كهذا.

وعندما تكون الطائفية هي القاسم المشترك الأعظم للناقصين، فان الوطنية تكون هي القاسم المشترك الأعظم للمضاد.

وكذلك كل معيار آخر. هكذا تستجلب المضادات بعضها. وتلك هي "عزائم الأمور"، التي، إذ يفعلها طرفٌ، يضطر، على ضدها، الطرفُ الآخر.

فحيث تغيب الرؤية الوطنية الجامعة، في هذا الطرف، فانها تكون قيمة عليا لدى الطرف الآخر.

وحيث تكون العمالة واللصوصية والفوضى وغياب القانون، هي الأداة والمعيار، في هذا الطرف، فان قيم الشرف والخير ودولة القانون تكون هي العروة الوثقى للطرف الآخر.

حتى وان لم نجد أنفسنا في حاجة الى القتال، فنحن، حيال الهزيمة الذاتية للانحطاط، مضطرون للانتصار. انه يأتي الينا، حتى وان لم نذهب نحن اليه. لانهم هم الذين، بما يرتكبون، يدفعونه دفعا الينا.

أيها العبيد والسادة:

كلما تعثرنا، او تأخرنا في فعل الصحيح، فانكم (شكرا جزيلا) بأفعالكم المضادة، تدلونا عليه.

كنتم الشر كله، والأسود كله، والقبيح كله، مما لم يترك لنا أي فرصة لتقليب الخيارات.

فسامحونا...

بأيديكم، قبل أيدينا، صنعتم هزيمتكم. ونحن، لهذا السبب، مضطرون للانتصار.

وستظلون ترتكبون، حتى نحققه.

 
 

 هذا النص مقتطف من النسخة الموسعة لكتاب "جمهورية الموت" الذي سيوضع للتداول على الانترنت في غضون أيام.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الجمعة /  01 شــــوال 1428 هـ  الموافق  12 / تشــريــن الاول / 2007 م