بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

اتقـــــي الله يـــا متقـــــي

 

 

شبكة المنصور

علي الكاش / كاتب ومفكر عراقي

 

لم تكن الزوبعة التي أثارها وزير الخارجية الإيراني بوشهر متقي في كلمته التي ألقاها خلال أعمال مؤتمر دول الجوار العراقي الذي عقد في اسطنبول مؤخراً وليدة ساعتها بالرغم من التعامل معها كان وفق منظور" زوبعة في فنجان", ففي غفلة عن وجود السفير الأمريكي في العراق كما يحدثنا رايان كروكر نفسه والذي كان خارج قاعة الاجتماعات, اقترح بوشهر تشكيل آلية من قوات تساهم فيها إيران وسوريا وتركيا والسعودية كبديل لقوات التحالف في العراق, بمعنى تحويل الاحتلال من أمريكي إلى جواري, وتضمن المقترح تفاصيل تتعلق بإعادة الأمن إلى العراق من خلال طرد الشركات الأمنية الأجنبية وعلى وجه الخصوص بلاك ووتر التي فاحت رائحتها الكريهة بعد سلسلة الفضائح التي ارتكبتها بحق الشعب العراقي, وكذلك دمج الميليشيات في صفوف القوات الأمنية وإعطاء مهلة لمدة عامين لتسوية الملفات العالقة المثيرة للخلافات ومنها قضية كركوك.

ولابد من الرجوع إلى الخلف قليلاً لتحديد أرضية هذا المقترح الذي جاء متسللاً إلى قاعة الاجتماعات في غير وقته مكانه. من المسلم به أن النظام الإيراني كان له عار المساهمة في إسقاط النظام العراقي السابق بيد قوات الشيطان الأكبر لأسباب متعددة سبق أن اشرنا وأشار إليها غيرنا ومنها سياسية واقتصادية وعسكرية ودينية وثقافية, ورغم محاولات إيران التستر على دورها الفاعل في هذا المجال لكن الضباب لم يدم طويلاً فقد بددته الوقائع اليومية التي تحدث على المشهد العراقي والتي تؤكد إن النظام الإيراني يحرك دفتها, كما أن تصريحات مسئولي النظام أنهت الشكوك التي حاول البعض أن يروجها لتبرئة الساحة الإيرانية من التدخل في الشأن العراقي ومنهم كريم شاهبوري وإبراهيم الجعفري والمالكي والبرزاني, فقد أعلن احمد نجادي " أن الله وضع ثمار احتلال البلدين المجاورين لإيران وهما العراق وأفغانستان في سلة إيران " ثم أستطرد " علينا الاستعداد لإدارة العالم" , كما أعلن وزير الداخلية الإيرانية " إن شعارات الشعب الإيراني المسلم تخرج من صناديق الاقتراع في بغداد والمحافظات الجنوبية" واعتبرها ظاهرة تاريخية تؤكد تنبؤ الخميني" كما أعترف ابطحي نائب الرئيس خاتمي في مؤتمر الاستراتيجيات الذي عقد في الأمارات العربية بأن" بلاده ساعدت الولايات المتحدة الأمريكية على غزو العراق" وكان وزير الداخلية الإيراني أكثر وضوحاً عندما صرح " أن الصوت الذي يسمع في بغداد وبقية المحافظات هو صوت الثورة الإسلامية عام 1979، وان رسالة الأمام الخميني قد وصلت، لقد تبنى الشعب العراقي وقيادته المميزة أفكار الثورة والنموذج الإيراني".

بل أن الرئيس العراقي جلال الطالباني أعترف مؤخراً بأن الإيرانيين ساعدوا على " إسقاط صدام على أيدي قوات التحالف, حيث توفرت لهم قناعات, وثبت أنها قناعات حقيقية بأن أمريكا ستجري انتخابات وستكون حكومة العراق بيد أكثرية العراق ولذلك رحبوا بها" ولم يفسر الرئيس لماذا اقتصرت هذه النبوءة الإيرانية على الانتخابات فقط, رغم علمنا بأنه ليس في جعبته أو في جعبة الاحتلال الذي نصبه إنجازات سوى الانتخابات والدستور رغم التلاعب والتزوير الذي صاحبهما؟ وكان تصريح رفسنجاني الأسبوع الماضي بأن " النظام الإيراني ارتاح من إسقاط نظام صدام" آخر ما وضع في سلة هذه الاعترافات غير المنسجمة مع الرغبة في نسيان الماضي وفتح أبواب جديدة تجسد المبادئ الإنسانية والإسلامية لعلاقات الجوار. وما يعزز هذه الحقائق أنه نشر في شهر اكتوبر الماضي كتاب بعنوان" التحالف الغادر.. التعاون السري بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأمريكية" سلط فيه الكاتب تريتا بارسي وهو أستاذ في جامعة جونز هوبكينز الضوء على المقترح الإيراني الذي عرضته على الولايات المتحدة الأمريكية بعد سقوط نظام صدام وأهم ما تضمنه هو احترام المصالح الإيرانية في العراق سيما في النجف وكربلاء ودعم المبادرة العربية للسلام مع إسرائيل, وإنهاء الحصار المفروض عليها وملاحقة عناصر منظمة مجاهدي خلق المعارضة, ورغم محاولة التأثير التي مارستها مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس وكولن باول وزير الخارجية آنذاك, فأن الرئيس بوش لم يرد على المبادرة بناءا على توصيات ديك شيني ورامسفيلد.

واستند المؤلف إلى(130) مقابلة أجراها مع مسئولين سابقين وحاليين في الإدارة الأمريكية لكشف اللوبي بين الشيطان الأكبر والشيطان الأصغر(اسرائيل) ومحور الشر. ومما لم يعد خافياً أن الأحزاب الشيعية الحاكمة في العراق فقست أو دجنت في إيران ومن أهمها المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وجناحه العسكري قوات بدر وحزب الدعوة الإسلامية وحزب الفضيلة وثأر الله وحزب الله وجند الله ومجموعة المنبر وحركة الإصلاح الوطني والعديد غيرها. كما أن هناك أكثر من (32) ميليشيا في العراق ترتبط بإيران وتقوم بتنفيذ أجندتها وهي حالياً تبسط نفوذها على حكومة الاحتلال ومجلس النواب والشارع العراقي نفسه, وهذا ما يفسر عجز الحكومة العراقية عن تفكيكها فهي متنفذة في أجهزة الحكومة وخاصة الجيش والشرطة والأمن الداخلي إضافة إلى بقية المرافق الحكومية.

ولم يكن عبور قادة هذه الاحزاب والميليشيات من إيران إلى العراق بعد الغزو إلا من خلال الجسر الأمريكي الذي أعطاها الضوء الأخضر بموجب صفقة سياسية كما أشارت تصريحات المسئولين الإيرانيين, كما أن الاحزاب الكردية الحاكمة لا تخرج عن الأجندة الإيرانية بالرغم من أجنداتها ذات ولاءات متعددة ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وإيران إضافة إلى أجندتها الخاصة, ولاشك إن وقوف الأكراد إلى جانب الإيرانيين خلال حرب ألثمان سنوات وتحالفها مع الاحزاب الشيعية الموالية لإيران بعد الغزو الأمريكي للعراق أبرز دليل عن هذا التعاون. ويبدو أن المقترح المفخخ الذي فجره متقي في قاعة الاجتماعات كان مخطط له مع بعض أعضاء الوفد العراقي الموالين لإيران, وهذا يفسر سكوت هؤلاء عن التنديد بهذا المقترح خلال الاجتماع.  لو لم تكن إيران قد بنت لنفسها الدرع الحصين في العراق ونفذت في كل شرايينه وأوردته لما خرجت إلى الميدان لتسل سيف مقترحها الصدأ  بهذه الجرأة والوقاحة للتدخل السافر بشؤون العراق الداخلية, وهذه حقيقة سبق أن اعترفت إدارة الاحتلال بنفسها بها سواء بتصريحات الرئيس بوش أو وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس التي اعتبرت أن شدة موقف رئيسها تجاه إيران يرجع إلى تنامي نفوذها في العراق, إضافة إلى تصريحات السفير الأمريكي في العراق رايان كروكر وكبار جنرالات الحرب, كما موافقة الإدارة الأمريكية على التفاوض مع إيران بشأن العراق وهو المقترح الذي طرحه عبد العزيز الحكيم يمثل اعترافا صريحاً بقوة النفوذ الإيراني داخل العراق, فقد ضبطت عدة شحنات من الأسلحة الإيرانية في طريقها إلى العراق, كما أكدت إدارة الاحتلال أن عناصر الميليشيات يتدربون في إيران, والقي القبض على عناصر إستخبارية عالية المستوى في بغداد وكردستان وحاولت إيران  إخفائهم بالعباءة الدبلوماسية ولكنها فشلت, إضافة إلى عدد من الضباط من فيلق القدس الذي يتخذ من العراق ساحة لعملة بالتعاون والتنسيق مع توأمه فيلق بدر, وكان آخرها القبض على خلية من فيلق القدس تعمل في منطقة الخالص في محافظة ديالى.

وقد أتحفنا مؤخراً احد قادة فيلق ممن أنشق عنهم ما يشيب شعر طفل وليد الحداثة, ما يؤكد ان الوباء الإيراني استشرى ليس في مجلس النواب وأجهزة الحكومة المهلهلة وإنما مكتب رئيس الوزراء بمعظم مستشاريه. كما نستذكر جميعاً ما كشفت عنه صحيفة(بانوراما الايطالية) بعددها الصادر في 15/2/2007 عن أسماء(32000) من عملاء إيران يعملون داخل العراق, وقد أثار التقرير عاصفة كبيرة حينها وزودت إلا دارة الأمريكية بنسخة منه, وأشارت الصحيفة بأنه تم توزيع العراق عسكرياً إلى (418) وحدة عين عليها مسئول من قبل مرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي. وكان آخر تصريح في هذا الصدد هو تأكيد مسئولين في البنتاغون الأمريكي بأن خطر تدخل النظام الإيراني في شئون العراق الداخلية ودعمه للميليشيات الشيعية هو أشد خطورة من برنامجها النووي, كما تسربت معلومات عن زيارة المالكي الأخيرة إلى إيران ولقائه بالرئيس نجادي حيث اتفق الجانبان على تشكيل فيلق للحرس الثوري الإيراني في العراق بشكل رسمي, وأصدر الملكي أمراً باعتباره القائد العام للقوات المسلحة العراقية برقم(89) في 11/10/2007 بتشكيل هذا الفيلق تحت مسميات وزارتي الدفاع والداخلية والأمن القومي, يضم (18462) عنصراً من ميليشيات تأتمر من قبل إيران وبالأخص فيلق بدر والقدس وثأر الله وحزب الله وحزب الدعوة.

لذا فقد جاء المقترح الجديد كامتداد لهذه التدخلات في الشأن العراقي من جهة ولغرض الالتفاف  على تصنيف الإدارة الأمريكية مؤخراً لنشاطات فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني بالنشاطات الإرهابية, وقد أيد القرار عدد من دول الاتحاد الأوربي ومنهم بريطانيا. ووجهت اللجنة البريطانية من اجل إيران حرة بإضافة إلى (25) نائب من مجلسي العموم واللوردات رسالة إلى السيد خوزي سوكراتيس حيث تتزعم بلاده البرتغال رئاسة الاتحاد الأوربي لهذه الدورة لغرض دعم القرار الأمريكي. فقد وصف الناطق بأسم وزارة الخارجية الإيرانية محمد علي حسيني  مقترح بلاده بأنه " خطة جديدة عرضت خلال مؤتمر اسطنبول" تضمنت طرد الشركات الأمنية الأجنبية ودمج الميليشيات مع أجهزة الدولة وهو الوجه الآخر للاتفاق الذي جرى بين المالكي ونجادي حول تشكيل فيلق جديد, ويتحفنا برائعته المدسوسة " كل الميليشيات التي لم تتعاون مع المجموعات الإرهابية يجب الصفح عنها" وهذا لغز يحتاج إلى وقفة صغيرة؟  فمن هي الجهة التي تحدد هذه الميليشيات وتصنفها بأنها إرهابية أو غير ذلك؟ وما هي الأفعال التي يمكن وصفها بالإرهابية؟ وهل النشاطات التي مارستها بعض الميليشيات في القتل على الهوية والتهجير ألقسري وحرق المساجد والاغتيالات التي طالت قادة الجيش العراقي السابق والطيارين وسرقة ثروة العراق النفطية ونشر المخدرات تعتبر إرهابية أم لا؟ وهل الميليشيات التي تدعمها إيران والتي يبلغ عددها(32) ميليشيا تصنف ضمن المجموعات الإرهابية أم لا؟ ثم ما هو الموقف من المقاومة الوطنية الشريفة وفصائلها البطلة؟ هل تدخل ضمن النشاطات الإرهابية كما يصفها الرئيس الأمريكي وإيران وحكومة الاحتلال أم لا؟ أليس من الأجدر أن يتم فصل الميليشيات الإرهابية عن غيرها كخطوة أولى يتم بعدها تحقيق التوصية الإيرانية الثانية والتي تحدث بها الحسيني بلهجة آمرة" على الحكومة العراقية أن تستخدمها في الجيش والشرطة"؟ ولكن هل يجيز شرع السماء والأرض مسامحة المجرمين والقتلة واللصوص عن جرائمهم؟ ومن يعوض ضحاياهم وخسائرهم؟ وهل هناك قانون يسمح للصوص بأن يتولوا حماية ممتلكات الشعب؟ والمجرمين بأن يحموا أرواح المواطنين؟ والعملاء بأن يدافعوا عن سيادة بلدهم؟ وأن كانت فيروسات هذه الميليشيات خطيرة فهل يجوز أن تدمج مع العناصر السليمة؟ وأن دمجت كيف ستكون النتيجة بالنسبة للصالح العام؟ وما هو الموقف من القانون الذي صدر أثناء تولي أياد علاوي رئاسة الوزارة بشأن حل الميليشيات؟ وأخيراً أليس دمج الميليشيات مع القوات المسلحة العراقية من شأنه أن يخدم إيران فقط بسبب توغل عناصرها في وزارتي الدفاع والداخلية والأجهزة الأمنية مما يرجح كفتها على جميع الجبهات؟ من المتعارف به في المؤتمرات الدولية عندما تقدم دولة ما مشروع أو مسودة قرار فأنها تقوم بتوزيعه على الحضور ومناقشته بصورة أولية من ثم تجري التعديلات عليه قبل أن يعرض بصيغته النهائية, ويبدو أن إيران لم تتبع هذا النهج السليم المتعارف في إعداد مقترحها السقيم, وربما هذا يفسر الصمت العربي عن التعليق عليه واستنكاره باستثناء السعودية فقد كان مفاجأة للدول العربية المشاركة في المؤتمر إضافة إلى تركيا والإدارة الأمريكية, وهذا ما دعا السفير الأمريكي رايان كروكر لوصف المقترح بأنه "  أمر غير معقول" مضيفاً بأنه" لم يأخذ كلام متقي على محمل الجد, ولكن المقترح يعطي صورة جلية عن طريقة تفكير الحكومة الإيرانية إزاء العراق"؟ ولوضع النقاط على الحروف وضح كروكر" بأنهم –أي الإيرانيين- يتصورون أن بإمكانهم التدخل في العراق كما يشاءون".

بلا شك إن الفراغ العربي في الخارطة العراقية الاحتلالية قد يسر لإيران توسيع بساطها على العراق من جنوبه إلى وسطه إضافة إلى تحالفها التاريخي مع الأكراد, وسبق أن أكد الرئيس الإيراني بأن بلاده مستعدة لملأ الفراغ في العراق بعد انسحاب قوات الاحتلال بالرغم من معرفة نجادي بأن هذا الفراغ مسدود أصلاً من قبل بلاده بالرغم من وجود قوات الاحتلال؟ من الملاحظ أيضاً أن المقترح الإيراني أستبعد دولتين من دول الجوار رغم أهميتهما وعلاقاتهما المباشرة بأحداث العراق وهما الأردن التي تستضيف ما يقارب ثلاثة أرباع مليون لاجئ عراقي إضافة الكويت التي ما تزال بعض المشاكل معلقة مع العراق ويمكن في أية لحظة أن تخرج من تحت الرماد مشتعلة ثانية, وهذا الأمر بشكل أو آخر يمكن أن يثير حفيظة بعض الدول العربية والإسلامية وكذلك جامعة الدول العربية التي تجاهلها المقترح؟ وهنا يحق للبعض أن يفسر المقترح بأنه خطط وفق منطق تقسيم العراق إلى فدراليات, ففدرالية الجنوب تعني إيران أكثر من غيرها حيث تبسط نفوذ يضاهي نفوذ إدارة الاحتلال, وفدرالية الشمال تخص تركيا التي ما تزال عين لها على كركوك لحماية التركمان وأخرى يداعبها طيف الموصل منذ أكثر من نصف قرن, كما أن فدرالية السنة تخص سوريا والسعودية.

هذا يقودنا إلى حقيقة وهي أن إيران تحاول أن   تزحلق بعض دول الجوار العربية إلى التدخل المباشر في العراق لعدة أسباب منها: محاولة الإيحاء إلى العالم الغربي والعربي بأنها ليست مستفردة بشؤون العراق, وأنها لا تعارض أن يكون لدور الجوار دوراً في حل المشكلة العراقية.

والثاني أنها كانت السباقة إلى طرح دخول قوات الجوار العربية والإسلامية إلى العراق محل قوات الاحتلال وهذا يمثل حرصها الظاهري على أمن العراق واستقراره.

والثالث لأغراض إعلامية باعتبارها الدولة الشيعية الوحيدة من بين دول الجوار الأربعة التي اقترحتها مما يعني إنها لا تبغي توسيع الهلال الشيعي كما يزعم البعض وان مشاركة دول سنية من شأنه أن يحقق التوازن في معالجة وضع العراق.

والرابع: أنها تحاول أيهام العالم الإسلامي بأنها تحاول أن تنقذ دولة إسلامية جريحة محتلة من قبل دولة صليبية أو شيطان أكبر وتبرئ ذمتها مما يحدث في العراق بعد أن كشف دورها في إسقاط النظام السابق.

والخامس: إنها تومئ لبقية الدول بأن مشكلة العراق هي الاحتلال الأمريكي لأبعاد شبح الاحتلال غير المنظور المتمثل بها؟

والسادس: التغطية على الدور الذي تقوم به الميليشيات المرتبطة بها سيما أن هذا الدور أصبح مفضوحاً ولا يمكن السكوت عنه, بما يبرر مطالبتها بدمجها مع القوات المسلحة العراقية.

والسابع: هو أن المقترح جاء كرسالة إلى الولايات المتحدة الأمريكية إلى أمكانية إيران بالتحرك على دول الجوار بمفردها لحل المشكلة العراقية دون الحاجة إلى التفاوض المباشر معها لاستكمال المؤتمرين اللذين جاءا بوساطة من عبد العزيز الحكيم.

وثامنا" محاولتها الاستفادة من ورقة العراق لتخفيف العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها بالضغط على الإدارة الأمريكية والمساومة على ملفها النووي.

وتاسعاً : للرد على التصعيد الأمريكي بتوجيه ضربة إستباقية لإيران وقد ردً مسئول إيراني سابق على صلة وثيقة بعلي خامنئي على هذه التهديدات بقوله" إذا كانوا يريدون اللعب معنا, أعتقد إنه يمكننا تحويل العراق بعدة طرق إلى ساحة معارك مشتعلة" ولا اعرف إذا كان ذلك الرد يتوافق مع شريعة الإسلام وعلاقات حسن الجوار التي يتشدق بها المسئولون الإيرانيون في المحافل الدولية؟ أليس من الأجدر تحويل الولايات المتحدة أو قواعدها في الشرق الأوسط إلى ساحات معارك مشتعلة بدلاً من العراق؟ ألم يروي بعد تدمير العراق وقتل شعبه نهم الجار الضاري المفترس؟ ويصرح مصدر عسكري إيراني بما يرفع الحجاب عن حقيقة دعم نظامه للميليشيات الشيعية بقوله " أن ميليشيات تسعى إلى الاستشهاد ستكون قادرة على عرقلة تدفق النفط من الخليج" وهو نفس ما ردده المرجع الشيعي اللبناني محمد حسين فضل الله الذي تحول بين ليلة وضحاها إلى خبير في الشؤون العسكرية بأن " الجنود الأمريكيين في العراق قد يتحولون إلى رهائن بيد إيران في حال تعرضها إلى أي هجوم عسكري أمريكي" رافضاً أن يفصح عن كيفية ذلك ولماذا؟ وهي نفس الرؤيا للمحلل الأمريكي في شئون الدفاع تيم ريبلي الذي ذكر" من القضايا التي ستشغلنا هي كيفية منع انتقال الصراع إلى العراق إلى العراق حيث توجد ميليشيا شيعية موالية لإيران".

ومع أن المقترح والمؤتمر بحد ذاته قد فشلا فشلاً ذريعا فأن الرسالة الإيرانية كانت واضحة المعنى بالنسبة للإدارة الأمريكية, فالتوصيات جاء بها مؤتمر اسطنبول لم تختلف كثيراً عن القرارات التي خرج بها مؤتمر شرم الشيخ في شهر أيار الماضي من خلال التأكيد على محاربة الإرهاب والعمل على تحقيق الأمن والاستقرار في العراق ومناشدة دول الجوار لمساعدة العراق للخروج من أزمته, وهي توصيات بقيت حبراً على ورق, وستبقى هكذا في المؤتمرات اللاحقة إلى يوم يبعثون.

كما إن موضوع الغزو القادم لشمال العراق طغى على أعمال المؤتمر بالرغم  من إرجاء نتائجه  في انتظار ما ستتمخض عن لقاء الرئيس بوش بأردوغان والتي ظهرت يوم5/11 حيث أكد الرئيس الأمريكي بأن إدارته " ستبذل قصارى جهدها لمساعدة الطرف التركي" وأطلق بوش عبارته المثيرة بأن" حزب العمل الكردي هو عدو لبلاده وتركيا والعراق" وكانت تلك صفعة شديدة للبرزاني سيما الإحداثيات السياسية والعسكرية التركية تؤكد بعدم وجود تغييرات في بوصلة الاجتياح وان كافة الأستحضارات قد اتخذت والمتبقي ساعة الصفر, فقد أكد اردوغان بأنهم ماضون لاجتياح شمال العراق ولا شيء يوقفهم عن مسعاهم هذا.  

ويبدو أن الأكراد خرجوا صفر الأيدي من المؤتمر بعد استبعاد وزير الخارجية الزيباري من الاجتماع الذي ضم رؤساء وزراء العراق وتركيا, وهذا ما عبر عنه النائب محمود عثمان وهو أحد المطلوبين من الجانب التركي بتصريحه" أن مؤتمر اسطنبول لم يحقق نجاحاً بالمستوى المطلوب" كما أن موضوع كركوك ضاع في متاهات الغزو التركي وخصوصاً أن إيران طلبت مهلة سنتين لتسوية ملف كركوك مما أثار زعيق السياسي المخضرم الهادئ الطبع برهم صالح لوصف مقترحات متقي " بأنها غير مبررة وتعتبر تدخلاً في الشأن العراقي الداخلي" في حين إن النائب عباس البياتي من الائتلاف الشيعي بعد استماعه إلى مقترح متقي, وجد ها متوازنة وجاءت تلبي آمال جميع الأطراف ويقصد بالتأكيد الإطراف الموالية لإيران, على العكس من النائب سليم عبد الله من جبهة التوافق الذي اعتبرها بحاجة إلى بلورة حقيقية لكونها أقرب للمجاملات منها للحلول الحقيقية, وكما يبدو أن كل جهة من الوفد العراقي تنظر إلى تقييم نتائج المؤتمر من زاوية حزبيه وطائفيه ومصلحيه ضيقة وليس من  وجهة نظر العراق ككل؟ وهنا كعراقيين نتساءل ما هو دور الشعب العراقي من كل هذه المؤتمرات؟ وعلى أي أساس يغيب الشعب عن مسائله المصيرية طالما أن التشكيلة الوفد المشارك عكست رؤى مختلفة للمؤتمر وقراراته وهي لم تعبر عن وجهة نظر الشعب العراقي بشأن يتعلق به فقط؟ ولماذا يخضع العراق إلى الابتزازات الدولية وتصفية الحسابات على أرضه ويدفع الثمن من دماء أبنائه وبهذه الصورة الظالمة ؟ ونسأل متقي بأي حق تدخل في شؤون العراق السيادية وتفرض حلولاً للأوضاع الأمنية رغم أن ظلال حكومتك تمتد إلى كل شارع وركن في العراق؟ الم يكفيكم ما فعلتم في العراق وشعبه المسلم وهل يصح في شريعة الإسلام أن يكون الخصم والحكم واحد؟ والى متى ستبقى بوصلتكم الصفراء تؤشر إحداثيات الحقد والكراهية والانتقام على خارطة العراق؟ وهل إستبدال الاحتلال باحتلال آخر سيحل مشكلة العراق؟ الم يرفض الشعب العراقي  فكرة إدخال جيوش عربية لأرضه؟ ومتى ستمدون حقاً يد الإسلام لنجدة الغريق العراقي بدلا من دفعه إلى الأعماق؟ ونسأل حكومة الاحتلال الرابعة متى تصحو ضمائركم من سباتها العميق وتضعوا حداً لهذه المهاترات والمتاجرة بحقوق شعبكم المظلوم؟ ومتى يرجع لكم بصركم وبصيرتكم لتميزوا بين الصديق والعدو؟ الم يحن الوقت لإيقاف نزيف الدم اليومي والشروع فعلاً في بناء الوطن المبتلى بالعملاء طالما أن أوراق اللعبة باتت مكشوفة بالكامل؟ هل تصريحات إيران باستخدام أرض العراق ميداناً لحربها ضد الولايات المتحدة ترضيكم وعبرت عن آمال جميع الأطراف كما عبر النائب البياتي؟ وان كان الجواب بالنفي! لماذا لم يرد عليها من قبل مصدر حكومي أو يستفيق مجلس النواب ليضع النقاط على الحروف ويدافع عن دماء شعبه بنفس الهمة التي يدافع عن زيادة مرتبات أعضائه ومخصصاتهم ؟ وهل بعد هذا يجرأ زعماء ألمليشيات إلى نفي علاقتهم بإيران وتنفيذ أجندتها في العراق؟ ألم تتضح الرؤيا بعد أن توضح للجميع بأن العراق يخضع لاحتلال أمريكي وإيراني وانه لا فرق بينهما فكلاهما يستهدفان الشعب العراقي وأرضه وثرواته؟ وهل بقي هناك من حلً لمشكلتنا غير الجهاد وليس سوى الجهاد لتحرير العرض من دنس الغزاة بكل إشكالهم وأصنافهم ومد جسور التعاون المقدس مع الفصائل المجاهدة وشد سواعدها المفتولة لتحكم قبضتها بقوة أكثر لدحر قوى الاحتلال وإلحاق الهزائم بفلوله المنهارة واجتثاث عملائه في الداخل؟ ونسأل رجال الدين الغيارى على دينهم الم تتوفر الشروط اللازمة بعد لتطبيق الفريضة السادسة يا مراجع عظمى ومتوسطة وصغرى..ارحموا من في الأرض عسى أن يرحمكم من في السماء؟ مهما كانت الأسباب والمبررات والنتائج ومهما كانت الخسائر والتضحيات لكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح .. فاتعظوا يا أولي الألباب فالأوان على وشك الأستأذان بالانصراف تاركاً ورائه علامات استفهام كثيرة.  

Alialkash2005@hotmail.com

 

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاحد /  01  ذي القعدة 1428 هـ  الموافق  11 / تشــريــن الثاني / 2007 م