بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

نص كلمة الدكتور عبد المجيد الرافعي

في الذكرى الثالثة لرحيل الرئيس الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات و الذكرى التاسعة عشر لاعلان وثيقة الاستقلال

 

 

شبكة المنصور

 

 

نص كلمة الدكتور عبد المجيد الرافعي

نائب الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، رئيس حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي، في الاحتفال الجماهيري الذي اقامته منظمة التحرير الفلسطينية وحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) قبل ظهر يوم الأحد 18-11-2007 في مخيم البداوي الشمال

في الذكرى الثالثة لرحيل الرئيس الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات و الذكرى التاسعة عشر لاعلان وثيقة الاستقلال

أيها الحفل الكريم...

أخوةً وأصدقاء ورفاق دربٍ نضالي واحد، ومصير قومي مشترك، وقضية عربية مركزية أولى، استشهد في سبيلها الأخ الرئيس ياسر عرفات، وضحّى أمامها شهيداً، صبيحة عيد الأضحى الرفيق الرئيس صدام حسين، مؤكدين معاً أن قضية تحرّر أمتنا هي قضية حيّة، طالما هي زاخرة بالتضحيات والفداء، وما دامت قياداتها تتقدم الصفوف في معارك المواجهة مع الأعداء، مكرسين بالدم والعطاء، مقولة: النصر أو الشهادة، لنعيد كتابة تاريخ هذه الأمة من جديد، ونضع ثوابتها الجهادية والتحررية، أمانة في أعناقنا وأعناق أجيالنا القادمة قائلة لنا:

لا تهنوا ولا تستسلموا ولا تُدخلوا اليأس والإحباط الى نفوسكم، فما نعيم العزّة إلا لمن يعرف قيمة الحياة الكريمة، وما من راحة لمؤمن إلا بلقاء ربه عز وجل.

فتحية، ألف تحية الى روح القائد العربي الكبير الأخ الرئيس أبي عمار، تحية ألف تحية الى روح القائد العربي الكبير الرفيق الرئيس صدام حسين.

تحية وألف تحية، الى كل شهيد وجريح واسير ومعاق، ضحى على تراب فلسطين والعراق ولبنان، وإنها لثورة مستمرة حتى النصر والتحرير، والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

أيها الأخوة والأصدقاء والرفاق...

في الذكرى الثالثة لاستشهاد الأخ أبو عمار، والذكرى التاسعة عشر لاعلان وثيقة الاستقلال ، أحييكم باسم رفاقكم وإخوانكم البعثيين الذين أدركوا منذ أن كانوا يبشرون بولادة حزب الثورة العربية في الأربعينيات من القرن الماضي، أن فلسطين تحظى بالمساحة الكبرى من تفكيرهم ونضالهم، وأن الصراع العربي مع الصهاينة هو صراع مصيري-حضاري، وأن فلسطين قد اغتصبت نتيجة الخيانة، وتآمر الأنظمة الرسمية العربية، وأزاء ذلك، طرح البعث فكرة الكفاح المسلح منذ العام 1947، عندما خاطب القائد المؤسس للبعث الأستاذ ميشيل عفلق جماهير أمتنا العربية قائلاً: لا تنتظروا المعجزة، فلسطين لن تحررها الحكومات، وإنما الكفاح الشعبي المسلح.

نعم أيها السادة... إن الصراع العربي-الصهيوني، هو صراع حضاري-وجودي بين المشروع القومي للنهضة العربية وبين الحركة الصهيونية العالمية المدعومة من الإمبريالية العالمية، والدول والأنظمة الحاكمة لمصلحتها، بدءاً من الامبراطورية البريطانية ووعد بلفورها المشؤوم عام 1917، وصولاً الى الولايات المتحدة الأميركية، خاصة منذ الحرب العالمية الثانية حتى يومنا هذا، مروراً بكل ما قرأناه من كتابات ومشاريع صهيونية، لا تؤكد أطماع هؤلاء في فلسطين فحسب، وإنما لتحقيق شعار: حدودك يا إسرائيل من الفرات الى النيل.

نعم أيها السادة.... إن صراعنا مع العدو الصهيوني، هو صراع مفتوح على كافة الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية والعلمية والإعلامية وغيرها.

ونحن نشهد اليوم، كيف يسخِّر هذا العدو أقوى وأحدث ما لديه من ترسانة عسكرية وتكنولوجيا علمية وإعلام متطور وسياسات مخادعة، ومال وفير لشراء ذمم الدول والحكومات، من أجل تركيعنا وترويضنا، بل وأكثر من ذلك، إنهم يريدون من جماهير أمتنا العربية أن تكفر بعروبتها، وتتخلى عن قضيتها المركزية في فلسطين السليبة، وتتفكك أواصر أخوتنا المشتركة وروابطنا العضوية الواحدة لمصلحة التجزئة والتخلف والاستعمار، وهذا هو أساس ما يجري اليوم لمصلحة الصهاينة والمستعمرين العاملين على فصل العرب عن عروبتهم، والفلسطينيين عن قضيتهم، والجماهير العربية عن معركتها الأساسية في الوحدة والحرية والتقدم والاستقلال.

أيها الحفل الكريم...

في الذكرى الثالثة لرحيل القائد الشهيد أبي عمار والذكرى التاسعة عشر لاعلان وثيقة الاستقلال، نستذكر الانطلاقة الأولى للثورة الفلسطينية حين شنت قوات العاصفة عمليتها البطولية الأولى في الأول من شهر كانون الثاني من العام 1965، بقيادة الشهيد أبو عمار، لتعيد إحياء الانتفاضات والثورات الشعبية والعسكرية المتعاقبة على أرض فلسطين منذ عام 1920 و 1928  و1929 الى ثورة فلسطين الكبرى عام 1936 ثم العام 1939، إلى كل ما تلا ذلك فيما بعد وتُوِّجت بثورة العام 1965 التي امتدت لتشمل جميع قطاعات الشعب الفلسطيني، ولتعم أصداءها في مختلف أصقاع الوطن العربي شاحذة الهمم لدى كل المناضلين العرب حتى تأسيس "الجبهة العربية المشاركة في الثورة الفلسطينية".

ثم جاءت حرب تشرين في العام 1973 لتؤكد أن أمتنا العربية تستطيع التغلب على سلسلة الانتكاسات التي مرت بها، عندما تتضافر قواها وتتحد وتتحفز للنهوض والمواجهة، وقد استطاع العرب ذلك في العام 1973 نتيجة التحضير العسكري الجيد الذي ابتدأه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بعد حرب 5 حزيران عام 1967 مترافقاً مع زوال العديد من الخلافات العربية-العربية، والتكاتف والتنسيق المتبادل الميداني للقطرين السوري والمصري، والدعم المميز للجيش العراقي بقوة طيرانه على الجبهة المصرية، وكثافة دروعه على الجبهة السورية، وكذلك استخدام النفط العربي في المعركة، وقطعه عن الدول المساندة للعدوان، الى غير ذلك من عوامل المساندة الشعبية والعسكرية الأخرى التي تطوعت للقتال وأفصحت عن مخزون هذه الأمة النابض أبداً بالفداء والعطاء والتضحيات.

ولذلك، أيها الأخوة، فإننا نرى أن المرحلة المصيرية الراهنة التي تمر بها أمتنا اليوم، وهي تعاني ما تعانيه من عوامل ضعف ووهن وانكسار، تتطلب منا جميعاً توحيد طاقاتنا القتالية المشتركة وصولاً الى وضع استراتيجية المواجهة الموحدة التي تتولى تحقيقها جبهة قومية شعبية عريضة، تطلق طاقات جماهيرنا العربية من المحيط الى الخليج، لتزيل سحب التآمر التي تغطي فضاء الأمة، وتقطع الأيدي التي تحاول الإمساك بمصيرنا ومستقبلنا، فهل بمقدورنا ذلك؟

نعم، نحن قادرون، والحالة الجهادية المتعاظمة التي تلف أقطارنا العربية اليوم في أكثر من ساحة صراع  ومواجهة، تبشر بامتلاكنا القدرة على إفشال محاولات التطويع والترويض والتركيع.

والصمود التاريخي الذي يحققه شعبنا العربي في فلسطين والعراق ولبنان، يضعنا نحن العرب أمام حقائق متعددة تؤشر إلى قدرتنا على هزيمة الأعداء واستعادة الحقوق، عندما نكون مصممين على القتال وتحدي الصعاب....

لقد اعتقد المحتل الأميركي الغاصب للعراق، أن في احتلال هذا القطر العربي، سوف يمهد لاستيلائه على القرار العراقي الحر وإرادة العراقيين الشرفاء، فإذا به يتمرغ اليوم في وحل الهزيمة وخيبة الأمل ويفتش عن أهون السبل للخروج من هذا المأزق، تحت ضربات المقاومين العراقيين الأبطال، الذين أقسموا على طرد المحتل وإعادة العراق الى ما كان عليه: عربياً، حراً، مستقلاً وموحداً.

وفي فلسطين، توهم الصهاينة أن في استيطانهم للأرض، ستُلغى الهوية العربية لشعبنا الفلسطيني وتتناساها الأجيال، وإذا بهؤلاء يُصدمون بأطفال الحجارة وإرادة المقاومين التي ترفض الاستكانة للجبروت والطغيان.

وفي لبنان، تسقط "أسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يُقهر"، بعد أن سقطت سمعته وهيبته في وحول الجنوب اللبناني، بفضل عزيمة اللبنانيين وإرادتهم، وتغليب تناقضاتهم الثانوية، على تناقضهم الرئيسي مع العدو الصهيوني.

نعم أيها السادة، إننا مطالبون بالارتقاء بصراعنا مع العدو الخارجي، المتمثل بالصهيونية العالمية والامبريالية الأميركية، الى هذا المستوى الرادع والمقتدر من المواجهة والقتال، ولا يجوز التفريط بالمكتسبات التي تحققت بالعرق والدم والبذل المستمر في قوافل الشهداء والأسرى والمعاقين والجرحى وغيرهم. كما أن التحالف العضوي بين المقاومات العربية الثلاث في فلسطين والعراق ولبنان، هو الذي سيقطع الطريق على كل محاولات الاستعمار القديم-الجديد، الرامية الى إرجاع عقارب ساعتنا الى الوراء وإغراقنا في دياجير العبودية والهوان والاستسلام. وهذا ما يدفعنا أيضاً الى المطالبة بتوحيد البندقية الفلسطينية على تراب أرض فلسطين الحبيبة والتغلب على تناقضاتنا الثانوية لمصلحة تناقضنا الرئيسي مع العدو الصهيوني فالدم العربي أينما كان، حرام على العربي، والدم الفلسطيني أينما كان، حرام على الفلسطيني.

أيها الحضور الكرام، يا أبناء شعبنا الفلسطيني الصامد...

لقد عمدت بعض أدوات الفتنة والشر والإجرام، الى الإساءة إليكم ليل 19-20 أيار الماضي، بالقدر الذي أساءت فيه الى إخوانكم اللبنانيين، والقوات المسلحة اللبنانية من جيش وقوى أمن داخلي وغيرهم، ولقد كان للصبر وطول الأناة، والوعي المشترك، لبنانياً وفلسطينياً، ما فوَّت الفرصة على الأشرار وأفشل مخططاتهم الرهيبة.

وإذا كنا مطالبين جميعاً بالمزيد من الوعي والتوحّد واليقظة من أجل منع تكرار ما جرى وإحباطه، فإننا نجدّد دعوتنا لجميع القيادات اللبنانية والفلسطينية من أجل المعالجة الجذرية، للتداعيات التي نجمت بعد أحداث مخيم نهر البارد، سواء لناحية منع حالات التعبئة والتحريض التي تحمّل سكان المخيم أوزاراً ليست من مسؤوليتهم، أو إلى التسريع في إعادة  إعمار المخيم تلافياً للصعوبات الإنسانية المتفاقمة على شتى الصعد ولا سيما السكنية والتربوية، بعد أن حلَّ موسم المدارس وبات فصل الشتاء على الأبواب، كما نحث الحكومة اللبنانية الى تسهيل تنقل الأخوة أبناء المخيم وهم يتفقدون منازلهم وأوراقهم وحاجياتهم الخاصة والعمل على إيجاد الحلول العملية والسريعة للتخفيف من معاناتهم هم وأبناء المحيط المجاور وإعادتهم الى بيوتهم التي نزحوا منها في أقرب وقت.

أخيراً.. ونحن نحيي الذكرى التاسعة عشر لاعلان وثيقة الاستقلال والذكرى الثالثة لرحيل القائد الكبير أبو عمار، لا يسعنا إلا أن نتوجه بالتحية الصادقة لروحه الطاهرة، كما نحيي في نفس الوقت روح الشهيد الرئيس الرفيق صدام حسين، الذي ستطل ذكرى رحيله الأولى بعد أسابيع، متوجهين بالتحية أيضاً الى كل شهيد وأسير وجريح ومعاق عربي ضحى على تراب هذه الأمة، في سبيل عزتها وسيادتها وكرامتها.

 

والسلام عليكم

الدكتور عبد المجيد الرافعي

 

 

 

 

شبكة المنصور

الثلاثاء /  10  ذو القعدة 1428 هـ  الموافق  20 / تشــريــن الثاني / 2007 م