بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

طليعة لبنان الواحد
عدد آخر شهر أيلول 2007

فلسطين اليوم
بين أوهام المؤتمر الدولي ومرارة الانقسام الداخلي

 

 

شبكة المنصور

طليعة لبنان الواحد

 

لم يكن أيلول حاسماً خلافاً لكل التوقعات، فقوس الأزمات الممتد من العراق إلى فلسطين مروراً بلبنان لم يشهد تطورات مثيرة باتجاه الحسم سلباً أو إيجاباً، لتظل سياسة المراوحة في المكان سيدة الموقف، مع مزيد من التعقيدات التي تدفع باتجاه احتمالات أكثر خطورة تعزز خيارات الانفجار على الحلول، لأن الصراع الإقليمي والدولي لم يشهد مواقف مثيرة لإنضاج حلول منتظرة، مما يجعل الأطراف المحلية في هذه الساحة أو تلك عاجزة عن الخروج من الدوران في الحلقة المفرغة بسبب عدم قدرتها على اتخاذ مواقف حاسمة، بعيدة عن التأثيرات الإقليمية على أطراف، والدولية على أطراف أخرى.

في العراق جاء تقرير بتريوس – كروكر تجميلياً لسياسة بوش الإجرامية مما أعطاها دفعاً مرحلياً باتجاه الهروب إلى أمام في رهان خائب على القوة العسكرية الغاشمة، دون أن يقدم حلاً مقنعاً للمأزق الأميركي الستراتيجي الذي يغرق الإدارة الأميركية أكثر فأكثر في وحول الهزيمة النهائية، لتظل المعادلة عند حدودها الأساسية: كصراع بين المقاومة الوطنية العراقية التعبير الحي عن وجدان العراقيين الشرفاء وضمير الأمة في الدفاع عن ذاتها، وبين إدارة الشر الأميركية التي لا بد من أن تخرج من أرض الرافدين تجر أذيال الخيبة والهزيمة طال الزمن أم قصر، سواءٌ أزاد بوش من عدد قواته ومرتزقته أم قام بخفضها قبل أن تجبر خانعة على الانسحاب.

أما في لبنان، فالعقبات أكبر من المبادرات. والمحاولات الخجولة للخروج من عنق الزجاجة نحو أنصاف الحلول التي تفتح الباب أمام إدارة الأزمة حتى إشعار آخر بعيداً عن عوامل التفجير، تصطدم بجدار البرامج والاجندات المتناقضة التي تغلق في وجهها نوافذ الأمل، فيظل الاستحقاق الرئاسي حتى اللحظة الأخيرة شيئاً من المجهول بينما ترتفع نبرة دعاة التدويل والحماية الدولية مستنجدة بمجلس الأمن الدولي، أي بالولايات المتحدة الأميركية، في حين يسود الترقب المربك حسابات المستندين إلى سياسات قوى الإقليم وحساباته.

على الصعيد الفلسطيني تبدو الصورة أكثر غموضاً وضبابية بين دعوات المؤتمر الدولي المرتقب في تشرين القادم، وتعقيدات الوضع الداخلي الذي يزداد تدهوراً بطريقة مأساوية تدمي القلب وتثير الكثير من التساؤلات حول المستقبل.

بالنسبة للمؤتمر الدولي نعود ونؤكد أنه ليس أكثر من عملية دعائية للإدارة الأميركية وسياستها المتداعية في المنطقة بهدف إضفاء بعض المصداقية الخائبة عليها أمام حالة الرفض الشعبي العربي العدائي لهذه السياسة، وباعتبار أن القضية الفلسطينية هي المحرك الأساس لكل الأحداث في الوطن العربي، فإن الولايات المتحدة تعتقد أن المجيء عبر هذا الباب قد يخفف من حدة أزماتها في المنطقة.

وإذا كنا نؤكد مجدداً أن التسوية، مهما كان شكلها ولونها وإطارها، هي انحراف بالصراع عن مجراه الطبيعي والحتمي، وهي تكريس لنهج السيطرة الأميركية والصهيونية على الوطن العربي، كما أنها محكومة بسقف تراجعي عربي يقدم التنازل تلو الآخر، وفي مقدمة ذلك التنازل عن الحق التاريخي للفلسطينيين والعرب في فلسطينهم، وتخلي عن مشروعهم النهضوي وحقهم في التقدم، فإن المؤتمر الدولي الذي يجري الحديث عنه بات معروف النتائج والسقوف قبل أن يعقد بحيث نستطيع القول إنه أصبح غاية بحد ذاته مثلما أصبحت اللقاءات بين الطرف الفلسطيني المفاوض وحكومة العدو مجرد اللقاء من أجل اللقاء فقط.

إن الحديث عن إطار مشترك يجب التوصل إليه بين الجانبيين الفلسطيني والصهيوني قبل الذهاب إلى المؤتمر أصبح مجرداً من أي مضمون، فالادارة الأميركية لن تمارس على الجانب الصهيوني أية ضغوطات، كما أن رايس رفضت تقديم أية ضمانات أو تطمينات للرئيس الفلسطيني محمود عباس، تاركة للجان المشتركة الفلسطينية الصهيونية التوصل إلى إطار تفاهم.

العدو الصهيوني من جهته حدد هذا الإطار مردداً جملة معزوفات قديمة باتت معروفة، فالأولوية للأمن وعودة إلى خارطة الطريق مع شريك فلسطيني مناسب. أما المسائل الأساسية فلا يجوز النقاش أو التفاوض حولها، فمؤتمر حزب كاديما، وهو حزب رئيس الوزراء أولمرت، لم يتطرق إلى موضوع الجدار العازل الذي يواصل تنفيذه على الأرض. والقدس غير قابلة للقسمة أو التفاوض ويجب أن تظل عاصمة أبدية وموحدة لكيان العدو. لا عودة للاجئين الفلسطينيين، وأقصى ما يمكن الموافقة عليه على هذا الصعيد أن تحل هذه القضية في إطار الدولة الفلسطينية المرتقبة، كما تقول وزيرة الخارجية الصهيونية ليفني، كذلك عدم المس بالمستوطنات مع تعديلات مناسبة لحدود الرابع من حزيران بما يتلاءم والاحتياجات الصهيونية.

في ظل هذه الثوابت الصهيونية الواضحة، وفي ظل غياب ضمانات دولية مناسبة، يفرض الواقع أن يكون المفاوض الفلسطيني أسير الخيارات الصهيونية التي تفرض عليه، وهو الذي يفتقد أوراقاً ضاغطة في العملية التفاوضية، ولموقف عربي جدي مساند، خاصة أن «العرب» الذي يتحدثون عن تفعيل مبادرة سلامهم المزعوم، وعن آلية لتنفيذها كانوا بذلك يمهدون الطريق لتقديم تنازلات جديدة على الجانب الفلسطيني أن يقدمها، مما يلقي ظلالاً من الشك حول ماهية هذه التنازلات وطبيعتها، بعد أن تخلى العرب في مؤتمر مدريد عام 1991 عن كل قرارات الشرعية الدولية حول الصراع العربي الصهيوني، وقبلوا مبدأ «الأرض مقابل السلام» الذي ظل حبراً على ورق وتحول إلى تضييع وعلاقات طبيعية قبل الحديث عن «السلام» فكيف بالحديث عن الأرض؟

في ظل هذه الحركة المتسارعة نشرت وكالة الأنباء الفلسطينية، على موقعها الالكتروني، وثيقة قالت إنها ستكون أساس الاتفاق المبدئي بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني وتنص:

على قيادتي «إسرائيل» ومنظمة التحرير الفلسطينية الدخول بصورة فورية في عملية تؤدي عند الانتهاء منها إلى إقامة دولتين هما: «إسرائيل» وفلسطين، وفق وثيقة مبادئ أساسية وتفاهمات كما هو مفصل على النحو الآتي:

1- تنهي «إسرائيل» احتلال الضفة الغربية في مدة زمنية متفق عليها، ويكون الانسحاب وإخلاء المستوطنات بالتدريج وعلى مراحل، بحيث يتم تسليم كل منطقة يجري الانسحاب منها إلى السلطة الفلسطينية، بحيث يسود فيها القانون والنظام، وإقامة نظام في غزة يكون جزءاً من عملية السلام، ما سيسمح لـ«إسرائيل» بالنظر إلى قطاع غزة والضفة الغربية كوحدة سياسية واحدة.

2- تقام دولة فلسطينية غير مسلحة، وتكون حدودها كما تحددها خرائط سنة 1967 ويجري الاتفاق على حدودها بدقة بناء على الاحتياجات الأمنية والمتغيرات الديموغرافية والمستلزمات الإنسانية، ما سيفتح الباب أمام تبادل أراضي بنسبة 11%، مع الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية بيد «إسرائيل» والحفاظ على تواصل جغرافي في فلسطين وآفاق الازدهار الاقتصادي.

3- في القدس تكون عاصمتان، واحدة لدولة «إسرائيل» وواحدة لدولة فلسطين، على أن تكون الأحياء اليهودية تحت سيادة «إسرائيلية». والأحياء العربية تحت السيادة الفلسطينية، ويكون بين السلطتين السياديتين تعاون يسمح بإدارة الحياة لكل السكان.

4- ترتيبات خاصة تعد للحفاظ على حرية الوصول لكل الأماكن المقدسة للأديان المختلفة، وتقام سلطة إدارية خاصة لإدارة وصول الشعبين للأماكن المقدسة داخل البلدة القديمة في القدس.

5- تعلن فلسطين وطناً قومياً للشعب الفلسطيني، و«إسرائيل» كوطن قومي للشعب اليهودي.

6- يجري إيجاد حل عادل ومتفق عليه لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين مع الاعتراف بالمعاناة التي عاشوها، ويتفهم الحق الفردي لهم في إطار الحل الشامل لمشكلتهم.

7- يعلن الطرفان أهمية إنهاء النزاع، والعمل من أجل تأييد الجمهور في كل طرف لهذا الاتفاق بأكبر قدر ممكن، كما يعمل الطرفان بكل قوتهما، وكل على حدة ومع بعضهما البعض، ضد أي مظهر من مظاهر العنف والإرهاب الصادر من دولة أي منهما ضد الآخر.

8- ينظر الطرفان إلى هذا الاتفاق باعتباره متوازياً مع مبادئ مبادرة السلام التي طرحتها الجامعة العربية، ويدعوان الدول والجهات المتمثلة في (اللجنة) الرباعية الدولية والمجتمع الدولي للتدخل وتقديم المساعدة بطرق مختلفة لدفع الاتفاق المستند إلى هذه المبادئ وتطبيقه.

كما يجب التوصل إلى الملف الذي يرتكز على المبادئ المذكورة سابقاً قبل انعقاد المؤتمر الدولي في تشرين الثاني ليعرض خلاله وليوثق بقرارات دولية لعقد المؤتمر.

إن هذا الإطار، إذا طبق كما هو وارد ودون تعديلات عليه، يعيد إلى الأذهان اتفاق إطار المبادئ الذي تم التوصل إليه بشكل رسمي باتفاق أوسلو، الذي كان مليئاً بالألغام والمتفجرات، وعاد بالويل والثبور وعظائم الأمور على أبناء فلسطين حتى إنه استحق اسم اتفاق الصواريخ والقذائف التي انهالت على المناطق الفلسطينية دون توقف في ظل الحرب على الحياة التي شنتها القوات الصهيونية على أبناء الشعب العربي الفلسطيني. كما أن الضبابية والغموض تعيد تكرار المشهد نفسه في استثمار العدو لعامل الوقت لتغيير الوقائع على الأرض وفرض وقائع جديدة كما حصل منذ أوسلو وحتى الآن، وإذا اقترن ذلك مع «أولوية الأمن»، الكذبة الصهيونية لتبرير المجازر، تكتمل رؤية صورة المستقبل في العلاقة بين الجانبين، فكيف إذا أضفنا إلى ذلك ما سبق واشرنا إليه من مواقف العدو من قضايا الاستيطان والقدس والحل النهائي ليصبح هذه الاتفاق على خطورته خالياً من أي مضمون إلا ما يخدم مصالح العدو الصهيوني وأهدافه. وبالإضافة إلى موقف حزب كاديما الحاكم فإن زعيم حزب العمل الصهيوني يهودا باراك، ووزير الدفاع في الحكومة الحالية، يعلق على الاتفاق بالقول: القدس يجب أن تبقى موحدة وعاصمة لنا، كما أننا لا نقبل العودة إلى حدود العام 67، كما يجب أن يبقى المستوطنون تحت السيادة «الإسرائيلية»، كما أن «إسرائيل» لن تعترف بأية مسؤولية قانونية أو أخلاقية عن مشكلة اللاجئين.

أما بنيامين نيتياهو الذي يستعد للانقضاض على حكومة أولمرت المتداعية وتولي رئاسة الوزراء في ظل أية انتخابات قادمة، فيذهب أكثر من ذلك عندما يدعو الكنيست إلى جلسة طارئة لمحاسبة الحكومة رغم ما تبديه من تشدد، لمحاسبتها عما يسميه تنازلات متوقعة للفلسطينيين.

إن واقع الأمر يؤكد حقيقة أن العدو الصهيوني ليس على استعداد لتقديم أية تنازلات في معادلة مختلفة للصراع يستقوي بها بالإسناد الأميركي اللامحدود لمواقفه من القضايا الأساسية: القدس، الاستيطان، الحدود، اللاجئين، كما يستفيد من حالة الضعف الفلسطينية التي تزداد ضعفاً جراء عاملين أساسيين هما: ليس غياب الحد الأدنى من الدعم العربي للموقف الفلسطيني فحسب، بل أيضاً ممارسة ضغوطات عربية عليه لتقديم تنازلات.

أما العامل الآخر هو ما تشهده الساحة الفلسطينية من انقسام حاد أخذ يزداد مأساوية بمرور الوقت حيث يتكرس كيانين فلسطينيين بكل ما يحمل ذلك من مخاطر لكل الأطراف، إذ فقد المفاوض الفلسطيني بعضاً من قوة هي بالأساس ضعيفة وهشة، وانصرف أصحاب المشروع المقاوم بجهدهم نحو تفعيل حالة الانقسام والتمحور على الذات، ومراعاة حسابات الإقليمي على حساب القضية والوطن، دون أن تلوح في الأفق أية بادرة جدية لإعادة اللحمة إلى الصف الفلسطيني المثخن أصلاً بالجراح والعذابات، ليستغل العدو الصهيوني، كما هي عادته، الحالة الفلسطينية، ويلعب على وتيرة التناقضات فيتخذ قراراً مدعوماً من الولايات المتحدة الأميركية يعتبر غزة «كياناً معادياً» في خطوة تضع كل أبناء الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة أمام مخاطر التجويع والحصار الاقتصادي إلى غير ذلك من الإجراءات التي تتناقض وأبسط حقوق الإنسان.

إن الإجراء الصهيوني الأخير تجاه قطاع غزة يتطلب اتخاذ خطوات سريعة لتلافي تداعياته وتتمثل في:

-وضع سياسة فلسطينية واضحة لمواجهة التداعيات، من خلال التأكيد على وحدة الشعب العربي الفلسطيني في الضفة والقطاع، ووحدته في الداخل والخارج، والبدء بتحرك سياسي واقتصادي، والقيام بخطوات عملية لرفع المعاناة عن القطاع.

-تحرك عربي فاعل بهذا الاتجاه في الأوساط والمحافل الدولية مقروناً بدعم مادي جدي وفعلي لينقذ سكان القطاع من الوضع الحالي وتداعياته المستقبلة، وليس الاكتفاء بموقف المتفرج حيناً والمتواطئ أحياناً.

-إن مواجهة حالة الانقسام الفلسطينية لن يكون إلا بالحوار، مهما طال الزمن أو قصر، وكلما كان هذا الحوار مبكراً كان أجدى، دون أن نسقط من الاعتبار ضرورة تأمين المستلزمات الأساسية لهذا الحوار، وبعبارة أدق إن دعوة حركة حماس المتكررة للحوار ما زالت خالية المضمون والأساس، وهي شعار سياسي تلقيه في وجه الآخرين يتناقض وما يحدث على الأرض في القطاع. فالحرب على فتح في القطاع تجاوزت ذلك إلى حرب على كل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، والى حملات منظمة بحق كل المعترضين على ممارسات القوة التنفيذية، وقد طالت هذه الحملات شخصيات سياسية ووطنية، قادة فصائل، رجال الصحافة والإعلام، ناهيك عن قطاعات واسعة من أبناء الشعب الفلسطيني ومناضليه.

إن مثل هذه السياسة تفرغ الحوار من معناه، وتقطع الطريق عليه. لذلك لا بد من اتخاذ خطوات بالاتجاه المعاكس نذكر ببعض منها:

-الاعتراف بمرجعية منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد لكل الشعب العربي الفلسطيني، واعتبارها أعلى سلطة فلسطينية، دون أن يعني ذلك عدم النظر مستقبلياً في تفعيلها وإعادة هيكلتها.

-وقف كل الإجراءات التصعيدية التي تزيد حالة الانقسام سواء في غزة أم الضفة، وبدء اتخاذ خطوات عملية باتجاه إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه سابقاً خاصة في القطاع.

-تشكيل لجنة من القوى والفصائل الوطنية والقومية والإسلامية الفلسطينية وبعض الشخصيات الوطنية لرعاية الاتصالات ومتابعة إجراءات إعادة الثقة على الأرض، وصولاً إلى البحث بالعودة إلى طاولة الحوار.

-يسبق ذلك وقف كل الحملات الإعلامية، ووقف تبادل الاتهامات ونغمة التخوين المستخدمة التي لا يستفيد منها إلا العدو الصهيوني.

قد لا تكون هذه الخطوات، وغيرها من إجراءات قد تتخذ، سهلة. وقد يعترضها الكثير من العقبات. إلا أن الحديث عن الديمقراطية، والاستناد إليها كحالة أوصلت هذا الفريق أو ذاك إلى السلطة، لا يجوز في ظل أية ظروف أن تكون مبرراً للبعض لاتخاذ إجراءات والقيام بممارسات تتناقض وهذه الديمقراطية التي أصبحت بفعل ممارسات مستنكرة مقولة حق يراد بها أي شيء آخر.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاحد /  18 رمضان 1428 هـ  الموافق  30 / أيلول / 2007 م