بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

طليعة لبنان الواحد: عدد تموز 2007
بين العراق وفلسطين لُحمة لا تنفصم عُراها
ثورة السابع عشر – الثلاثين من تموز المجيدة هي ثورة فلسطين في العراق

 

 

شبكة المنصور

طليعة لبنان الواحد

 

اعتبر البعث فلسطين قضية العرب المركزية، ورأى فيها خلاصة محنة الأمة في التعبير عن إرادتها، وسعيها لاستعادة دورها الرسالي، وبناء مشروعها النهضوي الجديد. "فعلى أرض فلسطين عرف العرب قمة التحدي"، والصراع بين أمتنا العربية والمشروع الاغتصابي الصهيوني صراع وجود يطال حاضر العرب ومستقبلهم، كما يستهدف ماضيهم المجيد.

لذلك ربط البعث بين أهم وأول أهدافه الوحدة والتحرير، ففلسطين طريق الوحدة، والوحدة طريق تحرير فلسطين مجسداً هذه العلاقة الجدلية في فكره ونضاله، وفي مواقفه السياسية المبدئية من طبيعة هذا الصراع ومجرياته، ومدياته الراهنة والمستقبلية. وعلى ضوء هذا الموقف المبدئي الثابت من قضية فلسطين، حيث لا مساومة، ولا مناورة، ولا حلول إلا الحل المنطقي والموضوعي والحتمي بحسم هذا الصراع، نستطيع قراءة العلاقة بين فلسطين وثورة السابع عشر – الثلاثين من تموز المجيدة، ثورة البعث وفلسطين، التي قدمت أنموذجاً كحالة عربية مستقبلية واعدة أثارت حفيظة كل قوى الشر والعدوان في العالم، وفي مقدمتها الإدارة الأميركية المتصهينة التي استهدفت من خلال عدوانها الاحتلالي للعراق، فلسطين ومشروع النهضة العربية.

لقد كانت فلسطين من أهم الدوافع لقيام هذه الثورة المجيدة، وقد جاء في بيانها الأول أنها الرد على هزيمة الخامس من حزيران عام 1967، كما أنها تستهدف إعادة العراق إلى موقعه الطبيعي والطليعي في الدفاع عن الأمة وقضاياها المصيرية، بعد أن اختطفته لسنوات طويلة قوى الرجعية والشعوبية والتخلف.

إن متابعة علمية موضوعية لما أنجزته هذه الثورة من تحولات في مختلف الميادين، وما اتخذته من مواقف على المستويات الوطنية والقومية والدولية، كان يؤشر حقيقة أن فلسطين هي في قلب الاهتمام الأساس من منطلقاتها وتوجهاتها، وأحد أهم ثوابت سياستها في الاقتراب أو الابتعاد عن هذا الطرف العربي أم الدولي أو ذاك.

في البناء الداخلي، كانت تصفية الجواسيس، تأميم النفط، إقامة الجبهة الوطنية والقومية التقدمية، حل المسألة الكردية، محو الأمية، الإصلاح الزراعي، والتنمية الانفجارية... إلى غير ذلك، خطوة على طريق بناء عراق مقتدر يخوض باسم أمته، ونيابة عنها، معاركها المصيرية في مواجهة قوى الشر والعدوان... وقد تأكدت هذه الحقيقة وأصبحت خطراً ماثلاً أمام قوى الأعداء عندما استطاع العراق بناء جيش قوي بل الأقوى في عموم المنطقة، ولاحقاً امتلاك حلقات التقدم العلمي والتقني بعد خروجه منتصراً من أشرس وأطول مواجهة في قادسية العرب الثانية.

وفي الانتقال من العام إلى الخاص، إلى الشأن المتصل بفلسطين قضية وثورة وجهاد أمة، تبدو الحقيقة واضحة وجلية في التناقض الحاد والحاسم بين موقفين: موقف ثورة السابع عشر – الثلاثين من تموز المجيدة، ومواقف الأنظمة العربية بمختلف اتجاهاتها وتبايناتها، مما أثار حفيظة الجميع وحقدهم، ودفعهم إلى التآمر عليها والكيد لها، مواربة ومباشرة، كلما سنحت الظروف وأتيحت الفرص، ووجدوا لذلك منفذاً أو سبيلاً.

منذ اللحظة الأولى لقيامها، اتخذت ثورة البعث في العراق موقفاً مبدئياً ثابتاً برفض التسويات والمساومات حول القضية الفلسطينية، مشددة على ضرورة حشد كل طاقات الأمة في هذه المواجهة المصيرية حيث الصراع صراع وجود لا صراع حدود، رافضة كل أشكال التفاوض، وذرائع التعايش المزعوم، ودعاوى الاعتراف المشبوه المغلف بالشعارات الخادعة والمزاعم الكاذبة.

رفضت الثورة بشكل حاسم قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، ومن ثم مبادرة روجرز، وقدمت بالمقابل كل أشكال الإسناد للثورة الفلسطينية، بالمال والسلاح ووحدة الخندق الجهادي، حيث المعركة واحدة والمصير واحد.
ونجحت بامتياز في امتحانها الأول إبان حرب تشرين أول عام 1973 عندما اندفع الجيش العراقي إلى سوريا حيث حمى دمشق من السقوط، في حركة سريعة أذهلت العالم كله، وأثارت الانتباه إلى مستقبل هذا الجيش الواعد وقدراته المستقبلية؛ كما كان لها الفضل في فرض العرب للحظر النفطي الجزئي على الدول التي تؤيد الكيان الصهيوني وتدعمه.

بعد ذلك، قاتلت في أكثر من ساحة وميدان دفاعاً عن القضية الفلسطينية، ورداً للأذى عن شعب فلسطين وثورته، فتصدت لنهج التسوية الذي اعتبر حرب تشرين، حرب تحريك القضية لا تحرير الأرض، وبقيت على الدوام في خندق التصدي لكل إفرازات هذا النهج المعبر عنها باتفاقات فك الارتباط والاشتباك واتفاقات كامب ديفيد، وفي مقابل دعوات البعض تحسين مواقعه التفاوضية دعت إلى جبهة عربية للصمود والتحرير، وبالمقابل ساندت الثورة الفلسطينية في وجه كل محاولات ذبحها وتصفيتها، بالمال والرجال والسلاح رافعة شعار سيد شهداء العصر صدام حسين: إننا مع خيار منظمة التحرير الفلسطينية على طريق تحرير فلسطين، وإذا اختلفنا فلن يكون ذلك على قاعدة الاحتراب.

إن الموقف المبدئي الثابت والحازم من القضية الفلسطينية هو الذي أثار الحروب عليها وفي وجهها، فلو بقيت هذه الثورة في حدود التقوقع القطري، منغلقة على نفسها، لما لقيت ما تعرضت له من أذى وعدوان. لذلك كانت فلسطين حاضرة في قلب أم المعارك الخالدة، كما كانت حاضرة قبل ذلك في القادسية. ففي مقدمة اشتراطات إدارة الشر الأميركية لعدم شن عدوان العام 1991، كان القبول بمبادرة شامير للحكم الذاتي الفلسطيني، وفي وقف تطوير تكنولوجيا الصواريخ التي دكت لاحقاً أوكار الشر في تل أبيب.

وقد أصبح هذا الهدف أكثر وضوحاً مع لجان التفتيش التي اشترطت تدمير الصواريخ بعيدة المدى، التي تطال الكيان الصهيوني، وعدم معارضة إنتاج صواريخ قصيرة المدى.

وفي ظل حصار الجوع، عندما كان العراق مدمراً بعد عدوان عام 1991، رفض العراق بشكل حاسم مسار مدريد، وأبلغ سيد شهداء العصر صدام حسين وفداً فلسطينياً سعى لمعرفة وجهة نظره من هذه المسألة موقفاً واضحاً بعدم جدوى سلوك هذا الطريق، قائلاً: لا تركنوا إلى حالة الضعف الآنية في هذه اللحظة من حياة الأمة بل عليكم أن تنظروا إلى المستقبل بما يحمله من متغيرات ومفاجآت إيجابية. كذلك رفض العراق ما أعقب ذلك من اتفاقات سواء في أوسلو أم في وادي عربية. وعندما كان الحصار يشتد ليطحن الكبار والصغار في ظل فقدان الغذاء والدواء كانت عبارة «عاشت فلسطين حرة عربية» عنواناً للتحدي، ورمزاً للكبرياء، وشاهداً على رفض المساومة على المبادئ. وأبلغ سيد العرب والمجاهدين مبعوث البابا في حينه عدم المساومة على رغيف الخبز، إذ قال المبعوث في حينه أنك قائد شجاع ومجرب في الحروب، ونريدك كذلك في «السلام»، إن خطوة باتجاه «إسرائيل» تنهي الحصار، وترفع المعاناة عن شعب العراق، فكان الجواب نحن العرب لا نساوم على رغيف الخبز...

ولأن الغاية لا تنفصل عن الوسيلة بل هي جزء منها، ولأن طريق المبادئ هي المبادئ عينها، كانت تقابل بالرفض كل النصائح بالابتعاد عن قضية فلسطين، أو السكوت في أحسن الأحوال عما يجري من أحداث وتطورات، إلا أن منطق المجاهدين لا يعرف المساومة، وقد يعتبر البعض أن هذا الأمر مغامرة أو عدم دراية سياسية، وربما يقول البعض الآخر إنه ضرب من الجنون، لكن شتان ما بين منطق المجاهدين الذين نذروا أنفسهم لأمتهم ومنطق الآخرين.

مع انتفاضة الأقصى الباسلة عام 2000، التحم خندق جهاد العراق مع خندق جهاد فلسطين، وامتدت جبهة المواجهة من بغداد إلى القدس، فاقتسم المُحاصَرون مع المُحاصَرين رغيف الخبز وحبة الدواء، عندما طلب العراق من الأمم المتحدة توزيع حصة تموينية لأبناء فلسطين أسوة بأبناء العراق بموجب اتفاق النفط مقابل الغذاء، كما حملت الشاحنات المواد الغذائية والطبية من العراق إلى فلسطين ترجمة لشعار سيد المجاهدين صدام حسين (رحمه الله) أنه عندما يكون الأخ في محنة فلا تعطيه من فائض ما عندك، وإنما يجب أن تقتسم رغيف الخبز معه... وتساءل مخاطباً أنظمة الخنوع والتبعية «متى تهتز الشوارب»، رداً على مستوى الجريمة الوحشية التي ترتكب بحق أبناء فلسطين، داعياً في الوقت نفسه إلى وضع خطة عربية لمواجهة حاسمة وطويلة مع الكيان الصهيوني.

خندق الجهاد الواحد وجد نفسه في جيش القدس، في تبني عوائل الشهداء والجرحى، في فتح الجامعات العراقية أمام كل الطلبة الفلسطينيين، في تبني عائلات الاستشهاديين وتقديم مبلغ 25 ألف دولار لعائلة كل استشهادي، مع تأكيده في أكثر من مناسبة أمنيته في أن يكون أحد هؤلاء الاستشهاديين.

مرة أخرى انتصر منطق المبادئ على منطق المساومين في قمة تشرين العربية عام 2000 في القاهرة من أنظمة الخنوع والخيانة، عندما أبلغ نظام مبارك المجاهد عزة إبراهيم الذي كان يرأس وفد العراق آنذاك عرضاً يقوم على المعادلة: ابتعدوا عن قضية فلسطين ولا تتدخلوا فيها، ونحن نتعهد بحل مشاكلكم مع الأميركيين، فكان الرفض حاسماً وقاطعاً.

«عاشت فلسطين حرة عربية»، كانت من بين آخر كلمات سيد شهداء العصر صدام حسين (رحمه الله) وهو ينتقل إلى جوار ربه، لتظل هذه العبارة شاهداً على عظمة ثورة السابع عشر – الثلاثين من تموز المجيدة، وأصالتها في التعبير عن ضمير الأمة وروحها وإرادتها، وحيث يواصل الثوار والمجاهدون، في المقاومة الوطنية العراقية، حَمَلة شعلة هذه الثورة العملاقة، مسيرتهم الجهادية لتحرير العراق وتحرير فلسطين.
فتحية لثورة تموز المجيدة في عيدها وتحية لثوارٍ عينهم على العراق وقلوبهم على فلسطين.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاربعاء / 01 / أب / 2007