لاريجاني والدجل الإيراني المستمر

أميركا تعمل على إعادة حزب البعث إلى السلطة في العراق؟!

 

شبكة المنصور

حسن خليل غريب

 

صرَّح علي أكبر لاريجاني في عمان أن الأميركيين يعملون على إعادة حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة في العراق، ولأن الدجل هو الديدن الاستراتيجي للفئة الحاكمة في طهران، كان لا بدَّ من الرد عليه خاصة أن هناك من الأوساط السياسية العربية من لا تزال مُضلَّلة حول أهداف النظام الإيراني الحالي، ولا ترى حقيقة تلك الأهداف.

من أبوابه من زجاج أميركي لا يحق له الوعظ في الوطنية

نقولها أولاً، وقبل أي شيء آخر: لا يحق لمن يساوم الأميركيين ويعقد الصفقات معهم ويتآمر معهم على أمن الشعوب وسيادتها أن يرشق أميركا بحجر، كما لا يحق له أن يتهم الآخرين بالأمركة. وباختصار نخاطب الفئة الحاكمة في إيران لنقول: نظِّفوا سجلكم الأميركي أولاً ومن بعدها تعالوا لنتحاور، ونحدد من هو الأميركي الهوى، ومن هو على عداء حقيقي مع أميركا.

لقد أعلنت أعلى المراتب الحكومية الحاكمة في إيران، من دون خجل ولا تقية، أن لإيران فضل أساسي في احتلال أميركا لكابول وبغداد. وفي المقابل كان سبب الاحتلال هو إسقاط النظام الوطني لحزب البعث، ليس لسبب إلاَّ أنه وقف في خندق مقاومة المشروعين الأميركي أولاً والفارسي ثانياً. لقاء هذه الحقيقة هل يصبح الجواب صعباً أمام السؤال القائل: من هو الذي يقف في الخندق الأميركي؟ ومن هو الذي يحفر خندقاً في مواجهته؟

ونقولها ثانياً، إن من يعقد معاهدة واتفاقاً مع الأميركي ضد مصالح الشعوب، وخاصة الجيران منهم، هل يجوز لنا إعطاءه صك البراءة بالنظافة من الأمركة؟ وهل يعقد تلك الاتفاقات من دون وجود تقاطعات بين المشروعين؟

هناك احتمالات: إما أن يكون العاقد غبياً، أو عميلاً مأجوراً لأميركا، أو مستفيداً من غياب الأخلاق في المشروع الأميركي في استعباد الشعوب، لكي يقلِّده ويجاريه في أعماله. ويتقاطع المشروع الإيراني مع المشروع الأميركي في نقطتين استراتيجيتين: العداء الاستراتيجي للقومية العربية ممثَّلَة بحزب البعث، واستغلال القوة الأميركية في «اجتثاثه». ولهذا الغرض قام بعقد اتفاقية، لا يخجل من الإعلان عنها، مع «شيطانه الأكبر».

من خفايا تلك الاتفاقية أن كلاً من الأميركي والإيراني استغبى أحدهما الآخر، وقد ظهرت نتائج الاستغباء بعد مرحلة الاحتلال عندما وجد كل منهما نفسه واقعاً في مأزق نصبته لهما المقاومة الوطنية العراقية، وقد فعلت ذلك قبل أن يستكمل كل منهما مشروعه في العراق، ولما وجدا نفسيهما في ذلك المأزق راح كل منهما يلقي تبعة الفشل على الآخر. وهما اتفقا من جديد على اللقاء في الثامن والعشرين من أيار الجاري من أجل إعادة تقسيم الحصص بينهما، وكل منهما يتوهَّم أنه بالغاً مآربه.

هما تعاونا على إسقاط النظام الوطني في العراق، والسبب أنهما يتوافقان على أن النظام المذكور يمتلك من قوة الفكر والسياسة والمقاومة العسكرية ما يحول دون بسط أطماعهما في العراق، ومن بديهيات الأمور أن أحدهما، أو كليهما معاً، سيعمل كل ما بوسعه للحيلولة دون عودة السبب الذي من أجله اجتمعا على احتلال العراق. أما هذا السبب فهو منع عودة البعث إلى السلطة مهما كلَّفهما الأمر من وسائل وأساليب.

البعث حاجز صلب يحول دون نفاذ المشاريع المعادية للقومية العربية

إن حزب البعث، بإعداده للمقاومة وتفجيرها، وقيادتها، منعهما معاً ليس من تحقيق أحلامهما فحسب، بل جرهما إلى مآزق ومتاهات لا يعرفان كيفية الخروج منها أيضاً. لقد فعلها حزب البعث، بينما كانا على وفاق واتفاق، مما يعني أنه انتصر عليهما وهما متفقان، فهل يعجز عن ذلك وهما متنافران؟

لقد فعلها حزب البعث، بينما كانا مع عملائهما، في أوج نشاطهما وقوتهما، فهل سيعجز عن ذلك وهما الآن مع عملائهما في أدنى درجات الضعف والتفكك؟

إن المقاومة العراقية، بقيادة البعث الآن وقبل الآن، يرد عليهما قائلاً: إجتمعا أينما أردتما، واعقدا اتفاقيات كيفما شئتما، وتقاسما على الورق أرض العراق وشعبه وثرواته بالنسب التي تريدانها، لكن أينما عقدتما مؤتمركما، وأياً تكن مضامين الاتفاقات والمؤتمرات والسمسرات والمساومات التي ستتوصلان إليها، فإن قرار تنفيذها ليس بأيديكما، ولن يستطيع أحدكما أو كلاكما أن يتجاهل قرار المقاومة فحسب، بل إن القرار جاهز في أدراج المقاومة أيضاً، وقرار المقاومة هو مقاومة كل ما يصدر عنكما.

لن يفيد الدجل الإيراني، الذي عبَّر عنه علي لاريجاني أخيراً، بطمس الحقيقة، فضوء خفافيش الظلام لن يغطي على أنوار الحقيقة الساطعة. إن أميركا جورج بوش، لم تتفاوض ولن تتفاوض مع من احتلت العراق لأجل اجتثاث فكره وسياسته واستراتيجيته، وإنما تتفاوض مع من اتفقت معه على إسقاط نظام البعث، وهي لن تتفاوض مع من يرفض التفاوض معها إلاَّ على قاعدة تحرير العراق، ليس من الاحتلال الأميركي فحسب، وإنما تحريره من كل من تسلل إلى العراق تحت حماية هذا الاحتلال أيضاً.

البعث سيبقى القوة التي تحمي سيادة العراق وأمته العربية

لمن فاتته معرفة حقيقة الأهداف الإيرانية في العراق والأمة العربية، يمكنه الكشف عن وثائق ما كان يروِّج له المؤيدون لنظام ولاية الفقيه الإيراني في لبنان، تلك الوثائق التي تؤكد أنه تحت ستار «نظرية الانتظار» الدينية، كان أنصار إيران ينتظرون «الثورة الإسلامية القادمة من إيران تحديداً». ونظرية ولاية الفقيه، ونظام الثورة الإسلامية بالمفهوم الإيراني ليست إلاَّ ذات مضامين معادية للقومية العربية بشكل عام وللوحدة العربية بشكل خاص.

فهل الثورة الإسلامية القادمة من إيران تحمل السلام للقومية العربية؟ بل هل تعترف تلك «الثورة» بالقومية العربية؟

إن خوف علي لاريجاني من عودة حزب البعث إلى السلطة في العراق، وإعلانه عن مخاوف نظامه من أن الاحتلال الأميركي يعمل على إعادته إلى السلطة ليست أكثر من ذر للرماد في العيون، فهو واثق بأن الأميركيين لن يقوموا بهذه الخطوة، خاصة وأنه كان من أهم أسباب الإدارة الأميركية في احتلال العراق، وهم لم ينسقوا مع النظام الإيراني لاحتلال العراق إلاَّ لأنه يكن كل أنواع العداء وأشكاله ضد حزب البعث.

صحيح أن الاحتلال الأميركي يتسول الحلول من أجل تثبيت أرجله في العراق، وهو يعلم تماماً أن قوة المقاومة العراقية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقوة حزب البعث. ولهذا وكمثل عادته في الاحتيال يعمل على استغلال اسم الحزب، بدءاً بإشاعة ضعف تأثيره في المقاومة، مروراً بتعويم يافطات إسلامية في المقاومة تُظهر العداء له، خاصة وإنها تكاثرت في المرحلة الأخيرة،  وإعلان إعادة النظر بقانون «اجتثاث حزب البعث»، وهماً منه أنه يستطيع استقطاب من يراهن على إعادتهم إلى وظائفهم ليضيفهم إلى من تساقطوا على درب النضال من البعثيين، كأمثال من استقطبهم أياد علاوي.

وكمثل ما عملت أجهزة المخابرات الأميركية، سابقاً، وكما تعمل الآن، وستعمل لاحقاً، باستغلال عدد من تنظيمات «الإسلام السياسي»، فإنها تحاول تكرار تجربتها مع حزب البعث، أي أنها تجهد من أجل بناء تنظيم بعثي من المتساقطين، على أن يكون خالياً من فكر البعث واستراتيجيته، ويدين بالولاء للاستعمار والصهيونية، أي تجعل من هذا التنظيم واجهة شكلية تصطاد من خلاله عدداً من العملاء والمتساقطين والمغفَّلين والخائفين.

لقد كشف البعث هذه المؤامرة، وحدد موقفه من كل من ًُسوِّل له نفسه بالوقوع في أحضان هذا المشروع الخطير، كما أنه حذَّر أصحاب النوايا الطيبة من الوقوع في هذا الفخ على قاعدة إن البعث لن يحمي «المغفَّلين».

الاحتلال الأميركي يخطط لإعادة «البعثيين» إلى السلطة، ولكن هل يعرف لاريجاني من هم هؤلاء «البعثيين»؟

إنهم ممن استغفلهم، أو جنَّدهم الاحتلال الأميركي، بمساعدة من بعض الأنظمة العربية المتواطئة معه، من أجل إنقاذه من مآزقه في العراق.

ليس علي لاريجاني هو المعترض الوحيد

بل إن البعث، قائد المقاومة، والبعث الذي دفع الثمن الغالي والنفيس من أرواح قادته وقواعده من أجل المحافظة على استراتيجيته القاضية بـ«اجتثاث الاستعمار والصهيونية» عن الأرض العربية، يقف ليس رافضاً ومحذراً من خطورة ما ترمي إليه الإدارة الأميركية فحسب، بل مقاوماً لتلك المشاريع المشبوهة التي يضع من يقع فيها في دائرة الخيانة أيضاً.

فلتطمئن نفس علي لاريجاني، وقادة نظامه، إن البعث لن يعود إلى السلطة في العراق، إلاَّ بقوة عقيدته، التي من أهم أسسها وثوابتها، مقاومة كل اعداء الأمة العربية وفي مقدمتهم الاستعمار والصهيونية، وكل أعداء الفكر القومي مهما تلوَّنت جلودهم وتغيَّرت.

البعث هو الثابت الأهم في تاريخ الأمة العربية المعاصر

البعث ليس حزباً تقليدياً يمكن استئصاله بعملية قيصرية، حربية كانت أم سياسية، بوجوده في السلطة أم في خارجها. لقد أصبح الحزب متغلغلاً في نسيج الثقافة الشعبية في العراق.

فكر البعث وسلوكاته أصبح تُراثاً لا يمكن تفسير ما يحصل في العراق من دون قراءة ذلك التُراث.

البعث أصبح أنموذجاً للفعل النهضوي الحقيقي، وقد رسم سقوفاً متينة وأرسى أرضية صلبة لأنموذج نهضوي حضاري فكري وسياسي، لا يمكن، وليس من السهولة لأحد أن ينزل إلى ما دون هذا السقف أو يبني على غير تلك الأرضية.

أما من لا تعجبه هذه النتيجة، أو قل من تخدش آذانه، أو تزرع الخوف في نفسه، ندعوهم إلى قراءة تجربة البعث في السلطة ومشروعه النهضوي العظيم، وإلى قراءة ما يجري في غياب حكم البعث وتجربة البدائل المفروضة من «ديموقراطية جورج بوش»، إلى تجربة الجرائم التي تُرتكب باسم الدفاع عن الطائفية التي يعمل نظام إيران على تعميمها في العراق.

 

 

شبكة المنصور

السبت / التاسع عشر / أيار / 2007