بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

إذا كانت حماس على خطأ،
فإسرائيل على باطل. والتحالف مع الباطل.. باطل

 
شبكة المنصور
على الصراف
 

الصورة التي تحاول سلطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس تسويقها، تقول ان حركة "حماس" نفذت "انقلابا على الشرعية"، وذلك بفرض سيطرتها على قطاع غزة، وطرد التشكيلات الأمنية التابعة لحركة "فتح".
الوجه الآخر للصورة يقول بان "حماس" كانت تخطط لاغتيال الرئيس عباس نفسه.
ما ينقص هذه الصورة هو حقيقة ان "حماس" جزء من ما يسمى بـ"الشرعية الفلسطينية". بل، وإذا أخذت الأغلبية الساحقة التي تمثلها في "المؤسسة" الفلسطينية (المجلس التشريعي المنتخب + الحكومة المنتخبة)، فلسوف يبدو واضحا ان "حماس" تمثل الجزء الأهم من "الشرعية الفلسطينية"، الأمر الذي لا يبرر أن ينقلب المرء على ما يمثله.

وما ينقص الوجه الآخر هو ان "حماس"، لم تشكك، ولا حتى للحظة واحدة، بشرعية الرئيس عباس. وممثلوها قالوا على الدوام انه "رئيسنا المنتخب". وقد لا يكون ذلك حبا فيه، شخصيا، بل حبا بالانتخاب نفسه الذي حملها الى السلطة. وهو ما يعني ان "حماس" ما تزال تنظر الى "الانتخاب" كوسيلة، ليس للانقلاب على الشرعية، بل لاحتكارها (او الفوز بها) على الوجهين: الحكومة والرئاسة معا.
و"حماس" قد لا تكون أذكى تنظيم سياسي على وجه الأرض، إلا انها تستطيع ان تلاحظ المخاطر (الانتخابية) الناجمة عن أي محاولة محتملة لإغتيال الرئيس عباس.

ثم، عندما تكون السلطة التنفيذية حق مشروع لـ"حماس"، فان الاعتبارات البروتوكولية التي يمثلها منصب الرئيس لن تستحق إغتيالا يتحول به الرئيس عباس الى شهيد عصره وزمانه.

وفي الواقع، فان الكثير من أوجه سلطة عباس، مستمد ليس من قيمة منصبه كرئيس، وليس من قيمته هو شخصيا (وهو لم يكن ارنستو تشي جيفارا على أي حال)، بل من عنصرين إثنين لا ينفع معهما أي إغتيال. الأول، هو المكانة التي تمثلها "فتح" في حركة التحرر الوطني الفلسطينية (بكل ما تعنيه من تاريخ ومؤسسات وعلاقات)، وهذا مما لا يمكن إغتياله. والثاني، من عجز "حماس" الخاص عن الحكم من دون شراكة "فتح" التي تمثل المنفذ العملي الوحيد لتوفير القدرة على الحكم (واستدراج فرص رفع الحصار)، وهذا مما لا يمكن إغتياله أيضا، لأن حماس ستبدو به كمن يطلق النار على نفسه.

وبعد هذا، فان الزعم بقيام "حماس" بالانقلاب على "الشرعية" او التخطيط لاغتيال الرئيس عباس، لا يعدو كونه خدعة سمجة وبليدة لأناس حمقى كانوا هم الذين يخططون لتنفيذ "إنقلاب". فلما انكشف سترهم، تصارخوا، بأرخص مما كانت تفعل البغايا في شارع محمد علي، ليرموا عارهم على الغير.

والآن، فان الدلائل والقرائن (المادية والظرفية)، فضلا عن الكثير من الوقائع والتصريحات والتهديدات المعلنة، تقول، كلها، ان خطط "فتح" للإنقلاب على الشرعية الفلسطينية، وخطط الرئيس عباس لإغتيال قادة "حماس" كانت من الصلافة والوقاحة وسوء الفطن، بحيث انها لم تأخذ بعين الاعتبار الحد الأدنى من مصالح الشعب الفلسطيني ولا أي من قضاياه المصيرية، لتتحول "فتح" بذلك من "حركة تحرر" الى "حركة تآمر" ضيق الأفق، ولكنه مدمر بدرجة لم يسبق لها مثيل، وليتحول الرئيس عباس من رئيس الى....

مشكلة "فتح" هي السلطة.

ومشكلة "حماس" هي السلطة أيضا، انما الوجه الآخر منها.

عندما كانت "فتح" في السلطة، كان الفساد هو طابعها الأهم، وليس المقاومة.

وعندما تولت "حماس" السلطة، صار التمسك بالسلطة (ولو من دون فساد) هو القضية، وليس المقاومة.
النكتة، هي ان اسرائيل التي تُعيْن اليوم الرئيس عباس وحركته على الإنقلاب على سلطة "حماس"، كانت هي التي تكيل لوجه "فتح" الصفعات تلو الصفعات حتى دمرت كل مراكز سلطتها وحالت دون تنفيذ أي اتفاق تم توقيعه معها، وانتهت الى إغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات، إن لم يكن بالسم، فبعواقب الحصار والدمار المروع الذي لحق به في مقر إقامته.
وفي السلطة لم تتمكن "فتح"، بسبب من جرائم إسرائيل وأعمالها الوحشية ورفضها مبادئ السلام وأسسه ومرجعياته، ما يجعل سلطتها مكسبا لقضية الشعب الفلسطيني.

وحيال هذا السجل، يحتاج المرء ان يكون على الكثير من الوقاحة ليجد نفسه حليفا لإسرائيل في مواجهة فصيل فلسطيني آخر، حتى ولو كان ممثلا لأربع عنزات، فما بالك بحركة تمثل جمهورا عريضا من الفلسطينيين.
وفي السلطة لم تتمكن "حماس"، بسبب من الحصار والمقاطعة الدولية وجرائم إسرائيل المألوفة، من ان تقدم شيئا لناخبيها. ففشل مشروعها لإقامة حكومة تتسم بالنزاهة، لأن النزاهة لم تعد هي القضية، بل عدم القدرة حتى على ممارسة الفساد نفسه.
ومن أجل السلطة عرضت "حماس" على اسرائيل الهدنة، لتقول ان المقاومة لم تعد خيارا استراتيجيا، وانه يمكن وقفها وتشغيلها (مثل غسّالة الملابس) حسب الظروف. فكشفت عن انتهازية ايديولوجية أبطلت مكانتها كجزء من حركة التحرر الوطني الفلسطيني.
وفي السلطة قدمت "حماس" الدليل تلو الآخر على ان قادتها لا ينظرون أبعد من مناخيرهم. فاختاروا لأنفسهم المناصب الرئيسية. وبدلا من ان تكون السلطةُ سلطةً تمثل المشروع الوطني الفلسطيني برمته، فقد بدت (نكاية بالجميع، بمن فيهم فلسطينيو الضفاف الأخرى) "سلطة حماس" وحدها. وعلى الرغم من حاجة تلك السلطة الى ان تتخاطب مع الخارج (على الأقل لكي تخدم نفسها كسلطة)، فانها اختارت محمود الزهار لكي يكون وزير خارجيتها، وليس شخصية من قبيل حنان عشراوي مثلا. حتى لكأنها أرادت ان تقول ان السفارة الوحيدة التي تريد ان تفتحها هي سفارة فلسطين في تورا بورا. وبعد جولة خارجية واحدة اكتشف الزهار انه قد يصلح ليكون خطيبا ناجحا في جامع، إلا انه ليس في لحيته ما يوحي بأي دبلوماسية.

وهكذا، فقد بدا الحصار ليس بوصفه عملا من أعمال الإهانة للخيار الديمقراطي للشعب الفلسطيني، بل وخيارا ذاتيا أيضا. وذلك، كمجرد تعبير عن "طموح ذاتي" بجعل النكد والأذى هو الرمز الشرعي والوحيد للمعاناة الفلسطينية.
ولئن كانت "فتح" تعرف ما جنته من وجودها في السلطة (وهو ما لا قيمة فيه للمشروع الوطني)، فان "حماس" لم تسأل نفسها: بالله، ما قيمة هذه السلطة؟ وما جدوى الدفاع عنها؟

ما ضاع في غمرة هذه "السلطة" هو المشروع الوطني للتحرر الذي لم يمكن الاتفاق عليه (حسب وثيقة الأسرى) إلا بعد فوات الأوان، وإلا بعد ان أثمر الحصار تفسخاً شديد الوطأة في السلطة والاقتصاد والمجتمع، و... إلا بعد ان نضجت مؤامرة الإنقلاب.
فكان ما كان.

كل ما فعلته "حماس" في الإنقلاب على خطط الإنقلاب هو انها أرادت ان تدافع عن سلطتها، لا عن مشروعها الوطني.
كان بوسع "حماس"، وهي تلاحظ ان الطبخة تنضح، ان تقول للرئيس عباس: خذ سلطتك. إشبع بها. عُد لتحولها الى سلطة فساد. وسنعود كحركة مقاومة، وسنلزمك على ان تستعيد لنا حقوقنا المشروعة. فإن لم تنجح، فاننا سنعود لنرفع السلاح في وجه الإحتلال.
كان بوسع "حماس" ان تقول لناخبيها: الغرب الذي ينافق عليكم بالديمقراطية، ها هو يحاصركم بسببها. ونحن سنتنازل عن السلطة، لأننا لا نريد إيذاء شعبنا، ولكننا لن نتنازل عن حقوقنا الوطنية المشروعة، لأننا لا نريد إيذاء قضيتنا المقدسة. والذين لا يعجبهم منا هذا ولا ذاك، سنعود اليهم بالسلاح، لانهم لم يتركوا لنا خيارا آخر.

وهكذا، كان يمكن لـ"حماس" ان تحتل الضفة المعنوية والوطنية المرتفعة، فتزيد شعبيتها، وترفع الحصار، وتحوّل وجودها كـ"سلطة معارضة" الى أداة ضغط جبارة تمنع تقديم تنازلات جوهرية على حساب الحقوق الوطنية المشروعة.
اما "فتح" فقد كانت في ذلك الوقت قد أكملت انتقالها الى صفوف العصابة، التي تبحث عن السلطة بأي ثمن. اما مشروعها الوطني فقد تم تشييعه ودفنه منذ ان تحول الى عقود سمسرة وأعمال نهب وامتيازات فردية (وحنفيات مطلية بالذهب)، فوق المزبلة وتحت سنابك الاحتلال.

والاحتلال كان هو الرابح الوحيد من خدعة الديمقراطية الفلسطينية. أولا، عندما نجح في تحويل النزاع من كونه نزاعا وطنيا ضد الاحتلال الى نزاع بين الوطنيين أنفسهم (يتناحرون على السلطة). وثانيا، عندما أظهر انه يملك ممارسة "الفيتو" على نتائج الديمقراطية. فاذا أعجبته قبل بها، وإذا لم تعجبه رفضها.

في ظرف كهذا، كان يجب ان يواجه الفلسطينيون هذا السؤال: ما جدوى خوض لعبة يقوم الاحتلال (لا أحد سواه) بتغيير قواعدها متى ما يشاء. السؤال الأهم: هل تستحق لعبة بليدة كهذه ان ينحر الفلسطينيون بأيديهم، من أجلها، مشروعهم الوطني للتحرر؟
الجواب الذي قدمته "فتح" و"حماس" (على حد سواء) هو "نعم". لا لشيء إلا لانهما تحولا معا، في لعبة الاحتلال، الى خدم للاحتلال.
ومن ناحيتنا، فان الوقوف الى جانب فلسطيني ضد آخر، هو مثل وقوف المرء الى جانب عينه اليمنى ضد عينه اليسرى. ولئن كانت، كلا العينين، "خسرانة، خسرانة"، فان الحرص عليهما يظل كبيرا، لان المرء لا يدري أي منها سترى الطريق، إذا انجلى عنهما الرمد.
ويقال ان "حماس" (العين اليمنى) ارتكبت "خطأ العمر" عندما دافعت عن سلطتها.
ولكن، ما تفعله "فتح" (العين اليسرى) هو انها ارتكبت خطيئة العمر بتحالفها مع الاحتلال في سعيها لنحر فصيل وطني من اجل سلطة فساد.

الاحتلال هو المشكلة. هو الباطل الذي يتوجب مواجهته أولا، وثانيا وثالثا. وهذا ما يتناساه الطرفان.
فإذا كانت حماس على خطأ،

فإسرائيل على باطل.

والتحالف مع الباطل.. باطل.

وبكل أسف، فان عيننا اليمنى قد تبدو على نصف صواب، ولكنها رمداء الى درجة انه لا يمكن الذهاب بها الى أي مكان.
أما عيننا اليسرى فانها قد تبدو على نصف بصر، ولكنها من عمى البصيرة، الى درجة انها لا تستطيع ان ترى من السلطة إلا الفساد والتواطؤ مع صفعات الإحتلال.

alialsarraf@hotmail.com

 
 
 
شبكة المنصور
الجمعة / التاسع والعشرون / حزيران / 2007