بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

سفالات صغيرة
( بين رؤية الشهر والاحتلال ومرجعياتهما )

 

 

شبكة المنصور

على الصراف

 

لا شيء يمنع ان يصوم الناس يوماً او يومين او ثلاثة زيادةً على رمضان. فالصيام عبادة، وآخره عيد لأنه، على طول أيامه، مبعث مسرّة. بل ويذهب بعض المؤمنين الى صيام رجب وشعبان، كرما وتذللا للباري وإستقبالا لشهر الخير بالخير والتقوى.

وهكذا، فان استباق الصيام بالصيام يوماً، إذا اختلفت "رؤية الشهر"، ليس مما يبعث على الضيق، وليس مما يبرر ان تكون قضية تبعث على الشقاق بين المسلمين.

ولا يتطلب الأمر تضلعا، ليدرك المرء ان الله سبحانه وتعالى لا يؤاخذ مؤمنا إذا فاته يوم، او زاد عليه بنيّة حسنة. وهي قد تفرق عند المؤمن، طاعة ومحبة، إلا انها لا تفرق عند الله كثيرا، وهو الغني عن عباده.

بَيْد ان الصيام خارجاً على غالب الأمة، عاماً بعد عام، "لا بد ان يكون فيه إنّ". وتلك الـ"إنّ" انما هي "إنة" شقاق وتفارق وقسمة، تحرص عليها بعض المرجعيات الإيرانية أكثر مما تحرص على الصيام نفسه.

ويشعر الملايين من الشيعة بالحرج والخجل من أن بعض مرجعياتهم تكرر هذا التفارق بإصرار مشهود، كل عام، حتى ليبدو وكأنهم يقولون انهم يتبعون دينا آخر له مواقيت مختلفة.

والحال، فلو أتيح لهذه المرجعيات أن تعلن حج بيت الله الحرام في يوم مختلف، لفعلت. ومنهم من جربوا في بعض السنوات ان يفعلوها إلا أن إرادة الله كانت هي الغالبة، وأسقط في يد الدجالين.

ولأنهم لا يقدرون، فيما يبدو، أن يقرروا مواعيد الحج، فقد هونوا، في التقاليد الشعبية على الأقل، من حج بيت الله، فعوضوه (في فقه الخزعبلات الروزخونية) بجعل زيارة مرقد الإمام علي بن أبي طالب (ع) (للمقيمين في إيران) ومرقد الإمام الرضا (للمقيمين في العراق) "حجا".

وشاهدنا في ان هذا التفارق مقصودٌ بذاته، حقيقة انه متواتر، حتى ان الذاكرة لا تسعف بشهر صامه الناس على يوم واحد.

ومن العجب ان "رؤية الهلال" ما تزال وسيلة لشق الصف بين المسلمين بينما وصلت تكنولوجيات الرصد حدا يمكنه رؤية كواكب خارج المجموعة الشمسية برمتها، بوضوح كوضوح الليل والنهار. في حين ان القمر لا يبتعد عن الأرض بسوى 384 كليومترا، مما يجعل التدقيق في أمر هلاله أمرا لا يستحق الخلاف ولا التواتر فيه. وأكثر من ذلك، فقد صار يمكن، فوق رؤية الهلال، الوصول الى القمر أيضا.

ولكن تلك المرجعيات انما تغض الطرف عما تتيحه تكنولوجيا العلم، لانها تراهن على "تكنولوجيا الشقاق والنفاق" التي تستمد الكثير من سلطتها منها.

ولئن يشعر ملايين المؤمنين بالحرج، فان تلك المرجعيات لا تشعر بشيء، لأنها من دون حس أصلا.
إن هي إلا سفالات قوم يفقهون من الشقاق ما يفعلون.


ويقول تعالى: "لاّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِير ". (آل عمران 28).

ويقول تعالى: "الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا" (النساء 139).

ويقول تعالى: "... وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً" (النساء 141).

ويقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا" (النساء 144).

ويقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (المائدة 51).

فهل هناك أوضح من هذا تحريماً لموالاة الإحتلال والمحتلين ومنعاً للسير على سبيلهم، وأخذ الأمر منهم؟
ولكنهم أبطلوا العمل بهذا التحريم، وأبطلوا مقاومة الإحتلال ليقولوا ان دينهم هو غير هذا الدين، وأن ربهم المجوسي لم يُنزل القرآن ولا يستوجب من عباده ان يقتفوه.

ولن يغير المنافقون في حكم الله شيئا لو انهم ارتأوا في موالاة جورج بوش شيئا جائزا ومقبولا (على سبيل التكتيك، واستعمالا لتكنولوجيا النفاق) إلا انهم في آخر المطاف يكشفون عن دين لا صلة له بدين المسلمين، وهم إذ يظلمون الناس وأنفسهم، وكل قيم الخير والعدالة والرحمة، فان الله لا يهدي القوم الظالمين.

وها هم في غيّهم سادرون، يتوسلون الاحتلال لكي يبقى لعله يحميهم ويحمي سلطتهم. وها هي مرجعياتهم، الفارسية الهوى، والصفوية التقليد، تتواطؤ مع القتلة والمجرمين وتستفيد من عطاياهم، لتتخذ من ورائهم نفوذا وسلطة ولو على حساب ملايين الضحايا.

وها هي مليشياتهم تعيث في الأرض فسادا، وترتكب من الجرائم ما لم يرتكبه أكثر الوحوش وحشية في التاريخ، من هولاكو الى هتلر وبول بوت.

وهم، إذ وصلوا الى حبيب القلب جورج دبليو بوش (قدس الله سره، وأدام عليهم ظله)، فقد جعلوا من موالاته زواج متعة على سفك الدماء والنهب والتخريب، فأوغلوا وتطرفوا حتى جعلوا من العراق، في غضون أربع سنوات، أرضا يبابا تئن بملايين القتلى والمشردين والجياع والمحرومين والمعذبين، أرضا ترفع يدها، في هذا الرمضان، لتقول: يا رب، إعصف بهم، وإجعل من انتقامك حكمة للعالمين. اللهم اكفنيهم بما شئت.

وها هم، يوالون الغزاة ويُولّونهم على بلد جريح وشعب جريح ليستقوا من دمائه ويستقووا عليه بالغريب، ولكن الله لهم بالمرصاد، بمقاومة الاحرار ضد سادتهم، أفلا تراهم "قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ".

وحيثما ذهب ابو ريشتهم سيذهبون، الى جهنم وبئس المصير. فهل بقيت له جثة ليكون لهذا اليائس قبر؟

ولكنهم، الى ذلك، ذوو سفالات كثيرة.

يعتمدون على الولايات المتحدة، من جهة، ويتحالفون مع إيران من جهة أخرى، فيتوسلون دبابات "الشيطان الأكبر"، ويتحصنون بدعم "الحرس الثوري" في آن معا.

يشردون الناس من منازلهم، ويسألون دول الجوار ان تعامل المشردين "وفقا للمعايير الدولية".

يبكون على ظلم، وظلماً يرتكبون.

ينددون بالطائفية، وطائفيٌ كل ما يفعلون.

يدعون الى المصالحة، ولا يتصالحون إلا مع الذين من طينتهم من اللصوص والمجرمين والأفاكين.

ينبشون ما يزعم انه "قبور جماعية"، ويقتلون حتى لم تعد تتسع للجثث قبور.

لديهم وزراة لحقوق الانسان، وهم يعتقلون أبرياء من دون أدلة ولا محاكمة وبالمثاقب الكهربائية يعذبون المعتقلين، وحتى اليتامى يغتصبون، وينالون أوسمة على ما ينتهكون من أعراض النساء.

ولديهم هيئة للنزاهة، وبالمليارات ينهبون، علنا، وعيني عينك، وكلهم ببعضهم يعرفون.

ولكنهم ليسوا من دون طرافة أيضا، وسفالاتهم ليست كبيرة دائما.

الأسبوع الماضي، وبينما كان ولي نعمتهم (المحلي) ديفيد بيترايوس يواجه الاستجواب من لجان الكونغرس، أصدروا بيانا رحبوا فيه بتقريره عن "التقدم" الذي يتحقق (بفضل انحطاطهم) في العراق. ووصفوا التقرير بانه "إيجابي وشفاف" (وحلو) وكأن الكونغرس ينتظر منهم شهادة لمعرفة الحقيقة من الأكاذيب.

وخرجوا ليرحبون ويحذرون وكأنهم بالعير والنفير امام الاستراتيجيات التي يضعها سادتهم وأولو أمرهم، وهم لا بالعير ولا بالنفير، إلا ما كان منه جرائم تُرتكب لتمرير تلك الاستراتيجيات.

وفي يوم يخرج كبير عضاريطهم للقول انه يدعو دول الجوار الى "عدم التدخل في شؤون العراق"، وفي يوم آخر يخرج ليدعو دول الجوار ذاتها (إلا إذا كان للعراق دول جوار غيرها) الى "بذل المزيد من الجهود لإنهاء إراقة الدماء في العراق". ولا أحد يعرف كيف ستبذل هذه الدول تلك الجهود من دون ان "تتدخل في الشؤون الداخلية"؟

ولئن كانت مليشيات أقنان الاحتلال وجرذانه، هي التي تسفك الدماء، فلا أحد يعرف كيف لا يكون من الحكمة اعتقال قادة حكومة المليشيات كخطوة أولى "لوقف إراقة الدماء".

وبينما قضي في أعمال "إراقة الدماء" أكثر من مليون قتيل، وتعرض خمسة ملايين إنسان للتهجير والتشرد، وبينما تجري أعمال التقسيم الطائفي بين المدن والأحياء، وبينما يقصف المليشياويون هذه الأحياء خبط عشواء على أساس طائفي، فما زال لدى ذلك العضروط من الوقاحة ما يكفي للقول ان العراق "نجح" في عدم الانزلاق الى حرب أهلية. ولا أحد يعرف ماذا ستكون الحرب الأهلية، إن لم تكن هي نفسها ما يفعله؟

وثمة من هذه الطينة مَنْ هو أطين منها ليقول: "ان هدف الحكومة العراقية هو تحقيق الإكتفاء الذاتي في المجال الأمني بأسرع وقت"، وكأنه يتحدث عن حنطة وشعير.

ولكن، مثلما لا يُرى هلال رمضان إلا متأخرا بيوم، فلعله من حسن حظ الشرف والإيمان والخير، ان هؤلاء الأنجاس لن يروا قمر التحرير مشرقاً إلا متأخرين.

وحتى ذلك اليوم، فهم لئن قالوا ما يقولون، او فعلوا ما يفعلون، فهذه كلها لا تغير في الأمر شيئا، وهي غير ذات قيمة. إن هي إلا سفالات صغيرة وعلينا ان نتعايش معها.. الى حين.


alialsarraf@hotmail.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

السبت / 15 / أيلول / 2007