بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

الخطر الايراني واكذوبة ملء الفراغ في العراق

 

 

شبكة المنصور

عوني القلمجي

 

عجيب امرهم معشر المحتلين ، فكلما اقترب موعد انتصار المقاومة العراقية على قوات الاحتلال ، كلما ازاد ت ضحالتهم وصلفهم وكثرت اكاذيبهم واراجيفهم ، عساها ان تجنب بوش الهزيمة والمهانة . فبالامس القريب حدثونا عن حرب طائفية واهلية لا تبقي ولا تذر اذا ما انسحبت قوات الاحتلال من العراق ، في حين نجد شعوب الارض تحتفل بمثل هذه المناسبة وتجعل منها عيدا وطنيا. واليوم يهددونا باحمدي نجاد وعزمه على ملء الفراغ وعندها سنترحم على الغزاة الامريكيين.

ليس معشر المحتلين وحدهم من روج هذه الاوهام ، فعرب الردة وامراء الخليج العربي وجامعتم العبرية كانت لهم حصة فيها. فلطموا الخدود وشقوا الجيوب حزنا على ضياع العراق اذا ما غاب "حماته الامريكيون"!!!. فانبرى كل واحدا منهم يحذر من انسحاب امريكي مفاجئ او غير مدروس. ومن المؤسف حقا ان تجد هذه التخرصات والاراجيف ، صداها عند بعض الوطنيين المناهضين للاحتلال وولدت لديهم مخاوف وصلت حد مطالبة المقاومة العراقية بتحرير العراق من التواجد الايراني اولا ، كونه اخطر من الاحتلال الامريكي. بل ان هذه العدوى وجدت طريقها لدى اطراف محسوبة على المقاومة واتخذت منها ذريعة لاجراء مفاوضات مع الامريكيين لتحقيق مصالح فئوية ضيقة ، بعضها فاوض بامر من قياداتها والبعض الاخر من دون علمها ، مستغلة الموقف العام من المفاوضات والقبول بها في الوقت المناسب بما يؤمن تحقيق مطالبها المعروفة. ويدخل ضمن هذا الاطار ، ما يشاع عن عقد اجتماعات في القريب العاجل في احدى الدول العربية ، لاحياء مؤتمر دمشق الذي تم تاجيله من قبل السوريين واعلان جبهة تضم هذه الاطراف وغيرها لدعم موقفها التفاوضي . فليس غريبا ان تتزامن هذه الاجتماعات مع البيانات والتصحريات التي صدرت عن بعض القوى المعنية والتي استبعدت فيها المقاومة العراقية المسلحة عن اي اتقاق ، كونها لا تمثل كل الشعب العراقي من جهة وانها غير مؤهلة للمشاركة في ادارة الدولة التي ستنبثق عنه من جهة اخرى.

مرة اخرى نجد انفسنا امام خيار الرد على معشر المحتلين وتخرصاتهم وعلى اصحاب مشاريع الجبهات على طريقة الوجبات السريعة وتحذيرهم من مغبة السير في هذا الطريق الملغوم بالاعيب وخدع المحتل الامريكي. ولكي لا نطيل اكثر ، فان مخاوف العراقيين من الخطر الايراني على الرغم من وجوده ، لا تستدعي غض النظر عن الخطر الاكبر المتمثل بالاحتلال الامريكي تحديدا. فاحمدي نجاد حين اعلن عن استعداده لملء الفراغ ، فانما اراد من ذلك تاييد شهادة بترايوس امام الكونغرس الامريكي حول استغلال ايران لاي انسحاب للقوات الامريكية وقيام قواتها باحتلال العراق. هذا التهديد بملء الفراغ من قبل ايران اكذوبة سمجة ، كونها تتعاكس مع ظروف العراق ، حيث يجري الصراع داخله بين قوتيين عظميتين هما المقاومة العراقية وامريكا وان هذا الصراع لن ينتهي الا بانتصار احد الطرفين وفي كلتا الحالتين لا مكان لايران او غيرها في العراق المحرر.
لقد ظهر هذا المصطلح الى الوجود بشكل واضح ، بعد اعلان بريطانية انسحابها من الخليج العربي عام 1956 جراء هزيمتها في العدوان الثلاثي على مصر. حيث تقدم ايزنهاور رئيس الولايات المتحدة انذاك لملء الفراغ الذي تركته بريطانية طواعية في المنطقة ، لكي لا تقع بيد الاتحاد السوفيتي انذاك وتحرم من مخزونها النفطي الذي يشكل عصب الحياة للصناعة الغربية عموما. ثم تطورت هذه السياسة بعد حصول معظم الدول على استقلالها السياسي الى نظرية جديدة سميت بالاحتواء المزدوج. ومع ذلك لم يتورط ايزنهاور حينها وادخل قواته العسكرية الى المنطقة كبديل لقوات الاحتلال البريطانية ، تجنبا للمصير ذاته الذي انتهت اليه بريطانية العظمى. وانما سلك طريقا اخر تمثل في تقديم مساعدات سياسية واقتصادية وعسكرية لدول المنطقة ، ليتمكن من خلالها فرض التبعية على دولها ، وسميت هذه السياسة حينها بالاستعمار الحديث.

لقد جاءت سياسية ملء الفراغ هذه كـ امتداد منهجي وزمني لنظرية جورج كينان المشهورة ، والتي تبلورت في ما بعد بما عرف بمبدأ ترومان لاحتواء الاتحاد السوفيتي واعتمدت على اربعة محاور هي ، خطة مارشال لمساعدة أوربا ثم تشكيل الحلف الاطلسي ، ثم برنامج المساعدات للدول الفقيرة. وابطال مفعول نظرية الدمينو أي أن تداعي دولة لتقع تحت النفوذ السوفيتي يؤذن بتداعي الدولة المجاورة. ومضت السياسة الأميركية لإحتواء الاتحاد السوفيتي لتصبح معلماً للسياسة الدولية.

اما ما يشاع عن وجود صفقة يتم بموجبها تسليم العراق لايران مقابل تامين امريكا لمصالحها الحيوية في العراق والمنطقة ، فهذه مجرد اراء سياسين مغمورين او مهوسين بالتحليلات النظرية او من قبل دوائر مرتبطة بالاحتلال لاشغال المقاومة والانصراف عن واجباتها الرئيسية. فامريكا لم تأت الى العراق وتتحمل كل هذه الخسائر وتفقد هيبتها وسمعتها بين الخليقة ، لتسلم العراق الى ايران او للمقاومة العراقية حتى اذا كان مقابل ذلك الحصول على نفط العراق كله. فاحتلال العراق كان بمثابة الحلقة المركزية في بناء مشروع امبراطورية امريكية كونية ينتهي التاريخ عند ابوابها. وان التنازل عنه يعني نهاية الحلم الامريكي الذي يسعى الى تحقيقه كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء ، وبالتالي فان الانسحاب الامريكي يتحقق فقط عندما تفقد قوات الاحتلال قدرتها على الصمود وان تبلغ خسائرها حدا لا يتحمله الشعب الامريكي. وحين تاتي هذه اللحظة ، فان الطرف الذي تعقد امريكا الاتفاق معه ووفق شروطه هو المقاومة العراقية.

واستكمالا لهذه الدعاوى والاوهام وتمريرها ، هناك مرافعة اكثر عقلانية وخطورة ، كونها تنطوي على قدر معين من الواقعية ، حيث رسمت صورة متشائمة تجعل من امل وفرحة التحرير كابوسا مفزعا ، قوامها ان المقاومة العراقية ستواجه بعد انسحاب قوات الاحتلال ، حرب تحرير اخرى ضد القوات الايرانية اشد ضراوة من الاولى ،. ومن ضمنها، ان ايران تسعى في كل وقت لتحقيق اطماعها التاريخية في العراق ولن تفوت مثل هذه الفرصة الذهبية. خاصة وانها قد اعدت العدة لليوم الموعود. حيث بنت في فترة الاحتلال مرتكزات سياسية واجتماعية واقتصادية وامنية وحتى عسكرية وتوسع نفوذها في العراق. ومما يمكنها من تحقيق هدفها المنشود ، تضيف هذه المرافعة ادلة اخرى. فتضع الشيعة في سلة واحدة وتعتبرها موالية على اساس ان احزاب الحكومة النافذة هم من الشيعة . وان ايران ستستفيد من ميليشيات هذه الاحزاب المسلحة ، والتي تفوق من حيث العدة والعتاد والتدريب العالي امكانات فصائل المقاومة مجتمعة. وان الشيعة حققوا مكاسب لم يحلموا بتحقيقها يوما وسيقاتلون بضراورة من اجل الاحتفاظ بها وفي مقدمتها التفرد في حكم العراق.

كل هذه المرافعة بعناصر القوة والضعف فيها . تفقد قيمتها امام الوقائع العنيدة. فالاطماع والاحلام شيء وتحقيقها شيء اخر. فالخميني مات كمدا جراء فشله في احتلال العراق بعد حرب طال امدها ثمان سنوات من جهة . وجراء وقوف شيعة العراق ضد قواته الغازية من جهة اخرى. كما ان الشيعة ليست حفنة موالية لايران ، فهم عرب اقحاح وعراقيون يعتزون بعروبة العراق وتاريخه وحضارته وشاركت في الدفاع عنه ضد الغزاة والمعتدين البريطانيين بين عامي 1914 و1917 وفضلوا حكم الاتراك السنة على حكم البريطانيين، لتتوج تلك المشاركة في ثورة العشرين المجيدة. واليوم تقاتل شيعة العراق كتفا الى كتف مع باقي فصائل المقاومة العراقية وعلى وجه التحديد في المناطق الجنوبية من العراق ، والحقت الهزيمة بالقوات البريطانية المحتلة. ولا يغير من هذه الحقيقة ارتباط حفنة منهم بايران فعلا ،فهناك بالمقابل حفنة من السنة مرتبطة بالسعودية او امريكا او كليهما . وليس في هذا ما يعيب ، فالخيانة والولاء للاجنبي ظاهرة تشترك فيها كل شعوب شعوب العالم.

اما مرتكزات ايران العسكرية والسياسية والاقتصادية والامنية ، فهي في منطق الحسابات لا تعادل المرتكزات المشابهة التي بنتها امريكا في العراق ومنها القواعد العسكرية العملاقة في انحاء مختلفة من البلاد ، لما تحتوي عليها من معدات واسلحة متطورة بما فيها اسلحة الدمار الشامل وتكفي امريكا لدخول حرب نظامية مع اقوى دولة في العالم. كما ان مليشيات ايران التابعة لحزب الحكيم والمالكي وجيش المهدي بعدتها وعديدها لا تساوي شيئا امام جيش المرتزقة الذي بلغ تعداده 200 الف حسب اخر الاحصيائيات ، بل لا تساوي قوة وكفاءة مرتزقة شركة بلاك ووتور لحماية القواعد العسكرية والمراكز الحكومية والمنطقة الخضراء. ناهيك عن الفارق بين مرتزقة المحتل ومرتزقة ايران ، حيث الاولى منظمة ومنظبطة ضمن قوانين وتعليمات صارمة وتؤدي عملها لقاء اجور مغرية فحسب ، في حين يعمل كل طرف من مرتزقة ايران لحسابه الخاص وتصل الخلافات فيما بينها حول المكاسب الى درجة الاقتتال ، وفي كل الاحوال نسال : ترى اين قوات الاحتلال واين مرتكزاتها واين مرتزقتها؟ الم تتهاوى امام ضراب المقاومة العراقية؟ ان من يهزم امريكا قادر على الحاق الهزيمة بايران ومليشياتها المسلحة.

يبقى الادعاء من ان مرتزقة ايران ستقاتل للحفاظ على مصالحها ، فان معشر المحتلين لم يحدوثنا عن نوع هذه المصالح أو عن مشروعيتها ، لانها ببساطة شديدة جدا مصالح اساسها السرقة والنهب وتجميع المال والثروة. وهذه ليست من مقومات القتال والصمود ، وانما من مقومات الانهيار والسقوط ، في حين ان مصالح المقاومة واضحة وصريحة قوامها ، تحرير العراق واستعادة استقلاله وسيادته ووحدته الوطنية واعادة بنائه واقامته على اساس الديمقراطية والتعددية وسيادة القانون. ترى هل هناك عراقي واحد مخلص لوطنه يرفض القتال والتضحية من اجل هذه المبادئ النبيلة؟ الم تشكل هذه المبادئ العمود الفقري لمقاومة المحتلين وتحقيق الانتصارات الواحد تلو الاخر؟.

لهؤلاء وغيرهم من معشر المحتلين نقول ، ان المقاومة واعية تماما لطبيعة الصراع وتتبع مجراه الرئيسي المؤدي الى طرد قوات الاحتلال الامريكي وتطهير ارض العراق من رجسها ، وان من يملا الفراغ في العراق الان او بعد التحرير هي المقاومة العراقية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب العراقي ولا مكان فيه لايران واتباعها من الخونة والمرتزقة والافاقين.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاربعاء /  14 رمضان 1428 هـ  الموافق  26 / أيلول / 2007 م