عوني القلمجي

شبكة المنصور

 

 

 

راهن بوش على نجاح خطة فرض القانون  بعد ان وفر لها  كل المستلزمات المطلوبة عسكريا وسياسيا واعلاميا ، وبدت خطواتها الاولى مهيبة ومرعبة ،  حيث تحولت بغداد الى ثكنة عسكرية. وبعد هروب الصدر وقادة مليشياته القذرة ، انخفضت نسبة معدلات جرائم القتل والسيارات المفخخة التي استهدفت المدنيين الابرياء ، رافقها تراجع في عمليات المقاومة ، حتى شبّه لبوش بان المقاومة انتهت ولم تعد لها قائمة ، ولم يدر بخلده ، لشدة غبائه ، بان تراجع المقاومة امام الهجوم الشامل على العاصمة العراقية بغداد وضواحيها ، انما هو اجراء  تكتيكي  الغرض منه  تقييم الخطة والتدقيق  في مفاصلها  ودراسة نقاط القوة والضعف فيها  من جهة ، ومن جهة اخرى حماية مقاتيليها من الاسر او الاعتقال واخفاء ما لديها من اسلحة ومعدات وتغيير اماكنها وتجهيز الخطط العسكرية اللازمة للانقضاض عليها.

 كان من المفترض ان يستغرق ذلك التراجع  فترة طويلة نسبيا. لكن المقاومة العراقية خرقت كل دروس التاريخ وتجارب الشعوب في حروب التحرير . حيث تصدت ، بعد ايام معدودات ، لهذا الهجوم البربري وكسرت حدته في اماكن متعددة من بغداد. لكن المفاجئة التي اذهلت قادة الخطة  وجعلتهم  يجرون تغيرات عليها  ، هو ذلك الهجوم الشجاع الذي شنته المقاومة العراقية على القاعدة العسكرية في الطارمية ، التي تبعد عدة كيلومرات شمال بغداد وتدميرها وقتل اكثر من خمسين جندي امريكي ، وفي نفس الوقت تزايد سقوط  طائرات الهليكوبتر بكل انواعها المتطورة والمحصنة ضد الصواريخ ، لتنهي المقاومة ما تبقى لقوات الاحتلال من غطاء جوي امين ومضمون. الامر الذي اضطر قوات الاحتلال الى تخفيض عدد طلعات طائراتها  الجوية لتجنب المزيد من الخسائر.  

 هذا الهجوم على قاعدة الطارمية والذي وصفه المحتل بالهجوم المنسق والدقيق  ، مر مرور الكرام  ، على الرغم مما ينطوي عليه من معاني ودلالات كبيرة. حيث شكل  تحديا لاكثر من مئة الف  عسكري انتشروا في بغداد ،  واستهانة بكل الاجراءات الاحترازية التي حظيت  بها قواعد المحتل العسكرية ،. وأكد  على  خبرة واسعة في التعامل مع مبدأ الحركة السريعة والمناورة والسرية التامة واختيار الاهداف الصعبة في الوقت المناسب واظهر ارادة وشجاعة المقاومين ومدى ترسخها في  داخل النفوس وفي العقول والقلوب والوجدان.

 ان يجهل بوش كل هذه الامور وان يصيبه العمى حول واقع العراق وطبيعة مجتمعه ومدى كرهه للغزاة والمستعمرين ، فهذا ينسجم مع غبائه المعهود.  اما تغاضيه عن واقع المقاومة العراقية وقامتها الطويلة واستحالة انهائها او حتى الحد من عملياتها ، فهذا من الصعب على المرء ادراكه ، اللهم الا اذا باع بوش امريكا للصهيونية العالمية التي تسعى الى تحطيم العراق وتمزيقه ومحوه من خارطة العالم  حتى اذا تطلب الامر القتال باخر جندي امريكي.

لندع بوش والصهيونية والمحافظين الجدد  يتخبطون  في اخطائهم  واحلامهم واوهامهم بالنصر المبين .   فالخبراء العسكريون الامريكيون وغيرهم حكموا مسبقا على هذه الخطة بالفشل ، واعتبروا زيادة عشرين الف جندي  هزيلة وغير مجدية لانقاذ مشروع الاحتلال من السقوط  ، واكدوا على ان الامر يحتاج  الى نصف مليون جندي على اقل تقدير. وهذا ليس بمقدور بوش  تامينه كونه  يستنفذ كل قدرات الجيش الامريكي وكل خزائن امواله.  اما اذا استجار بوش ، كما يشاع ، بقوات من جنسيات مختلفة وربما يكون من بينها قوات عربية واسلامية ، فان هذه القوات ستكون مهزومة نفسيا ومعنويا قبل وصولها ، وليس قبل اشتراكها  في اي معركة ضد المقاومة العراقية ، لسبب بسيط  هو سقوط المبررات المعروفة التي استند اليها بوش لاحتلال العراق وورط جنوده على اساسها ، اضافة الى ماساوية النتائج التي ترتبت على الاحتلال  ، حيث الدمار والخراب قد عم انحاء العراق وقتل الابرياء جاوز المئة كل يوم وتردت جميع الخدمات الضرورية وانعدمت مقوامات الحياة الاساسية واستشرى الفساد في جميع مؤسسات الدولة المصطنعة والقائمة بهذا الخصوص طويلة ومؤلمة. ناهيك عن انهيار مشروع الاحتلال ذاته ، حيث التحالف المساند للاحتلال تفكك في السر والعلن  واخذت دوله بالهروب الواحدة تلو الاخرى ، حتى وصلت العدوى الى بريطانيا  الحليف الرئيسي لبوش .

 اذا كانت كل الدلائل تشير الى هزيمة امريكا لا محال ، ترى ما مدى نتائجها وهل ستقتصر على العراق  وحده ؟ ام انها ستمتد الى عموم منطقة الشرق الاوسط  ثم العالم اجمع لتنهيها في اخر المطاف كقوة عظمى وحيدة ومتفردة ، الامر الذي سجبرها على الانكفاء الى داخلها ثم تنهار كما انهارت الامبراطوريات التي سبقتها وبطريقة دراماتيكة اشد واقسى.؟

 منذ بداية النصف الثاني من القرن الماضي ، وتحديدا بعد الحرب العالمية الثانية ولحد العدوان على العراق واحتلاله ، ظهر العديد من المفكرين ومن جنسيات مختلفة ، توصلوا من خلال مؤلفاتهم القيمة والمستندة الى تحليل دقيق لطبيعة امريكا ومجتمعها واقتصادها وقوتها العسكرية والطبيعة العدوانية لسياساتها الخارجية ، توصلوا ، الى نتيجة حاسمة  تنذر بفشل مسعى الادارات الامريكية المتعاقبة  للتحكم بشؤون العالم وتقرير مصير شعوبه وبناء الامبراطورية المنشودة.  ليس هذا فحسب وانما اكدوا  ايضا على ان المصير الذي ينتظر امريكا  كقوة عظمى مصير مظلم وقاتم . هكذا تحدث  الألماني شبنغلر  وليس زرادشت في  كتابه تدهور الحضارة الغربية  ثم ويلي ولسن الانكليزي في كتابه سقوط الحضارة ثم  جيمس دوبنز، المحلل في مركز "راند كوربوريشن" للأبحاث وشون كاي، الأستاذ الجامعي في أوهايو ونعوم جومسكي وبرجنسكي وغيرهم .  وقبل اربعة عشر عام  نشر المؤرخ الشهير بول كندي في مؤلفه البارز: "صعود وأفول القوى العظمى ، الذي اعتبر  بحق تشخيصا دقيقا للعهد الصناعي الذي بدا مع الثورة الصناعية الإنجليزية في نهاية القرن السابع عشر إلى نهاية عصر ريغن وبوش وافتضاح "أسطورة" حرب النجوم.

 ولقد وقف كندي من خلال هذا المؤلف وغيره  على لازمة تاريخية صاحبت كل الإمبراطوريات الكبيرة التي عرفها التاريخ الحديث والمعاصر منذ بريطانيا الفكتورية وامبراطورية نابليون بونابارت مرورا بهتلر وانتهاءا بالاتحاد السوفياتي.  وخلاصتها  أن توسيع الإنفاق على المجهود الحربي ، يحيل بالضرورة إلى اختلال واسع في ميزانيات الدول ، مما يؤدي إلى صعوبات تفضي عاجلا إلى انهيار الإمبراطورية وزوالها. وكانت استنتاجات بول كندي معززة بقراءاته المستفيضة من التاريخ . لينتهي  الى كتابة  سلسلة من المقالات قبل العدوان على العراق بشهور ، تنبأ فيها  بظهور مقاومة عراقية  قادرة على الحاق الهزيمة بامريكا  وباسلحة بدائية بسيطة وبعمليات استشهادية لم تالفها من قبل. اما مؤلف كتاب «تناقض القوة الأمريكية» جوزيف ناي، الذي كان يعمل مساعداً لوزير الدفاع السابق في حكومة بيل كلينتون وهو الآن عميد جامعة كينيدي في هارفارد، فقد حذر في نهاية كتابه ، الحكومة الأمريكية من المصير الذي قد تجد نفسها منساقة إليه ، والذي يشبه مصير الإمبراطورية الرومانية ، التي فسدت من داخلها، وذلك للتناقضات الكبيرة الموجودة في سياسات القوة الأمريكية. واخيرا وليس اخرا ، فها هو شاهد من اهل البيت المفكر الامريكى المعروف فرانسيس فوكوياما صاحب نظرية نهاية التاريخ ، ذكر فى مقال أخير - رغم ما به من نهاية متفائلة  في قدرة امريكا على استيعاب الكوارث!!- اذ اعترف بأن نظرة على صورة العالم اليوم تصيب بالغم وتثبط  الهمة : فوضى فى العراق ، طموحات نووية ايرانية ، تزايد النفوذ الروسى باستخدام الثروة النفطية ، كوريا الشمالية النووية ، انتصار اعداء أمريكا فى انتخابات أمريكا اللاتينية خاصة فنزويلا وبوليفيا والاكوادور. وان النموذج الديمقراطى الامريكى أصبح يرمز إليه بسجناء "أبى غريب" معصوبى العينين أكثر مما يرمز إليه تمثال الحرية الشهير!

  صحيح ان بدايات القرن الحادي والعشرون. اظهرت  تفوق امريكا الواضح  وامتلاكها ناصية القرار العالمي وتنامي قدراتها العسكرية والاقتصادية والسياسية والاعلامية ، لكن الصحيح ايضا بان ادارة بوش لم توظف هذه الامكانات لصالح الشعب الامريكي وشعوب العالم وتامين السلم والاستقراء فيه ،  لتتبوأ المكان اللائق بها كقوة عظمى ، بل وظفها باتجاه اخر وجعل من امريكا اكثر عدوانية بهدف السيطرة على العالم والتحكم بمقدرات شعوبه وفرض قوانينها عليه ، من خلال استخدام القوة الملتحفة بشعار من ليس معنا فهو ضدنا والاخذ  بقانون الغاب باستخدام الحرب الاستباقية والحرب الوقائية والخروج على القوانيين والاعراف الدولية وشن الحروب واحتلال البلدان الامنة لمجرد عدم الخضوع  لمشيئتها. وكل هذا سيؤدي لا محال الى نفس المصير المفجع الذي انتهت اليه الامبراطوريات السابقة.  ومن علامات السقوط العظيم  انهيار احلام  لوبي الصقور المؤثر في قرارات البيت الأبيض الأمريكي التي وردت على لسان ريتشارد بيرل ودافيد فروم في كتابهما الجديد "نهاية الشر: كيف نربح الحرب ضد الإرهاب"  .  فلا استطاعت امريكا دعم انقلاب على حكم الملالي في إيران قبل التحالف معها في العراق وافغانستان ، ولا هي إنهت الحكم في سوريا، ولا اقدمت على مواجهة الاسلام السعودي باعتباره يشكل خطرا على الأمن الأمريكي، حسب ادعائهم ، ولا استطاعت تركيع فرنسا للسياستها متى تشاء  ولا نجحت في  ارغام ذيلها بيلر على البقاء في العراق  ولا حتى ان تضع بريطانيا مسافة استراتيجية بينها وبين أوروبا. كما لم تتمكن من اخضاع الأمم المتحدة ، على ضحالتها ، بإعادة كتابة ميثاقها بما يسمح لأمريكا بالدفاع عن أمنها او الانسحاب من الهيئة الأممية. بل ان الدول التي كانت تحت سيطرتها في امريكا الجنوبية قد تمردت عليها واصبحت معادية لها ، فنزويلا ونيكراغاوا وبوليفيا نموذجا. اما شعوب العالم ووقوفها ضد سياسة بوش فقد اخذت بالازدياد مع مرور الايام.

 ولكن اكثر ما في هذا السقوط من علامات واضحة واكيدة ،  هو تلك القدرة الهائلة التي امتلكتها المقاومة في مواجهة قوات الاحتلال  والتاييد الشعبي الواسع الذي حظيت به والارادة القوية على تحرير العراق والتي بمجموعها ستفضي الى اجبار امريكا على اعلان هزيمتها على الملآ ، ومثل هذا الاستنتاج لا يدخل في عالم الاحلام او الوهم ، وانما بدات مؤشرات الهزيمة  تلوح في الافق ، الامر الذي سيجعل من بوش اسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية فعلا وليس قولا.

 ترى هل سيسعفنا الحظ ويمد الله في اعمارنا  لنشاهد امريكا وقد اعلنت عن هزيمتها في العراق وفي العالم ويكون القرن الواحد والعشرين قرن المقاومة العراقية العملاقة وليس قرنا امريكيا؟.

 

 

 

 

                                      شبكة المنصور

                                    25 / 02 / 2007

هل بدأت هزيمة امريكا  وهل تحطم  مشروعها الكوني ...؟؟؟