عوني القلمجي

شبكة المنصور

 

                                     

 

       

كما كان متوقعا فان خطة امن بغداد فشلت ، واصبحت بحاجة  لمن يحميها. فخلال الشهرين الماضيين ازادت خسائر قوات الاحتلال البشرية والمادية وازداد معها الإنفاق العسكري وتجاوز الحدود المتوقعة.

 والمنطقة الخضراء تغير لونها الى الاحمر من شدة القصف الذي تتعرض له ، والاختراقات الأمنية طالت البرلمان العراقي وهو في القلب منها.

 وعلى الجانب السياسي انفرط عقد تحالف سلطة الاحتلال. 

 فالصدريون  انسحبوا من الحكومة والخلاف بين حزب الفضيلة وجماعة عبد العزيز الحكيم في جنوب العراق وصل حد الصدامات المسلحة وزعماء المليشيات الكردية هددوا بالانسحاب اذا لم يحصلو على كركوك .

 اما فرق الموت فعادت الى العمل الاجرامي بعد تلقيها الاوامر الامريكية – الايرانية بالتواري مؤقتا لانجاح خطة امن بغداد ، لتتوالى مشاهد الموت والدمار ومنطقة الصدرية نموذجا.

 على الضفة الاخرى البعيدة ، تصاعدت وتيرة الاحتجاجات والمعارضة للحرب في العراق ، لتصل الى داخل امريكا على المستويين الشعبي والرسمي ، وكان  ابرزها تشديد الحزب الديمقراطي الخناق على بوش ورفض منحه المساعدات المالية المطلوبة قبل الموافقة على تحديد جدول زمني للانسحاب ، وهددوا بعزله وفق لائحة من الاتهامات اعدتها لجنة مختصة من بينها :

 الكذب على العالم من أجل شن الحرب على العراق، التفويض لتعذيب آلاف المعتقلين، إدارة معتقلات سرية يسودها التنكيل، استخدام أسلحة ضد الأفراد فى مناطق سكنية مأهولة فى العراق، التنصت بشكل غير مشروع على ملايين الأميركيين من دون إذن قضائي، الترويج لهيمنة الولايات المتحدة على العالم، وما يستتبع ذلك من تسهيل عملية تطوير أسلحة الدمار الشامل... وربما استخدامها! وفي هذا الصدد تبنّى مجلس الشيوخ في ولاية فيرمونت الأميركية الشهيرة بأفكارها السبّاقة ، قراراً يدعو الكونغرس في واشنطن الى بدء إجراءات عزل الرئيس جورج بوش. على الرغم من ان هذه الخطوة تعتبر رمزية ولا تملك حظوظاً جدية لتنفيذها.

ورغم هذا الوضع المتردي ، لم يزل بوش مصرا على تحقيق النصر ويرفض اي كلمة حول الانسحاب سواء دفعة واحدة او وفق جدول زمني ، وهو في ذلك يراهن على تحقيق نجاح سياسي ، يبعث الروح في العملية السياسية وينفخ في صورة الحكومة العميلة وياخذ بيدها لمساعدته على تجاوز المحنة ، من خلال اجراء مصالحة شاملة بين احزاب السلطة من جهة وبينها وبين القوى المناهضة للاحتلال من جهة اخرى . 

 وضمن هذا الاطار تدخل زيارة وزير دفاعه روبرت غيتس الى العراق ، فهو اتى وبيده اليمنى انذارا للحكومة بان صبر امريكا قد نفذ ، وباليسرى دعوة الى تسريع عملية المصالحة  ومد اليد للسنة ، منبها الى أن التعزيزات الأميركية تهدف الى افساح المجال أمام تحقيق تقدم سياسي وليس لوقف القتال فحسب. وطالب غيتس في ختام لقائه بنوري المالكي تمرير مشروع قانون "المساءلة والمصالحة" الذي يهدف لتهدئة الانقسامات الطائفية ، قائلا إن "التقدم في إحراز المصالحة عنصر هام في تقييمنا في نهاية الصيف".

 ضمن هذا السياق تاتي مراهنة بوش على مؤتمر شرم الشيخ الذي سيعقد في الثالث والرابع من الشهر القادم .  وامله في ان يكون دور الانظمة العربية  فيه مؤثرا هذه المرة ، كما يامل بالمقابل ان يضفي الحشد الدولي شرعية اقوى لمشروع الاحتلال ، حيث سيحضر المؤتمر دول الجوار اضافة الى منظمة المؤتمر الاسلامي والامم المتحدة والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن والدول الاعضاء في مجموعة الثماني كندا والمانيا وايطاليا واليابان والاتحاد الاوروبي.

 ان يشكل هذا المؤتمر تظاهرة اعلامية سياسية ضخمة ، تمنح بوش شيء من الدعم واضفاء صفة المشروعية على استراتيجيته الجديدة ومشروعه الاحتلالي ، فهذا امر لانجادل حوله ، لكن الامكانية في ان يقدم المؤتمر مساعدة فعلية لبوش لانقاذه من الهزيمة ، فهذه امكانية غير قابلة للتحقيق.  فالمؤتمر العتيد هو امتداد لمؤتمر سبقه ، عقد في بغداد في العاشر من شهر اذار الماضي وبحضور نفس الاطراف وكان نصيبه الفشل الذريع. فالذين حضروا المؤتمر اما مرغمون او مكرهون واما خشوا على انفسهم من مواجهة مع امريكا او ظن البعض بان ينال نصيبه من الغنيمة. لكن بوش الذي اجبر على الاعتراف في ادخال تلك الدول كعنصر جديدة لمباركة  سياسته  في العراق ، تمسك في الانفراد بسياسته الاحادية الجانب ورفض التخلي عن نزعة الهيمنة والغطرسة والتفرد بادارة شؤون العالم وتمسكه الشديد في اتخاذ القرارات التي تتعلق بمشروع الاحتلال ، الامر الذي منع هذا الحضور من المضي قدما في تاييد سياسته  الخائبة. والامر ذاته شعر به عرب امريكا الذين  يحضرون مثل هذه المؤتمرات على امل تحقيق مكسب ما لجهة ضمان سلامة كراسيهم .

 حيث وجدوا بوش وقد تمسك اكثر بخططه في اعادة رسم خارطة جديدة للشرق الاوسط  تضمن المصالح الحيوية والاستراتيجية للولايات المتحدة وتضمن ايضا مصالح وسلامة وامن الكيان الصهيوني .

 وهذا من شانه تهديد الانظمة القائمة واستبدالها بانظمة اخرى اشد ولاءا للولايات المتحدة واكثر استعادا لتقديم التنازلات غير المحدودة للكيان الصهيوني والاعتراف به كما هو بما فيه التنازل عن حق العودة للفلسطينيين الى ديارهم وهذا اضعف الايمان.

 اضافة الى ذلك فان هذا الحشد سيفقد قيمته المرجوة ، لان الذي يحسم الصراع في نهاية المطاف هي المقاومة العراقية ، وهذه لن تصغي الى اي قرار يصدر عن هذا المؤتمر ، لقناعتها التامة بان جميع اعضائه منفردين او مجتمعين هم متامرون عليها وعلى العراق واهله.

وفي الامس القريب شهدت المقاومة مثل هذا المؤتمر وفي شرم الشيخ ايضا وتحديدا في منتصف نوفمبر عام 2004 ، حيث صبت نتائجه لصالح مشروع الاحتلال.

فقد  اكد بيانه الختامي على دعم العملية السياسية والتي تضمنت حينها اجراء ما سمي بالانتخابات في مطلع العام 2005 واعترف البيان ايضا بصراحة ووضوح بشرعية حكومة اياد علاوي انذاك ، بل وطالب البيان القوى المناهضة للاحتلال بالالتحاق بالعملية السياسية وادان استخدام السلاح ضد الحكومة اي ادانة المقاومة العراقية المشروعة.

 وعلى سبيل الافتراض بان حلم بوش تحقق في الحصول على نجاح سياسي ، لكن مثل هذا النجاح سيصطدم قطعا مع  الهزائم  المنظمة لقوات الاحتلال على ارض المعركة  ، خاصة وان المقاومة العراقية قد افشلت خطة امن بغداد على الرغم من كل الجهود التي بذلت من اجل انجاحها ، وانتقلت من حالة الدفاع الى حالة الهجوم في كل مناطق التماس.  والاكثر من ذلك فان المقاومة العراقية وبعد ان حققت التوازن الاستراتيجي مع قوات الاحتلال ، صعدت من عملياتها الهجومية ليس فقط  ضد قوات الاحتلال المتحركة ، وانما شملت الهجمات على القواعد الضخمة مثل قاعدة الصقر وقاعدة الطارمية وكلاهما في محيط العاصمة العراقية بغداد.

 وكل ذلك يشير الى ان المقاومة ودون ان تعلن ذلك ، باتت اكثر استعدادا لشن الهجوم الاستراتيجي ضد قوات الاحتلال.

 وعلى ارض الواقع فان مشروع الإحتلال والعملية السياسة انتهت الى الفشل مثلما انتهى الحل العسكري ، في حين فشل قي المقابل المخطط الأمريكي لبناء الشرق الأوسط الكبير والجديد والصغير تباعا.

يضاف الى ذلك فان ازدياد حجم الخسائر الأمريكية ادى الى إستنزاف قدرة  قوات الإحتلال على التحمل وفقدان توازنها كاكبر قوة عسكرية في العالم ، الامر الذي ادى الى تدني معنويات الجنود الى درجة كبيرة ، وقد نجد نموذجا عنه في حالات الهروب والاصابة بالامراض النفسية التي وصل البعض منها حد الجنون ، وهذا بدوره احدث مشكلة كبيرة بالنسبة للمتطوعين ، حيث رفض القسم الاعظم منهم الخدمة العسكرية في العراق مما دفع وزارة الدفاع الامريكية الى رفع سقف المغريات المادية والمعنوية.

 في مقابل ذلك وصل المطلعون الى قناعة مفادها : بانه لولا الاهداف الكبيرة التي تسعى امريكا لتحقيقها وصعوبة التنازل عنها وتحكم الشركات الاحتكارية العملاقة وشركات النفط اضافة الى شركات السلاح التي من مصلحتها بقاء الحروب مستعرة في العراق وافغانستان ناهيك عن تاثير اللوبي الصهيوني في صنع القرار الامريكي ، لانسحبت قوات الاحتلال  من العراق قبل سنة او سنتين.

 ولكن ليس هذا كل شيء فقد فشلت جميع محاولات الامريكان وعملائهم من الانظمة العربية ، في اقناع اي قوة او حزب او تجمع  وطني مناهض للاحتلال من الالتحاق بالعملية السياسية ، بل ان البعض منها بدا في التفكير الجدي بالالتحاق بصفوف المقاومة المسلحة ، كما فشلت ايضا كل المحاولات من اجل اقناع اي فصيل مسلح باجراء مفاوضات  مع الامريكيين قبل ان يسلموا بشروطها المعلنة.

وما اشاعه ويشيعه  جلال الطالباني وغيره بان مفاوضات قد جرت مع العديد من فصائل المقاومة اثبت زيفها ، مما اضطر مستشاره للشؤون العسكرية وفيق السامرائي الذي نسبت اليه مهمة التفاوض ، الى تكذيب هذه الاخبار علنا .

 واستنادا الى هذه الوقائع العنيدة فانه ليس امام بوش سوى خيارين احلاهما مر ، فاما الانسحاب دون قيد او شرط واعلان الهزيمة ، او البقاء في العراق وتحمل الخسائر لفترة اخرى لابد لها ان تؤدي الى الهزيمة غير المشرفة والتي ستكون حتما اشد وطاة من هزيمة فيتنام.

  وما عدا ذلك  من خيارات حول اكمال المهمة او تحقيق النصر اصبح املا وهميا ، فمعظم السياسيين في واشنطن حسب العديد من استطلاعات الراي ، يرون بان كل ما تحاول الادارة الامريكية فعله ، سواء بزيادة عدد القوات الامريكية او بوضع خطط للقضاء على المقاومة العراقية كما هو الحال مع الخطة الامريكية الاخيرة ،  ليس سوى لعب في الوقت الضائع وانه لابد من الخروج من العراق.

 وفي كل الاحوال فما هو مؤكد فان الشعب العراقي ومقاومته الباسلة قد قرروا المضي بعملية التحرير حتى النهاية وتحقيق الانتصارالمؤزر. عندها سيكون هذا النصر ليس نصرا للعراقيين وحدهم وانما لكل شعوب العالم قاطبة.

 

                                      شبكة المنصور

                                    22 / 04 / 2007

مؤتمر شرم الشيخ : هل سينقذ بوش من الهزيمة في العراق ؟؟؟