بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

لماذا يجتمع "ايات الله" مع الشيطان الاكبر ؟؟؟؟

 
شبكة المنصور
عوني القلمجي
 

 جرت العادة ان تتزامن زيارات المسؤولين الامريكيين المفاجئة والسرية الى بغداد، مع كل فشل تواجهه الخطط العسكرية المتميزة لانهاء المقاومة العراقية ، حاملين معهم في كل مرة مشروعا سياسيا لاصلاح حال الحكومة واعادة الحياة الى العملية السياسية ومبشرين بعراق شبيه بجنة عدن ، يتحدث عنها الركبان . لكن عدد الزيارات المتزايد واللقاءات بالمالكي او الطالباني كانت هذه المرة ملفته للنظر. فقد زار بغداد في الاسبوع الماضي  لوحده الأميرال ويليام فالون قائد القيادة  الوسطي في الجيش الامريكي تبعه مساعد وزيرة الخارجية والسفير السابق في العراق جون نغروبونتي ثم وزير الدفاع الامريكي روبرت غيتس. 

أن يدعي زوار الظلام  بأنهم طلبوا من نوري المالكي التسريع في اجراء ما يسموه بالمصالحة الوطنية  في غضون شهر واحد وابلغوه بنفاذ صبر امريكا وانه لم يعد بالامكان حماية الحكومة على حساب الدم الامريكي ودافعي الضرائب ، فاننا لانجد في ذلك اي خلل ، اما الذي يدعو للسخرية والاستهجان ما اشاعته اجهزة الاعلام الامريكية والاقلام الماجورة ، من حكايات وقصص عن مطالب امريكية قدمها هؤلاء الزوار للمالكي ، حول انهاء العنف في العراق  وهيكلة  الدولة على اساس المواطنة واحترام حقوق الانسان والمساواة في الحقوق والواجبات وانهاء مبدأ تقاسم السلطة على اساس المحاصصة الطائفية والتخلي عن سياسة التهميش للقوى الاخرى وحل الميليشيات وتعديل المواد الخلافية في الدستور بما يضمن عدم تقسيم العراق إلى دويلات اتحادية للسُنة والشيعة والأكراد والغاء قانون اجتثاث البعث .  فالمحتل الامريكي الذي حطم الدولة العراقية وحل جيشها واجهزتها الامنية ودمر البلاد والعباد واثار النعرات الطائفية وفسح المجال للميليشيات المسلحة والمرتزقة العبث بارواح الناس وممتلكاتهم ، لايمكن ان يتحول الى حمامة سلام بهذه الطريقة الحنقبازية.  وتاريخ الاحتلال في اي زمان ومكان ، كان دائما مقرونا بالخراب والدمار وسحق الشعوب التي يحتلها ،  واذا كان لديه من مشاريع سياسية  فهي تهدف الى تجميل صورة الاحتلال البغيض وتثبيت سلطته سواء كانت مباشرة او تابعة لاقناع الشعوب المحتلة بحسن نواياه واهدافه  النبيلة والتخلي عن المقاومة . لكن المحتل الامريكي نسى ان شعبا تمتد حضارته الى الاف السنين ويقرا المستور ، لن تنطلي عليه العاب الحواة مهما بلغت درجة عالية من الدقة والاداء.  

واقع الحال فان هذه الزيارات المتسارعة لم تكن شبيهة تماما بتلك التي سبقتها ، فهي هذه المرة تاتي وبالتنسيق الكامل مع جهود ايرانية مسبقة لتصب في ترجمة الاتفاق الذي جرى في 28 من  الشهر الماضي في شرم الشيخ في القاهرة ،  بين ايران المسلمة وبين امريكا الشيطانة والذي وصفه الطرفان بالبناء والمثمر. وقد جرت عدة لقاءات بين الطرفين بعد هذا التاريخ  ، كان الهدف منها اعادة انتاج خطط  جديدة لانهاء الخصم المشترك الذي يحول دون تحقيق اهداف الطرفين العدوانية والمقصود بالطبع المقاومة العراقية الباسلة . ترى  ما الذي يمكن ان تقدمه ايران من مساعدات اضافية لانقاذ مشروع الاحتلال من السقوط ؟ وما الذي بيد امريكا من خطط واستراتيجيات جديدة بهذا الخصوص ؟ واذا فعلوا ما لم يكن في الحسبان ، فهل سيؤدي ذلك الى انهاء المقاومة بعد  ان تصلب عودها وامتدت جذورها في صفوف الشعب وانتقالها من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم بكفاءة عالية وقدرة خارقة لعقل الانسان؟  ام ان لقاء المسلم وشيخ الشياطين سيكون مثله كمثل المتعوس الذي وقع على خائب الرجا؟ ثم ما الذي دعا الطرفين الى اللقاء العلني بعد ان  صدعوا رؤوس الخلق  بتبادل الشتائم والاتهامات والتهديدات بشن الحروب ضد بعضهما البعض؟  

يبدو ان سكين المقاومة باتت قريبة من رقبة امريكا وايران ، وان عليهما انقاذ مشروع الاحتلال من السقوط وتجنب المصير الماساوي الذي ينتظرهما اجلا ام عاجلا. وفي هذا الخصوص تقدمت ايران بورقة عمل تنطوي ، من وجهة نظرنا ، على عناصر جديدة  لا يستهان بها ودرجة عالية من الخداع والتضليل ، قد تشجع على القبول بها بعض الاطراف الوطنية ذات المواقف الهشة والتي تبحث عن مكاسب فئؤية ضيقة وتلبي في نفس الوقت متطلبات الدول العربية والخليجية المتعاونة مع الاحتلال لاسباب معروفة ، كما قد تحدث ارباكا في صفوف فئات عراقية اتعبتها جرائم القتل والتدمير واضنتها ظروف المعيشة الصعبة. يضاف الى ذلك ما لدى  الطرفين من امكانات كبيرة . فقوات الاحتلال لم تزل تقاتل بعناد رغم خسائرها البشرية والمادية الكبيرة وعملية زيادة عديد القوات يجري على قدم وساق اما المرتزقة من كل مكان فقد تعاظم شانهم واصبحوا جيشا مستقلا بعدته وعتاده.  بالمقابل فان ايران استطاعت خلال هذه الفترة من عمر الاحتلال ان تصبح لاعبا اساسيا بعد ان توسع نفوذها في العراق وخاصة في جنوبه ، من خلال احزابها ومن خلال عشرات الالاف من الايرانيين المدربين عسكريا الذي تم ارسالهم الى جنوب العراق وتمترسوا في مناطق متفرقة وفي مقرات ثابتة. اضافة الى انضمام التيار الصدري اليها واستعداد جيشه المسمى بالمهدي تنفيذ ما تطلبه القيادة الايرانية منه .  

والامر هنا لا يحتاج الى قدرة في التحليل كي نكتشف ما يخبئه هذا الاتفاق من آلية عمل ضد العراق واهله وخصوصا ضد المقاومة. فورقة العمل التي قدمتها ايران للامريكيين لاخراجهم من ورطتهم مقابل تقاسم النفوذ بينهما لم تعد سرا ، على الرغم من انها مرت مرور الكرام ولم تاخذ القدر الكافي من الاهتمام ، وفي كل الاحوال فقد تضمنت فيما يخص العراق ، استعداد ايران لاستضافة مؤتمر للمصالحة الوطنية والتعهد بنجاحه بالضغط على احزابها العميلة بتقديم تنازلات  والقبول بادخال تعديلات على الدستور الدستور واجراء تغييرات على قانون الانتخاب، بما يضمن منح السنة حصة 40 في المئة من مقاعد بغداد في مقابل 60 في المئة للشيعة، والتخلي عن قانون اجتثاث البعث. واجراء انتخابات مبكرة لمجلس النواب، ثم تعيين رئيس وزراء جديد توافقي بين الاطراف الداخلية من جهة والاطراف الاقليمية والدولية من جهة اخرى ، على ان تقبل امريكا بالانسحاب من المدن وتجميعها هي وما تبقى من القوات البريطانية في قواعد ومعسكرات داخل العراق ، ثم وضع خطة لانسحاب القوات العسكرية الامريكية غير الضاربة بطريقة مبرمجة على ان يلي ذلك تسلم القوات والاجهزة العراقية مهمة الأمن وفرض القانون بعد تعزيز قدرات هذه القوات. واعتبر الطرفان بان تحقيق نجاح في هذا الجانب سيعزل المقاومة العراقية ويسهل تصفيتها لاحقا. وهذا ما يفسر اختصار روبرت غيتس محادثاته مع المالكي بانها تركزت على ضرورة تحقيق نجاح سريع في مجال المصالحة الوطنية . ويفسر ايضا دعاوى الحكومة والمالكي على وجه الخصوص حول استعداد بعض فصائل المقاومة للدخول في العملية السياسية ،  ويفسر بالمقابل دعوات بعض النواب لحل المجلس النيابي ثم مقاطعة الكتلة الصدرية لجلسته الاخيرة  وتعليق عضويتها في البرلمان تحت ذريعة الاحتجاج على تفجير منارتي الامامين العسكريين في سامراء الاسبوع الماضي. بل ويفسر ايضا قيام الاحزاب الصفوية بتمتين العلاقة مع الامريكيين حسب الخطة الايرانية المرسومة. 

ويبدو ان بوش الذي انهارت قواه ، لن يمانع في منح ايران حصة اكبر في العراق اذا نجحت في مساعدته لتجاوز بلواه. فوضعه الداخلي والخارجي اصبح في الحضيض.  مما شجع الكونغرس والديمقراطيون على وجه التحديد على منحه فرصة حتى شهر ايلول القادم ، لتغيير مسار الحرب وتحقيق نصر مقنع.  والاهم من ذلك ان كل زوار الظلام عادوا مخذولين من تدهور وضع قوات الاحتلال العسكرية ، وحتى كروكر السفير الجديد في العراق الذي راهن بوش على كفأته وقدرته وخبرته في انقاذ استراتيجيته الجديدة من الفشل ، اعترف بصعوبة نجاح خطة امن بغداد ، في حين اكد القادة الميدانيون والقادة السياسيون وزعيما الكونغرس بليوسي وريد بان خطة فرض القانون قد فشلت.

 لكن بوش وما تبقى من المحافظين الجدد سيضفون على الجهود الايرانية ، وهنا تكمن الخطورة ، ما جادت به نظرية الفوضى الخلاقة. وهذه في محصلتها النهائية وكما شرحها منظروها مثل مايكل ماكفيل و ناتان شارانسكي واليوت كوهين وراؤول مارك غيريشت وبرنارد لويس وفلاديمير جابوتنسكي وغيرهم من كبار العقول الامريكية والمعاهد الاستراتيجية ومراكز البحوث ، تركز على خلط الاوراق بعاصفة الاحداث وعلى كل المستويات وتفكيك البلدان المحتلة  واثارة النعرات الطائفية والعنصرية واستئجار مرتزقة مدفوعي الثمن لجرائم  ترتكب بحق الابرياء وتنتهي بمزج تراب الوطن بدماء المواطنين بحيث يغطى بجثث الضحايا ليجري الوصول الى اقناع الناس بانه لا مجال للتخلص من هذا الوضع سوى القبول بالامر الواقع وبحلول المحتل الجزئية او كما يفسرها المثل العراقي << اللي يشوف الموت يرضى بالسخونة>>. ليس هذا كل شيء ، فقوات الاحتلال وبعد زيادة عدد القوات ستصعد من عملياتها العسكرية ضد معاقل المقاومة حتى اذا تطلب ذلك هدم المدن على رؤوس ساكينها. وخير دليل على ذلك العملية العسكرية التي شنتها قوات الاحتلال ضد اهالي محافظة ديالى والتي اعتبرت واحدة من أكبر العمليات عنفا منذ غزو العراق حيث شارك فيها نحو عشرة الاف جندي استخدمت فيها الطائرات المروحية والمقاتلة والدبابات الثقيلة. 

استطيع ان ازعم بان المقاومة العراقية ليس بعيدة عما يجري ، او انها غافلة حتى تؤخذ على حين غرة. فهي قد استعدت لكل جديد وطاريء ، سياسيا وعسكريا ، ومع ذلك لازالت المقاومة بحاجة الى انجاز مهمتين على درجة عالية من الاهمية لكي يكون النصر مضمونا وباقل الخسائر. وهما : الاسراع في توحيد  فصائل المقاومة تحت قيادة عسكرية مشتركة والعمل الجاد والدقيق والمسؤول في توسيع اطار الجبهة الجبهة الوطنية والقومية والاسلامية بضم القوى الفاعلة على الساحة العراقية ووفق برنامج سياسي مشترك يلبي طموحات الشعب العراقي في التحرير الكامل واقامة النظام الديمقراطي التعددي . وبانجاز هاتين المهمتين يمكن مواجهة اي تصعيد عسكري مهما بلغ من قوة وكفاءة وقطع الطريق بالمقابل على القوى الانتهازية واصحاب المبادرات الخائبة من الدخول في مصالحات او مفاوضات مع المحتل تحت ذرائع مختلفة.  

ترى هل ستزف لنا المقاومة مثل هذه البشائر في القريب العاجل؟

 
 
 
 
شبكة المنصور
الخميس / الحادي والعشرون / حزيران / 2007