حملة حاقدة وملتوية للتشكيك في  قدرة المقاومة على الانتصار

 

شبكة المنصور

عوني القلمجي

 

بين الحين والاخر ترتفع اصوات واقلام نشاز تمجد قوة امريكا كأمبراطورية عظمى ، وتمتعض من اي حديث عن هزيمتها او انهيارها حتى اذا كان الشاهد من اهلها. وهي بذلك تريد اقناع العراقيين البسطاء باستحالة انتصار المقاومة الباسلة . ولاثبات هذا المنطق الاعوج تستخدم تلك الاصوات لغة ملتوية ومصطلحات رنانة لتضخيم القوة الامريكية بطريقة شبيهة الى حد كبير بالعاب الحاوي المبتدئ. وليست مصادفة سيئة ان ترتفع هذه الاصوات كلما لاح في الافق هزيمة امريكا في العراق وكأن انتصار المقاومة العراقية شيء يغيضها. وبصرف النظر عما تتحدث عنه تلك الاصوات ، فان ما تسعى اليه المقاومة العراقية ، هو تحرير العراق كما حررت الشعوب بلدانها المحتلة ، لتترك امر هذه الامبراطورية العدوانية للتاريخ ليقرر مصيرها.

لندع هؤلاء وهذا اللغو الفارغ  ونتحدث عن الوقائع والاحداث التي تؤكد تقدم المقاومة العراقية ومحاصرتها  لقوات الاحتلال الامريكي ووضع  قائدها الاعلى بوش في ورطة ، لن تنتهي الا بهزيمتها  وطردها من العراق وافشال مشروعها  الامبراطوري الكوني. ففي الوقت الذي كانت فيه فئة قليلة من الخبراء العسكريين والسياسيين الامريكيين على وجه الخصوص  تعتقد بان النصر الامريكي في العراق امر محال وتطالب بوش بالانسحاب على وجه السرعة او وضع جدول زمني له حفاظا على سمعة وهيبة امريكا وتجنبها هزيمة اكيدة ، اتسع هذا الاعتقاد ليشكل قاسما مشتركا تجتمع حوله معظم  الآراء و العقول والخبرات الامريكية وغير الامريكية ولا تختلف فيما بينها إلا في التفاصيل. فالعملاق الأمريكي قد غاص في المستنقع العراقي والحالة الداخلية في الولايات المتحدة تصدعت وخصوم ادارة بوش توسع نفوذهم وازداد تاثيرهم  وشبح فيتنام يقض مضاجع الامريكيين والحالة العسكرية لقوات الاحتلال صارت اكثر تعقيدا وصعوبة وتوسع مجال المعركة ليشمل كل المناطق في العراق والاستنزاف لقوات الاحتلال بدأ يؤتي ثماره ، بحيث اصبح بوش المتغطرس والعنجهي قزما يستجدي المساعدة من العدو قبل الصديق. في حين فشلت بالمقابل كل المحاولات في الاعتماد على جيش وشرطة محلية او بناء دولة متجانسة او عملية سياسية تؤمن استقرار امني عبر مصالحة بين الاحزاب الحاكمة العميلة التي تمزقت بالمفرد والجملة ، بعد ان كان الامل معقودا على مصالحة وطنية بين احزاب السلطة والاحزاب الوطنية المناهضة للاحتلال.  

واذا غيرنا الاتجاه قليلا ووضعنا اليد على طبيعة المعركة الجارية في العراق والياتها وسماتها واطرافها ، سنجدها تدور بين مقاومة مشروعة تدافع عن ارضها وكرامة اهلها واستقلال بلادها ، وقوات محتلة أتت من بعيد  لتعتدي على البلاد والعباد خلافا لكل القوانين والشرائع الدولية. وما دامت المسالة هي مسالة حرب بين مقاومين ومحتلين غزاة ، فشروط  النصر والهزيمة فيها لا تقرره موازين القوى لكل طرف من حيث عدد المقاتلين وحجم السلاح والعتاد والاقتصاد والاحتياط الاستراتيجي فحسب ، وانما تتحكم بها اكثر شروط حروب المقاومة الشعبية  ، بما فيها المسائل التكتيكية والاستراتيجية التي تختلف عن مثيلاتها في الحروب النظامية. ولذلك لا يجوز أبدا اختزال حسابات القوة والضعف وحصرها في الامكانات المادية المختلفة ، دون النظر الى الخصائص المميزة التي تنفرد فيها الحروب الشعبية للتحرير على حساب الحروب النظامية . ومن هذه الخصائص  قدرة المقاومة على خوض حرب استنزاف  طويلة الامد وباسلحة بسيطة وقدرتها على توسيع ساحة المعارك  وانتزاع  زمام المبادرة  والعمل بمرونة كبيرة وحرية القيام بالعمليات الهجومية السريعة والمباغتة ، واختيار نوع العمليات والاهداف ، وبراعتها في الاختفاء عن عيون العدو وامكانية الانتقال من مرحلة الى اخرى بما فيها الانتقال من مرحلة الدفاع الاستراتيجي  الى الهجوم  الاستراتيجي. على عكس المحتل  الذي رغم قوته وما تتمتع به قواته من حجم كبير وجودة في الأسلحة والمعدات و حسن التدريب العسكري ، فهو يعجز عن توظيف هذه الخصائص لصالحه. حيث تتحول قواته الكبيرة الى قوات صغيرة اذا ما  دخلت وسط ملايين الشعب المحتل وتفقد في نفس الوقت عناصر قوتها الرئيسية مثل تفردها التكنولوجي  وفاعلية أسلحتها الذكيّة  وصواريخها البعيدة المدى  والقوة التدميرية لطائراتها الجبارة ، بل ويختل لديها ميزان السيطرة والقيادة المركزية وتتعطل عقائدها العسكريّة  التي تعتمد على السرعة والحركيّة. يضاف الى ذلك جهلها في جغرافية البلد وطبيعة شعبه.لكن تبقى اهم هذه الميزات واكثرها قدرة على تحقيق النصر ، هو مشروعية المقاومة وارادة  مقاتيلها وقدسية ونبل اهدافها كونها حرب تحرير لاستعادة الحقوق المستلبة ، في حين لا يملك الغازي من اهداف سوى  العدوان والتدمير واستعباد الشعوب والسيطرة على ثرواتها ومقدراتها وربما التفكير بافنائها.  

وعلى ارض الواقع ووفق هذا المنظور لحرب التحرير ، فانه يصعب على قوات الاحتلال انهاء المقاومة العراقية ،  بل ويصعب عليها  الدفاع عن نفسها لمدة طويلة.  والاكثر من ذلك فان امريكا بجلالة قدرتها وعظمتها ، تعاني من نقاط ضعف اساسية تزيد الطين بلة ، ابرزها صعوبة تامين قوات كافية حيث اكد الخبراء العسكريون على ان بوش بحاجة الى  مليون جندي امريكي للسيطرة على العراق ، في حين عجز بوش عن اقناع الكونغرس بارسال 30 الف عسكري ، ناهيك عن عمليات الهروب من الخدمة ورفض التطوع في العمل في العراق ، الامر الذي سيؤدي حتما الى عدم قدرة القوات المتواجدة على الاستمرار في الحفاظ على مستوى هجماتها ، لتجد نفسها  ذات يوم وقد تحولت الى موقع دفاعي تماما ، في حين تمتد المقاومة العراقية في صفوف الجماهير ويزداد عدد مقاتيلها مع مرور  الايام وتتسع  خبراتها وتتصلب ارداة القتال عندها لتجد نفسها ذات يوم وقد اصبحت مؤهلة لشن الهجوم الاستراتيجي ودحر قوات الاحتلال وتحرير العراق.  

صحيح ان الحرب بين المقاومة العراقية وقوات الاحتلال لم تنته بعد وان امريكا لم تفكر في الهزيمة في الظرف الراهن وتتعامل معها ليس باتجاه تجنبها والخروج بماء الوجه ، وانما باتجاه التصعيد والغطرسة وارسال مزيد من القوات وتحويل الحرب بالكامل الى حرب همجية لا يحدها عرف او قانون ، لكن الصحيح  ايضا هو ظهور علامات الهزيمة على قوات الاحتلال بشكل واضح وجلي. فالكاتب الامريكي  جارلس ريس، يقول أننا جيدون في الحرب التقليدية ولكننا فاشلون في الحرب ضد المقاومة، ليس هناك من ضوء في نهاية النفق، أن استخباراتنا فاشلة في العراق ولا تستطيع التمييز بين الأشرار (المقاومين) والجيدين (العملاء)، تماما كما كنا في فيتنام، فلا ندري الموظف العراقي الذي يعمل معنا، هل هو معنا بالفعل أو أنه يتجسس علينا ويعمل لصالح المقاومة؟!!!... أن استمرارية هذه الهجمات ستقضي على إرادتنا ورغبتنا في مواصلة الحرب و تجعل المقاومة تنتصر في النهاية. في حين توصل العديد من المفكرين الاستراتيجيين والخبراء العسكرين والمحللين السياسيين مثل فيليب ستيفنس وهنري كيسنجر الى ان امريكا قد هزمت في العراق وان وضع في القوات الامريكية اصبح أكثر تعقيدا مما عاشه الجنود الأمريكيون خلال حرب فيتنام وأنه لا يمكن أن يكون هناك مخرج مشرف وسيكون ثمن هذه الهزيمة باهظًا وسيشمل خسارة أمريكا هيبتها ونفوذها في الشرق الوسط وفي غيره من المناطق. في حين ذهب المفكر برجينسكي ابعد من ذلك ، على عكس تلك الاصوات الحاقدة ، وقال قبل شهر إذا كانت هزيمة السويس سنة 1956 قد أنهت مرحلة الاستعمار القديم ، فان المقاومة في العراق وضعت نهاية المرحلة الأمريكية في الشرق الأوسط. بل وهناك من يقرر بان المقاومة العراقية غدت تحكم قبضتها على التاريخ الأمريكي، ليس فقط بتأثيرها في انتخابات الكونغرس النصفية الأخيرة، وإنما أيضا بصيرورة السياسة الخارجية الأمريكية وفي تشكيل الرأي العام الأمريكي.  

وعلى هذا الاساس لن يكون يوم الانتصار ببعيد ، فالمقاومة وبعد ان كسرت بل وحطمت خطة امن بغداد التي كان بوش يعول عليها كثيرا ، نرى ونسمع بالعمليات الهجومية الكبيرة والنوعية للمقاومة ضد قوات الاحتلال بما فيها المناطق  المحصنة مثل المنطقة الخضراء ، ولابد لهذا التطور في عمليات المقاومة ان يؤدي لا محال الى مرحلة القيام بالهجمات الهادفة الى تطويق قسم من قوات الاحتلال وابادتها تمهيدا لشن الهجوم الاستراتيجي لتحرير العراق. ولكي يجري التقدم والسير بهذا الاتجاه ، لا يكفي ما تحقق لحد الان من انتصارات رائعة ، فهذا يتطلب التخطيط المشترك بين جميع فصائل المقاومة واي فصيل يظن او يعتقد بامكانية انجاز هذه المعركة الشاملة بمفرده او بالتعاون مع فصيل اخر ، إنما هو يعبث بحرب التحرير ومبادئها ، فجميع حروب التحرير وخاصة في مرحلة الهجوم الاستراتيجي  ،  لابد  وأن يسبقها تخطيط دقيق قدر الإمكان ، ليتسنى الاطلاع على الظروف ، و تحديد المهمات ، و توزيع القوات ، و إعداد المؤن ، و تهيئة العتاد ، وكسب التأييد الشعبي  والتثقيف العسكري و السياسي..إلخ ، هذه كلها من ضمن أعمال القادة التي يجب أن يمعنوا النظر فيها و ينفذوها تنفيذا حازما  ويراجعوا تفاصيلها على الدوام . و هنا لا ننكر طبيعة الظروف التي لا تسمح بتلك الدرجة العالية من الدقة في التخطيط التي نجدها في الحرب النظامية ، لكن من الضروري العمل باتجاهها  في حدود ما تسمح به الظروف الموضوعية ، لان مثل هذه المعارك الكبيرة ضد عدو شرس تتطلب مزيد من الاستعدادات الاستثنائية.

 ولكن ليس هذا كل شيء فتحقيق الاهداف الكبرى في مرحلة التحرير وما بعدها ، لابد وان تقترن ايضا  بتوحيد فصائل المقاومة وتشكيل جيش التحرير تحت  قيادة موحدة ذات توجه سياسي مشترك تمهيدا للانتقال الى معارك تحرير المدن واقامة سلطة مركزية موحدة عليها تقود فصائل المقاومة كافة لتحرير بقية المدن. وفي هذا الصدد لابد من تحقيق الانجاز السياسي الاهم والممثل بقيام الجبهة العريضة التي تضم جميع الفصائل والاحزاب والقوى والشخصيات الوطنية المعادية للاحتلال سواء كانت مسلحة او سلمية. واذا كان العمل العسكري يتطلب التخطيط والتنسيق ، فان انجاز مهمة الجبهة تتطلب اكثر من ذلك ، خاصة وان هناك العديد من القوى والعناصر المساومة والمتخاذلة والتي ارتبطت بهذا الشكل او ذاك بالمحتل او عملائه ، ستسارع لتغير مواقفها وتتظاهر بعدائها للاحتلال لتلتقط الثمار على حساب دماء الشهداء. فليس من الحكمة والحالة هذه احتواء هؤلاء تحت ذريعة مفهوم الجبهة العريضة ، فكلمة الحق هنا لابد وان يراد بها الحق فعلا وليس الباطل. 

نحن على يقين بانتصار المقاومة العراقية ومثلما خاض اجدادنا الاوائل  اول حرب تحرير في التاريخ الانساني ، حسب المصادر الآثارية ، بقيادة الملك السومري (اتوحيكال) ضد المستعمرين الكوتيين الذين قدموا من الشرق وحرر الارض والانسان من الغاصبين الاجانب ، فان المقاومة العراقية ستحرر العراق من المستعمرين الامريكيين واتباعهم  لتتحر شعوب الارض قاطبة.

 

 

 

شبكة المنصور

الخميس / السابع عشر / أيار / 2007