بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

حصة المقاومة العراقية من تقرير بترايوس وكروكر

 

 

شبكة المنصور

عوني القلمجي

 

 وكما توقع الخلق داخل امريكا وخارجها ، جاء التقرير الذي تقدم به الرجلان الى لجنتي الدفاع والخارجية في الكونغرس الامريكي ، مفصلا على مقاس بوش وبما يخدم استراتيجياته الخائبة ، التي تتمحور حول رفض الانسحاب من العراق قبل انجاز المهمة ، التي تتلخص في وضع العراق تحت الاحتلال ، وبشرط ان يكون مدمرا ومقسما ومتخلفا. فليس غريبا او مستغربا ان يحول بترايوس وكروكر الهزيمة الى انتصار بشكل يدعو الى السخرية والاستهجان ، حيث الوقائع العنيدة تؤكد على ان قوات الاحتلال ، تعاني من مازق حرج جراء تصاعد عمليات المقاومة العراقية. ومن الطريف ان تسدد المقاومة العراقية ضربات موجعة لقوات الاحتلال قبل ساعة واحدة من بدء جلسة الاستماع وعلى وجه التحديد في مدينة بغداد ومحافظة الانبار ، اللتان تمحور الحديث عنهما وعن التقدم الذي حصل فيهما. حيث قتل في بغداد 9 جنود امريكان وجرح 11 وفي الانبار قتل 7 وجرح اكثر من هذا العدد.

ولم تسعف الرجلين لتمرير شهادتهما المتفائلة بسهولة ، الزيارة البهلوانية المسبقة التي قام بها بوش لقاعدة عين الاسد المحصنة في محافظة الانبار وفرحته بمصافحة شيخ عشيرة منبوذ مثل ابو ريشة وابرازها بطريقة هوليودية ، على انها أقوى دليل على نهاية المقاومة المسلحة في اهم معاقلها الرئيسية!!!. والشاهد فان الغرض من كل هذه المسرحية البائسة ، هو الضغط على الحزب الديمقراطي للتخلي عن المطالبة بوضع جدول زمني للانسحاب وحرمانه من هذه الورقة في معركة الانتخابات الرئاسية المقبلة ، وكذلك تقديم وصفة مهدئة لخواطر الشعب الامريكي الغاضب من عودة ابنائه في اكياس سواد وتطمينهم باقتراب ساعة الانتصار الموعود ، وتوقف بالمقابل هروب حلفائه من ارض المعركة كما تهرب الفئران من سفينة غارقة.

ما يعنينا من شهادة ثنائي بوش ، هو حصة المقاومة العراقية من هذه المسرحية البائسة ، حيث جرى التركيز على دور ايران في العراق والادعاء بشنها حربا ضد الدولة العراقية وقتالها ضد امريكا بالوكالة من خلال دعمها المتمردين ومن انها ستكون الرابحة من انسحاب امريكي من العراق ، اذ ستتمكن من تعزيز هيمنتها علي الموارد وربما ايضا على الاراضي العراقية او التلويح بتقسيم العراق ، بجعل المنطقة الغربية منطقة امنة لتنتقل هذه التجربة الى المناطق الاخرى من انحاء العراق . وفي هذه لم ياخذ الشاهدان بالمثل القائل اذا كنت كذوبا فكن ذكورا ، فنسى الرجلان او تناسا الحلف المتين بين امريكا وايران حول العراق وان الدور الايراني ما كان له ان يتحقق من دون رضى قوات الاحتلال ، كمكافئة لايران على الخدمات الجليلة التي قدمتها لمشروع الاحتلال. كما تجاهلا التعاون والتنسيق بينهما لانهاء المقاومة العراقية ، ونجد نموذجا عنهما في الاجتماعات العلنية التي تمت بينهما وخاصة في الاونة الاخيرة ، تحت عنوان تحقيق الامن والاستقرار في العراق ، اي انهاء المقاومة العراقية. كما اغمض الرجلان عيونهما عن ان العراق اصبح مقسما على ارض الواقع بفضل الاحتلال ودعمه للانفصاليين الاكراد. وهذا ما يفسر اشاعة المحتلين لمصطلح ملء الفراغ وترشيح الايرانيين لهذا الدور. وكأن شعب العراق سيرحل الى دول الجوار فور الانتهاء من مهمة التحرير. !!!!

ليس هناك امامنا من تفسير حول المبالغة الى هذه الدرجة المرعبة ، وبالذات الخطر الايراني محور حديثنا ، سوى ان الرجلين بترايوس وصاحبه ، ارادا من هذه الخدعة توجيه رسالة الى المقاومة العراقية ، مفادها ان الدورالايراني اصبح اشد خطر من الاحتلال الامريكي وان على المقاومة العراقية اما ان ترضى بدخول العملية السياسية للحد من هذا الخطر ، او تغيير اولوياتها بالتخلي ، ولو الى حين ، عن تركيز قتالها ضد قوات الاحتلال لتخفيف الضغط عنها والتقليل من خسائرها البشرية والمادية. ويدخل في هذا الاطار الحملة الاعلامية لعرب الردة وصحوتهم المفتعلة وتباكيهم على وحدة العراق وعروبته وهيمنة ايران عليه.

من السخف بالطبع تهوين الخطر الايراني ، فاهل مكة ادرى بشعابها وادرى بما فعله الايرانيون في العراق من جرائم واكثر علما بعداء ايران للعراق واهله وعملهم الدؤوب من اجل تقسيم العراق وتفتيته الى مقاطعات وتمزيق وحدة المجتمع وجعله نحل وطوائف. وبالتالي فالعراقيون اكثر حرصا على انهاء التواجد الايراني في العراق هم ومن والاهم . لكن كل ذلك لا يعطينا الحق وبالذات المقاومة العراقية ، من احداث اي تغيير في ترتيب اولويات المقاومة وتغليب الصراع الثانوي على الصراع الرئيسي ضد المحتل. فقد قيل منذ بداية العهد الاستعماري وفي كل مكان وزمان ، بان الاحتلال هو المولد لشرعية المقاومة ، وبالتالي فان الحلقة المركزية في عملية تحرير العراق ، هي تركيز القتال مع المحتل الامريكي باعتباره راس الحربة وقائد الاحتلال وقوته الرئيسية.

ولقد اكدت حروب التحرير على مبادئ عديدة في هذا الصدد. حيث العمليات العسكرية للمقاومة تنطلق بلا استثناء من مبدأ أساسي واحد ، ألا و هو السعي قدر الإمكان إلى المحافظة على القوة الذاتية و تحطيم قوة العدو وان لا يجري تشتيتها لاي سبب كان. اذ بدون تركيز هذه القوات يصبح من الصعب على المقاومة سحق قوة صغيرة من قوات الاحتلال ، ويعتبر هذا الفعل أحد مبادئ القتال في حرب العصابات ، فتجميع عدد كبير من الانتصارات الصغرى تشكل في مجموعها نصرا كبيرا. يضاف الى ذلك فإن هذا المبدأ يرتبط في حروب التحرير ارتباطا مباشرا بمبدئها السياسي الأساسي ، والمتمثل في حلقته المركزية بانهاء الاحتلال وطرده واستعادة استقلال البلد وحريته وسيادته الوطنية . وهذه لا تؤمن مقومات الصمود والمطاولة في القتال لتحقيق النصر النهائي فحسب ، وانما تساعد على امتلاك المبادرة و المرونة و التخطيط للعمليات الهجومية السريعة في الحرب الطويلة الأمد وكذلك العمليات ذات البعد الاستراتيجي.

بالمقابل فان تشتيت وتوزيع قوات المقاومة على عدة جبهات ، يمكن قوات الاحتلال من سهولة التعامل معها والقضاء عليها الواحدة تلو الاخرى. خاصة وان قوات المقاومة لازالت تفتقر الى مؤخرة او قواعد تستند اليها. وتركيز القوات أي تجميع الأجزاء في كل واحد ، تسهل عادة الحاق الخسائر بقوات الاحتلال ، اذا ما قررت شن هجمات واسعة ضد قوات المقاومة. كما تسهل بالمقابل تدمير بعض قوات الاحتلال حين تتخذ موقف الدفاع. ولا يعني ذلك تركيز القوات بالمطلق ، و إنما يعني تركيز القوات الرئيسية لاستخدامها في اتجاه عام ، في حين يترك في الاتجاهات الأخرى أو يرسل إليها قسم من القوات ، لغرض تقييد تحركات قوات الاحتلال و التشويش عليها أو القيام بأعمال النسف و التخريب ، أو للقيام بالحركات الجماهيرية. ناهيك ان تمركز القوات باتجاه الحلقة المركزية في الصراع ، يمهد الطريق على انشاء القواعد الثابتة التي تعد اهم شروط الانتصار النهائي. ان تقديم الصراع مع المحتل الامريكي على بقية حلقات الاحتلال ، لا يشبه الجدل حول البيضة والدجاجة وايهما اسبق ، بل يعتبر التمسك بهذا المبدا ، الطريق الوحيد لاضعاف قوات الاحتلال وزعزعة اركانها ، الامر الذي يؤدي بالضرورة الى اضعاف وزعزعة اعوانه وعملائه والمتعاونين معه ، عراقيين كانوا ام ايرانيين ام مرتزقة او موساد اسرائيلي ام حركات انفصالية.

ان ادارة فن الصراع ضد المحتلين واستخدام كافة الوسائل لتصب في مجرى الصراع الرئيسي وان لا مساومة او تنازل عنه او انزاله الى مرتبة الصراعات الاخرى مهما بلغت من الاهمية وتحت اي ذريعة كانت هي مهمة رئيسية ، واذا ما جرى التمسك بثوابت الصراع والالتزام بمبادئه وقوانينه والياته وترسيخ هذا التوجه في عقولنا وافكارنا والقيام بتعبئة شاملة حوله لقطع الطريق على العاب الحواة المحترفين ، فان المقاومة تستطيع ان تثبت اقدامها على طريق الانتصار النهائي . ولكن ليس هذا كل شيء فكما هو الاحتلال يقاتل على جبهتين عسكرية وسياسية ، فالمقاومة مطالبة بدورها ايلاء اهمية للجانب السياسي باعتباره جزء لا يتجزا من استراتيجية المقاومة العراقية وركن من اركان الصراع العام ضد المحتل. وفي هذا الصدد ، فان الحلقة المركزية للنشاط السياسي للمقاومة العراقية تتمثل في مقاطعة المحتل بكل صيغه السياسية والاقتصادية والقانونية والثقافية وعدم التعامل معه او مع من يقدم المساعدة له وخاصة الهيئات والمنظمات العربية مثل الجامعة العربية التي اصبحت هي ودولها جزء من مشروع الاحتلال ، او المنظمات الدولية مثل الامم المتحدة ، التي تعد فيلقا عسكريا يقاتل الى جانب قوات الاحتلال. بل واعتبار كل هؤلاء اهدافا مشروعة للمقاومة العراقية.

تمسك بوش بتحقيق النصر المزعوم ولجوئه الى التضليل والخداع والاساليب الملتوية والاستخفاف بالعقول وتحويل الهزيمة الى نصر ، يعيد بشكل ماساوي قصة اسلافه من المستعمرين عبر عصور التاريخ المختلفة. فكل محتل ، كما ظهر ، قد لجا الى اساليب من هذا النوع ، حيث المحتل لايقبل الاعتراف بالهزيمة ويتخلى طواعية عن اهدافه مهما كانت متواضعة. والتاريخ مليء بالامثال فانسحاب الفرنسيين من الجزائر والامريكيين من فيتنام والروس من افغانستان لم يتحقق الا باستخدام كافة وسائل المقاومة ضد الاحتلال وفي المقدمة منها المقاومة المسلحة. واليوم نحن احوج ما نكون الى تشديد الخناق على قوات الاحتلال وان لا نمحنه اي فرصة للراحة او ترتيب اوراقه وترميم مشروعه العدواني.

لنقول جميعا لبوش وادارته ، لا تراهنوا على خداع المقاومة العراقية ولا خداع العراقيين مهما جادت به قريحة بترايوس وكروكر وقبلهما بيكر وهملتون ، فالشجرة الخبيثة لا تطرح الا ثمارا خبيثة ، واذا كنت مصرا على ان لا تبرح مكانك الا على اسنة الحراب ، فسيكون مصيرك مثل مصير نيكسون حين انسحب على اسنة حراب المقاومة الفيتنامية. اما حراب المقاومة العراقية فلقد اصبحت قريبة من عنق قواتك المحتلة ولا مفر من الهزيمة المنكرة وبدون الاحتفاظ بماء الوجه.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الخميس / 13 / أيلول / 2007