بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

الوجه الاخر لمؤتمر دمشق المؤجل

 

 

شبكة المنصور

عوني القلمجي

 

لم يأت قرار عقد مؤتمر دمشق في 23 تموز الماضي من فراغ ، او في غفلة من الزمن ، وانما اتى جراء تحضيرات مسبقة ، اشرف عليها مباشرة النظام السوري وبالتنسيق مع نظام الملالي في طهران. وقد تحدث العديد من كتاب المقاومة عن خلفيات واهداف هذا المؤتمر المشبوه ومدى خطورته على المقاومة العراقية ، وكان ابرزها سلسلة المقالات التي نشرها الاستاذ سعد داود قرياقوس. وفي هذا الصدد يمكننا التركيز على اهم هذه الاهداف وهو سعي ايران وسوريا الى اشعار الولايات المتحدة بقدرتهما على انقاذ مشروع الاحتلال من السقوط ، مقابل نيل حصة اكبر من الكعكة العراقية كما يقال. وهذا ما يفسر سكوت بوش عما جرى وانتظار نتائج المؤتمرعساها ان تشكل حركة التفاف على المقاومة العراقية ، او احداث شرخ في صفوفها أوعزلها عن محيطها الشعبي ، ليسهل لاحقا القضاء عليها ، او على الاقل الحد من تصاعد عملياتها العسكرية ضد قوات الاحتلال وتجنبها الخسائر الكبيرة التي لم يعد بمقدور الشعب الامريكي تحملها. هذه المحاولة تعد بكل المقاييس مؤامرة خسيسة وخطيرة ضد العراق واهله وعلى وجه الخصوص ضد المقاومه العراقية الباسلة. واي ادعاء لتجميل صورة سوريا واعتبارها حاضنة المقاومة وان ايران تشكل عمقنا الاستراتيجي ليس سوى محض افتراء.

لقد اثبتت الوقائع تأمر النظامين الايراني والسوري على العراق وفي هذا الوقت بالذات. فكلاهما له مصلحة في في تدمير العراق وبقائه تحت الاحتلال والى الابد ، وكلاهما له مصلحة اكبر في وضع العقبات امام المقاومة العراقية ومنعها من تحقيق اي انتصار يعيد للعراق استقلاله وسيادته ووحدته. هذا ليس تجنيا او اتهاما ، فالنظامان جمعهما حلف استراتيجي وعضوي مشترك فيما يخص العراق على وجه التحديد . ففي في نهاية عام 2005 , شكل الرئيسان السوري والايراني لجنة ايرانية - سورية , مهمتها وضع الخطط والسياسات المشتركة حول العراق ، يرأس الجانب الايراني نائب الرئيس للشؤون الامنية ، ويرأس الجانب السوري اللواء محمد ناصيف الذي كان رئيسا لجهاز الأمن الداخلي في سورية منذ عام 1976. واللجنة المشتركة تعقد اجتماعات دورية شهرية في طهران ودمشق ، لبحث المستجدات في العراق ورسم سياسة موحدة حول العراق ويضم الجانب السوري اللواء محمد ناصيف واللواء آصف شوكت واللواء محمد منصورة ، ومعلوم ان اللواء آصف شوكت هو رئيس جهاز المخابرات العسكرية وهو زوج بشرى ابنة حافظ أسد الذي يعتبر الرجل الأكثر نفوذا في سورية. واللواء محمد منصورة رئيس جهاز الأمن السياسي. والثلاثة مشهود لهم بكرههم وحقدهم على العراق. وقد كان محمد ناصيف المشرف على عملية المتابعة والتنسيق مع حزب الدعوة وزمرة الحكيم وكافة الشخصيات والتشكيلات الطائفية منذ عام 1980 وحتى يوم احتلال العراق. يضاف الى ذلك بان محمد ناصيف كان رجل المهمات السرية بالنسبة لحافظ أسد في العلاقة مع طهران. وكان الأكثر عداء لحكم حزب البعث في العراق ويعتبر تحطيمه ضرورة من أجل اقامة امبراطورية < شيعية > تمتد من طهران الى بيروت. ولم يخفي المذكور ارائه بل كان يصرح بها جهارا في مجالسه. ويزعم أنه في حال تحقق ذلك ، فان دويلات الخليج ستنهار وتلتحق بالامبراطورية العتيدة. ويزعم ايضا أن مصر هي الدولة الأكثر تقبلا للدعوة الشيعية ، بل ويعتبر ذلك الطريق لتحرير فلسطين ولا شيء غير ذلك !! وقد تم تدعيم هذه اللجنة باخرى فرعية ترتبط باللجنة أعلاه برئاسة متعب شنان وعضوية فوزي الراوي وشناوة حنين وراضي حسين.

واستنادا الى ذلك فان خطورة هذا المؤتمر لا تزال قائمة ، واي استهانة في هذه المسالة قد تجلب لنا ما لا تحمد عقباه. فاحتمال لم شمله في اي وقت امر غير مستبعد مادامت معظم قيادات هذه القوى ترتبط بالنظام السوري او باحدى مؤسساته. وضعف وهشاشة اغلب القوى التي دعيت لحضور المؤتمر ، جرى تعويضه بقوى واحزاب محسوبة على معسكر المقاومة وبعضها لها وزن على الساحة العراقية . ووجود عقبات تعترض نجاح مؤتمر كهذا في المستقبل بسبب رفض المقاومة العراقية والقوى السياسية المعادية للاحتلال لا يقبل النقاش والجدل ، لكن سبق للنظام السوري ان تجاوز عدد من العقبات التي اعترضت لملمة هذا الحشد الواسع على الرغم من وجود كره بين بعضهم البعض. وفي هذا الصدد فقد تمكن النظام السوري تجاوز عقبات مهمة منها ، عقبة الجبهة الوطنية والقومية والاسلامية التي تشكلت في بغداد عام 2005 والتي عرف عنها انها جبهة مقاتلة في الميدان ومن ضمنها حزب البعث بقيادة المجاهد عزة الدوري ، وذلك بالاعلان عن انبثاق جبهة بنفس الاسم يوم 1/ تموز الماضي بهدف استبعاد القوى التي لا ترضى عنها الاوساط والايادي الخفية التي خططت للمؤتمر وعلى وجه الخصوص التحالف الوطني العراقي ، لتعلن الجبهة المزورة ، بعد مرور يومين او ثلاثة على اعلانها ، عن مشاركتها في اللجنة التحضيرية للمؤتمر السيء الذكر والذي يرأسها فوزي الراوي عضو القيادة القومية لصاحبها بشار الاسد ، بصفته ، ويا للسخرية ، ممثلا عن المقاومة العراقية . وكانت العقبة الثانية التي تم تجاوزها هي اسم حزب البعث العربي الاشتراكي . حيث ايران لا تقبل بمؤتمر وقيادة فيها اسم حزب البعث ولا سورية تقبل بذلك لانها تدعي البعث لنفسها ولا ادارة بوش ايضا وهي التي جيشت الجيوش لاحتلال العراق وتدمير البعث واجتثاثه. ناهيك عن رفض اطراف وقوى اخرى الدخول في عمل مشترك مع مسمى البعث العربي الاشتراكي مثل هيئة علماء المسلمين وحزب الاصلاح التابع للنظام السوري ، في حين ان تنظيمات المؤتمر التاسيسي كهيئة علماء المسلمين وحزب الاصلاح والتيار القومي والتيار الخالصي وغيرهم كانوا سيشاركون في المؤتمر بعناوينهم التنظيمية مع حضور ممثل عن المؤتمر التاسيسي. وجراء ذلك لسنا في حاجة الى قدرات خارقة لكي نفهم غاية عرابي المؤتمر بأن يحضر البعث تحت عباءة الجبهة المزورة وليس بعنوانه.

اذا كان لسوريا وايران كل هذه الامكانات ترى لماذا اقدموا على تاجيل المؤتمر عشية انعقاده؟ ولماذا وأهدروا كل هذا الجهد والتعب. ؟

للوهلة الاولى يبدو ان هناك تناقضا في رسم الصورة. لكن القارئ الصبور سيكتشف بان قرار تاجيل المؤتمر او الغائه تزامن مع عقد الجولة الثانية من المباحثات العلنية بين كبار القادة العسكريين لقوات الاحتلال الامريكي والسفير الايراني في بغداد لاعادة انتاج خطط جديدة لانهاء المقاومة ، ويبدو ان ايران ومن ورائها سوريا فضلت استخدام ورقة المؤتمر في الوقت المناسب ، تحسبا من فقدان قيمتها اذا حصل عليها بوش مسبقا او ربما تحسبا من حدوث التباس لدى الجانب الامريكي ، الامر الذي قد يعكر جو التفاهم بين الطرفين ، ولا ننسى في هذا السياق رفض عموم المندبوبين الذي حضروا من داخل العراق لهذا المؤتمر بعد ان تبين لهم الخيط الابيض من الخيط الاسود من هذ المؤتمر ، الامر الذي يؤدي حتما الى فضحه وتعريته. وبصرف النظر عن صحة هذه الاستنتاجات ، فان ايران وسوريا قد حققتا الهدف الرئيسي من هذا المؤتمر وان لم ير النور. فايران ارادت ان تقول للامريكيين بانها اصبحت لاعبا اساسيا في العراق لا يمكن لامريكا تجاوزها ، فهي ليست قوية على الارض وانما قوية على الصعيد السياسي. والنظام السوري اراد اثبات قدرته على ادخال عناصر جديدة تمكن بوش المتهاوي من الخروج من مازقه من خلال احداث شرخ في صفوف المقاومة العراقية وان بامكانه لم شمل المؤتمر في اي وقت اذا نال رضا وبركات بوش وادارته. وهذا ما يفسر حرص المخابرات السورية على ترويج الاشاعات بان العمل لازال مستمرا لانعقاد المؤتمر في وقت لاحق.

لنغير الاتجاه قليلا وندع النظام السوري وشانه ونغض الطرف عن سجله الاسود بحق العراق واهله وكان اخرها شرعنة الاحتلال وتبادل السفراء مع حكومة المالكي العميلة واعتبر رئيسها امن هذه الحكومة من امن سوريا وكذلك استجدائه لبوش لتخفيف الضغط عنه لانه لم يقدم الخدمات المطلوبة كما يجب لمشروع الاحتلال ، ونترك ايضا ايران وجرائمها في العراق ومشاريعها التوسعية ليس في العراق وحده وانما وصولا الى بيروت مرورا بعمان ودمشق واحتلالها للجزر الثلاث في الخليج العربي والاهم من ذلك احتلالها لمنطقة الاحواز وهي جزء لا يتجزا من العراق ، لنترك كل ذلك ونفترض دون مبرر انهما ابرياء من كل هذه التهم ، ترى هل يجوز عقد مؤتمر عراقي لدعم المقاومة خارج الوطن في وقت اصبح ثلثي العراق مناطق امنة ؟ الا يشكل ذلك منفذا كبيرا للدجالين والمنافقين واللصوص وسريعوا التقلب من حال الى حال لاختراق صفوف المقاومة ويوسع من دائرة التدخلات الاجنبية الخارجية في شؤونها وخلق الانقسامات ويصب في خدمة أجندة هذه الدولة أو تلك ؟ واذا كان هناك هذف لا نعرفه لاقامة مثل هذا المؤتمر خارج الوطن ، هل يجوز تشكيل لجنته التحضيرية من انتهازين ولصوص ، او ممن تعاون مع المحتل وشارك في العملية السياسية وطرد منها ، او ممن كان يصف المقاومة لامد قريب بالارهاب؟ الم يراس اللجنة التحضيرية للمؤتر العتيد عضو قيادة قومية في النظام السوري تحت اسم ممثل المقاومة وان يكون العضو الاخر مدافعا على رؤوس الاشهاد عن حازم الشعلان الغني عن التعريف بارتباطه بالمحتل والمتهم بسرقة مليار دولار؟ ثما ماذا يعني وجود عضو مكتب سياسي ثالث في اللجنة وصف الاحتلال بانه عملية تحريرا من النظام الدكتاتوري والمقابر الجماعية ؟ .

ليس هدفنا تضخيم ما حدث لكن التصرف وفق مبدا الاحتياط واجب ، ينطوي على قدر كبير من الواقعية ، اذ ليس من الحكمة السياسية التساهل مع حالات كهذه ، او السماح لاي جهة مهما علا شانها المساس بثوابت المقاومة العراقية واولها مواصلة القتال حتى التحرير ، فالمعركة التي تخوضها المقاومة العراقية الباسلة ضد اعتى قوة امبريالية في العالم ، هي معركة دقيقة ومعقدة وتحتاج من كل المخلصين من العراقيين التصدي للمؤامرات التي تحاك ضدها وفضحها وتعريتها امام الملا مهما كان حجمها صغيرا ، وان نقاتل كل من يتعامل مع الاحتلال او يسيء للمقاومة ويستهين بدماء شهدائها . ليس هذا فحسب ، بل علينا كاشخاص واحزاب الانضواء تحت خيمة المقاومة ، مثلما هم اتباع امريكا ومريدها وعملائها منضوين تحت خيمة الاحتلال . واذا كان لنا من خطاب مع المحتلين فهو محصور في جملة واحدة ارحلوا عن بلادنا ايها الغزاة.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الخميس/ 09 / أب / 2007