عوني القلمجي

شبكة المنصور

 

                                     

 

 

كثر الحديث هذه الايام عن حدة الخلاف بين حزب بوش والحزب الديمقراطي . ففي حين يطالب الديمقراطيون بالانسحاب من العراق ووضع جدول زمني له لا يتعدى نهاية عام 2008 ،  يهدد بوش باستخدام حق النقض "الفيتو"  ضد اي قرار يتضمن الانسحاب ، كونه يمثل بالنسبة له هزيمة لمشروع الاحتلال  وبالتالي هزيمة لمشروع بوش الامبراطوري.  والاحتمال الارجح ان تشهد الفترة القادمة مزيدا من التصعيد بين الحزبين ،  بعد ان حسم  الديمقراطيون امرهم على نقل الخلاف من اروقة الكونغرس الى الشارع الامريكي. فـ  هيلري كلنتون قالت : "بان بوش لا يعير اهتماما للشعب الامريكي الذي صوت لصالح حزبها في انتخابات الكونغرس  وان حزبها سيلجا الى الشعب  لحسم الخلاف" .  بينما قال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي هاري ريد : " لن نسمح للرئيس بوش بمواصلة سياسته الفاشلة في العراق. حتى اذا استخدم الفيتو في مواجهة المشروع المقترح من مجلسي النواب والشيوخ، فنحن نمثل رأي الشعب الأمريكي في هذه الحرب الفاشلة، وسنواصل الضغط على الرئيس، كي يغير مسار هذه الحرب التي كانت سيئة جدا للشعب الأمريكي".

لا نجادل حول هذا الخلاف ، فلقد اصبح واقعا يشغل بال الشعب الامريكي والعالم اجمع ، ولا نجادل في اصرار الديمقراطيون على محاسبة ومراجعة استراتيجية بوش في العراق وصولا الى المطالبة بعزله من البيت الابيض.
لكن المبالغة في هذا الخلاف  ثم المراهنة عليه لان يصل حد المساس بمشروع الاحتلال في العراق وحلم بناء الامبراطورية الكونية الامريكية فهذا يتعاكس مع واقع الحال ومع الوقائع العنيدة .  فكلا الحزبين يمثلان مصالح الراسمالية  الامريكية والمجمعات العسكرية والصناعية وشركات النفط العملاقة ،  والاهم من ذلك تاثير اللوبي الصهيوني على الحزبين وصنع القرار الامريكي وخاصة فيما يتعلق بالعراق. وفي هذا الصدد فان مستشار الامن القومي السابق برجينسكي ، ذكر في كتابه الجديد "الفرصة الثانية" افكارا مهمة في هذا الصدد ، ودعا الكونغرس إلى التدقيق في قوانين اللوبي الاسرائيلي وجماعات الضغط والمصالح المناصرة لدول أجنبية ، من أجل التقليل من نفوذها وتأثيرها في صانع القرار الأمريكي ، حيث ذكر بريجنسكي أن اللوبي الاسرائيلي اصبح يمسك بأذن العم سام ولا يتركها. وانه قد سيطر على السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، ، ليس بسبب أنهم يدفعون في اتجاه الحصول على مصالح محدودة، ولكن لقدرتهم على تعبئة الرأي العام الأمريكي بصورة كبيرة.

اما ستيفن والت وجون ميرشيمر كاتبي دراسة " اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية" التي نشرت في مجلة  "لندن ريفيو أوف بوكس" London Review of Books  ، والأول هو أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد وعميد كلية جون كينيدي للعلوم السياسية ، وميرشيمر أستاذ للعلوم السياسية بجامعة شيكاغو ، فقد اعدا دراسة حول هذا الموضوع وتوصلا الى ان اللوبي الإسرائيلي يمثل قوة أسياسية في عملية صنع القرار الأمريكي ، من خلال سيطرته على الهيئة التنفيذية بالإدارة الأمريكية عبر أفراد متعاونين أو متعاطفين مع مؤسسات اللوبي. ووكذلك سيطرته على الهيئة التشريعية والضغط على أعضاء الكونغرس بواسطة التبرعات المالية، أو تهديد نجاحهم في الانتخابات. وايضا من خلال مجموعة من مؤسسات "الثينك تانكس" أو مراكز الأبحاث السياسية التي تنتج أبحاثا متحيزة لصالح إسرائيل.  ومن خلال أفراد متعاطفين أو متعاونين مع أهداف اللوبي الإسرائيلي داخل مؤسسات الإعلام الأمريكي والجامعات والقيام بحملات سياسية وإعلامية لتخويف أعضاء المجتمع الأكاديمي في مجال دراسات الشرق الأوسط ، في حالة انتقادهم السياسات الإسرائيلية بأسلوب قوي. ناهيك عن توجيه اتهامات العنصرية والمعادة للسامية لأي شخصية بارزة في المجتمع السياسي الأمريكي تنتقد سياسة إسرائيل أو دعم الولايات المتحدة لها. واخيرا وليس اخرا يؤكد هؤلاء وغيرهم على ان قرار الولايات المتحدة لغزو العراق عام 2003 كان ناتجا عن تأثير اللوبي الإسرائيلي.

على هذا الاساس فان اصرار الحزب الديمقراطي على الانسحاب من العراق ، لا يعني اطلاقا القبول بهزيمة مشروع الاحتلال وبالتالي هزيمة امريكا والصهيونية العالمية ، وانما الهدف منه الحاق الهزيمة ببوش وحزبه في انتخابات الرئاسة المقبلة ، بعد ان فعلت كلمة الانسحاب فعلها في فوزهم في انتخابات الكونغرس. ومعلوم ان الانسحاب من العراق اصبح مطلبا ملحا بالنسبة للشعب الامريكي الذي يعيش منذ فترة شبح الحرب الفيتنامية وتصاعد وتيرة هذا المطلب عبر التظاهرات التي عمت المدن الامريكية.  بل ازعم بان الديمقراطيين لن يقبلوا حتى بالانسحاب المشرف او الخروج بماء الوجه دون تحقيق اهداف الاحتلال كاملة غير منقوصة . فكلمة الانسحاب كلمة مطاطة وان ارتبطت  بموعد محدد هو نهاية عام 2008 ، فلهذا التاريخ عند الديمقراطيين هدف باعتباره يمثل نهاية ولاية بوش الثانية وانه من الصعب عليه تحقيق اي نصر او تقدم على المقاومة العراقية في الفترة المتبقية له بعد الاعتراف بفشل استراتيجيته الجديدة في اعادة احتلال بغداد.

اذا عدنا لتصريح  زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي"هاري ريد" اعلاه نجد خلاصته في قوله : "باننا سنواصل الضغط على الرئيس، كي يغير مسار هذه الحرب التي كانت سيئة جدا للشعب الأمريكي". وتغير المسار هنا وحسب وجهة نظر الحزب الديمقراطي التي عبروا عنها في اوقات سابقة ،  تنحصر في سحب قوات الاحتلال من مراكز المدن، ومناطق التماس مع المقاومة، الى القواعد العسكرية الثابتة التي تم بناؤها في انحاء متفرقة من العراق ، لتجنب مزيدا من الخسائر المادية والبشرية، والزج بدلا عنها بقوات الحكومة العميلة والمليشيات المسلحة التابعة لها لمواجهة المقاومة والاكتفاء بدور المساند لها ، وهذا سيحقق غرضين اساسيين في غاية الاهمية بالنسبة للامريكيين. الاول: هو تحويل الحرب من حرب بين المقاومة وقوات الاحتلال ، الى حرب بين العراقيين انفسهم. والثاني : ان الامريكيين سيوهمون القوى الوطنية الهشة والتي تطالب بـ  <<جدولة الانسحاب كطريق لتحرير العراق>>،  ، بانهم استجابوا لهم وانه ان الاوان لانخراطهم في العملية السياسية.فاذا حدث ذلك ، ، فانها ستكون ضربة موجعة للمقاومة الوطنية العراقية، او انها تعقد على اقل تقدير،عملية الصراع  بين المقاومة وقوات الاحتلال. وتؤخر عملية تحرير العراق.

خلاصة القول فان حقيقة الخلاف الدائر بين الحزبين العتيدين ، ينحصر ليس في مشروع الاحتلال وبناء الامبراطورية الامريكية ، وانما ينحصر  في كيفية ادارة مشروع الاحتلال بطريقة سليمة وناجحة بعد ان اداره بوش بطريقة سيئة ، جلبت الويلات والكوارث على الولايات المتحدة الامريكية واولها اهتزاز مكانتها كاقوى دولة بين دول العالم قاطبة.  وفي هذا الخصوص هناك من الوقائع والاحداث ما يدعونا الى التامل والحذر الشديد من المراهنة على هذا الخلاف خاصة من قبل المقاومة العراقية او اي طرف منها ، على حساب مواصلة السير قدما بالعمليات المسلحة وتصعيد وتيرتها. خاصة وان هناك مبادرات قد تم احياؤها من قبل البعض تتحدث عن امكانية انهاء الاحتلال بالطرق السلمية ومحاولة اصحابها اقناع المقاومة العراقية بهذا الطريق ، على الرغم من تعاكسه مع برنامج المقاومة العراقية المعلن الذي ركز على الانسحاب الكامل والفوري وغير المشروط  لقوات الاحتلال وتحمل الولايات المتحدة كافة النتائج الضارة التي ترتبت على جريمة الاحتلال.

ضمن هذا السياق، لا نجد امامنا من خيار سوى، ان نعيد للاذهان جزءا يسيرا من الحقائق. حول البعد الامريكي لاحتلال العراق. عسى ان تنفع الذكرى. مثلما يجب ان نذكر، باهمية دور المقاومة المسلحة ، كطريق من دونه لايمكن تحرير العراق.

 واول هذه الحقائق: ان هدف الامريكان من احتلال العراق. هو البقاء وليس الرحيل. واذا اقتنعت امريكا بالانسحاب لاي سبب كان. فان الصهيونية العالمية وكيانها في فلسطين المحتلة، والتي باتت تتحكم اكثر من اي وقت مضى بالقرار الامريكي. سترفض ذلك. فتدمير العراق وبقائه تحت السيطرة المباشرة. هو من ابرز اهداف الصهيونية العالمية.

وثاني هذه الحقائق: هو ان احتلال العراق، جاء ضمن مخطط امريكي. يسعى للتحكم بمقدرات العالم وشعوبه، وتكون بدايته السيطرة المطلقة على العراق. وعلى منطقة الشرق الاوسط..وليست مصادفة ان تطرح الادارة الامريكية مشروع الشرق الاوسط الكبير بعد احتلال العراق مباشرة.

وثالث هذه الحقائق: ان احتلال العراق، يعني السيطرة على كامل نفط الخليج العربي . واذا اضفنا الى ذلك سيطرة امريكا على نفط منطقة اسيا الوسطى وبحر قزوين بعد احتلال افغاستان ، فان التحكم بالدول الصناعية الاخرى يصبح سهل المنال. ولهذه الاسباب ولاسباب اخرى ، فان الادارة الامريكية لن تترك العراق طواعية ، لان هذا يعني فشل لمخططها الكوني برمته.

واذا ابتعدنا قليلا عن هذه الاستنتاجات. واقتربنا من ارض الواقع ، سنجد ان الادارة الامريكية تؤكد  بمناسبة ومن دون مناسبة ، بان بقاءها في العراق لايحده زمن معين ، في حين انها تتخذ كل الاجراءات التي من شانها  تكريس الاحتلال في جميع المجالات. ومنها بناء القواعد العسكرية العملاقة. والتي بلغ عددها لحد الان. 14 قاعدة في مختلف انحاء العراق. ناهيك عن انشاء 145 موقع عسكري لربط هذه القواعد بعضها ببعض. اما مشاريع تقسيم العراق وتمزيق وحدة المجتمع العراقي ، فهي تجري على قدم وساق. ومعلوم ان تقسيم العراق وتمزيق وحدة المجتمع العراقي. من شانه ان يمكن اية قوة محتلة من التحكم بهذا البلد الى ما لا نهاية.

. اذا كان ذلك صحيحا وهو صحيح قطعا ، فهل من حق اية جهة مقاومة بالسلاح او سلمية ، ان تفكر بالمراهنة على هذا الخلاف وان تدخل في مفاوضات مع المحتل او مع حكومة مرتهن قرارها بيد الامريكيين؟ واذا افترضنا ان المحتل قبل بمطالب المقاومة ،  ترى هل من الحكمة السيايسة ان نثق بالامريكيين والوفاء بعهودهم؟  ام ان ذلك سيمنح الامريكان فرصة للافلات من الهزيمة ، في حين ان المطلوب تشديد الخناق حول رقبة المحتل الى ان يتقدم هو بطلب التفاوض لترتيب انسحابه من العراق دون قيد او شرط ؟

قوات الاحتلال لم تصل بعد الى حافة الهزيمة ، على الرغم من كل الانتصارات الرائعة التي حققتها المقاومة العراقية ، ومن يروج الى امكانية انسحاب بوش او الحزب الديمقراطي في حال استلامه السلطة طواعية عبر صفقات سياسية ، هو في ضلال مبين. فلازالت المعركة صعبة ومعقدة  ولازلت قوات الاحتلال قادرة على الصمود فترة اطول ، وهذا يتطلب السير قدما بتصعيد المقاومة وليس التفكير بتقديم المبادرات او اجراء مفاوضات مع المحتل لانهاء الاحتلال.  وان على الذين نشطوا مجددا وقاموا بتقديم المبادرات لعرض بضاعتهم الفاسدة بهدف سرقة جهود المقاوميين الذين هم انفسهم وليس غيرهم من وضع بوش وقوات الاحتلال في هذا المازق ، ان يتخلوا عن هذه العروض الخطيرة. لان المطالبة بانسحاب قوات الاحتلال وفق جدول زمني وتشكيل حكومة مؤقتة من المستقلين ونزع سلاح المقاومة ووضع العراق تحت اشراف  الامم المتحدة او الجامعة العربية ، يتعاكس تماما مع خط المقاومة العراقية والذي يرفض انصاف الحلول ولا يقبل بغير الانسحاب الفوري والكامل وغير المشروط من العراق.

لقد احتل العراق بالقوة ولا يتحرر الا بالمقاومة وان هذه المقاومة المندلعة منذ دخول الاحتلال ارض العراق ، هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب العراقي ، فهي دون غيرها لها الحق في تقرير حالة الحرب والسلم. وان علينا جميعا ان نقف خلفها ونقدم لها الدعم الكامل لانجاز مهمة تحرير العراق واخراج القوات الامريكية المحتلة صاغرة بسواد الوجه وليس بماء الوجه.

       

                                      شبكة المنصور

                                    08 / 04 / 2007

كذبة الانسحاب واوهام المبادرات وخطورة التفاوض