هل (الصدق) حجتنا ومعجزتنا ؟؟

 
شبكة المنصور
ابو جعفر
 

تختلف الحركات السياسية التاريخية التي تنبع من افق حضاري عميق، ولها ارتباطاً انسانياً متجذر بتاريخ الامة عن تلك التي تظهر وترتبط بمواقف خارجية، او اجنبية او طارئة او متفعلة او متطرفة، او تنشأ لاسباب خيانية او اجرامية او ارهابية الامر الذي يجعلها دوماً مسطحية تقذفها الرياح كورقة الاشجار اليابسة.

وبنفس الوقت الحركات التاريخية التي تتسم بالمبدائية والمسؤولية الوطنية والقومية والانسانية لايمكن ان تأتي وتظهر سريعاً، ولايمكن ان تجد سهوله في طريقها الى الجماهير، وايضاً لايمكن ان تقابل بالترحاب والرضا من الاطراف الاستعمارية والعدوانية المهيمنه والتي لاتسمح بظهور اي قوة فكرية مؤثرة ذات عقيدة صادقة تختلف معها في المصالح والاهداف.

لذلك فان الحركات التاريخية الاصليه والفعالة تتعرض منذ بدء نشوءها للعديد من الصدمات والضربات والضغوط، ويستخدم ضدها وسائل واساليب عدة من قبل اعداءها وخصومها.

وربما تحاول هذه الحركات التاريخية ان ترتقي وتقترب في مسؤولياتها الانسانية الى نموذج الدعوات والرسالات الالهية التي دعا وبشر بها الانبياء والرسل الى العالمين، لذلك نجد في سياقاتها وخطاباتها الفكرية صلة عميقه وصحيحه مع ثوابت الحق الالهي والعدالة الالهية في الحياة والاخذ بمبدأ ان الانسان خليفة الله في الارض عليه ان يتبنى قيماً ومبادئ سامية من اجل الخير والسلام وتحقيق العدالة والمساواة بين البشر.

نعود ونقول ان الفوارق بين الحركات التاريخية الاصليه والشامخه والمتواصله، وبين الحركات الركيكه والمحدوده، اصبحت اليوم واضحة وبارزه ومميزه في الحياة السياسية الدوليه، والعربية العراقية (تحديداً) ويمكننا القول ان الحركات التاريخية الاصيله تجمع ثلاثة خصائص اساسيه هي:-

اولاً – انها قادرة على ان تنطلق من تصور فكري يستحضر القدرات والامكانيات الذاتية والمعرفية للامة في فترة من الزمن، وتعدها باتجاه المسؤولية والوظيفة الحضارية والتاريخية للامة.

ثانياً – ظهور مستمر  للطاقات المعنوية المتمثلة بالقادة والزعامات والنخب (الصادقة) التي تستطيع ان تعكس نموذجاً ريادياً وقيادياً في سلوكها اليومي.

ثالثاً – القدرة على الانطلاق الى المستقبل المتوقع والتنبؤ به وفق ستراتيجية واضحة لتحقيق طموحات الامة، والشروع في تنفيذ برامجها واهدافها استناداً الى الرؤيا الواقعية والعلمية والعقلانية.

وعليه فان الامة العربية قبل الاسلام كانت تعيش حالة من الضعف والتدهور واسيرة الانقسامات والصراعات القبلية والنزاعات الانانية والعدوانية وشيوع حالة الظلم والطغيان والفساد والخضوع الى الهيمنه الاجنبية (الفارسية والرومية)، ولكن روحية الانسان العربي على الصعيد الخاص، كانت مستعدة وتواقه لتبني القيم والتقاليد السامية، ومحاكاة الضمير والذات، وربما هذا امراً وراثياً او جينياً للشخصية العربية والذي بدأت البحوث العلمية والمختبرية المعاصرة تتحدث عنه

لهذا استطاعت الامة ان تعبر عن ذاتها بعد الاسلام بلغة ثورية وجهادية كون الاسلام كان يحمل مفاهيماً وقيماً عليا وجاء لخدمة البشرية جمعاء، لهذا انتصر العربي المسلم على نفسه قبل كل شيء وتجاوز سلوكياته المتاخرة وعلى كل السلبيات السابقة واستطاعت الامة ان تتبنى لمعظم الايجابيات واحتكمت لسيادة العقل والقيم التي بشر بها النبي محمد (صلى الله عليه وسلام) وتهيئت للدفاع عنها في سياقات الامة الموحدة و(الصادقة) على اساس ان الارادة الالهية جلت عظمتها وقدرتها، هي التي اصطفت واختارت من بين كل البشر والخلق سيدنا المصطفى النبي العربي محمد (الصادق) الامين، ومهيئاً خلقاً وسلوكاً لقيادة الامة، واكمل رسالتها السمحاء بالاسلام ، فجمع نبينا المصطفى الكريم بين النبوة الالهية التي اودعها له الله سبحانه وتعالى وبين قدراته الشخصية الفذة التي يتفق عليها كل البشر.

فانضج واقعاً متقدماً نقياً في الحياة العربية، وكان اميناً و(صادقاً) على ايصال رسالة النص الالهي للقرآن الكريم، ليكون دليل الامة وسراجها المنير في الظروف المظلمة والحالكة، وعززها باحاديثه النبوية الشريفة.

فالرسول العظيم استطاع منذ بداية الدعوة الاسلامية ان يحسم الموقف لصالح دعوته الالهية، رغم الموقف المضاد للمشركين، لانه امتلك الحجة والمعجزة معاً.

فكانت الدعوة الاسلامية اعلاناً واستنكاراً ضد كل الممارسات المتدنية التي تصرف بها العرب قبل الاسلام والتي تصب في مصالح اسياد قريش والتي تسيئ الى قيمة الانسان وتهدر معنوياته وتستغل طاقاته، واستطاع المسلمون الاوائل ان يقفوا صرحاً من القيم والمبادئ ضد جبروت وسطوة قريش فكان لابد ان يجابه الدين الجديد بقوة وقسوة وعسف وشراسة، لان بوادر انتصاره اصبحت مؤشراً لنهاية سلطة قريش ومن بعدها السلطات الاعجمية .

وكان لابد من (التصديق) بان الانتقال بحياة العرب الى الصورة المثالية والعظيمة والحية التي بشر بها الدين العظيم، يتطلب التضحيات العالية والصبر العميق وبذل الجهود المضاعفة والثقة المطلقة بالقدرات غير المرئية التي يعلم بها الرسول الكريم، والتي تأتي عبر التمسك القوي بالعقيدة والجهاد والثبات عليها، و(تصديق) الرسول الكريم، بكل مايقوله ويأتي به.

فالصراع بين الطرفيين النقيضين وصل الى حد المواجهات القاسية والقتالية، وكان يبدو ظاهرياً ان نتيجة هذه المواجهات الحادة ستكون لصالح العدو الاكبر والطرف الاغنى الذي يملك العدة والتجهيز والمال ولكن قوانين الحركة التي تتبنى الفكرة الصادقة والرفض المطلق لحالة الاشراك بالله الواحد الاحد، جعل انتصارها يؤكد نموذجاً تاريخياً انحصر في شرطين اساسين:-

الاول – التحرك ضمن اطاري الزمن والمكان.

الثاني – التحرك ضمن الادارة القادرة على تبني مسؤولية الفكرة (الصادقة)، فلو ان الدعوة الاسلامية ظهرت في اوربا او افريقيا او في الصين، فهل كان سيكتب لها النجاح مثلما نجحت ضمن الزمان الذي قدره العلي العظيم والمكان القريب من بيت الله الحرام، واداة مثل عرب الجزيرة العربية، كي يصبح هذا النبي خاتم الانبياء والرسل والرسالات الالهية.

فالدعوة التي بدأت سراً واقتصرت على اقرب الناس صلة بالرسول الكريم واكثرهم ثقة في قلبه، وتحول مجتمع مكه الى فريقين متصارعين قيمياً وفكرياً ثم تحول قسماً من قريش والعشائر العربية الى تبني دعوة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بعد ان استقر في المدينة المنورة مع اصحابه من المهاجرين والانصار وبدأوا باستقبال كل العرب بعد فتح مكة، انه ليس انتصاراً عسكرياً فقط او اقتصادياً فقط او سياسياً فقط انه انتصاراً للحياة (الصادقة) باكملها وكذلك ليس كل العرب المسلمين كانوا قد التزموا او تطابقوا بتفاصيل وتعاليم الدعوة او التزموا بالنص القرأني بالكامل والمطلق ولكنهم كانوا (صادقين)، فالنسبية في الالتزام بقيت ظاهرة ملازمة للاسلام وحتى الان، واصبح الالتزام معياراً للمسؤولية، و(الصدق) معياراً للاسلام.

ولكن الالتزام كان في المحصلة والزخم الشامل بين الفكرة (الصادقة) التي جاءت بها الدعوة الاسلامية، وبين ماتهيأت واستعدت لها الضمائر والنفوس للفهم والانسجام والرجوع الى الذات وحوار الضمير، والتخلي عن القيم المزيفة سبباً  جوهرياً، لتبني كل العرب فكرة الاسلام وتحولت الفكرة (الصادقة) لتحل في كل مجتمع وان يتحول هذا المجتمع كله لحمل الفكرة، وهكذا اصبح معظم العرب مسلمين، واصبح الاسلام لكل العرب، وقاد العرب مسؤولية نشر الاسلام ودعوته ولم يعد العرب بعد ان هذبهم الاسلام واتمم فيهم مكارم الاخلاق ذو نزعة تسلطيه او عنصرية او استبدادية او استعبادية بل كانوا مبشرين بالحق والعدل  والامر بالمعروف والنهي عن المنكر (صادقين) في نواياهم، ودليلنا القاطع في هذا (الموقف) هو ان الاسلام لم يفرض على المسلمين غير العرب اللغة العربية او فرض عادات او تقاليد العرب القومية بطريقة قسرية، فرغم ان القرآن انزل عربياً، الا  انهم ترجموه لكي تتعلم الاقوام مضامين اياته الكريمه، والا لماذا بقيت جميع الاقوام محتفظه بلغتها القومية ولحد الان، مثل الفرس والهنود والافغان والروس والتركمان والبلوش ... الخ، في حين ان الاستعمار الانكليزي فرض لغته على جميع هذه الاقوام وغيرها خلال فترة هيمنة الامبراطورية البريطانية التي كانت لاتغيب عنها الشمس، وكذلك الحال مع الاستعمار الفرنسي وما فعله في الغرب العربي، والاسبان ايضاً.

وبعيداً عن ذكر الانحرافات والخلافات حول الخلافة والسلطة السياسية والتي كانت سبباً في انتكاسات الامة ومأزقها في معايير الالتزام و(الصدق)، ان الامة ورغم ذلك نقول انها كانت تنهض وتتقدم وتنتصر ولكن انتصاراتها كانت ترتبط تماماً بذلك القدر الذي تتصل به بدينها وبجوهر قيمها وبشكل محدد في مدى التزامها و(صدقها) بالشريعة التي اقرها النص القرآني والسنة النبوية الشريفة، وكانت تضعف وتتراجع، او تخضع حينما تبتعد وتنفصل عن جوهر القيم وتتجاوز على الشريعة وتنسلخ او تتنصل عن اصالتها، وللاسف نقول ان هذا الواقع والسياق ظل يمثل الصورة المقروءة والمميزة في حياة امتنا العربية منذ بوادر تداعياتها، بعد ان سيطرت عليها النزعة الانانية والتسلطية ونفذت اليها القوى الاجنبية واخترقها (الخصوم التاريخيون)، وبدأت تتاكل من داخلها، وتم الاجهاز عليها بعد عدة قرون من الانتصارات وتحولت الى هيكل فارغ اجوف فقط صلادته وصلابته، وبتعد عن  كل القيم والمثل التي وضعتها الامة واودعتها في ضمائر العرب في بداية رسالتها وأوج عطاءها.

واذا كانت بعض مراحل الضعف تبدو قوية في ظاهرها (استثناءاً)، كما يحصل في بعض الانتصارات المنثورة والمؤقته، فان هذا مايحصل لان الامة تمثل حالة الجريح في المعركة بهيئة قائد يحمل الراية ومفعم بالكبرياء (الصادق) والكرامة والاعتزاز والممتلئ بعاطفه هائجة فيها نخوة العروبة وشهامة ابن القبيلة وابن الوطن وكبرياء الابطال فينتفض بقوة الألآم جراحه لاستثمار كل ماتبقى من طاقته وقوته، ولكنه لايلبث ان يسقط شهيداً (صادقاً) وهو مرتاح الضمير بانه استشهد شهادة الابطال التي تليق بتاريخ امته العظيمة، ولكي يسجل رمزاً من رموزها الافذاذ ولكي يعطي للامة زخماً معنوياً في الامل والعطاء، وهناك مايحصل عكس ذلك مع الذين يجبروا على الاستسلام للاعداء ولكن بنفس الوقت يبقى قلبهم وذهنهم ذلك المتربص للفرصة المناسبة لكي ينقضوا على هؤلاء الاعداء ففي داخلهم شيئاً من العروبه وصفاتها ولكنه مع هذا لم يستطيعوا حسم الموقف لمصلحة الامه التي تنتظر منهم الانتصار لان الاعداء قد عزلوهم وجزؤهم وجعلوهم متفرقين في المعركه، ولايسمحون لهم ان يوحدوا صفوفهم مهما كلف الامر، وبعد فوات الاوان يتمنوا لو تضامنوا مع ذلك الذي سقط شهيداً (صادقاً) وهو يحمل الراية.

مع هذا ظلت امتنا العربية حيه وفعاله، ذات تاريخ عريق، وتمتلك استعداد كبير للعطاء، ولو دون النموذج والمستويات الاصليه التي عرفت بها في مراحل ابداعها في الدعوة الاسلامية العظيمة وبهذا يمكن ان تتساءل لماذ استمرت هذه الامة تواجه وتقارع مختلف الاعداء والخصوم التاريخيين، ويبدو وكأنها منتصره عليهم، ولكنها في المحصله النهائية كانت تدفع الثمن كبيراً وباهضاً؟؟

ولماذا كانت الامة تدفع الثمن اكبر واعظم وهي تعرف ان اعداءها يستطيعون في النهاية تحقيق الانتصار والتفوق عليها وايقاف عملية تقدمها، بل يرجعون الامة الى حيث بدات؟؟ وهل هذا يدل على ان فينا شيئاً او الشيء الكبير والكثير من الالتزام و(الصدق).

ان الفقه الفكري والحركي للعمل السياسي يدعونا للتفكير في اهمية التجدد فالفكرة (الصادقة) الاسلامية قائمة وموجودة وهي وجزءاً مهماً في اصالتنا وحيويتنا، ولكننا نحتاج للوسائل والاساليب التي تتناسب مع هذا الزمان والمكان.

ان المسؤولية التاريخية تدعونا لايجاد المخرجات والبحث عن والوسائل والاساليب وتدعونا للتفكير في اختيار الادوات التي تنقل الامة نحو حالة الاندماج مع قيمها والا لتصاق بجوهرها والانسجام معها كمدخل الرئيسي للانطلاق، اننا مطالبون بالبحث عن الحجة والمعجزة معاً ... وبلغة علمية وعملية

انها حقاً مسؤولية ومهمة صعبة ومعقدة، ولكنها ليست مستحيلة على الامم الحية، وقراءتنا التاريخية اشرت لنا ان الكثير ممن ارادوا ان يتبنوا هذه المهمةبشكل لايليق بتاريخ وحضارة الامة، حركات او منظمات او فئات او افراد، رفستهم التجربة ولم يرتقوا الى الايفاء بحقها، ولم ينهضوا بها على القدر المطلوب، وانتهوا اما الى الانعزال عنها من موقف سلبي، يلقي باللائمة على الامة، ويلصق بها تهم التخلف والجهل، ويصل في كثير من الاحيان، الى تفسير خلاصة التجربة (الى اليأس المطلق من حالة الامة) ولا جدوى من العمل في اتجاه نهوضها واستئناف مسيرتها ورسالتها الانسانية، واما ان يكتفي بالاعلان والتبجح لنفسه والعمل لها، اكثر من العمل للمهمة ذاتها او الاتجاه نحو التطرف والغلو وبهذه الحالة او تلك ضاعت فرص عديدة، وهدر زمناً كثيراً، ولكن مازالت تكمن معاني الصبر والايمان والاصرار والمواصلة فينا انها حتماً تكمن في الفرص الحقيقية التي تتزاوج فيها الظروف الموضوعية بالعوامل الذاتية، وبالتفاعل الحي بين الفرد وبين الجماعة، وبين الحاضر والامة والحاضر والمستقبل، بحيث تكون فيها اية لحظة قابلة لتفجير حدث تاريخي، ومن هنا كانت الحاجة الى الثقة بالحاضر والمستقبل معاً وبالامكانيات الذاتية التي هيئتها تجربة حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق والتخطيط روحياً وعملياً لخوض المجابهة والمواجهة مع كل اعداء الامة، بعقيدة لم يدنسها زيف المدعين، ولم يتطاول عليها الادعياء، ولم يمسخها الرواج الكاذب، والثرثرة والمراسلة المتداولة بين ايدي محترفي السياسة والذين استفادوا من مآسي الامة، وكوارثها اكثر مما قدموا لها، فتفجرت لاول مرة منذ قرن من الزمن صرخة المقاومة الحقيقية (الصادقة) على ارض عربية ضد طاغوت  همجي كبيراً في عدده وقوياً في معداته واسلحته وغنياً في امواله ولكنه راح يترنح ويتلفت مولولاً على ارض العرب، ان معركتنا البطولية ضد العدوان والاحتلال والخيانة والتأمر بدأت تسمو الى مستوى تعديل وتجميع مسار الامة، والذي يجعل الانسجام بين الامة في حاضرها وبين قيمها وجوهرها الاصيل في ماضيها انسجاماً واقعياً منطقياً وطبيعياً وقانونياً لتحريك روح الامة في المستقبل القريب، وبدون هذه المواجهة والمجابهة، ماكان للامة ان تكتشف (وظيفتها) وان تكتشف (الصادقين) وهذا هو المهم ولكن الاهمية الاكبر هي فهم (المسؤولية الكبرى) والتي تكمن في استثمار قيم التجربة البعثية في هذه المجابهة والمواجهة وقيم تجربة السياسة العربية الاصيلة معاً وبصورة مشتركة، وبناء اطاراً حركياً متجدداً ومتقدماً، يستثمر المستقبل والحفاظ على ماتبقى من نماذج نقية مخلصة من التجربة السابقة وان تكون حجتنا ومعجزتنا ان نعمل (بصدق) وان نكون من (الصادقين) وان تصبح قوة المقاومة احدى مقومات النظام السياسي العربي فيما اذا اراد ان يكون نظاماً بمعنى الكلمة.

لقد ايقظ البعثيون مشاعر (الصدق) والجهاد ودعا الامة لتحمل مسؤولياتها التاريخية ومطلوب منا ان نعمل ضمن مشاعر هزة الضمير العربي (الصادق) ولحظة الاستيقاظ التاريخي ووفرة الفرص الحقيقية للحركات والقيادات والزعامات والجماعات المخلصة و(الصادقة) والمجاهدة، والى البدء في تولي قيادة المستقبل، وحمل شرف المسؤولية في التقدم والنصر العربي الجديد، والذي يفترض ان يشترك به الجميع.

وقد يجوز ان  معركتنا البطولية مع الاعداء لم تأخذ كامل ابعادها ومضامينها في المراحل الاولى من المعركة، او لربما فكر البعض بانها النهاية وعنوان الانكسار والاندحار، ولكنها كشفت لنا وللعرب والنفوس القلقه ان الذين كانوا لايثقون بمستقبل هذه الامة، والذين يجدون في ضعفها وتدهورها وانحسارها، فرصاً واتساعاً لمصالحهم، وبقاءاً  لما كان تحت ايديهم من سلطات مؤسسات او مواقع تحتاج الى تبريراً عملياً للتواجد فيها، ولم ياخذوا دورهم وواجبهم بالمستوى المطلوب، بعد ان اثبتت المعركة الكثير وكشفت الكثير، واراحت، وتابت نفوس كثيرة جراء ما حصل وسيحصل.

فبعد اربع سنوات من المقاومة الجهادية، والتضحيات البطولية والايمان المطلق بالشهادة في سبيل الوطن والامة والحرية والتحرير، اتضح انها لم تكن معركة عدوانية ضد احد ولا خطة سياسية بدوافع المنافسة الاقليمية التوسعية، بل كانت معركة لاكتشاف اسرار الامة الحقيقية، ومقارنات (الصدق) والنفاق وتحديد الوظيفة الحضارية للامة ولوضع الصيغ والمستلزمات والوسائل القادرة على الانتقال بها من وضع التردي الى وضع الانبعاث والتقدم، ووضع المساهمات العربية الاصيلة على مختلف قدراتها ومستوياتها الفعالة في (الصدق) الحقيقي واطلاق العنان للمواقف الانسانية والعربية (الصادقة) والمؤيدة لموقفنا القومي العربي الملتزم  ولكي تتحرك ضد الطاغوت الامريكي اللعين والصفوي المجوسي التوسعي والصهيوني الخبيث واعطاء الفرص لاستيقاظ بعض النظم العربية وقبول ندمها على ما فعلته بحق العراق وشعبه وقيادته حينما ساهمت وساعدت على حصاره واحتلاله وتدميره.

 المهم ان يبقى (العربي) مواطناً او جماعة او حركة او نظام (صادقاً) في حاضنة الامة وقيمها الاصيلة، وان يصطف في المسار التاريخي (الصادق) لها وهذا ديدن حزب البعث العربي الاشتراكي وسماته الاصيله، فالنصر هو (الصدق) والفشل هو الكذب والنفاق.

ان المقاومة الوطنية التي يقودها حزب البعث العربي الاشتراكي، اصبحت رمزاً للامة ورمزاً للانتصار ومعياراً لشرعية النظم العربية وسيكون انتصار المقاومة الوطنية هو انتصار للنظم العربية ايضا، فيما اذا استطاعت هذه النظم ان تعود الى عروبتها بحدودها العليا و(تصدق) في مواقفها، وعندئذ يستطيع العرب ان يفهموا ان هناك واقعاً معيناً لايخيفهم وهو وجود (عصراً جديداً للامبراطورية الامريكية) و (وجود غاصب معتدي صهيوني) و(خصم تاريخي فارسي صفوي توسعي) ولكنه ايضاً يوجد بداية لعصراً جديداً عربياً وتفجيراً جديداً لطاقات الامة العربية ووعياً متقدماً لفهم متطلبات (فكر)  المرحلة القادمة الذي يبدأ بالبناء (الصادق) للانسان وللدولة وللمدينة.

الله اكبر ... الله اكبر ... الله اكبر ...

تحية المجد والخلود لشهداء المقاومة الوطنية دون استثناء ...

تحية للصادقين من الامة العربية .. والذين يعيشون في زمناً اصبح الكذب والنفاق صفة من صفاته ...

 
 
 
 
شبكة المنصور
الاربعاء / الثالث والعشرون / أيــار / 2007