بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

       تمرد الجنوب 1991 ما هي طبيعته ؟ ومن كان محركه ؟

 

 

شبكة المنصور

 صلاح المختار

 

      في يوم  21 – 8 – 2007 بدأ فصل جديد من مهزلة اطلق عليها الاحتلال تسمية ( محاكمات ) ، ذهب ضحيتها نخبة من خيرة ابناء العراق ورموزه الوطنية ، وعلى راسهم سيد شهداء العصر القائد صدام حسين . والفصل الجديد أطلق عليه الغزاة وعملاءهم تسمية مضحكة ومبكية ، في ان واحد ، وهي محاكمة من ( قمع انتفاضة الجنوب ) ، في سخرية وتحقير مباشرين لكافة مفاهيم العدالة والقانون والمنطق السليم وحتى معاني اللغة ! ما هي قصة ذلك التمرد المسلح الواسع النطاق الذي اطلقوا عليه افتخارا تسمية ( انتفاضة ) ؟ متى حصل ؟ وهل لتوقيت وظروف حصوله مغزى كبير ؟ وماذا فعل المتمردون ؟ ومن وقف وراء اشعاله ؟ وهل هو تمرد او انتفاضة ؟ واخيرا هل يمكن محاكمة من اعاد الامن الى دولة تعرضت لحرب عالمية بكل المقايس ودمرت بناها التحتية واصبح شعبها جائعا منهكا مجروحا ؟

سكاكين بابك الخرمي

        لقد اعلن عن وقف اطلاق النار يوم 28 – 2 – 1991 لوضع حد للحرب العالمية الثالثة ، كما وصفها العديد من المراقبين الدوليين ، واطلق عليها العراقيون تسمية العدوان الثلاثيني على العراق ، لان 33 دولة اشتركت فيه بكل قدراتها خصوصا العسكرية والمالية والسياسية والاستخبارية ، وهذا العدد من الدول اكبر من عدد  الدول التي اشتركت في الحرب العالمية الثانية ، واستمرت الحرب من 17 – 1 -1991 حتى 28 -2 -1991 ، وتم خلالها الحاق دمار شامل بالبنية التحتية العراقية وبكافة الخدمات الانسانية والاجتماعية ، وبالجيش العراقي وراح ضحيتها عشرات الالاف من العراقيين خصوصا المدنيين .  واعترفت المصادر الامريكية بان الجيش العراقي الذي كان ينسحب من الكويت بقوافل كبيرة ، بعد وقف اطلاق النار ، هوجم بشراسة من قبل القوة الجوية الامريكية ، في واحدة من اكبر المجازر في التاريخ ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من العسكريين والمدنيين العراقيين الذين كانوا في طريقهم الى العراق . ولكبر حجم المأساة اطلق الامريكيون على الطريق الذي وقع فيه الحادث تسمية ( طريق الموت ) ، لان الاف الجثث المحترقة كانت تتنشر على طول كيلومترات ، الى جانب ( جثث ) مئات السيارات المدنية والعسكرية التي احترقت ودمرت .

ان من كشف اولا في الاعلام عن هذه المجزرة البشعة هو الاعلام الامريكي والاوربي ، الذي  نشر عشرات الصور عن المجزرة  ، تعبر عن بشاعة ما جرى ووحشية ولا اخلاقية القوات الامريكية التي تسببت في مأساة إنسانية نادرة الحدوث في الحروب .

وكان ذلك الهجوم لا خلاقي ولا قانوني ، لانه تم بعد اعلان وقف اطلاق النار ، مما دفع القوات المسلحة والاف المدنيين للخروج من الكويت ، وبينهم الالاف من غير العراقيين من عرب واجانب ، وكان الهجوم تعبيرا واضحا عن حقد عميق على العراقيين يحمله قادة امريكا ، وعن استهتار لا مثيل له بالقانون وخصوصا  قوانين الحرب .

        بعد ذلك الهجوم في طريق الموت كانت القطعات العسكرية العراقية المتبقية تنسحب الى العراق ، وكان افرادها  بغالبيتهم يسيرون على الاقدام وهم  منهكون وجائعون لا يقوون على المشي ، لدرجة ان الكثير منهم باع سلاحه عندما دخل العراق لاجل شراء الطعام ! وكان من بينهم مئات الجرحى الذين كانوا يحتاجون للعلاج ، وكانت مدينة البصرة ، وهي اول مدينة عراقية دخلوها ، شبه مدمرة ورائحة الموت تنتشر في كل شوارعها . في ذلك الوقت ، وفي يوم 2 -3 – 1991 ، بدأ افراد مسلحون يهاجمون مراكز الشرطة ومقرات الجيش والحزب والجنود والضباط المنسحبين من الكويت ، ويقتلونهم بابشع الصور ، رغم انهم لم يكونوا قادرين على القتال بغالبتهم ، نتيجة الانهاك والاطمئنان الى انهم اصبحوا في العراق وان لاخطر عليهم !

وسيطر المسلحون على البصرة ومدن اخرى واعتقلوا الآلاف من الرجال والنساء وقتلوا الكثير منهم ، واقاموا محاكم ميدانية بسرعة وأخذت تعدم المواطنين  بالجملة ، وحصل نهب للمؤسسات الحكومية وحرق لكافة وثائقها وسجلاتها ، ودمرت مخزن الطعام والدواء واحرقت دكاكين الناس وصودرت محتوياتها ونهبت ادوية المستشفيات ومعداتها الطبية ثم احرق اغلبها . ولكي يعرف الحقيقة من لم يطلع جيدا على ما حصل لابد ان نشير الى ان كارثة التمرد المسلح ذاك تسببت في خسارة العراق عشرات الالاف من العراقيين الذين قتلهم المتمردون ، وخسارة في المواد لم يسبق لها مثيل في العراق ، حيث لم يبق عمران الا وخرب في كل مدن الجنوب ! ولذلك فان التمرد المسلح تسبب في خسارة اكبر مما خسره العراق في الحرب مع امريكا ، رغم انها كانت اول حروب التاريخ استخداما للتكنولوجيا الحديثة المصممة لتحقيق اكبر دمار ممكن في البشر والعمران !

       

وقفازات حرير البرامكة

لقد تم ذلك كله بدعم كامل امريكي - ايراني ، اذ ان ايران عرضت اثناء  الحرب تقديم مساعدات طبية وغذائية للعراق ، فقبلتها الحكومة العراقية في اكبر خطأ ارتكبته أنذاك ، واخذت ايران تدخل عشرات الشاحنات ، التي كان يفترض انها محملة بالمواد الطبية والغذائية ، ولكن ثبت فيما بعد انها كانت محملة بالسلاح ، وكان من فيها ، من سائقين وافراد ، هم مخابرات ايرانية ، مدربون على على اشعال العصيان المسلح أضافة الى قوات من حرس خميني . كما ان القوات الامريكية ، التي كانت تحتل جزء من جنوب العراق ، زودت هؤلاء بالسلاح وحرضتهم على التمرد المسلح ووعدتهم بحمايتهم ، وهو امر اعترف به الكثير من المجرمين الذين اشتركوا في التمرد المسلح بعد غزو العراق . ومن المهم جدا ان نذكر هنا بان هؤلاء المتمردين القوا باللائمة في فشل تمردهم المسلح على امريكا ، التي اتهموها بانها نكثت بوعدها بحمايتهم اذا تمردوا ، وتركتهم للقوات العراقية لسحقهم . ولقد اعلن المتمردون وقتها بان الحكومة العراقية قد سقطت بقوة السلاح ورفعوا صور خميني والصدر ومزقوا صور الشهيد صدام حسين ، وكل ذلك شاهده الناس عبر شاشات التلفزيون ، وسجل ووثق .

        وقصتا اغتيال الشاعر الشهيد فلاح عسكر والطبيب الشهيد يونس الشمري توضحان وحشية وحقد من قام بالتمرد المسلح ، فالشاعر الشهيد فلاح عسكر اعتقل من قبل المتمردين وقطع لسانه ، لانه كان يقول الشعر في حب العراق ، ثم قطعت يداه وملأت بطنه بالبنزين ، واغلق فمه بشريط لاصق واطلق الرصاص عليه ، فانفجر جسمه كالقنبلة وتناثر في الهواء ، لذلك لم يبقى من جسده شيء للدفن ولم يعثر حتى على بقاياه ! اما الشهيد الطبيب يونس الشمري فقد قتل بالضرب بالسكاكين والقامات ( القامة سيف قصير اطول من السكين ) من قبل عشرات المتمردين ، وكان يهتف باسم العراق وحزب البعث ، والدم ينزف منه حتى استشهاده .

وقصة اغتيال الشهيد د. يونس الشمري رواها مؤخرا احد الذين اشتركوا في التمرد في مقال نشره في الانترنيت وكان حاضرا عمليه الاغتيال البطيء  للشهيد  ! اما اغتصاب النساء فكان احد اهم أساليب التمرد ، اذ كان المتمردون يأخذون النساء ويتم اغتصابهن جماعيا ، ثم يقتلن ببشاعة ، تشبه طريقة قتل الشاعر فلاح عسكر والطبيب يونس الشمري ! لقد ساد ارهاب لم يسبق له مثيل في جنوب العراق ، وكانت المخابرات الايرانية هي التي توجه المتمردين ، وقد اعترف بعض من اشتركوا في التمرد بان احد اسباب فشله هو سيطرة المخابرات الايرانية عليه كليا !

        في ضوء الخلاصة السابقة يطرح سؤال مهم : ما معنى ما حدث ؟ هل كان تمردا مسلحا وخيانة وطنية عظمى ؟ ام كان انتفاضة ؟ وكيف ينظر القانون ، أي قانون ، والمنطق ، أي منطق ، والاخلاق ، اي اخلاق ، لهذا لتمرد ؟ وقبل الاجابة لابد من توضيح مهم وهو ان الانتفاضة ، في التراث النضالي لشعبنا تعني العمل المسلح الجليل ضد الاستعمار او نظام رجعي وعميل اضطهد الشعب اوجوعه ، ولا تطلق على اعمال التمرد للقوى الرجعية والعميلة ، ولذلك فان من قاموا بالتمرد هم خونة وعملاء لانهم نفذوا ارادة الاستعمارين الامريكي والايراني ولم يكونوا يقومون بانتفاضة وفق أي مفهوم . هنا يجب ان نثبت ما يلي :

         1 – لقد حصل التمرد مباشرة بعد حرب عالمية شرسة ومدمرة ، اهلكت مئات الالاف من العراقيين ودمرت كل ما على الارض ، من بشر وحجر ، تدميرا شبه كامل . فهي أذن لم تكن مجرد حرب عادية بل كانت حرب إبادة شاملة للعراق والعراقيين .

        2 – ان من نظم التمرد هو الدولة التي شنت الحرب على العراق ، وهي امريكا ، والدولة الاخرى التي تظاهرت بأنها ترغب بالمساعدة وهي ايران ، والدولة الأولى كانت ومازالت في حالة حرب مع العراق ، اما الثانية فكانت في حالة هدنة مع العراق ، لان انتهاء الحرب مع ايران في عام 1988 لم يعقبه توقيع اتفاقية سلام . لذلك فان من يتعاون مع العدو اثناء الحرب ويحمل السلاح لصالحه يعد مرتكبا لفعل الخيانة الوطنية العظمى حسب قوانين كل الامم .

        3 – هدد التمرد وحدة العراق الاقليمية وحياة شعبه ومستقبله ، خصوصا وانه كان تمردا تزامن مع تمرد اخر مكمل له في شمال العراق قام به صهاينة الشمال ، وكان مايسترو التمردين هو امريكا ، من خلال نشر الفوضى والقتل وتشجيع التمرد في كل العراق ، لذلك فانه عمل موجه ضد العراق كدولة وضد الشعب العراقي وليس ضد النظام الوطني فقط .

        4 – ان القانون والمنطق العادي والاديان كفلت حق الدفاع عن النفس للفرد والدولة عند التعرض للعدوان ، ولذلك فان مبادرة المتمردين بحمل السلاح ضد الدولة والشعب توجب الرد بالأسلوب الذي يحمي الدولة والشعب والمواطن من القتل والفوضى . وتأكيدا على هذه الحقيقة لابد ان نشير الى انه لا توجد دولة في العالم ، ماضيا وحاضرا ، لا تقوم بالدفاع عن الوطن والامن عند التعرض لتمرد مسلح مهما كانت مبرراته . ولدينا امثلة حية موجودة الان مثل اعتبار الهند لما يقوم به الكشميريون في الشمال تمردا مسلحا لابد من الرد عليه بالسلاح ، واعتبار الفلبين العمل المسلح للمسلمين هناك تمردا يجب ان يواجه بالسلاح ، واعتبار سريلانكا اعمال نمور التاميل تمردا مسلحا يجب مواجهته بالسلاح ، ورغم هذه الحقيقة لم يحاول احد ، حتى مجرد محاولة ، محاكمة حكومات الهند والفلبين وسريلانكا لانها استخدمت القوة ضد من حمل السلاح ضد الدولة . والان تتمتع الاجهزة الامنية الامريكية بحقوق كبيرة في مطاردة وقتل من يطلق النار على قوات الامن ، بما في ذلك المواطنين الامريكيين داخل امريكا وقد حصل ذلك . كما ان امريكا باسم مكافحة الارهاب تحتل دول مثل العراق وافغانستان ، وتحاصر دول وتهددها ، مثل السودان وسوريا ، مع ان ما لديها غالبا مجرد شك او توقع حدوث اعتداء مستقبلا ، لذلك تشن الحروب والعدوانات بلا حدود ولا رادع !

كيف أذن يكون الرد حينما يتعلق الامر بحدوث تمرد مسلح كبير وخطير كالذي حصل في جنوب العراق ، ووثق بالصورة والصوت والاعترافات الخطية لمن شارك فيه ، ليس بعد قمع التمرد فقط بل ايضا ، وهو الاهم ، بعد غزو العراق حينما ظهر من شارك فيه واخذ يتحدث مفتخرا بما قام به عبر شاشات التلفزيون المتعددة ؟

        5- لقد ثبت بالاعترافات ، قبل الغزو وبعده ، بان من قام بالتمرد المسلح فئات مرتبطة بايران مباشرة ، ومنها حزب الدعوة والمجلس الاعلى وحركة 15 شعبان وغيرها . كما ان عناصرها هربت الى ايران بعد فشل التمرد المسلح واخذت تذيع بيانات من اذاعات ايرانية باللغة العربية ، تعترف فيها بقيامها بقتل المئات وبتدمير منشآت الدولة . لذلك فان من يحاكم اليوم قادة العراق بتهمة ( قمع الانتفاضة ) هم من عناصر تلك الفئات بالذات التي قامت بالتمرد المسلح وهي تحكم العراق الان ، الامر الذي يخلق مشكلة قانونية وهي ان الحاكم خصم وعدو .

        6 – لقد القي القبض اثناء القضاء على التمرد المسلح ، على عشرات الضباط من المخابرات الايرانية وهم متلبسون بقيادة التمرد ، واعترفوا بدورهم في التمرد ، وسجل ذلك وارسلت نسخة منه للحكومة الايرانية ، وتم اطلاق سراح حوالي 30 ضابطا منهم في نهاية التسعينيات أثناء الحوار بين البلدين لتطبيع العلاقات وانهاء التوترات . وهذه الحقيقة تؤكد ان العمل لم يكن مبادرة من عراقيين بل كان نتاج تخطيط اجنبي ضد العراق وشعبه ، قامت به حكومتان معاديتان وفي حالة حرب مع العراق .

7 - ان ماقام به المسئولون العراقيون الذين يقدمون الان للمحاكمات كان ، حرفيا ، ممارسة طبيعية وضرورية لواجب حماية امن الدولة وامن المواطن ومنع التدخل الخارجي المسلح ، فهو عمل وطني اولا ، وهو عمل اخلاقي ثانيا ، وهو واجب امني ثالثا ، وهو تصرف قانوني بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى رابعا .

        8 – ان  الحكومة العراقية الوطنية ، التي اسقطها الاحتلال كانت حكومة شرعية ، ومن بين اهم  المؤشرات على ذلك ان امريكا والامم المتحدة والجامعة العربية وكافة الدول ، كانت تعترف بها لمدة تزيد على 35 عاما . كما انها كانت عضوا في الامم المتحدة والجامعة العربية وكافة المنظمات الدولية والاقليمية . ان هذه الشرعية ترتب نتيجة قانونية وهي ان التمرد المسلح عليها من أي جهة داخل العراق يوجب عليها وضع حد له بكافة الوسائل ، بما في ذلك القوة . وحكومة العراق الوطنية لا تختلف في هذا المجال عن أي حكومة في العالم يتعرض البلد اثناء حكمها له لتهديد التمرد المسلح فتقوم بمعالجته بكافة الطرق ومنها القوة . فلماذا اذن يستثنى العراق من هذه القاعدة المعترف بها ويقدم قادته للمحاكمات غير القانونية في قضايا تعد في العالم كله محسومة اخلاقيا وقانونيا ؟ الا تعني محاكمة قادة العراق على تصديهم لتمرد مسلح هدد الدولة والشعب نوعا مذموما من ازدواجية المعايير ؟

        9 – ان هذه المحاكمات تثير مسألة خطيرة وهي معنى السيادة ، فإذا كانت الدولة ذات سيادة فما معنى محاكمة قادتها على عمل هو من صلب السيادة ومن بين اهم متطلباتها ، وهو حماية الشعب ووحدة القطر الاقليمية من تهديد وتدخل خارجيين  مكشوفين  ؟

        10 – اعلن ما يسمى ( المدعي العام ) ان محاكمة قضية الجنوب ستكون قصيرة زمنيا وستحسم خلال اسبوعين ! وهذا التصريح يكشف عن النوايا الحقيقية للاحتلال والحكومة العميلة له ، وهو انهما يريدان التخلص باسرع وقت من القيادات العراقية الوطنية ، لان تحديد سقف زمني للمحاكمة ، اضافة لكونه مناقض لضرورات العدالة  والتي توجب عدم تحديد سقف زمني خصوصا السقف القصير جدا كاسبوعين ، فانه يعبر عن حالة الانهيار المتسارع للاحتلال والحكومة العميلة ، لذلك فان الضرورة ، من وجهة نظر امريكية – ايرانية تقتضي اعدام اغلب ان لم يكن كل القيادات العراقية في الاسر .

        11 – ان قيام الانتربول باصدار مذكرات توقيف بحق بعض العراقيين في الخارج مؤشر اخر على وجود أمر طارئ يفرض على الاحتلال والحكومة العميلة تصفية القيادة العراقية الوطنية ، لان الانتربول كما هو معروف متخصص بمتابعة الجريمة العادية وليس الساسة المطاردون من حكومات .

        اضافة الى ما تقدم فان ما يسمى محاكمة تثير قضايا جوهرية اخرى لابد من تسليط الضوء عليها ، ومنها :

        1 - ان المحاكمة تتم في ظل الاحتلال ، وهو وضع يتناقض مع القانون الدولي الذي لا يجيز محاكمة اسرى الحروب ، كما لا يسمح للدولة المحتلة بتغيير قوانين البلد المحتل ووضع قوانين جديدة ، ولهذا فان المحاكمة غير قانونية من حيث الاصل والجوهر ، حتى لو كانت قانونية من حيث الاجراءات .

        2 – ان المحاكمة ، ورغم عدم قانونيتها من حيث الجوهر ، فهي ايضا غير قانونية من حيث الشكليات  والاجراءات ، لان القضاة تنقصهم الخبرة القانونية وهم خاضعون لتأثير الحكومة والاحتلال وينفذون اوامر الاحتلال بلا تردد ، واثبت ذلك استقالة القاضي رزكار واقالة القاضي عبدالله العامري . والاهم ان القدرة على الدفاع عن المتهمين مفقودة تماما لوجود اجواء ارهاب ، واكد ذلك اغتيال خمسة محامين توكلوا للدفاع عن المتهمين في قضية الدجيل ، لذلك انسحب اغلب المحامين وعينت المحكمة محامين ضعفاء او منحازين ضد المتهمين . ويتعرض شهود الدفاع للاهانة والاعتقال والتحقيق معهم ، وتزوير الشهادات الخاصة بمن يسمون ضحايا ، ومنع المحامين الدوليين كرامزي كلارك وغيره ...الخ .ان هذه الحالات تجعل المحاكمة حتى لو كانت المحكمة شرعية ، باطلة شرعا لافتقارها لشروط المحاكمة العادلة .

        3 – من اهم مظاهر انحياز المحكمة هو انها تهمل عمدا اعترافات خطيرة لمن قاموا بالتمرد المسلح بعد حصول الغزو ، والتي اعترفوا فيها بأنهم حملوا السلاح ضد الدولة . بعد الغزو وعند عودة من هرب الى ايران منذ القضاء على التمرد المسلح في الجنوب ، اخذ كثيرون يتبارون في الحديث عن ( بطولاتهم ) وادوارهم المباشرة والرئيسية في القيام بالتمرد المسلح . ونشر ذلك في مواقع الانترنيت والصحف والمجلات ، وقدمت شاشات التلفاز مقابلات مع بعض هؤلاء وهم يعترفون بما قاموا به من قتل واغتيالات وحمل السلاح ضد الدولة . ومع ذلك فان المحكمة لم تهتم بكل ذلك واهملته عمدا ، لانه يثبت ان من قاموا بقمع التمرد كانوا يدافعون عن الشعب والوطن والامن ووحدة العراق ، التي تعرضت للخطر نتيجة تزامن تمردين احدهما في الجنوب والثاني في الشمال ، وبدعم مباشر وكثيف من امريكا وايران !

لو كانت المحاكمة تمتلك الحد الادنى من القانونية والعدالة لجلبت للشهادة اولئك الذين  كتبوا عن ادوارهم  تلك . كما ان الخوف من القتل والاعتقال منع المحامين من التوكل في قضية الجنوب ، فنسبت المحكمة محامين منحازين سلفا ضد المتهمين ، اضافة لكونهم يفتقرون الى التجربة والخبرة والقدرة على الدفاع في قضية مهمة جدا عقوبتها الاعدام .     

        4 – ان امريكا تتحمل المسئولية الاولى فيما يحدث لانها ، اولا ، دولة تحتل العراق عسكريا وتسيطر على الحكومة والجهاز القضائي ، وتوجه ما يسمى المحكمة ، كما اكدت تجارب المحاكمات السابقة ، حيث يوجد ضابط امريكي داخل المحكمة يوجه القاضي مباشرة . وثانيا لان من اعتقلتهم هم اسرى حرب ما دامت الحرب مستمرة ، واسرى الحرب لا يحاكمون . ومهما حاولت امريكا نفي مسئوليتها فانها تبقى من وجهة نظر قانونية المسئول الاول عما يجري من مهازل باسم القانون . اما المسئول الثاني فهو ايران لانها توجه ايضا المحكمة في اتفاق مباشر مع امريكا على تصفية قادة العراق الاسرى قبل انهيار الاحتلال او الانسحاب الامريكي .

        5 – في المحاكمات السابقة ، باسم الدجيل والانفال ، كانت الاحكام جاهزة ولم يغير مجرى المحاكمات أي شيء ، ولم يتردد مسئولون حكوميون وقضاة المحكمة خصوصا المدعي العام عن الاعلان بان حكم الاعدام سيكون العقوبة ، رغم ان المحاكمات لم تكن قد انتهت بعد ! ان اعدام رموز وقادة العراق الحر في الاسر هو احد اهم متطلبات نشر الفوضى والتقسيم في العراق بالقضاء على القادة المجربين والمخلصين للوطن . كما ان المحاكمات تستخدم كغطاء قانوني شكلي للتصفيات الجسدية لقادة العراق ، الذين يتعرضون لانتقام منظم امريكي ايراني لانهم كانوا  وما زالوا يدافعون عن استقلال العراق وسيادته على موارده ويرفضون المساومة عليهما .

ثلاثي الخلود : البعث والعنقاء وتموز

ما الذي نصل اليه ؟ لم تكتفي امريكا وايران بتحطيم الدولة العراقية ونهبها وتشريد ستة ملايين عراقي وقتل اكثر من مليون عراقي ، وتحويل العراق كله الى ابو غريب كبير ، وجعل الدريل ( المثقاب الكهربائي ) اداة فقأ العيون وتثقيب الجسد حتى الموت ، في آن واحد ، من ( اعظم ) انجازات ولاية الفقيه في ايران ، ومحاولة تقسيم العراق على اسس اثنية او طائفية ...الخ ، لم تكتفيا بكل ذلك فعمدتا الى تصفية القيادة العراقية الوطنية والشرعية تدريجيا انتقاما منها ، وتمهيدا لخلق فراغ في القيادة بعد الانسحاب او الانهيار ، لكي يتوفر واحدا من اهم شروط تقسيم العراق وتقاسمه ، وهو تغييب المركز القيادي المجرب والمقتدر والذي بنى العراق القوي والمتقدم والشديد التماسك .

        انها ليست خطوة في الفراغ هذه التي تقدم عليها امريكا بمحاكمة من دافع عن العراق ووحدته وامن مواطنيه وهويته العربية بل هي خطوة مدروسة بدقة خصوصا وانها اقترنت بتنفيذ عمليات شرذمة او محاولات شرذمة للحزب والمقاومة الوطنية العراقية ، بواسطة الجواسيس الأغلى الذين احتفظت بهم امريكا منذ الغزو وربما قبل الغزو ، وأخرجتهم الان من منطقة الشفق ( تواليت زون ) ليقوموا بما اعدوا له تحديدا .

لكن فرادة البعث وخلوده القت بنفسها في الميدان ، بكل ثقل التاريخ والواقع والاسطورة ، أذ ان تطابق معنى البعث ومعنى اسطورة العنقاء لم يكن صدفة ابدا ، فكلاهما تعنيان النهوض من بعد الموت ، او الاحتراق حتى التحول الى رماد . كما لم تكن صدفة ان البعث وتموز لهما نفس المعنى وهو التجدد والشباب الدائم ، ولذلك فاننا ، نحن البعثيون ، اقوى من حصاد الموت وكلما حصدوا منا كوكبة من الرفاق نبت في ارض العراق مئات ، بل الاف الرفاق الجدد الاشد عزما والاقوى ارادة ، متسلحين باستشهاد الرفاق الاقدم ، ومتقدمين نحو النصر بلا تردد او انحناء لاي عاصفة ، مهما كانت عاتية .

نعم نحن اقوى من الموت ، لاننا نمثل ثلاثي البعث والعنقاء وتموز ، في آن واحد ، ولان الله كرمنا بان اختارنا ليوم الايام ، يوم البعث والنشور الدنيوي ، والذي سيحسم فيه البشر صراعه الطويل مع الشيطان ، سواء كان صفويا او امريكيا . لذلك فالبعثي هو مشروع استشهاد دائم على طريق بعث الامة العربية ووحدتها وبناء الاشتراكية القومية .

- عاش البعث شعلة الامة ورمز هدايتها وبذرة خلودها وسيف نصرها .

-عاش الرفاق الصامدون في الاسر وهم يتحدون الاحتلالين الفارسي والامريكي رغم المشانق التي تحيط برقابهم

-العار كل العار للمجرمين الحاكمين في ايران شركاء الصهيونية في تخريب الامة العربية .

-المجد لشهداء الامة العربية في العراق وفلسطين وفي كل بقعة عربية تناضل ضد الاستعمارين الصهيو - امريكي والايراني  ، وعلى رأسهم سيد شهداء العصر القائد صدام حسين .

-عاشت المقاومة العراقية الباسلة الامل الاعظم في تحرير العراق وطرد شياطين فارس الحاقدين وحيوانات الغرب الراسمالي الاشد وحشية في كل التاريخ الانساني .

النصر او النصر ولا شيء غير النصر .

Salah_almukhtar@gawab.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

الخميس / 23 / أب / 2007