بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

 بعد قرار تقسيم العراق : التكفيريون أمام الامتحان الحاسم
رسالة مفتوحة الى قيادات بعض الفصائل في المقاومة العراقية

ليس مهما ان تحاول عبور النهر وانما ان تكمل العبور

 

 

شبكة المنصور

صلاح المختار

 

الان ، وبعد ان تبنى الكونغرس الامريكي مشروع قرار ، قدمه السناتور الديمقراطي الصهيوني رسميا جوزيف بادن Joseph Biden ، المرشح لانتخابات الرئاسة لعام 2008 ، باغلبية كبيرة جدا ، اصبح مؤكدا ، وبلا ادنى شك ، ان خطوات تقسيم العراق العملية الاخيرة قد ابتدأت . ورغم ان الدستور الامريكي لا يجعل هذا القرار ملزما للادارة الامريكية الا ان تقاليد العمل في القضايا الخطيرة تفرض إعدادها على نار هادئة لتمهيد الطريق لتنفيذ القرار . ولعل اهم مؤشر خطير قدمه تبني القرار هو التبرير الذي الذي ساقه الكونغرس لتسويق فكرة تقسيم العراق الى ثلاثة دول ( كردية في الشمال وسنية في الوسط وشيعية في الجنوب ) وهو القول بان التقسيم هو الحل الوحيد لوضع حد لأعمال العنف التي تضرب البلاد .

وحث مقدم المشروع السناتور بادن ، عند محاولته اقناع الكونغرس به ، على اعتبار ان التقسيم هو المفتاح السياسي لانسحاب القوات الأمريكية قبل الوصول إلى الفوضى . وأعرب عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين ، المؤيدين لاستراتيجية إرسال تعزيزات إلى العراق ولكن ينددون بالمأزق السياسي بين الزعماء العراقيين على الأرض ، عن اهتمامهم بهذه الخطة .

وقال السناتور الجمهوري سام براونباك ، المرشح أيضًا للانتخابات الرئاسية المقبلة وأحد الموقعين الـ 11 على مشروع القانون هذا : " نحن ندعم استراتيجية سياسية فاشلة في بغداد " وفق وكالة فرانس برس . وقالت الجمهورية كاي بايلاي هوتشينسون إن هذا القرار مستوحى من اتفاقات دايتون حول البوسنة التي أقرت التقسيم بين المتخاصمين الصرب والكروات والبوسنيين . وكان السفير الأمريكي في بغداد ريان كروكر قال في شهادته أمام الكونجرس هذا الشهر إنه يؤيد حكمًا ذاتيًا للمناطق العراقية ، ولكنه اعترض على أي فكرة للتقسيم .

وتمت صياغة خطة التقسيم إلى ثلاث دول بمساعدة خبير سابق في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر هو " ليسلي غيلب " الذي كان مديرًا لمجلس العلاقات الخارجية . ولكن الخطة الجديدة هذه ليست سوى تنفيذ حرفي تقريبا لخطط اسرائيلية قديمة معروفة تطورت على نحو دقيق وادخلت غرفة التنفيذ في الثمانينيات حينما عرض عوديد ينون الكاتب الاسرائيلي خطة عنوانها ( ستراتيجية لاسرائيل في الثمانينيات ) ، نقلها من العبرية الى الانكليزية البروفسور اسرائيل شاهاك ، 1982 ، واكدت بما لا يقبل الشك بان اسرائيل تعد تقسيم العراق هو المهمة الاساسية لان عراق صدام حسين ( يشكل الخطر الاعظم على امن ومستقبل اسرائيل ) . ولاجل تنفيذ تقسيم العراق دعا ينون الى دعم جهود نظام خميني ، الذي كان يشن حربا على العراق تحت الشعار الصهيوني المضلل ( نشر الثورة الاسلامية ) ، لتقسيم العراق وتشجيع من اسماهم شيعة واكراد العراق على دعم التقسيم .

تفكيك مسوغات القرار

لكي نبقى في قلب الموضوع من الضروري تفكيك المسوغات التي طرحت في الكونغرس لتبني القرار لانها تكشف المزيد من الادلة على وجود مخطط اقدم من غزو العراق قائم على تقسيمه . وفيما يلي اهم الملاحظات :

1 – أحد المسوغات ، التي قدمت ، هي القول بان التقسيم هو الحل الوحيد لوضع حد لأعمال العنف التي تضرب البلاد ! ان السؤال الحاسم الذي يكشف المستور هو التالي : من اطلق العنف الذي يضرب القطر ؟ كل العالم لاحظ من خلال شاشات التلفاز ، التي نقلت مشاهد حية من بغداد وغيرها ، صور عن دور الجيش الامريكي حالما دخل بغداد يوم 9 – 4 – 2003 في توجيه الغوغاء للقيام بالنهب والحرق والتدمير ، بما في ذلك تدمير ونهب وحرق المتحف الوطني العراقي ، وقبل ان يعين أي مسئول مدني امريكي في االعراق . لقد اطلق الجيش الامريكي الفوضى بقيام العصابات التي جلبها معه من الكويت وغيره بحرق كافة الوزارات والمؤسسات الحكومية ، ونشر الفوضي ولم تهتم القوات الامريكية بحماية شيء سوى وزارة النفط ! والسؤال هنا هو التالي : هل يتصرف الجيش الامريكي على هذا النحو بدون اوامر عليا ؟ بالتاكيد كلا ، فالجيش لا دخل له بالقرارات غير العسكرية الا اذا امر بها . وقد ثبت فيما بعد بان العنف والفوضى ، التي شهدها العراق منذ اول يوم لاحتلال بغداد ، كانت مبرمجة ومخططة بدقة ولم تكن ثمرة انفلات امني في قطر سحقته مئات الالاف من القنابل لمدة 21 يوما بل كانت نتاج خطة متعمدة لنشر الفوضى والعنف المنظم والمنفلت .

وحينما انكشفت اللعبة الامريكية واصبح النقد ينصب على المسئول عن الفوضى والعنف في العراق اتهم بول بريمير ، الحاكم المدني الامريكي الذي اتخذ قرار حل الجيش واجهزة الامن العراقية واصدر قانون اجتثاث البعث ، فما كان منه الا ان رد باظهار وثيقة خطية تثبت ان القرارين المذكورين كانا بامر من الرئيس الامريكي جورج بوش شخصيا . وهو تطور حسم موضوع الخلاف حول سبب العنف والفوضى في العراق ، اذ لولا حل الجيش ومؤسسات الامن ولولا تدمير البنية التحتية لم سادت الفوضى .

وثمة مؤشر اخر مهم جدا وهو ان وزرة لخارجية الامريكية نبهت في دراسة لها قبل الغزو الادارة الامريكية الى ان الفوضى والعنف سيحلان في العراق في حالة غزوه ما لم تتخذ كافة الإجراءات الضرورية مقدما لمنعه . ولكن ادارة بوش تشيني ورامزفيلد رفضت اتخاذ أي اجراء لتجنب الفوضى والعنف في العراق بعد غزوه .

والاهم ان رامزفيلد ، وزير الحرب قبل وبعد الغزو ، رفض اراء العسكريين الامريكيين وهم الاعرف باحتياجات الحرب العسكرية ، الذين اعترضوا على جعل البنتاغون لعدد القوات التي ستغزو العراق 130 الف جندي امريكي ، واكدوا انه عدد لا يكفي لنجاح الغزو وفرض الامن . وهذه حقيقة كشف النقاب عنها عند تأكد الادارة الامريكية من قلة العدد وانه احد اسباب الفشل في دحر المقاومة الوطنية العراقية . ومرة اخرى فان السؤال المهم هو : لماذا لم يستمع رامزفيلد وزير الحرب ( البنتاغون ) لاراء العسكريين قبل الغزو الذين أكدوا له ان 130 الف جندي لغزو العراق عدد لا يكفي ؟ هل كان نتيجة اجتهاده مع انه غير عسكري ؟ ام انه نتاج قرار مسبق بنشر الفوضى والعنف في العراق من خلال تعمد ارسال قوت لا تكفي لفرض الامن ؟ لقد استقال رامزفيلد وكان احد الاسباب الجوهرية هو تحميله مسئولية الفشل في ادراة الحرب على العراق ، وكان الحل البديل هو رسال اكثر من 30 الف جندي اضافي الى العراق ، ولكن بعد خراب البصرة وانتشار العنف والفوضى الى درجة اصبحت لهما اليات خاصة في العمل التلقائي في ظل تعمد الاحتلال تغييب السلطة .

2 - ان احد مسوغات القرار هو ادعاء ان التقسيم هو المفتاح السياسي لانسحاب القوات الأمريكية قبل الوصول إلى الفوضى . اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان الفوضى هي من صنع الادارة الامريكية نفهم اسباب الحرص على عدم القضاء عليها والاصرار على تغذيتها وتوسيع نطاقها . فالادارة الامريكية تبنت خطة لتقسيم العراق ، وهي تبدو للراي العام الامريكي ولقسم من اعضاء الكونغرس مرفوضة اذا عرضت والعراق حالته طبيعية قبل الغزو او بعده ، ولا توجد فيه فوضى او عنف منظمين وواسعي النطاق . ولكن اذا استشرى العنف والفوضى وصارا ازمتان لا حل لهما وتؤديان الى افشال الغزو وتحميل امريكا خسائر بشرية ومادية هائلة فان الاغلبية في الكونغرس ستعد أي حل يوقف العنف والفوضى ويحمي امريكا من التعرض لمزيد من الخسائر البشرية والمادية حلا ضروريا ، وهذا بالضبط هو ما فعلته الادارة الامريكية في العراق بنشر الفوضى والعنف ، لاجل تحويل الكونغرس من الاعتراض على تقسيم بلد لا يشكل وضعه خطرا على امريكا الى مصدر لاستنزاف امريكا وتهديد ( مصالحها ) .
ان وظيفة نشر العنف والفوضى المتعمد كانت تحشيد اكبر عدد ممكن من الامريكيين في الكونغرس والاعلام والراي العام ، خلف قرار معد سلفا ، وقبل الغزو ، بتقسيم العراق ، على اعتبار ان امريكا قد حاولت احلال الامن في العراق لكنها فشلت ولم يبق الان لحماية المنطقة وامريكا ومصالحها والحفاظ على ارواح الامريكيين في العراق سوى ترك العراق بعد تقسيمه الى ثلاثة دول .

3 - وأعرب عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين ، المؤيدين لاستراتيجية إرسال تعزيزات إلى العراق ولكن ينددون بالمأزق السياسي بين الزعماء العراقيين على الأرض وفشلهم في حل مشاكل العراق ، عن اهتمامهم بهذه الخطة . ان التوكؤ على فشل الساسة العراقيين هو الاخر جزء من اللعبة السايكولوجية الامريكية لاعداد الراي العام الامريكي لقبول التقسيم . ان اجراء انتخابات في ظل الاحتلال ، كانت نتائجها معروفة سلفا فهي لا تعد شرعية لوجود الاحتلال ، وهو ما اقر به بوش حينما رفض اجراء انتخابات في لبنان في ظل الوجود السوري هناك وعدها غير شرعية ان اجريت ، لكنه اراد القيام بها في العراق لاضفاء صفة شرعية شكلية على الحكومة العميلة في بغداد ، ليحملها وزر اعماله رغم انها مجرد حكومة دمية ، ويكلفها بالقيام بأقذر الاعمال التي يريد من طرف اخر ان يقوم بها ، مع الاصرار على عدم منحها صلاحيات حقيقية لادارة البلد ولو في القضايا الخدمية !

اذن كيف تنجح حكومة في ظل الاحتلال اذا كانت صلاحياتها غير موجودة ؟ ان تغييب الحكومة واستخدامها كغطاء لشرعية شكلية للاحتلال كان احد اهم قرارات الاحتلال ، لذلك لا يمكن تحميل الحكومة مسئولية الفشل . وهنا يجب ان نذكّر بان الخطة الاصلية للاحتلال ، في اسابيعه الاولى ، كانت تقوم على رفض اقامة حكومة من العراقيين حتى لو كانت عميلة ، واصرت الادارة الامريكية على تشكيل ادراة مدنية يديرها امريكيون لزمن غير محدد وبدون أي دور للعراقيين حتى العملاء . والسبب هو ان امريكا كانت قد خططت لاعادة بناء العراق بشكل يختلف جذريا عن العراق التقليدي ، وهذا الهدف كان يتطلب ان يتولى الامريكيون كل شيء ، حتى التفاصيل ، لذلك لم تفكر الادارة الامريكية باقامة وزارة من العراقيين على الاطلاق في البداية ، وكان القرار هو ادارة امريكية خاصة ومباشرة للعراق لسنوات غير محددة يستعينون لادارتها بعراقيين كخدم منفذين . ولهذا فان مأزق الحكومة العراقية العميلة واستمراريته هو صناعه امريكية في المقام الاول .

4 - وقال السناتور الجمهوري سام براونباك ، المرشح أيضًا للانتخابات الرئاسية المقبلة وأحد الموقعين الـ 11 على مشروع القانون هذا : " نحن ندعم استراتيجية سياسية فاشلة في بغداد " وفق وكالة فرانس برس .. ان هذا التبرير هو الاخر خدعة واضحة ، فالفشل كان محسوبا بدقة منذ ان رفض رامزفيلد ارسال عدد من القوات يكفي لضمان نجاح الغزو بسرعة وضبط الامن في العراق بنفس الوقت . بل ان كل الاخفاقات التي واجهت الجيش الامريكي ، خصوصا منذ معركة الفلوجة الاولى في نيسان عام 2004 ، اكدت بان القوات الامريكية عاجزة عن تحقيق تقدم ملموس في العراق نتيجة نقص العدد والمعدات وتدني المعنويات وفوضى القرارات العسكرية الامريكية الخاصة بالعراق . والسؤال المهم هنا هو : لم اصرت ادراة بوش وماتزال تصر على مواصلة سياسة فاشلة ولا تغيرها ؟ ولم نرى حتى اشد الديمقراطيين نقدا لهذه السياسة يتراجع ، رغم كل تهديداته ، ويدعم هذه السياسة كما حصل في موضوع تمويل القوات الامريكية والتهديد بمنعه اذا لم يوضع جدول زمني للانسحاب من العراق ؟ ان افشال الخطة الامنية بحدود مقررة وليس بشكل تام ، وابقاء الفوضى والعنف دائرين ، مع التأكيد على السيطرة عليهما ، هما من اهم دعائم خطة الاحتلال في العراق ، لإطالة أمد الغز وتهيئة البيئة المطلوبة لتقسيم العراق .

5 - قالت الجمهورية كاي بايلاي هوتشينسون ( إن هذا القرار مستوحى من اتفاقات دايتون حول البوسنة التي أقرت التقسيم بين المتخاصمين الصرب والكروات والبوسنيين ) . هذا ما حذرنا منه مبكرا منذ سنوات قبل الغزو وبعد الغزو مباشرة وهو ان امريكا لديها مخطط كوني لتقسيم الامم الاخرى على اسس عرقية وطائفية ودينية ، وحينما بدأت الحرب على يوغوسلافيا كان واضحا ان الهدف الامريكي الحقيقي هو تقسيم يوغوسلافيا ، رغم تأكيدات ادارة بيل كلنتون بانها لا تريد تقسيمها وانما حل مشاكلها . لكن الذي حصل هو ان امريكا واوربا صعدا الازمة وخططا للمجازر العرقية والدينية ونفذاها ، وتعمدا ان تكون بالغة المأساوية ، لاجل ان لا يبقى خيار لليوغسلاف سوى تقسيم وطنهم ، وهذا ما تم بالفعل . ان قرار الكونغرس بتقسيم العراق ، بهذا المعنى ، خطوة مقررة سلفا على طريق مخطط امريكي عالمي ولا يقتصر فقط على خطة خاصة بالعراق ، وهنا تكمن خطورة قرار الكونغرس لانه واجب التنفيذ فيما بعد وبعد اعداد البيئة المناسبة له .

لكن المشكلة التي واجهت الادارة الامريكية في تنفيذ هدف تقسيم العراق تتمثل في حقيقتين :

الحقيقة الاولى : هي ان العراق يختلف عن يوغسلافيا من حيث التركيبة السكانية ، فيوغسلافيا كانت قومياتها ومكوناتها متقاربة سكانيا والفروق بينها عدديا محدودة ، إضافة لوجود أرث عدائي بين مكونات يوغسلافيا سابق لوحدتها ، ولذلك كان من السهل الحديث عن تقسيمها وتنفيذ ذلك ، بعد تعمد امريكا تشجيع اطراف معروفة على ارتكاب مجازر والقيام باعمال انتقامية مضادة جعلت التعايش بين اليوغسلاف صعبا جدا . اما العراق فان تركيبته السكانية مختلفة تماما ، حيث ان هناك قومية رئيسية هي القومية العربية والتي تشكل اكثر من 85 % من السكان ، فيما لا تزيد الاقليات الاخرى كلها عن نسبة 15 % من مجموع السكان ، ولذلك فان تقسيم العراق في ظل هذه المعادلة السكانية المستقرة والقوية كان مستحيلا . واذا كان من الضروري تقسيم العراق فأن الامر يتطلب زمنا طويلا تتخلله عمليات إبادة وقتل وتهجير منظمة لأجل أستبدال القاعدة السكانية المستقرة ، بفضل وجود قومية رئيسية ، بقاعدة غير مستقرة نتيجة ازالة القومية الرئيسية واستيراد سكان غير عرب من الخارج ومنحهم الجنسية العراقية وجعل الفروق بين مكونات السكان محدودة ، ليصبح قابلا للتقسيم ، وهو ما قامت به الولايات المتحدة وايران في السنوات السابقة للتغلب على وجود قومية رئيسية تشكل عامل جذب وتوحيد للعراق . ان تهجير ستة ملايين عراقي واستيراد اكثر من اربعة ملايين ايراني ، وكردي من ايران وتركيا ، لزيادة عدد غير العرب وتقليل نسبة العرب كان احد اهم الشروط المسبقة للاعداد لتقسيم العراق بعد ان تصبح مكوناته السكانية متقاربة نسبيا . وهذه الحقيقة تفسر سر الحرق المنظم لسجلات النفوس في العراق في اليوم الاول لغزو بغداد وتدمير وثائق الدولة العراقية التي تحدد الحقوق والاثباتات على مواطنية العراقيين .

الحقيقة الثانية : هي ان العراق قطر يمتد عمره الى اكثر من ثمانية الاف عام عاش خلالها العراقيون تحت مختلف انواع الانظمة وتكيفوا مع اشد انواع المخاطر والتحديات ، وقبل ظهور اليهودية والمسيحية والاسلام ، فانصهروا في بوتقة سايكولوجية وتاريخية واجتماعية ومصلحية وثقافية مشتركة ( وعرقية الى حد ما ) ، بعكس يوغوسلافيا البلد الحديث التكوين ، بكل ما تنطوي عليه هذه الكلمة من معنى واهمها معنى ان روابط ابناءه هشة وقابلة للاختراق . وهذا الفرق عبر عن نفسه في التماسك المدهش للمجتمع العراقي وموكوناته ومحافظته على وحدته ، رغم ان الجرائم التي ارتكبت كانت من البشاعة والخسة بحيث انها كانت كافية لتقسيم أي بلد اخر غير العراق . ان هذه البنية الاجتماعية والسكانية المنسجمة ، رغم الاختلافات الاثنية والدينية ، هي الاساس القديم الذي حمى العراق . فما العمل لتقسيم العرق ؟ الجواب الامريكي والايراني كان المزيد من العنف والفوضى لاجل اجبار العراقي على الاختيار بين حلين لا ثالث لهما : فاما الموت بشناعة او القبول بأهون الشرور ، وهو تقسيم العراق ، لاجل عودة الامن ! .

ان الاشارة الى موضوع يوغوسلافيا لتسويق تقسيم العراق هو اعتراف مباشر بان الادارة الامريكية تنفذ مخططا يقوم على اساسيات ما يسمى ب ( صراع الحضارات ) ، وهو مخطط كوني اساسه شرذمة العالم على اسس عرقية ودينية وطائفية واثنية . من هنا فان تقسيم العراق ليس رد فعل على حالة خاصة فقط ، وهي دور العراق القومي ، بل هو جزء من خطة كونية امريكية . وخطورة هذه الحقيقة تتضح أكثر اذا ادركنا ان امريكا تريد اعادة تشكيل العالم كله ، انطلاقا من العراق ، ليكون خادما مطيعا لها ومنفذا لخططها الاستعمارية الكونية .

6 - كان السفير الأمريكي في بغداد ريان كروكر قد قال في شهادته أمام الكونجرس إنه يؤيد حكمًا ذاتيًا للمناطق العراقية ، ولكنه اعترض على أي فكرة للتقسيم . هنا يأتي دور الطبيب النفسي وهو دور تخدير مريضه لجعل رد فعله هادئا او بطيئا او معدوما . نعم لن يقسم العراق اليوم ولكن قرار الكونغرس سيكون القاعدة لاحقا في محاولة تقسيم العراق . الان توفرت قاعدة قانونية غير ملزمة للادارة الامريكية ، لان وقت تطبيقها لم يحن بعد ، ولكن خيار التقسيم كقرار دستوري امريكي تحقق الجزء المهم منه وهو قرار الكونغرس ، وما ينتظر تنفيذه هو موافقة الادارة الامريكية عليه ، لذلك سيرحل تنفيذه للادارة القادمة ( المرجح ان تكون الديمقراطية ) ليكون الخيار المر الوحيد امامها . ما قاله كروكر ما هو الا تأجيل لتنفيذ القرار وليس استبعاد له ، وما حديثه عن حكم ذاتي في العراق الا مظلة لاخفاء النظام الكونفدرالي الذي اقره دستور بول بريمير .

7- ان احد اهم مصادر خطورة القرار هو ان من قدمه سناتور ديمقراطي صهيوني يفتخر بصهيونيته هو جوزيف بادن المرشح لرئاسة الولايات المتحدة في الانتخابات القادمة 2008 ، وسواء فاز هو او أي شخص اخر فان القرار سيكون جاهزا لتبنيه من قبل الادارة الجديدة ، ولذلك فان ربط القرار بعبارة ( غير ملزم ) هو تكتيك تخديري للعراقيين ولمن يرفض تقسيم العراق في امريكا والعالم ، وتهيئة نفسية للتقسيم ، على اعتبار ان اطفاء رد الفعل الحاد يتم باعلان موقف استفزازي والتعقيب عليه بالقول انه مجرد راي غير ملزم !

دلالات القرار

ان اول دلالات القرار هي ان الادارة الامريكية تسير بثبات وفقا لمخطط تقسيم العراق ، وان كل ما عد اخطاء في العراق ، بعد غزوه ، مثل حل الدولة وتدميرها خصوصا الجيش ونشر الفوضى والعنف والفتن الطائفية الاثنية ...الخ ، لم تكن اخطاء بل كانت خطوات محسوبة بدقة للوصول على تقسيم العراق ، تنفيذا لمخطط امريكي ، متطابق وملتق مع مخطط اسرائيلي معروف ، ومع توجه ستراتيجي تاريخي ايراني اقدم ومعروف ايضا ، يقوم على تفتيت العراق وازالة هويته العربية ، وتحويله الى مركز لدويلات قزمة ومتناحرة وبلا هوية محددة لها . ان كل ماجرى للعراق ، وتحديدا منذ فرضت ايران خميني الحرب على العراق ، برفع ومحاولة تطبيق شعار صهيوني امريكي هو ( نشر الثورة الاسلامية ) ، وافتعال ازمة الكويت ورفض حلها سلميا ، وشن العدوان الثلاثيني في عام 1991 ثم تحويل الحصار الشامل الى اداة ابادة منظمة لاكثر من مليوني عراقي واداة تدمير منظمة للدولة العراقية وقواتها المسلحة ، ثم غزو العراق في عام 2003 كتتويج لتلك الحملة المنظمة ، وما جرى خلاله من تطبيق رسمي ومباشر لخطة تقسيم العراق ، نقول ان كل ذلك هو عبارة عن حلقات مترابطة هدفها الابعد هو تحويل تقسيم العراق الى مقدمة لتغيير هوية أقطار المشرق العربي والمغرب العربي ، وجعلهما عبارة عن منطقة تجاذب وتصارع إمارات قزمة انتهازية الهوية ، تخضع كل منها لطرف اقليمي او دولي .

وهكذا يتحقق الحلم الصهيوني العتيق ، والذي عبرت عنه الكاتبة الصهيونية الامريكية فلورا لويس في الثمانينيات من القرن الماضي بقولها يجب القضاء على الامة العربية واقامة كيانات مختلفة على انقاضها . او ما دعا اليه هنري كيسنجر ، عراب المخططات الصهيونية من ان الامة العربية يجب ان تحول الى نثار لا يجمعه شيء !

تقليديا ، حينما تريد المؤسسة الحاكمة السرية ، وهي التي تقرر فعليا مسارات الادارة والكونغرس في امريكا ، تنفيذ خطة تبدأ بمراكز البحوث وتنطلق من السنة الخبراء والكتاب والاعلام ، من اجل التمهيد لها سايكولوجيا وسياسيا ، واعداد الراي العام وبعض المشاركين في صنع القرار ( الادارة والكونغرس ) لقبولها ، لان اغلب القرارات المصيرية تبدو خطيرة وغريبة ومستهجنة في بداية طرحها ، لكن مناقشتها نقدا ودعما ، يتيح الفرصة لاسقاط التحفظات والاعتراضات وازالة الاستهجان تدريجيا ، وتحت ضغط احداث قد تكون مفتعلة او حقيقية تساعد على قبول ما كان يرفض . ان احداث 11 سبتمبر – ايلول 2001 هي التي وفرت الموافقة في الكونغرس على غزو العراق ، وبدونها كانت عملية الغزو ستبقى في ادراج المحافظون الجدد قرارا مهملا او مؤجل التنفيذ ، والدليل هو ان ادارة بيل كلنتون ، ورغم تبني الكونغرس قرار اسقاط النظام الوطني في العراق في عام 1998 ، تحت تسمية قد تبدو غريبة للعالم وهي تبني ( قانون تحرير العراق ) وتخصيص ملايين الدولارات لتحقيق ذلك ، لم تتجاوز خطوات الضغط الخارجي الشديد وتلجأ للحرب لغزو العراق .

عبر الاعداد ومراكمة التاثيرات تفتح ادارة الامريكية الطريق لتنفيذ ما كان يعد غير ممكن التنفيذ ، او ان مخاطره كبيرة ولا يستحق التنفيذ . في اطار هذه الملاحظة يجب ان لا نقع في فخ السفير الامريكي الذي يتحفظ على قرار الكونغرس لانه تحفظ مطلوب ، من وجهة عملية امريكية ، وهي ضرورة ابقاء الضحية ، وهو هنا العراق ، متورط في مشكلة عدم اليقين تجاه نوايا امريكا الحقيقية ، لانه يرى الكونغرس يتبنى قرار تقسيم العراق في حين ان السفير ممثل الحكومة الامريكية يتحفظ عليه !

اما الدلالة الثانية للقرار فهي ان امريكا قد يئست نهائيا من استعمار العراق الطبيعي والاستقرار فيه كقوة استعمارية لها قوات كبيرة ووجود كبير بشري وسياسي ، نتيجة الانتصارات غير المسبوقة في تاريخ الشعوب التي سجلتها المقاومة الوطنية العراقية ، لذلك قررت ان تقسمه لتسهيل استعمار اجزاءه الثلاث بشكل منفرد . كان المشروع الامريكي الاصلي يعتمد على فكرة مضللة وهي ان غزو العراق سيكون سهلا وسيؤدي الى تحويل العراق الى اهم قاعدة امريكية في العالم . لذلك كانت فكرة تقسيمه مجرد هدف مؤجل او يخضع لاعادة تكييف للعراق تحوله من قوة اقليمية تحررية الى قطر تابع ومستعمر ومحجم . وذلك خيار وسط بين التقسيم والوضع الطبيعي للعراق . لقد نسفت المقاومة العراقية الخطط الاصلية للاحتلال واجبرته على التأرجح بين خيارات كلها سلبية ، مما دفعه لتبني خيار تقسيم العراق ، الذي عد له منذ بدأ الغزو بتدمير الدولة ومحاولة تمزيق الوحدة الوطنية عبر ايران والعصابات الاجرامية التي استأجرها .

الدلالة لثالثة : هي ان ايران كانت ، ومازالت ، الطرف الاقليمي الاخطر الذي ينفذ خطة تقسيم العراق والوطن العربي ، فبعد نصف قرن من الزمان ، كان الغرب الاستعماري والصهيونية يحاولان فيه تقسيم الاقطار العربي وتذويب هويتها القومة العربية ففشلا ، نتيجة فرز الخنادق بين الامة العربية ، من جهة ، والغرب الاستعماري والصهيونية من جهة ثانية ، والذي يعني ان العربي كان يعرف بدقة وعلى وجه اليقين ان العدو هو الصهيونية والغرب الاستعماري لذلك كان متحصنا ضدهما بأكثر من قناعة ويقين . اما ايران فهي دولة ت اسلامية ، وهي دولة مجاورة لها روابط كثيرة معنا ، والاهم انه بعد اسقاط الغرب للشاه محمد رضا بهلوي تبنت ايران شعارات حبيبة على قلوب العرب والمسلمين ، وهي تلك الخاصة بفلسطين ، لذلك تداخلت الخنادق والمفاهيم والارتباطات ، وتعقدت صورة الصراع واطرافه واصطفافها ، فنجحت ايران في العثور على اطراف عربية تدعمها ظنا منها انها تناضل ضد الغرب واسرائيل ، رغم تواتر الادلة والشواهد والمواقف على انها في المعسكر المعادي للامة العربية .

ان من يريد ان يعرف الدور الايراني الحقيقي في الوطن العربي عليه ان ينظر بعين الباجث عن الحقيقة الى ما فعلته وتفعله ايران في الواقع ، فهي اول من اطلق الاحزاب الطائفية في زمن الشاه ، وهي اول من تبنى دستورا طائفيا في زمن خميني ، وهي اول من حاول تقسيم الاقطار العربية على اساس طائفي ، وهي اول من عادى العرب بدافع عنصري معروف قبل نشوء اوربا وامريكا اسرائيل بالاف السنين ، وهي التي أيدت غزو العراق وضمنت نجاح امريكا في تحقيقه ، باعتراف محمد خاتمي رئيس ايران وقتها ، وهي اول من اعترف بالاحتلال والحكومة التي شكلها وتعاونت معه مباشرة ، وهي التي اطلقت حملات التطهير الطائفي الاجرامية المنظمة في العراق ، خصوصا بواسطة المنظمة الاكثر دموية وهي جيش المهدي ، وادت الى تشريد ستة ملايين عراقي من ديارهم ، وهي التي ارادت تحويل الصراع التحرري بين المقاومة العراقية والاحتلال الى حرب طائفية ، وهي التي تثير مشاعر الاحقاد والثارات بين العرب السنة والعرب الشيعة ، وهي التي تتفاوض مع امريكا على مستقبل العراق والمنطقة كلها ، وهي التي تطالب بالبحرين منذ زمن الشاه وحتى الان ، وهي التي نفذت القرار الامريكي بتدمير الدولة العراقية ونهب اسلحتها وممتلكاتها ومصانعها وكل ما هو ثمين فيها ، وهي التي قتلت الالاف من العلماء والمهندسين والضباط والطيارين العراقيين ، وهي التي تحتل الجزر العربية الثلاث وهي التي تحتل الاحواز ...الخ ، اننا اذا اردنا ان نعدد ما قامت به ايران من جرائم سوف نحتاج لالاف الاوراق ، لكن ما ذكرناه كاف لتحديد اين تقف ايران الان .

ويكفي ان نشير هنا الى موقف ايران من الفدرالية لنعرف خطورة من وضعهم الله شرق وطننا ، فاذا كان زعماء الانفصال الكردي لهم مطاليب قومية لانهم ينتمون لقومية غير القومية العربية ، ومن ثم فان اقرار هذا الحق ضرورة وواجب وهو ما قام به البعث ، فان موضوع ما يسمى الشيعة هو موضع مختلف لا اساس له من الصحة ، وهو مدخل لاجل تمزيق العراق والامة العربية . ان تقسيم عرب العراق الى شيعة وسنة وليس الى عرب فقط ، والذين يشكلون نسبة 85 % من السكان ، ادى بالضرورة الى تقليص نسبة الشعب العربي في العراق ، فبعد ان كانت نسبة العرب من السكان هي 85 % قدر الاحتلال وايران ان العرب يشكلون نسبة 20 % ! فاين ذابت نسبة 65 % ؟ انها ذهبت بين :

أ – ادخال اكثر من اربعة ملايين ايراني وكردي من ايران وتركيا الى العراق ، بعد الغزو ، من قبل ايران والزعامات الكردية بقرار امريكي ومنحهم الجنسية العراقية بقرارات من حكومة الجعفري ثم حكومة المالكي .

ب – التهجير القسري لستة ملايين عراقي عربي من ديارهم نتيجة عمليات التطهير العرقي في الشمال ، التي قامت وتقوم بها البيش مركة الكردية ، وعصابات ايران في جنوب العراق ووسطه .

هذه الخطوة الخطيرة ، التي لم تنجح في القيام بها امريكا وقبلها بريطانيا واسرائيل ، قامت بها ايران ، فكان طبيعيا ان تطرح مطلب اقامة فدرالية جنوب العراق الشيعي ( المختلف والمتناقض مع وسط العراق السني ) ، وليس العربي الشيعي ! وهذا الموقف بحد ذاته ، وحتى لو لم تكن لايران اعمال تخريبية اخرى ، يضعها في صف واحد مع امريكا واسرائيل ، ويميزها عنهما كونها تملك وسائل تأثير لا تملكها امريكا واسرائيل . لولا ايران وامرها لاتباعها ، ابتداء بالسيستاني الذي استخدم فتاواه الطائفية لزج مواطنين عراقيين في مواقف تتناقض مع مصالح العراق الوطنية ، ولولا الاحزاب الايرانية في العراق مثل حزب الدعوة والمجلس الاعلى ، لما تمكنت امريكا من ادخال الجنوب العراقي في قائمة الاقاليم الفدرالية ، ان وجود عرب في العراق بنسبة 85 % هو الذي يحمي هويته القومية ويبقيه موحدا قويا ، لكن حينما يقسم العرب الى شيعة وسنة ، وتصبح الفدرالية الشيعية بلا هوية عربية نتيجة النفوذ الايراني ، تنخفض نسبة العرب في العراق ويتعرض لاحتمال تذويب هويته العربية .
نعم ان فشل اسرائيل والغرب في تفتيت الامة العربية دفعه للتعاون مع ايران لانها تملك الادوات المحلية لتنفيذ الفتن الطائفية ولارتكاب الخيانات الوطنية من اجل الطائفة ظاهريا ، لذلك فان دورها اخطر بكثير من الدورين الامريكي والاسرائيلي ، ومن المستحيل تصور تحرر العراق والامة العربية من الاستعمار الغربي والصهيونية والضعف من دون طرد ايران وتصفية نفوذها ، خصوصا في العراق ، وتنظيف الوطن العربي من النفوذ الايراني كعدو شديد الخطورة وشديد الدهاء والخبرة .

لو ان الكونغرس الامريكي يعرف ان الجنوب لن يكون ضمن ما يسمى ( النظام الفدرالي ) لما اقدم على خطوة تبني قرار تقسيم العراق ، لان الانفصال الكردي محكوم عليه بالموت بدون عنف لاسباب معروفة ، لذلك فان الخطوة الايرانية بدعم فدرالية في الجنوب كانت عبارة عن تدعيم لانفصال الشمال واعطاءه الامل بالنجاح من خلال فصل الجنوب ايضا ، في اطار مساومة كبيرة تمنح ايران بموجبها كركوك للانفصال الكردي مقابل الاعتراف الكردي بان جنوب العراق لايران . وهنا يبرز الخطر الحقيقي للدور الايراني في تقسيم العراق والذي يعد حاسما ولا غنى عنه بالنسبة لامريكا واسرائيل .

الدلالة الرابعة : هي ان الادارة الامريكية ، وبعد ان رأت نتيجة اعلان ما يسمى ب(الدولة الاسلامية ) في وسط العراق وما ترتب على ذلك من قتال بين فصائل في المقاومة العراقية كان اول مظاهر الخلل في صفوفها ، قد اقنعت الكونغرس بانها تحقق تقدما واشارت الى ما حدث في الانبار من تحشيد عشائر او بعض العشائر ضد القاعدة ، وهو تحشيد اضر بالمقاومة كلها لان امريكا تحت ستار ضرب القاعدة تضرب كافة المقاتلتين من اجل الحرية في العراق . ليس بالامكان تجاهل حقيقة مرة وهي ان اعلان دولة اسلامية ، وكما نبهنا مرارا ، كان عبارة عن خطوة في اتجاه تنفيذ المخطط الامريكي الاسرائيلي والايراني وهو تقسيم العراق ، فما ان اعلنت تلك الدولة واعتمدت اسلوب وضع الجميع بين مبايعتها والاعتراف بها وباميرها ، كقائد للعراق ، او مواجهة تهم التكفير وهي تهمة عقابها الموت ، حتى فتحت اخطر ثغرة في صفوف المقاومة العراقية استغلتها امريكا فورا لزرع الفتن بين صفوف المقاومة والتخلص من المأزق القاتل الذي كانت تواجهه وهو انه تقاتل مقاومة موحد ة ولا مجال لاختراقها !

ان التاريخ سيسجل بان اول مظاهر الضعف التي ظهرت في صفوف المقاومة ، واستغلتها الادارة الامريكية لاقناع الكونغرس بموقفها في العراق كانت نتيجة حماقة موقف التكفيريين السنة في المقاومة العراقية ، والذين وقعوا في فخ الطائفية ، كما وقع قبلهم الحكيم والمالكي والجعفري وغيرهم . كانت المقاومة تقاتل بنجاح تام دون مشاكل الانشقاقات وكانت الخلافات العقائدية بين المقاتلين لا تؤثر في جهادهم وقتالهم ، وكانت وحدات قتالية مشتركة من الاسلامويين والبعثيين تقوم باعمال جهادية دون حساسيات ، لكن اعلان الدولة الاسلامية وتعمد القيام باعمال اجرامية لتصفية الفصائل القومية والوطنية فجر الموقف واحدث شرخا مهما في صفوف المقاومة استغلته ادارة بوش فورا وادخلته ضمن انتصاراتها ووعدها بان النصر الحاسم عل المقاومة ممكن وغير مستبعد .

الدلالة الخامسة : هي ان قيادة التمرد الكردي في العراق قد قدمت الدليل ، الاكثر حسما وثباتا على انها معادية للعراق كقطر ووطن ولشعبه ، وانها كانت ومازالت تعمل لتدميره والغاءه من الخارطة ، وما البيان الذي صدر عن ما يسمى ب( اقليم كردستان العراق ) وايد قرار الكونغرس تقسيم العراق الا الدليل الحاسم الذي يؤكد ذلك . ان سذاجة وحماقة الزعامة المتمردة وصلا حد انها تخلت عن كل الحذر والتحفظ الذي ميز سلوكها في خلال العقود الستة الماضية وجعلها تتصرف وكأنها جزء من وطن اسمه العراق ، وتبنت لتاكيد ذلك شعارا كان مقبولا من كثير من العراقيين وهو ( الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان العراق ) .

اما الان فان زعامة التمرد تعمل مباشرة وصراحة على تقسيم العراق ، بكافة الطرق ، في اتفاق تام وصريح مع اعداء العراق التقليديين مثل امريكا واسرائيل وايران . ولو انها كانت تملك الحد الادنى من الحكمة لما ايدت قرار تقسيم العراق ، حتى لو كانت تريده ، حرصا على عدم قطع كافة الروابط مع العراقيين ، والتي قطعت الان بعد تأييد قرار الكونغرس ، وهو موقف خطير جدا للزعامة الكردية المتمردة ستكون له اثار مدمرة مستقبلا على القضية الكردية في العراق والمنطقة ، بعد ان كشفت الاوراق التي كانت مخفية لعقود طويلة للتمرد الكردي وبرز موقف اقليمي شامل رافض للنزعة الانفاصالية .

ربما اعمت بصيرة الزعامة الكردية وعود اسرائيل وامريكا بحماية تمردهم وانفصالهم فاطاح ذلك ببقايا العقل والتعقل لديهم ، ولكن هذا الموقف في كل الاحوال حسم الامور واكد صواب اتهام التمرد الكردي بانه اداة اسرائيلية وامريكية وايرانية ضد وحدة العراق وعروبته .

الدلالة السادسة : هي ان قرار الكونغرس الذي استند على فكرة اقامة نظام فدرالي في العراق ، على اسس عرقية وطائفية ما هو الا تمهيد وخطوة اولى لتطبيق نظام كونفدرالي في العراق . وهذا ما حذرنا منه منذ تبني الدستور الصهيوني الامريكي في العراق ، مضامين تؤكد انه نظام كونفدرالي . ان الفرق بين الفدرالية والكونفدرالية هو ان الفدرالية نظام لدولة واحدة وتحت سيادة واحد وعلم واحد لكنها تعطي صلاحيات واسعة لمحافظات ( وليس لاعراق او ديانات ) في اطار الوحدة الدستورية ، اما الكونفدرالية فيه اتحاد دول مستقلة تقريبا ، وفيها سيادات مختلفة تتجلى في التمثيل الدبلوماسي المتعدد ، والقوات المسلحة المتعددة والاقتصاد المختلف والمستقل الخ . وعراق ما بعد الاحتلال وبنظرة سريعة لكيفية تصرف التمرد الكردي هو عراق يراد له ان يكون كونفدراليا وليس فدراليا . فما يسمى حكومة ب ( كردستان ) تخلت عن علم العراق وعن اللغة الرسمية وهي العربية وعقدت اتفاقيات نفطية مباشرة مع دول اخرى وتريد تمثيلا دبلوماسييا مستقلا لها ، وتخطط اقتصادها بشكل مستقل واعتبرت البيش مركة قوات مسلحة لها خاصة ، وتهدد بالانفصال عن العراق رسميا ، بعد انفصالها الفعلي ، اذا وقعت حرب اهلية او تعذر تحقيق مصالحة وطنية وكأن الوطن هو فندق يمكن مغادرته اذا واجه مشاكل .. الخ .

ان هذه الاتجاهات للزعامة الكردية ، ويقابلها في الجنوب الاصرار ، بدفع ايراني واضح ، على تقاسم الثروة واعتبارها ملكا للاقليم الذي توجد فيه الثروة وليس لكل الوطن العراقي كما كان الحال قبل الغزو ، والتخلي عن التسمية الحقيقية لسكان الجنوب ، وهي انهم عرب الجنوب ، واطلاق تسمية طائفية بديلة وهي ( شيعة الجنوب )، مؤشرات لا تخطأ ابدا على ان ما تريده امريكا وايران واسرائيل هو نظام كونفدرالي في العراق يكون مقدمة طبيعية لاعلان انتهاء الكونفدرالية وتحقيق الاستقلال التام للدول الثلاث التي كانت تشكل العراق التاريخي !

مقدمات لابد من التذكير بها

هذه الخطة ليست جديدة بل هي قديمة ولن نعود لكامل التاريخ للتذكير بها بل سنكتفي بالتذكير بما حصل منذ عام 1988 بعد الانتصار العراقي العظيم على ايران ، حيث اخذت امريكا تطرح افكارا خطيرة حول العراق . فما هي اهم هذه الافكار ؟

1 – ان وجود عراق قوي تغلب على ايران واصبح القوة الاقليمية العظمى الوحيدة في الخليج والجزيرة هو تهديد لامن واستقرار ( الشرق الاوسط ) .

2 – ان وجود مليون جندي في الجيش العراقي ، مع خبرات قتالية ممتازة ، يشجع النظام العراقي على التفكير بغزو جيرانه في الخليج العربي والجزيرة العربية . وطرح هذا الامر في صيغة تساؤل خبيث وهو : ماذا سيفعل العراق بهذا الجيش الكبير والخطير والمجرب ؟

3 – ان الازمة المالية التي يواجهها العراق نتيجة استنزاف الحرب مع ايران لموارده ستدفعه لغزو الدول الغنية المجاورة له والضعيفة عسكريا .

4 – ان وجود عراق قوي جدا يهدد التوازن الستراتيجي القائم ( انذاك ) ، وهو توازن اقيم على قاعدة ان اسرائيل يجب ان تكون القوة العسكرية الاقوى من كل العرب مجتمعين ، لتفرض عليهم وجودها وهيمنتها ، ولذلك فان العراق القوي الذي هزم ايران حطم هذا التوازن الستراتيجي واصبح بمفرده قوة توازي قوة اسرائيل وربما تتغلب عليها في حرب طويلة الامد ، وهذا تطور خطير يضر بمصالح اسرائيل الجوهرية والغرب .

5- ان العراق القوي والمنتصر على ايران سيقوم باستثمار رصيده الايجابي بين العرب لتحشيدهم مجددا ضد اسرائيل في مسعى ينسجم مع شعارات البعث القومية الداعية الى التخلص من اسرائيل .

بتثبيت هذه الملاحظات ، من قبل امريكا والغرب واسرائيل ، ونشرها في الغرب ، اولا ، ثم في صحف عربية في مقدمتها صحف كويتية كما سنرى ، ثانيا ، كان مطلوبا صياغة رد غربي اسرائيلي على هذا ( التحدي العراقي الخطير ) ، فطرحت افكار بعضها رسمي ، عبر مسئولين ، وبعضعا عن طريق خبراء او صحفيين ، وحينما سنذكر تلك الاراء ستلاحظون فورا ان ما يطبق الان في العراق هو تنفيذ حرفي لتلك الافكار ، مما يدل على كل ما جرى ويجري في العراق المحتل كان معدا بدقة سلفا . ماذا طرح من اقتراحات ؟

1- يجب ان نتخلص من العراق القوي باي طريقة واسلوب .
2- ان تحويل العراق من قطر مركزي السلطة الى بلد غير مركزي هو امر حيوي .
3- يجب التخلص من الجيش القوي والكبير للعراق وتحويله الى قوى امن داخلي .
4- يجب ضمان ان لا يتدخل العراق بشئون العرب الاخرين باسم القومية العربية .
5 - يجب اقامة نظام ديمقراطي تتوزع فيه السلطان بحيث لا يكون هناك مركز قوي يحول العراق الى قوة اقليمية تهدد الامن الاقليمي . وهذا المطلب يعني انه يجب تقزيم العراق وجعله عاجزا عن لعب أي دور اقليمي فاعل .

ان نظرة لما حصل منذ الغزو تؤكد ، بما لايقبل الشك ، بان كل ما يطبق انما هو تنفيذ لقرارات سابقة متخذة منذ عام 1988 بشكل خاص . وهنا لابد من الاشارة الى ان الكويت قد لعبت دورا خطيرا في الاعداد لهذه الخطة ، وانا اذكر بدقة ان حكومة الكويت كانت اخر من هنأ العراق بانتصاره على ايران ، مع انها كانت اول مستفيد من سفح انهار من الدم العراقي لحماية عروبة الخليج العربي كله ! فلقد كانت الصحف الكويتية اول من اثار الشكوك بنوايا العراق في الايام الاولى بعد الانتصار على ايران ، حينما نشرت صحافته ، وبتكرار ملفت النظر ، الافكار التي أوردناها حول العراق المنتصر ومخاطره واتجاهاته . وحينما جاء وفد امير الكويت للتهنئة الى العراق ، وكان معه وفد من رؤساء تحرير الصحف الكويتية ، اقمت دعوة عشاء على شرفهم ، بصفتي مديرا عاما للاعلام وقتها ، واثناء العشاء استفسرت من أعضاء الوفد عن الغرض من اثارة الشكوك حول نوايا العراق تجاه دول الخليج العربي مع انه خرج لتوه من حرب ضروس دامت ثمانية اعوام دافع خلالها عن الخليج العربي كله ، وفي مقدمة من استفاد الكويت ، فكان الرد متلعثما ويقوم على فكرة ان الصحافة في الكويت تنشر وتنقل عن مصادر غربية وهو امر لايعني انها تقبل ما نشر في الغرب ، وكان الرد هو ان النقل عن مصادر اخرى فيه دلالات لا تخطأ عن وجود تحبيذ لما نشر ، والاهم هو اننا انتبهنا الى وجود رائحة غير مستحبة من وراء هذا النشر .
ان التذكير بهذه الحقائق يساعدنا جميعا على معرفة الابعاد والخلفيات الحقيقية لقرار الكونغرس الامريكي بتقسيم العراق .

صلة الشرق الاوسط الجديد

وثمة ملاحظة مهمة جدا في هذا السياق ، وهي صلة قرار الكونغرس بما اطلقت عليه كونداليزا رايس تسمية مهمة جدا وهي ( الشرق الاوسط الجديد ) . وهنا يجب الانتباه لمسألة ربما تغيب عن بال البعض ، رغم اهميتها القصوى ، وهي الفرق بين مفهوم ( الشرق الاوسط الجديد) ومفهوم (النظام الشرق اوسطي الجديد ) ، ان الخلط بين هذين الامرين يعرقل الفهم الدقيق لما يجري . ان مفهوم الشرق الاوسط الجديد يقوم على تحقيق هدف تفكيك الاقطار العربية الى كيانات مجهرية قزمة على اسس عرقية او طائفية او مصلحية اقليمية او محلية او طبقا لخطوط توزع الثروة ، والغاء الكيانات الوطنية القطرية العربية الحالية ، ثم البدء باعادة تركيب المنطقة على اسس لاصلة لها بالانتماء القومي للعرب بل قاعدتها المصالح الفئوية الضيقة ، فتكون النتيجة هي كيانات متعددة ومتناقضة وهشة لا رابط بينها سوى المايسترو ( أي الموجه ) الامريكي ، الذي يوحد بينها وفقا لمصالحه هو وليس مصالح الكيانات القزمة ، لاجل تحويل المنطقة كلها الى مقر انطلاق الامبراطورية الامريكية .

ان عملية التفكيك ، او التقسيم المنظم للاقطار العربية ، هي المقدمة الضرورية لبروز وبناء شرق اوسط جديد مختلف كليا عما عهدناه وعشنا فيه ، تكون فيه اسرائيل اكبر سكانيا من اغلب الكيانات العربية ( ولا نقول الاقطار لانها ستكون قد قسمت ) ، وتنعدم فيه المصلحة المشتركة بين كياناته التي تنتمي لاصول عربية ، في حين ان الكيانات غير العربية كاسرائيل وايران وتركيا ستكون موحدة وقوية وكبيرة ! وهذا المطلب مهم جدا بالنسبة لامريكا لعدة اسباب منها :

1 – ان مصادر الطاقة الاهم والاكبر ستكون بيد امريكا بلا أي مشاكل ، بعد تحويل اقليم النفط العربي من حالة الدول الى حالة الشركة الاستثمارية الكبرى وترحيل انظمة الحكم في الخليج والجزيرة العربية ، بعد تقسيم السعودية الى عدة دول ، الى الخارج ، وابقاء مكاتب رمزية للدول وملوكها وامرائها . ان هذا التحويل الستراتيجي لطبيعة المنطقة من منطقة دول الى منطقة استثمار متخصصة ، تفرضه صراعات اقامة نظام عالمي جديد بزعامة امريكا المنفردة للعالم .

2 – ان تغييب الامة العربية وتذويب هويتها القومية هو القاعدة الارتكازية لنجاح امريكا في المنطقة كلها ، مادام النفط عربيا بالدرجة الاولى ومادامت اسرائيل هي توأم النفط في المصالح الغربية الاستعمارية ، والتي يقوم مشروعها الصهيوني على الارض العربية وليس على الارض الايرانية . ومن المهم جدا الانتباه الى ان النفط الايراني يقترب من النضوب وهي حقيقة لا تغري بمعاداتها ، كما ان موقفها الحقيقي من اسرائيل ، ستراتيجيا وليس تكتيكيا ، لا يوجد تناقضا معها . وهذه الحقيقة تنطبق على تركيا ايضا ، لذلك فان وجودهما الاقليمي كقوتين أساسيتين مهم جدا وايجابي من وجهة نظر الولايات المتحدة واسرائيل ، وكل احداث المنطقة منذ الحرب العراقية الايرانية تثبت ذلك ، وهذا ينطبق عل المرحلة التاريخية الحالية والتي قد تتغير معطياتها لاحقا .

3 – ان وجود عرب ، متناثرين في دول قزمة وشكلية ، في منطقة توجد فيها ثلاثة دول كبرى وهي اسرائيل وايران وتركيا سيسمح بضمان تغييب العرب لعقود ، ولربما لقرون من الزمن ، ويساعد على قيام اسرائيل بتثبيت وجودها وزعامتها الاقليمية بالتعاون مع تركيا وايران ، وهذا الوضع هو الوضع الانموذجي ، بالنسبة للاستعمار الامريكي .

بعد تفكيك الاقطار العربية ، واكمال ترتيب اوضاعها كنثار مجهري هامشي الدور سياسيا ، يأتي دور التركيب ، والتركيب في هذه الحالة ليس في اطار عربي بل في اطار اقليمي اجنبي الملامح والهوية ، هو ما يسمى ( النظام الشرق اوسطي الجديد ) ، والذي يجب ان يضم كيانات النثار العربي المهمش وتركيا واسرائيل وايران . لذلك فان الشرق الاوسط الجديد يقصد به تحويل الاقطار العربية الى كيانات هامشية بعد تقسيم الاقطار العربية واعاد رسم حدود الدول وتحديد جديد لدور الدول القزمة العربية الانتماء ، اما النظام الشرق اوسطي الجديد فهو الاطار المنظم لتلك الكيانات والدول بعد اعادة تركيبها .

في ضوء هذه المقدمة التوضحيحة فان تقسيم العراق يقع في قلب عملية التفكيك المنظم للاقطار العربية ، بصفته القوة العربية المركزية الاقوى ، ومن ثم فان التخلص منها هو المهمة الاساسية الممهدة لقيام شرق اوسط جديد . ان قرار الكونغرس الامريكي اتخذ في سياق الاعداد الجدي للشرق الاوسط الجديد وما سيعقبه من انشاء نظام شرق اوسطي جديد يحل محل الدول الحالية ومحل التنظيمات الاقليمية الحالية كالجامعة العربية .

ما المطلوب وطنيا وقوميا واسلاميا ؟

ان تسجيل الملاحظات الجوهرية السابقة ما هو الا مقدمة لتسليط الضوء على خارطة طريق الفهم الدقيق والشامل والصحيح لما يجري تسمح لنا في السير بامان ، ونحن نناضل من اجل تحرير العراق من الاستعمارين الامريكي والايراني .

ان خطورة الوضع الحالي وصلت حد التهديد بعرقلة الثورة المسلحة ، نتيجة الثغرة التي اوجدها اعلان القاعدة ما تسميه ب(الدولة الاسلامية ) ، وهي خطوة متممة لخطوات عملاء ايران في الجنوب وعملاء امريكا واسرائيل في الشمال دون ادنى شك ، وما ترتب على ذلك من محاولات الحصول على مبايعة اميرها بالقوة والتكفير ، فادى ذلك الى حصول اول قتال داخلي بين فصائل المقاومة . كما انه ادى الى عثور الاحتلال على بعض الشيوخ الذين استغلوا انحرافات القاعدة وتجاوزاتها الكبيرة على شعب العراق ومصالحه ، كتحليل قتل الشيعة وقتل من لا يبايع من السنة والمجاهدين ومهاجمة المدنيين عشوائيا والاعدامات لمن يعدونه مخالفا للشرع استنادا الى فتاوى ساذجة وخاطئة ، نقول استغل هذا البعض من الشيوخ ذلك للتعاون مع الاحتلال ليس ضد القاعدة فقط بل ضد كل الفصائل المقاتلة . لقد نجحت امريكا في العثور على ما كانت تبحث عنه منذ سنوات ، وهو الاعمال الشنيعة للقاعدة فاستغلته ، بسرعة والى اقصى الحدود . من هنا علينا ان نتوقف عن الدفاع عن المسئول عن الانشقاق مهما كان دوره السابق والى أي تنظيم انتمى ، فلقد تجاوز كل الخطوط الحمر واشعل نارا اصر على استمرار اشتعالها فاجبر الجميع على الابتعاد عنه .

ربما يقول البعض لكن القاعدة تقاتل الاحتلال ! وهذا الاعتراض بقدر ما هو ملتبس فانه خطير لانه يشير الى وجود حالة عدم فهم صحيح لطبيعة الصراعات ، فلئن كانت القاعدة قد قاتلت الامريكيين في البداية ، وهو امر دعمه كل عراقي يناضل من اجل التحرير كما هو معروف لانه يصب ي مجرى واحد مع نضالنا المسلح والسلمي جميعا ، فان القاعدة اقدمت على خطوات اكثر من خطيرة ومشبوهة ، ومنها تكفير فصائل مجاهدة كبيرة شملت البعثيين والجيش الاسلامي وجيش المجاهدين وغيرها ، ولم تكتفي بذلك بل اشترطت مبايعة هذه القوى لما اسمته ب(امير القاعدة) النكرة ( مرة اخرى بمعنى المجهول ) ! وخطت خطوة هي الاخطر في كل سلوكها حينما أباحت الدم الشيعي العربي العراقي في قرار لا يمكن تفسيره الا على انه اكمال للدور الايراني والامريكي في اشعال حرب طائفية في العراق ، واخيرا وليس اخرا ارادت القاعدة ان تفرض على الشعب العراقي بقوة السلاح نمطا من الحياة هو الاشد ظلامية ورجعية وتخلفا ، وبسبب تعريض الشعب لهذا النهج الظلامي المدمر للعراق فقد رفضه العراقيون فردت القاعدة باباحة الدماء على نحو مدهش ولم يسبق له مثيل ! وهكذا فتحت القاعدة جبهات حرب ليس ضد الاحتلال وانما ضد الشعب العراقي ووحدته الوطنية وضد خيرة مناضليه ومجاهديه الذين يقاتلون الاحتلال .

ولذلك حينما اراد الاحتلال تحجيم القاعدة وجد من يقف الى جانبه من شيوخ وكتل معينة اغلبها تعرض لاعتداءات من القاعدة في حين ان بعضها من العملاء القدماء للاحتلال ، والذين اعدوا منذ زمن طويل للتعاون لكنهم كانوا عاجزين عن تحقيق أي تقدم نتيجة عزلتهم عن الشعب ، فجاءت اعمال القاعدة لتقدم لهم العون والمبرر للتحرك الان . اذن الموقف من القاعدة فرضته هي ولم تختاره المقاومة وانصارها ، وما يجري الان نتاج العمل التخريبي الاكثر خطورة منذ الغزو وهو محاولة تفتيت المقاومة العراقية ، مع انها الامل الوحيد لانقاذ من الاحتلال . لذلك فمن الضروري ان نذكّر ببديهية ، لا ندري لم نساها البعض ، وهي ان المهم ليس ان تبدأ بعبور النهر الى شاطئ السلامة وانما ان تكمل العبور وتضمن سلامة من تنقذهم في الزورق ، اما اذا ثقبت الزورق وهو في منتصف النهر فانك تقوم بعمل اكثر خطورة من عمل من هرب الناس منهم في الزورق ! القاعدة وقفت في منتصف الطريق وثقبت زورق النجاة الوحيد الذي يستخدمه شعب العراق للتخلص من الاحتلال وما اقترن به من مخاطر وتهديدات كبيرة ، لذلك فرضت على الجميع تأمل مغزى ونتائج ودلالات هذا العمل وأجبرتهم على تخصيص جهد ووقت كبيرين لاصلاح الثقب مع ان المطلوب كان تكريس كل الجهود لدحر الاحتلال . ان العبرة ليست في محاولة عبور النهر وانما في اكمال العبور الى بر الامان وتجنب ثقب الزورق وهو في منتصف النهر ، تلك هي القاعدة الذهبية للفهم السليم .

اننا الان امام خيارين لا ثالث لهما : فاما ان تستمر القاعدة في نهجها التكفيري للعراقيين وهو نهج قد يؤدي الى اشعال فتنة طائفية لم تنجح حتى الان ، لوجود رابط وطني قوي بين كل العراقيين اشد متانة من طائفية القاعدة وعملاء ايران ، وهو وضع سيجبر القوى الوطنية وفصائل المقاومة على التصدي للقاعدة بالسلاح وبغيره لتحييد خطرها على الوحدة الوطنية العراقية وانقاذ الثورة المسلحة من احتمال الفشل ، واما ان تتراجع القاعدة عن نهجها وتحترم كل مكونات العراق وتعمل ضد الاحتلال وعملاءه فقط وان تتجنب قتل أي عراقي على اساس طائفته وليس على اساس خياره السياسي وان تندمج ، وتنضبط في ان واحد ، في جبهة موحدة مع كافة المقاتلين ضد الاحتلال وعملاءه فقط .

اننا نركز على هذا الموضوع لانه هو بداية المشكلة التي نواجهها الان واصلها ، وهي مشكلة عدم وجود اطار توحيدي شامل لفصائل المقاومة سواء تنظيميا او فكريا ، مما ادى الى بروز نزعتي الانشقاق والاقصاء ، وهما العامل الذي سارع الاحتلال لاستغلاله بنجاح نسبي . وما لم تحل مشكلة نهج القاعدة التكفيري والاقصائي تجاه الجميع فان الثورة المسلحة ستواجه مشاكل اكثر تعقيدا في الشهور القادمة . لا يجوز على الاطلاق ان نتساهل بعد الان في التعامل مع من يخرب الوحدة الوطنية ووحدة المقاومة لان ذلك هو سرطان الثورات الوطنية .

هناك من جمد وعيه في نطاق المرحلة الاولى من عبور النهر ، والتي كان للتكفيريين دور مهم فيها ، لذلك فانه يقع ضحية بين ذكرى طيبة عنهم نتيجة اعمالهم الجهادية المتميزة ، وواقع مر نعيشه الان خلقوه بافعالهم الخطيرة ، وهذا الالتباس في الوعي خطير لانه يحول دون فهم آليات التخريب التي تجري لشق المقاومة واشعال فتنة طائفية بيدين يد ايران ويد التكفيريين السنة . ومما يزيد عوامل التردد تجاه التكفيريين وجود الاحتلال الاستعماري الذي يركز حملاته الاعلامية عليهم متعمدا تقديم انطباع مضلل ، وهو انهم القوة الحاسمة في العراق المحتل ، مع انهم قوة ثانوية من حيث الحجم والواقع القتالي ! وهكذا يربط البعض عن خطأ بين استمرار الثورة واستمرار السكوت على اعمال التكفيريين ، رغم انها اعمال اخذت تشق صفوف الثوار وشرع الاحتلال يدخل منها الى بيت المقاومة !

وفي هذا الصدد ينبغي التذكير بحقائق اساسية يجب ان تبقى امام نواظرنا دائما :

1 – في كل الثورات التحررية تقريبا تظهر تنظيمات وتيارات تنشق عن المجرى العام للثورة وتسبب لها مشاكل كبيرة وكثيرة ، خصوصا في مراحل حسم الصراع مع الاحتلال ، نتيجة بروز موضوع من يحكم بعد التحرير . لذلك تقف الثورة امام مهمة جوهرية ، وان كانت طارئة ، وهي انهاء الانشقاق داخل صفوفها بطرد المنشقين او المتمردين او الذين يسببون المشاكل ، من اجل ان تبقى الثورة موحدة وقوية ومتماسكة وهي تواجه المرحلة الاخيرة من حرب التحرير . وغالبا ما تم انهاء الانشقاقات بالقوة بعد فشل محاولات الاقناع بالحوار والمنطق ، وهذا ليس عيبا ولا خطئا بل هو افراز طبيعي من افرازات الصراع . ونحن في العراق نواجه مشكلة تمرد القاعدة على عموم المقاومة المسلحة منذ تفجير اخطر لغم واجه الثورة وهو اعلان ما يسمى ب( الدولة الاسلامية ) بشكل خاص ، واصرارها على نهجها الانشقاقي والاقصائي والتكفيري الخطير جدا .

2 – يثبت التاريخ والواقع بان الاحتلال ينشأ تنظيمات تعمل داخل صفوف الثورات التحررية ، باسم الثورة ودفاعا عنها ، وتقاتل الاحتلال فعلا لاكتساب شعبية وصدقية ، ولا تكتفي باصدار بيانات مجردة من العمل المسلح . ووظيفة هذه التنظيمات هي ان تتحرك في مراحل الحسم لاجهاض الثورة ، عبر شقها او محاولة الاستيلاء على قيادتها . وهذا العمل في جوهره عمل استخباري معروف لمن تابع ثورات التحرر الوطني . لذلك يجب ان لا نتردد على الاطلاق في التشكيك بوطنية ونظافة كل من يخلق الازمات للثورة المسلحة في مرحلة الحسم ويصر على تخريب وحدة المقاومين مهما كانت ذرائعه وتبريراته وخلفياته القتالية .

وهنا يجب ان نذكّر بانه لولا احداث ايلول – سبتمبر عام 2001 لما وجدت الادارة الامريكية مسوغا لغزو العراق ، وهذا العامل وحده يشكل احد اهم عناصر الشك في ان اجهزة مهمة في امريكا هي التي كانت وراء هجمات ايلول – سبتمبر ، وربما انها هي التي جرّت القاعد للقيام بها وورطت الامة العربية كلها بكارثة غزو العراق والاعداد لغزو سوريا والسودان ونشر الفوضى والشرذمة في وطننا الكبير من المحيط الى الخليج العربي ، اذا كانت القاعدة هي من قام بها فعلا ، لاجل اقناع الراي العام الامريكي واعالمي بضرورة شن حملة عالمية شاملة تحت غطاء محاربة ( ارهاب القاعدة ) ، ولكن في الحقيقة الهدف هو استعمار العالم من قبل امريكا . هذه الحقيقة يجب ان تجعلنا نتذكر دائما ان العدو ليس غبيا بل هو ذكي في تخطيطه ، ولهذا فان وجود خطط تمزيق صفوفنا من داخلها امر متوقع واذا لم نتوقعه فسوف نكون مغفلين جدا ونقدم على ارتكاب فعل الانتحار . وهنا يجب ان نسأل : هل كانت القاعدة في العراق تجهل قبل ان تقدم على اباحة الدم الشيعي ، وهي فتوى تعني تبرير ابادة نصف الشعب العراقي ، بان تلك وصفة لحرب طائفية اهلية في العراق ؟ نعم كانت تدرك ذلك لانه من المستحيل عدم مقاومة من يتعرض للابادة والقتل من اجل الحياة ، وهذا يعني بوضوح تام ان ما سيجري هو حرب ضروس لن تنتهي ابدا الا بتقسيم العراق بين سنة وشيعة وعرب واكراد وهذا هو بالضبط ماتريده امريكا !

يقول السذج والخدج من ( منظري ) القاعدة في العراق بانهم سوف يجبرون الشيعة على تغيير مذهبهم بالقوة ! فهل هذا منطق من له حد ادنى من المنطق ؟ ان من يقول هذا الكلام يقينا ليس سوى عميل رسمي ومنضبط للاحتلال الامريكي ، وهو باسم عذابات سنة قتلوا على يد فرق الموت الايرانية والامريكية يريد ان يسوّق اكبر جرائم الاحتلال وهي القتل والابادة لحوالي 14 مليون شيعي عراقي عربي ، هم اهل العراق الاصلاء ، على اسس طائفية . الا يشبه هذا العمل هجمات ايلول – سبتمبر عام 2001 من حيث النتائج المطلوب الوصول اليها ؟ نعم ان من يثير الفتنة الطائفية في العراق لا يختلف على الاطلاق عن أولئك الذين قدموا المسوغ لغزو العراق بمهاجمة الثور الامريكي في عقر داره مع انه كان يحتاج ، حتى الموت ، لاي استفزاز لتنفيذ خطة موضوعة ومؤجلة التنفيذ منذ عهد كلنتون وهي (خطة مشروع القرن الامريكي ) لغزو العالم كله انطلاقا من غزو اقليم النفط كله . يجب ان نضع نهج القاعدة في هذا الاطار اذا اردنا ان نسير وفقا لرؤية سليمة وصحيحة ستراتيجيا . ان ايلول – سبتمبر العراقي يتجسد بوضوح تام في محاولة ثقب زورق المقاومة بعد ان وصل منتصف نهر التحرير ، وهذا بحد ذاته مؤشر حاسم يضيء لنا طريق الخروج من المأزق . ان ايلول العراقي هذا استغل لانشاء مجالس الصحوات والصبوات ولبروز ابو ريشة وكل الاخرين من متعاطي الحشيشة !

3 – ان اهم خطوة في مرحلة الحسم هي تحديد المهمة الرئيسية للثورة والعمل وفقا لها بلا تردد . وفي حالة العراق المناضل ضد الاحتلال فان المهمة الرئيسية الان هي تحشيد كافة القوى العراقية الرافضة للاحتلال من اجل التعجيل بطرد الاحتلال . ان قدرة العدو على تحقيق نصر مهما كانت طبيعته مرتبط ومشروط بقدرته عل ايجاد ثغرة في صفوفنا ولذلك فان معيار الوطنية الاساس الان هو الالتزام بالوحدة الوطنية والعمل من اجل منع أي انشقاق في الصف المقاوم . وتلك المهمة تقتضي التصفية السريعة والفورية ، وبجهد المقاومة الخاص ، لعناصر الانشقاق والتخريب للصف المقاوم مع الانتباه الكامل لضرورة ان تكون تلك مهمة آنية ومؤقتة تنتهي بمجرد تحييد المنشقين وعودة العمل الرئيسي بعدها ليكون مواصلة عملية التحرير .

ان كلمة السر الوحيدة التي تصلح لاسقاط قرار الكونغرس الامريكي بتقسيم العراق ومنع إدارة بوش ، او تلك التي ستعقبها ، من تنفيذه ، وتفتح بوابات التحرير بلا مشاكل هي وحدة المقاومة العراقية المسلحة ، فما لم تقام جبهة العسكر المقاومين للاحتلال لن تنتصر الثورة وسوف ينجح خلد القاعدة في العراق في ايصال الاحتلال الامريكي – الايراني – الصهيوني الى بر الامان ، وهو تشتيت المقاومة مع انها الامل الوحيد في التحرير . بوحدة المقاومة المسلحة ، بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب العراقي ، وبدعم القوى الوطنية للمقاومة ، يمكن احتواء خطر الانشقاقات وضمان مواصلة مسيرة التحرير الظافرة .

من هنا فان تأسيس ( القيادة العليا للجهاد والتحرير ) ، والتي ضمت 22 فصيلا مقاتلا تمثل كافة مكونات شعب العراق ، هو في وقت واحد : رد مباشر على قرار الكونغرس تقسيم العراق وعلى محاولات شرذمة المقاومة المسلحة . وهنا يجب لفت النظر الى ان على كل من يريد بصدق تحرير العراق ان يعمل على ان تكون هذه الخطوة المباركة عامل تشجيع على توحيد كافة الجبهات المقاتلة ، وتجاوز عقدة التحزب وانشاء القيادة الموحدة لكافة المقاتلين وان يكون هدفهم الاوحد ثنائي الطبيعة وهو القضاء على الاحتلال وعملاء الاحتلال فقط .

اما العوامل الاخرى للانتصار على مخطط التقسيم الامريكي – الإيراني فهي تابعة وملحقة ومساعدة للشرط الاهم والاعظم وهو قيام جبهة العسكر المقاتلين وهم بالمناسبة ، وبعكس ما قد يظن البعض من انهم مجرد عسكر منفذين ، العقل المدبر الاعظم للانتصارات منذ انطلقت المقاومة المسلحة في يومي 10 – 11 | نيسان – ابريل عام 2003 .

عاشت الثورة العراقية المسلحة .
النصر او النصر ولا شيء غير النصر .
لتكن البندقية هي اللغة الاساسية التي تفتح مغاليق طريق التحرير .
تحية عطرة للرفاق العسكر المناضلين من قادة وكوادر جيشنا الوطني الباسل .


Salah_almukhtar@gawab.com

 

 

 

 

شبكة المنصور

الخميس /  22 رمضان 1428 هـ  الموافق  04 / تشــريــن الاول / 2007 م