صلاح المختار

شبكة المنصور

 

                                     

 

من اصعب ما يواجهه كاتب ، يعايش احداثا تاريخية خطيرة مهمة ، واجب فرز الاحداث وتسليط الضوء ، على ماهو حاسم ويقرر مسار التطورات التاريخية اللاحقة ، بقدر كاف على الزوايا المظلمة ، والتي قد يكون مختبئ فيها ، او مخبئا عمدا ، تفسيرا لما هو غامض او موضع خلافات . واغتيال صدام الشهيد واحد من اكثر احداث التاريخ الانساني حسما وتمييزا بين نمطين متناقضين من الفهم : فهم شيطاني مشيطٍن ( بكسر الطاء ) ومشيطَن ( بفتح الطاء ) يقوم على التضليل والكذب ، ومقابله نجد الفهم الوضوعي المنزه عن الانحياز . لقد رأى العالم كله مشهدا فريدا ، هز ما كان يعد ( حقائق ثابتة ) روجها الاعلام الشيطاني والمشيطٍن التابع للغرب المتصهين ، من شاشات التلفاز ، عجزت وسائل التقطيع واعادة التركيب ( المونتاج ) عن تغيير دلالاته العميقة والبعيدة المدى ، وهو مشهد اغتيال رئيس دولة وقائد ثورة يتقدم للاعدام باسما شجاعا يتحدى الاحتلال وجلاديه رافضا المساومات والتراجع عن مبادئه ومواقفه ومصالح العراق وامته العربية .

ان الانسان الموضوعي الذي راى ذلك المشهد الفريد جدا وجد نفسه امام سؤال لا يمكن التهرب من مواجهته وهو : هل هذا الانسان ، الشجاع  بمستوى اعلى واغرب من اساطير البطولة ذاتها التي قرأنا عنها في التاريخ ، والرافض بوعي تام للمساومات ، هو نفسه الذي صوره الاعلام الغربي المتصهين والايراني العنصري الحاقد بشكل سلبي منفر لمن لا يعرف حقيقته ؟ واعقب هذا السؤال سؤال ثان : هل يمكن لمن يبتسم  لحظة اغتياله وهو عارف انه سيموت الا ان يكون قديسا نقيا وتقيا وعظيما بكل المقاييس الاخلاقية والمنطقية ؟ ثم توالت الاسئلة بمتواليات  هندسية : ما هي طبيعة المبادئ التي تربى عليها هذا الاسطورة الحية والمعاصرة والتي جعلته يواجه الموت بابتسامة من يدخل عالم السعادة الابدية ؟ ما هي التكوينات النفسية لصدام والتي استطاع بها اختراق حدود المعقول والصعود الى مستوى خارق للمألوف في البطولة والكبرياء والوطنية ؟ ومن له مصلحة في شيطنة قديس معاصر في زمن لم يعد فيه أي قديس ؟ وماذا فعل هذا الرجل الفريد جدا ، في زمانه وفي ما مضى من ازمان ، ليستحق الاعدام بطريقة بشعة على يد مثلث الشر  الذي رقص فرحا باعدامه وهو امركا واسرائيل وايران ؟

ان سياق انبثاق الاسئلة التي طرحت لحظة مشاهدة العالم لاغتيال احد اهم عظماء العالم والتاريخ هو ثمرة حملات اكاذيب استمرت اكثر من ثلاثة عقود من الزمن ، نجحت خلالها الى حد ما القوى المعادية لصدام الشهيد  بتزوير هويته وتشويه صورته اما العالم الخارجي . لكن لحظة ابتسام صدام وهو يتقدم نحو الموت بكبرياء القديسين وفرحة الشهداء اسقطت كل الصور النمطية ، التي صرف ثالوث الشر من اجل تكوينها مليارات الدولارات لنشرها وترسيخها ! وكما يزيل المطر الكثيف كل الوان المكياج عن الوجوه زالت اصباغ اكاذيب ثالوث الشر لحظة اغتياله وظهر صدام الحقيقي امام العالم ورأى ملامحه الحقيقية وتكوينه الحقيقي ، وعرف العالم انه كان ضحية واحدة من اكبر خدع التاريخ !

                                 السقوط الاخلاقي للغرب

 ولكن في لحظة استشهاد صدام واجه العالم ، خصوصا الغربي ، مفارقة اخلاقية مدمرة وهي ان اكتشاف ان صدام قديس حي ظلم ( بضم الضاد ) عبر شيطنته قد اقترن بعجز فاضح عن تصحيح الخطأ الذي ارتكب بحقه ! وهنا تكمن مشكلة الضمير الغربي العام ونقطة انتحاره بالذات ! أن ازمة الضمير الغربي هذه ، وان كانت قد قدحت شرارة يقظة مؤقتة ومحدودة  باغتيال صدام الشهيد ، الا انها ، لكونها عتيقة وراسخة وتشكل جزء مقوما في التركيب السايكولوجي والثقافي الغربي الذي قامت عليه حضارة الغرب العنصرية الدموية ، عجزت عن تجاوز ادراك الجريمة الى محاسبة مرتكبها او الوقوف بوجهه لمنعه من مواصلتها.

وليس ادل على وجود سقوط اخلاقي غربي عام من مثال صدام الشهيد ، فلقد اغتيل العراق اولا ، دولة وشعبا وكرامة انسانية ، على يد امريكا ومن تحالف معها ، استنادا لاكاذيب فجة مفبركة عمدا وتخطيطا ، وحينما اكتشف الغرب تلك الاكاذيب ، وعرف ان اكثر من مليون عراقي قد قتلوا نتيجة لغزو العراق وان ستة ملايين عراقي قد هجروا من وطنهم بالقوة ، وان دولة كاملة قد دمرت ، اضافة لموت مليوني عراقي اثناء الحصار ونتيجة لحملات الكذب ايضا ، ابتلع الغرب الفضيحة الاخلاقية ومنع محاكمة من ارتكب جريمة بشعة ضد الانسانية في العراق،  وسارت الحياة على نفس ايقاع ما قبل الجريمة ، وكانها لم تحدث او كانها فيلم سينمي وليس كارثة حلت بالعراق !

وجاء اغتيال صدام الشهيد ، بعد اربعة اعوام تقريبا كانت كافية للضمير الغربي ان يدرك انه كان وراء ارتكاب جريمة بشعة بحق العراق وشعبه لكنه بدلا من ذلك اعاد انتاج عهر الضمير بصورة اكثر انحطاطا باغتيال رئيس دولة خارج كل مفاهيم الاخلاق والقانون والمنطق ، مع ان ذلك الاغتيال كان عبارة عن عمل اجرامي صرف ، اضطرت بسبب بشاعته حتى اسوأ منظمات ( حقوق الانسان ) في انحيازها ضد الامة العربية ، وهي منظمة هيومن رايت ووتش ، لادانة المحاكمة وعدها عملا خارج كل قانون وانها مسرحية اغتيال امريكية ايرانية ! ومع ذلك مازال الضمير الغربي يبتسم وهو يرى كيف ان نخبه المنتخبة من قبله تقتل وتبيد الشعوب الاخرى دون تردد ودون مبرر او مسوغ ! وهنا يكمن جوهر سقوط الغرب فحينما يسقط الضمير الانساني لا يبقى شيئأ متماسكا سوى الحجر والحجر لا يحتاج الا لزلزال واحد لتدمير قاعدة استقراره .

                               أستعادة وعي الضحايا

نعم العالم يشاهد ويتعامل مع صدام الحقيقي الان ، صدام الاخر الذي غيبه الاعلام المعادي والاحقاد الشوفينية الفارسية والخطط الصهيونية ، والمشهد الذي يراه العالم لا تصمد امامه اي اكاذيب ، وتتزلزل بقوة تأثيره ركائز الخبث لدرجة ان مجرما حرض على تدمير العراق وغزوه ووصف قصف بغداد بالصواريخ بانه ( موسيقى عذبة ) مثل المدعو كنعان مكية أضطر للبكاء وهو يري اغتيال القديس صدام ! فكيف يبكي مجرم ساهم في التخطيط لدمار العراق وفرح لرؤيته يدمر لكنه حينما راي الاغتيال ، وهالة القديس صدام تنداح من الشاشات لتغمر قلوب البشرية ، سقطت ثقافة الحقد لديه ووجد نفسه اسير وقائع كبرى مزلزلة ، فبكى وانتحب ، ثم انسحب من مشهد الجريمة المنظمة التي شارك فيها !

في زحمة تدافع الافكار والمشاعر واختلاط المفاهيم ، التي حدثت نتيجة اسقاط صدام الشهيد لاعمدة شيطنته ليلة اغتياله ، ولد صدام الرمز الحي الخالد . لقد غادرنا جسد صدام لكن روحه ليست وحدها من بقي معنا ، بل الاهم هو رمزيته ، فصدام اكمل ، بمشهد بطولته الاستثنائية والخارقة لكل مقاييس البطولة المعروفة اثناء اغتياله ، رسالته وقدم للامة قدوة تتقدم الصفوف وتنير درب التائهين وتفولذ عزيمة الخائرين ، وترسم مسارات الحرية الكرامة الانسانية امام المجاهدين من حملة السلاح .

                                 مآثر  صدام الفريدة

الخلود الذي يتوج مسيرة قادة نادرين في التاريخ هو ثمرة تحولات كبرى يحدثونها في مجتمعاتهم او في العالم كله ، وليس نتاج رغبة ذاتية لذلك القائد او داعميه . فالعمل الخارق للمألوف وباتجاه يخدم المجتمع او البشرية ، والنجاح في انجاز العمل ، هو وحده الذي يخلد القادة ويجعلهم منارا للاجيال المتعاقبة ربما لالاف السنين . نبينا العظيم محمد (ص) وقبله سيدنا ابراهيم الخليل وسيدنا عيسى وسيدنا موسى (ع) هم ممن خلدوا لدورهم في نشر ديانة التوحيد ، والعلماء الذين اكتشفوا او خترعوا شيئا يخدم البشرية بصورة جوهرية وغير وجهها يدخل في هذا الاطار . والقادة السياسيون والمفكرون الكبار الذين وضعوا نظريات غيرت وجه العالم ورسمت مستقبله ...الخ أيضا يخلدون لعمل كبير انجزوه .

بهذا المعنى فان الخلود في الواقع وفي صفحات التاريخ هو نتاج انجازات عظمى ، وما رايناه في الحاضر والماضي كان اعمالا كبيرة غيرت وجه الكرة الارضية فاستحق من قام بها التخليد . ولكن هناك مآثر اخرى اكثر ندرة من الانجازات العظيمة وهي القدرة الفائقة على  تجاوز المألوف من انجازات متحققة والقيام بانجاز شديد الفرادة في التاريخ الانساني يقدم للانسانية دفعا جبارا ، في ازمان ضعف فيه الدفع وحلت محله مظاهر الاستكانة والفشل والتردد ، وهي ابرز سمات تراجع الانسان عن انسانيته القائمة على معيار صارم هو تحقيق التقدم المستمر في حياة واوضاع الانسانية ، لذلك حينما تكسل ارادة التغيير والتقدم يركد الانسان وتتعفن عبقريته ويحل الظلام . البعث بهذا المعنى الفلسفي هو احياء كوامن الانسان الابداعية مرة اخرى وفتح الطريق امام تفتحها الحر من اجل وضع انساني متقدم وخلاق ، وهو ما اكد عليه المفكر والفيلسوف احمد ميشيل عفلق مبكرا .

ماهي انجازات صدام حسين التي ضمنت خلوده وتحوله الى محرك جبار للملايين في العالم ؟ ثمة نوعان من الانجازات التي حققها صدام حسين : النوع الاول منها هو انجازاته الحضارية والاجتماعية ، اما النوع الثاني ، وهو الاهم  النادر جدا في التاريخ ، فهو انجاز روحي نادر ويتجسد في خلق اسطورة حية تعامل معها الناس لاول مرة في تأريخهم ولم يقرأوا عنها في الكتب كما في الاساطير ، وهي اسطورة تفوق الانسان على غرائزه الانسانية وفي مقدمتها حب الحياة ، وعلى نحو متتابع ومنتظم يستمر لسنوات وليس لايام او لحظات ، وتتويج ذلك باختيار الموت عمدا من اجل تحقيق  هزة كبرى في  الضمير الجمعي الانساني ، تضمن ان يتحمل كل انسان مسئولية بعث الخير والتقدم ، في داخلة وفي مجتمعه ، من خلال جعل الكرامة الانسانية ، وهي ربما اهم محركات البطولة ، المعيار الاول في التعامل مع الحياة والموت في مواجهة التحديات الكبرى . لنتناول هذه المسألة بشيء من التفصيل .

                              انجازات صدام الدنيوية    

يمكن ايجاز انجازات صدام حسين في هذا الجانب فيما يلي  :

أ - الانجازات الاقتصادية الاجتماعية

1 – أقامة نظام حكم قوي في العراق ، اختفى منذ أفل نجم مركز الخلافة في بغداد بعد سطوع طويل ، يستطيع تحشيد طاقات العراقيين لاعادة بناء القطر بشروط تعيد اليه دوره التاريخي في أقامة الحضارة الانسانية والمساهمة فيها بشكل فعال . لقد اثبتت التجربة التاريخية بان قوة الحكومة المركزية في العراق كانت دوما الشرط المسبق والذي لا غنى عنه لتحقيق تقدم وقوة العراق وعطاءه للبشرية ، والعكس صحيح فكلما ضعفت السلطة المركزية تناثر العراق دورا وانجازات ومستوى حضاري . انظروا الان لدور العراق في ظل احتلال تعمد تقزيم السلطة المركزية ، رغم انها عميلة له ، فقد اصبح بؤرة التخلف والعجز والعزلة ومحطة تدخل الاطراف الاقليمية والدولية ، وقارنوه بعراق صدام حسين ستعرفون معنى واهمية ان تكون في العراق سلطة مركزية قوية .

2 - تأميم النفط العراقي كوسيلة لاسترجاع ثروة العراق المنهوبة وتسخيرها لخدمة الشعب واعادة بناء العراق ليكون قوة اقليمية لها دور عالمي مؤثر . لقد نهض العراق بعد اقل من عشر سنوات على تأميم النفط وتغير دوره اقليميا وعالميا ، واصبح الرقم الاصعب في المعادلات الاقليمية وحجم نظام الشاه .

3 - قدم عراق صدام حسين انموذجا لنظام يملك النفط لكنه لا يسخره لشراء مظاهر الحضارة والتقدم الاستهلاكية جاهزة من الاخرين بل لاعادة بناء الانسان من منطلق ان الثروة الدائمة هي الخبرة البشرية وليس أي مادة في الطبيعة ، فبدون الخبرة البشرية لا يمكن استغلال هبات الطبيعة بصورة ايجابية . لذلك فان السنوات الاولى التي اعقبت التاميم تميزت بارسال عشرات الالاف من الطلبة للحصول على العلوم والتكنولوجيا الحديثة من مختلف المناشيء ، وبعد عقد من الزمن تشكل جيش من العلماء والمهندسين وفر للعراق قوة دافعة كبرى للتقدم وتغيير وجهه جذريا .

4 – كانت الامية تشكل نسبة اكثر من 80 % من السكان ونجح صدام حسين ، لاول مرة في تاريخ العراق ، في ازالتها عبر حملة وطنية كبرى حشدت فيها كل الطاقات البشرية ، وسط الفئات العمرية دون الخمسين ، ونال على ذلك جائزة الامم المتحدة ، وذلك كان انجازا ضخما ونادرا في العالم الثالث وفي كثير من بلدان العالم الاول . ان ازالة الامية شرط مسبق للتقدم وتجاوز التخلف وتحرير الانسان من قيود الجهل .

5 – كان الفقر يشكل نسبة تتراوح بين 70 -80  % وكان سببا في انتشار المشاكل الاجتماعية والثقافية والجريمة والفساد ...الخ ، ونجح صدام حسين في ازال الفقر تماما من المجتمع ونشأت رفاهية واضحة شملت كل العراقيين بلا أي تمييز ، نتيجة الاستثمار الناجح للثروة الوطنية والتأهيل الممتاز للثروة البشرية . وهذا انجاز كبير جدا ونادر جدا في العالم كله اذ لا يوجد بلد يخلو من الفقر ويتمتع بالرفاهية بنفس الوقت وعلى اساس العدالة الاجتماعية وليس الاستغلال الراسمالي . كانت الدول الاشتراكية تخلو من الفقر لكنها كانت تعيش عند حدود الكفاف ، اما الدول الراسمالية فكانت الرفاهية حكرا على الطبقات المستغلة للشعب . لذلك فان نظام صدام حسين تجاوز المعسكر الاشتراكي في اقامة نظام يخلو من الفقر لكنه لا يعاني من العيش في الحدود الدنيا لمستوى الكفاية ، بل يتمتع بالرفاهية الحقيقية والتي تمثلت في ان العائلة العراقية الواحدة كانت تملك من كل حاجة قطعتين او اكثر مع ا نها تحتاج فعليا لواحدة ، مثل الغسالات واجهزة تجميد الطعام والثلاجات والسيارات ...الخ . وحالة الرفاهية هذه استمرت حتى بعد فرض ايران للحرب على العراق ، لكنها اخذت تتلاشى وانتهت بعد فرض الحصار عام 1990 .

6 – بنى صدام حسين جيشا عظيما قويا ومجربا بزيادته عددا وعدة من اربعة فرق الى خمسة فيالق ، وزوده باحدث الاسلحة ووفر له افضل خبرة وتدريب مهني ، وبذلك دعم النهوض العراقي الجديد بذراع عسكرية طويلة وقوية اكملت هيبة العراق الاقليمية والدولية .

7 – شهد العراق استقرارا امنيا واجتماعيا فريدا ، فبسبب ازالة اهم اسباب الجريمة والانحرافات الاجتماعية ، وهما الفقر والامية ، تضاءلت الجريمة الى اقصى حد وتقلصت مشاكل الجهل ، وبزغ عصر جديد كانت العائلة العراقية فيه تنام وابواب بيتها مفتوحة دون خشية من الاعتداء او السرقة .

8 – بنيت صناعة قوية صممت لتكون نواة لسياسة الاعتماد على الذات في مجال الصناعات الحديثة ، ابتدات بالمشاريع الجاهزة التي نفذتها شركات اجنبية وانتهت بقيام علماء ومهندسي العراق ببناء الصناعات بالاعتماد على الخبرات الاجنبية والعراقية .

9 – رغم حالات الفشل التي واجهت خطط أحياء الارض الزراعية الا انها نجحت في تقليص استيراد المواد الغذائية وخطط لتحقيق الاكتفاء الذاتي ، وسارت الزراعة في طريق النمو الصحيح ، بعد قرون من تخلفها .

10 – كانت في العراق قبل ثورة صدام حسين جامعة واحدة فاصبح في كل محافظة جامعة او اكثر ، وسمح للجامعات الاهلية بالنشوء لتكمل الدور التعليمي للجامعات الحكومية .

11 – اصبحت اهم حاجات الانسان على الاطلاق بعد الغذاء مجانيا وهو الطب ، في زمن صدام حسين كان المواطن لا يقلق على حياته عند المرض لان كل شيء كان مجانيا الفحص والعلاج والدواء ، بل كان من يحتاج للعلاج في الخارج يرسل على نفقة الدولة ، وهذا انجاز فريد في كل العالم ، وهو افضل من نظام الطب المجاني في الدول الاشتراكي وافضل من نظام التامين الصحي في اوربا .

12 – وفر صدام حسين لكل العراقيين خدمات مجانية او شبه مجانية ، مثل الوقود والماء والكهرباء والنقل والاتصالات وغيرها وكانت تكلفتها تافهة مقارنة بمستوى الدخل .

13 – دعمت الدولة في عهد صدام حسين السلع الغذائية والملابس والاجهزة الالكترونية المنزلية وكل الاحتياجات الاساسية والكمالية لدرجة ان بعض الفرنسيين والايطاليين كانوا يأتون الى العراق لشراء بدلات من صنع بلدانهم لانها ارخص بكثير في العراق !

14 – اعتمد صدام حسين نظام حوافز مادية جيد وفعال ربط بين الابداع في العمل وزيادة الدخل والامتيازات المادية فتطور العمل المبدع وتقدم .

15 – نجح العراق في أقامة صناعة عسكرية متطورة وباهداف طموحة .

ب – الانجازات السياسية :

1 – كانت مشكلة الصراعات بين القوى الوطنية هي ام مشاكل العراق منذ ما بعد ثورة 14 تموز عام 1958 ، لذلك كان قرار الحزب هو وضع حد لهذا الصراع العراقي – العراقي ، من خلال اقامة الجبهة الوطنية والتقدمية ، وتحقق ذلك بالفعل ولو لسنوات قليلة ، لان عقلية الانفراد بالسلطة كانت مازالت الثقافة السائدة لدى اوساط عراقية مهمة وكان تحالفها غالبا تكتيكيا وليس ستراتيجيا ، فافسدت تلك التجربة التي لو نجحت لكان ممكنا ان يتجنب العراق الكثير مما تعرض له .

2 – حل القضية الكردية جذريا بالاعتراف بالقومية الكردية كقومية شقيقة للقومية العربية واقامة الحكم الذاتي ترجمة لذلك الاعتراف ، وبذلك برز تمييز دقيق وصحيح بين المشكلة الكردية والقضية الكردية في العراق ، فلئن كانت هناك مشكلة كردية ، نتيجة عدم تلبية مطالب الحركة الكردية المسلحة باقامة حكم ذاتي يعبر عن خصوصية الاكراد المشروعة ، فان حلها بالاعتراف بوجود قومية كردية ونيلها حقوقها ، ينهي القضية الكردية ويفترض انه أيضا ينهي ايضا المشكلة الكردية التي هي نتاج وجود قضية كردية ، ويضعها على مسار تطبيع وضعها داخل العراق ، اذا كانت المطالبة بالاعتراف بالقومية الكردية منزها من الغرض السيء والاهداف الخارجية التي لاصلة لها بحقوق الاكراد . نعم لقد حلت القضية الكردية ولكن  الاهداف الاستعمارية (الغربية والاسرائيلية والايرانية ) ابقت المشكلة الكردية كوسيلة لاستنزاف العراق ومنعه من اكمال بناء مشروعه النهضوي القومي الشامل ، وهي حقيقة تجسدت بوضوح في دور العصابات الكردية في تسهيل غزو العراق والحاق الدمار بدولته .

3 – طبق صدام حسين شعارات العروبة باشكال تمهيدية كبيرة ومهمة جدا تمثلت في مساعدة الاقطار العربية الفقيرة ماديا وتكنولوجيا وعسكريا وطبيا وعلميا ، وعمل على اقامة تكامل صناعي عربي يوفر لكل قطر عربي امكانية تحقيق قفزة نوعية عصرية ، وشارك العراق في معارك العرب الكبرى في الاردن وفلسطين وسوريا ومصر ، واقام مجلس التعاون العربي بالتنسيق مع مصر واليمن والاردن ، وقبلها اراد اقامة الوحدة مع سوريا لكن تعقيدات العلاقات افشلت ذلك المسعى . وفتح العراق الابواب امام اكثر من ستة ملايين عربي ( من مصر والمغرب ولبنان والسودان وغيرها ) للعمل في العراق ومساواتهم مع العراقيين قانونا وواقعا ، مجسدا قناعته بان الوطن العربي واحد وان الحدود مصطنعة ويجب ان تزول . وساعدت هذه الخطوة الكبيرة على تخفيف المشاكل الاقتصادية والسكانية في اقطار عربية عديدة وتوفير البيئة الصحية لتقارب مواطني الاقطار العربية وتعزيز الشعور القومي بانهم ينتمون لامة واحدة .

4 – قدم العراق دعما كبيرا لحركة عدم الانحياز وعمل على تعزيز دورها في مواجهة الاستقطاب الثنائي الدولي وقتها ، وفي هذا الاطار قدم دعما ماليا كبير تمثل في المنح المالية للدول الفقيرة والقروض بلا فوائد او بفوائد منخفضة عن المعدلات الرسمية او بتقديم النفط لها مجانا او باسعار رمزية .

هذه بعض انجازات صدام حسين الكبيرة في العراق ، هي في الواقع استثنائية ومهمة جدا ويكفي أي واحد منها لادخال صدام حسين تاريخ الانجازات الكبرى في العالم ، فازالة الفقر وحده انجاز تاريخي نادر ، وازالة الامية وحده انجاز كبير ومفخرة ، وبناء جيش العلماء والمهندسين وحده مفخرة اخرى ، ومجانية التعليم وحدها مفخرة كبيرة ، ومجانية الطب وحدها من اعظم احلام كل انسان ...الخ . اذا عددنا مفاخر صدام حسين فاننا سنصل الى قناعة تامة بانه قام بدور عشرات القادة التاريخيين العظام وليس بدور قائد عظيم واحد فقط  ، وهنا تكمن العظمة الفائفة الندرة والاستثنائية الاهمية لدور صدام حسين في التاريخ الانساني الحديث والقديم .

                         ولادة اسطورة حية بمولد نووي

ولئن كانت انجازات صدام حسين ، التي ذكرناها ، تشكل مصدر اعتزاز وفخر لكل عراقي عاش عصر صدام حسين وشارك في بناءه ، فان مفخرة اسر واستشهاد صدام حسين تتجاوز كل مفاخره الاخرى السابقة لها ، لانها قدمت للانسانية رمزا خطيرا يستبطن في آليات تأثيره قدرة هائلة على التحشيد وتوفير الطاقات المعنوية والحجج المنطقية لاختراق الحواجز التي وضعتها ، او ستضعها القوى المعادية للامة العربية ، لمنعها من التحرر وتحقيق الوحدة العربية .

لقد كانت الامة العربية والانسانية جمعاء بحاجة لرمز حي ، وليس لرمز اسطوري ، يساعدها على مواجهة عصر عبودية جديد دشنته امريكا ، يقوم على استعمار العالم واذلال البشرية كلها باستخدام منطق القوة الغاشم ، وهو منطق يذل الانسان بقهره واجباره على قبول ما لا يريد ، وبمساعدة رشوة الدولار ، وهو اسلوب يزرع في اعماق الانسان الشعور بانه حقير لانه مقابل اخذ الدولار تخلى عن شرف الكلمة ، فوجد العالم نفسه يواجه اخطر عصر فساد في  تأريخه كله ماتت بسببه ضمائر حكام وجندت الاف النفوس كمرتزقة يقتلون  الشرف والكلمة والحرة ، ويبنون عصر عبودية قاعدته الرسمية الكذب وبيع الضمير ، فكان طبيعيا ان تحيّد ارادة ملايين البشر نتيجة الخوف او التجهيل المتعمد ، ويقترن عصر الفساد المنظم بانفراد امريكا بالضحايا الذين يموتون بالالاف يوميا قتلا واغتصابا وغما دون استجابة لصرخات النجدة وبلا تعاطف حقيقي ظاهر او كاف !

من هنا كان العالم بحاجة لقلبه جذريا  وايقاظ الضمائر التي نوّمت واعادة تحشيد الخيرين في معسكر مقاتل ضد الاستعمار الامريكي . وهذه العملية تحتاج لقوة روحية جبارة غير عادية لا تتحرك الا بفعل داينمو نووي لا تنضب طاقته لقرون ، يحرك ما هو جامد وهامد الان ضد امريكا ويدفعها من حافة الهاوية التي تقف عليها الى القعر ، وكان هذا المحرك النووي الجبار هو التضحية المطلقة بحياة صدام حسين ، لقد قرر صدام حسين ان يدفع حياته ثمنا لحرية وتحرر الانسانية وكان قراره مدروسا بهدوء لمدة تزيد على 16 عاما منذ عام 1989 .

ومن اراد فهم مانعنيه بدقه فعليه طرح السؤال التالي والجواب عليه : هل يوجد مشهد واقعي رآه ملايين الناس ولكنه اقوى من الاساطير في شجاعة بطله ، التي لم يقرأ عن مثلها احد في كل اساطير الاقدمين ؟ الجواب هو اننا لم نرى مشهدا واقعيا في العالم كله وفي التاريخ الانساني كله قريب من الاسطورة ، لان الاسطورة كانت في اصلها تقوم على المبالغة في اظهار قوى الهية وبشرية ونصف الهية ، لتكون محركا وعضة للناس الاتين بعدها والذين لا يعرفون عنها سوى السطور المكتوبة ، اما وجه البطل الاسطوري فهو متخف خلف اوصاف غير انسانية والاهية غالبا لاكمال رهبة البطل الاسطوري .

من هنا فان البطل الاسطوري الذي قرأنا عنه لم يره احد فعلا ولم يتعاطف احد مع درامية وجوده الافتراضي وبطولته المذهلة وموته الكارثي ، بل قرأ الجميع عنه ، ولذلك فهو صورة افتراضية ومعنى مجازي ، وفي هذا الاطار تقع اسطورة جلجامش وصديقه انكيدو وغيرها من الاساطير المختلفة. وهنا تكمن فرادة واستثنائية اسطورة صدام حسين ، فهو انسان مادي وواقعي عاش بيننا وتنفس الهواء مثلنا ، بعضنا شيطنه فكرهه ، وبعضنا عرفه على حقيقته فاحبه واحترمه ، واختلفنا حوله وتقاتلنا : بعضنا كان في معسكره وبعضنا في المعسكر المضاد له ، انتصر وتقدم وتقدمنا معه ، وقيد وحوصر فحوصرنا معه . هل توجد هنا اسطورة ام واقع ؟ انه واقع وهنا نواجه واحدة من اعظم المفارقات والاشكاليات التي صنعتها فرادة دور صدام حسين في كل التاريخ الانساني ، فالاسطورة هي نقيض الواقع لانها مبنية على قصص غالبها رمزي وغير موجود في الواقع ولم يثبته احد بدليل حاسم ، فكيف يمكن لصدام ان يصبح اسطورة وهو انسان عاش بيننا ؟

                             صدام اقوى من الاسطورة

لقد لوى صدام حسين ، مرة اخرى واخرى طبقا لوظيفته التاريخية الاولى ، المنطق العادي التقليدي ومسار التاريخ وقدم لنا اسطورة حية معاشة . انها اسطورة لانها في جوهرها البطولي تخرق المألوف في الشجاعة الفروسية ، مادامت الاسطورة هي عملية اضفاء صفات مستحيلة على البشر ، وشجاعة صدام في اسره ، والتي توجها باستشهده الفريد ، تجاوزت معنى البطولة التي قرأنا عنها في الاساطير . صدام هنا اشجع من جلجامش ، الذي بكى على صديقه انكيدو ، حينما رأه مقتولا بعد صراعه مع الثور السماوي ، في لحظة وجد انساني عميق تناقض طبيعة البطل الاسطوري المتعالية على الضعف الانساني ، لان صدام لم يبكي رغم انه عانى من كوارث امة كاملة وقتل الملايين وليس قتل صديقه فقط . وصدام اشجع من جلجامش الذي ارتعب وهو يرى انكيدو ميتا وجسده يتحلل فقرر البحث عن الخلود خوفا من الموت ، بينما صدام لم يرتعب من الموت ولم يحاول الهروب منه بعقد مساومات عرضت عليه لضمان حياته ، بل رفضها بكبرياء انسان يعد الكرامة اغلى من الحياة ، والوطن الحر اهم من تنفس الهواء الفاسد في وطن محتل . وصدام لم يبحث عن نجاة من موت مشرف بل سعى سعيا مخططا وحثيثا اليه بعكس جلجامش الذي رحل الى غابة الارز بحثا عن النجاة من الموت الحتمي . ووجه صدام لم تغيب الابتسامة عنه حينما سمع حكم الموت عليه بل هتف بحياة وعروبة فلسطين رمزا لشرف الامة وكرامتها ووجودها ، في حين ان جلجامش حزن حينما سرقت منه الافعى نبتة الخلود التي وجدها في قعر البحر بعد رحلة مضنية ومخاطر كبيرة ليضمن حياته الارضية .

فمن الاشجع والاقدر على التحمل : اعظم بطل اسطوري عرفه العالم في الكتب فقط وهو جلجامش ام صدام حسين الذي عاش بيننا ومات من اجلنا جميعا ؟ بالتاكيد انه صدام حسين الذي رأيناه شهيدا عظيما وبطلا فارسا كامل المواصفات وهي حالة لم تتوفر اطلاقا في بطل سابق لصدام سواء كان اسطوريا ام واقعيا . صدام وحده من بين كل ابطال التاريخ من جمع البطولة من كافة اطرافها ولمل مكونات الشرف الرفيع من كافة مصادره،  واكمل مقومات اعتزاز الانسان بكرامته بصفتها اهم صفات الانسان الاتي الانسان المتفوق . انها الحكمة الالهية التي كرمت صدام ليكون هو وليس غيره من يكمل صفات الانسان كما اراده الله بخطوة جبارة عظيمة هي الارتقاء بقدرة الانسان الى مستوى الاعجاز في البطولة والتضحية .

                            صدام اكمل معايير الاستشهاد

انظروا لابطالنا الواقعيين ، ولنأخذ سيد شهداء اهل الجنة الامام الحسين عليه السلام ، والذي اصبح رمزا لنزعتنا الاستشهادية وعنوانا لشرفنا وعزة نفسنا ولتمسكنا بالمبادئ : ماذا حصل له لحظة استشهاده ؟ لقد انتابت الامام الحسين لحظة حنين للحياة عند اقتراب استشهاده  حينا طلب من قاتليه السماح له بالعودة من حيث اتى بدلا من قتله ، وطلب من جلاديه قطرة ماء لاطفاله الذين كانوا يحتضرون عطشا ، فهل فعل صدام هذا ؟ حتى اللحظة الاخيرة بقي صدام صادا بحزم الحنين الطبيعي والغريزي للحياة ، ومصرا على حرمان جلاديه من الشعور بالبهجة لاظهاره أي ضعف حتى لو كان مشروعا ، فلم يعرض هو عليهم مغادرة العراق مقابل حياته ، بل هم عرضوا عليه ذلك ، فرفض وقال : ولدت في العراق وساموت بين ابناء شعبي ! بل انه لم يطلب قطرات ماء لعائلته ابدا على حساب الوطن والمبادئ وتركها في رعاية الله مشردة في اطرافها !  

لماذاحصل ذلك مع صدام حسن ولم يحصل مع سيد شهداء اهل الجنة ؟ بالتاكيد فان الامام الحسين هو سيد صدام حسين لكن المسألة تتعلق بحكمة الهية مباركة ، وهي ان ضرورات الوجود تترتب بتدرج منطقي وتخضع لسياق محسوب دون ان يعني ذلك افضلية من اتى فيما بعد على من سبقه . لنوضح هذه المسألة الحساسة . حينما اغتيل الامام الحسين كانت الامة في مرحلة مخاض عميق يبشر بانتقالها من حالة الى حالة متقدمة اخرى ، لذلك تصارع القادة على السلطة من اجل ان تبنى الدولة الاسلامية لنشر الرسالة في العالم . وفقا لتلك الحالة كانت الامة في حالة نهوض وليست في حالة تراجع او انهيار ، كان الاسلام قوة عظيمة فتية ملآت النفوس حماسا واستعدادا للموت في سبيل الله ، وتبعا لذلك كان التنافس على السلطة يخضع لقاعدة من يستطيع خدمة الاسلام افضل ومن يمثله على نحو اصدق . وفي ضوء ما تقدم فان استشهاد الحسين كان جزء من عملية نهوض الامة واثناء العمل لتوفير مقومات انطلاقها العظيم ، وفي اجواء تداخل الخنادق بين المتقاتلين على السلطة ، وكلهم كانوا ينتمون للصحابة .

 بسبب هذه الحقيقة فان الحس الاستشهادي يخضع لحدود تقررها طبيعة الصراع ، فصراع عربي مع عربي ومسلم مع مسلم لا يخضع للعوامل السايكولوجية ذاتها ، من حيث التحدي والاصرار ، التي يخضع لها صراع العربي مع اجنبي غربي او استعماري او رومي حسب تعابير ذلك الزمان . ان تداخل الخنادق بين المسلمين ووجود عوامل مشتركة بينهم ، عائلية وقبلية ودينية ، وكون العداء نشب حول من يحكم ، وليس من هو كافر ومن هو مؤمن ، انزل مرتبة الاستشهاد الى صراع ضمن اسرة واحدة وضمن ديانة واحدة وضمن قبيلة واحدة ، وهو وضع يسمح بالمرونة في التعامل بين الخصوم عند الحسم او المنعطفات الخطيرة ، وهذا هو التفسير المرجح ، من جهة نظري ، لطلب الامام الحسين السماح له بالعودة من حيث اتى وعدم قتله ، فهو كان يتعامل مع مسلمين انتزعوا الحكم منه دون وجه حق وهم يرتبطون به بصلات رحم سواء كانت بعيدة او قريبة ، وهذا ينطبق أيضا على قبول الامام علي كرم الله وجهه للتحكيم .

 بينما كان العدو لصدام حسين هو الرومي ، أي الغرب والصهيونية وايران،  وهم اعداء تقليديون للعرب ولا توجد قواسم مشتركة معهم لا دينيا ولا ثقافيا ولا عائليا، لذلك فان طلب التراجع من هذا النوع من الاعداء يمس بالكرامة ويخرق المبادئ ويشكك بصدق ايمان العربي بوطنه . هذا الفرز والتمييز الدقيق بين الخنادق في معركة صدام مع التحالف الصهيوني الامريكي الايراني وتداخل الخنادق في معركة كربلاء هو الذي يفسر الفرق في رد فعل صدام رضي الله عنه ورد فعل الحسين عليه السلام .

لقد كانت الامة في زمن الحسين تتحفز للتقدم وتغيير العالم فهي كانت في حالة هجوم ، من هنا   فانها كانت تتعامل مع عوامل الخلاف بمنطق من يريد ان يزيله للتفرغ للمهمة الاكبر وهي نشر الرسالة ، وهي حالة نفسية تسمح بارتكاب جرائم كجريمة اغتيال الشهيد الحسين باسم الرسالة . اما في زمن صدام فان الامة في حالة تراجع وتفكك والعدو ليس من بيننا ، بالدرجة الاولى ، وانما هو العدو التقليدي المشترك للامة عبر مئات السنين ، وهو الصهيونية وامريكا وايران ، لذلك فان حدود الصراع مرسومة بدقة وامكانية ابداء مرونة معدومة لانها تعني الخيانة ، خصوصا وان الامة بحاجة لهزات قوية كي تستفيق وتواجه العدو وتوقف التدهور والتفكك .   ومن اجل تأمين دوافع تحريكية للامة في زماننا كان يجب ان تكون البطولة الاستشهادية بلا مرونة وبلا تراجع وبلا مشاعر انسانية مشروعة ، لانها تصبح مدمرة اذا سادت اثناء العمل  لتحويل الامة من حالة التراجع الى حالة الهجوم . والتقط صدام حسين هذا المعنى التاريخي وبنى عليه واتخذ القرار التاريخي بان يكون استشهاده اقوى هزة واعظم زلزال يحرك الامة ويدفعها نحو البعث والانقلاب على واقعها الفاسد ، وهذا الامر لن يتحقق الا بعملية استشهاد فريدة في التاريخ ، تتجاوز في بطولتها قصص الاساطير المعروفة من جهة ، وتكمل معايير الاستشهاد الواقعي وترتقي بها الى مستوى اعلى من تلك التي وردت في القصص الواقعية للاستشهاد في تاريخنا العربي – الاسلامي ، من جهة ثانية .

التدرج والتعاقب في بناء نماذج الامة التي نقتدي بها هما استجابة للواقع ومعطياته وخضوع لمنطق الحياة وقوانينها وسيرا وفقا لحكمة الهية عظيمة . لقد اكمل صدام حسين الرمز الذي قدمه الامام الحسين في سياق تقدم قيم الامة الاستشهادية ، بغلق منافذ العاطفة الانسانية      ( حب البقاء ) بشدة وحزم واختيار الموت بشغف لا يفهمه الا من يقرأ واقع حال الامة العربية الان . وهكذا ولد صدام الرمز الخالد والاستثنائي في بطولته ومعانيها والذي جمع اطراف المجد والفروسية والايمان بالله والوطن واحترام كرامة الانسان .

                           خياراتنا : وراء الرمز حتى النصر

حينما نفهم استشهاد صدام حسين على هذا النحو نضع انفسنا في قلب التاريخ الذي يصنع الان ، مشاركين في وضع اسس حضارته الجديدة ومعاييره وقيمه المقدسة ، فنحن الذين كرمنا الله وشرفنا بان نعيش في حقبة صدام وان نكون من بين جنود صدام ورفاق صدام ، وتوج مسيرتنا بان ندافع عن مبادئ صدام ونواصل حملة رسالته الخالدة ، بعد استشهاده ، ملزمون بان نتمسك بخلق صدام وان نطهر انفسنا بالشهادة ، كما طهر صدام بيئتنا باستشهاده . هذا الشرف هبة ربانية لنا نحن المناضلون من اجل تحرير العراق كبداية لتحرير الامة العربية كلها من الطاغوت مهما كانت تسميته ، ولا يجوز ان يتحول الرمز الاستشهادي الى مجرد فخر بلا عمل حثنا صدام عليه قبل استشهاده ، وهو الان بصفته شهيدا حيا يحثنا عليه اكثر مما مضى .

وما نقوله الان للعالم باوضح التعابير وادقها واصرحها هو انه لو لم يكن للبعث أي انجاز غير ولادة صدام من رحم البعث لكفانا ذلك فخرا وعزا وانجازا ، ولو لم يكن صدام هو هدية البعث للامة والانسانية لكنا حزب صدام بامتياز كامل ، لكن البعث هو صانع صدام وصدام هو مطور البعث ومعزز ومكمل مسيرته ، لذلك فان التمازج بين البعث وصدام هو كتمازج اسطورة صدام ووجوده الواقعي . ويجب ان نكررالقول باننا لو لم نكن بعثيين قبل الغزو وقبل استشهاد صدام لاصبحنا بكل الشرف والفخر بعثيين الان .

هل هذه عاطفة ؟ نعم وكلا ، نعم انها عاطفة لكنها الانبل من بين عواطف البشر ، لانها تقوم على الاحتفاء بالرمز الاستشهادي العظيم لامتنا ، وكلا لانها ليست محض عاطفة وانما هي اختيار حاسم وثابت مبني على الفضائل والانجازات الاستثنائية التي صنعها البعث خصوصا تحت قيادة صدام . فنحن البعثيون ننفرد باننا اول من بنى الانسان وعمر الحجر في العراق الحديث ، وانجح من نفذ مشروع نهضة الامة كما وضحنا ، لذلك لدينا وثائق ووقائع تدعم افضليتنا في الخدمة العامة والانجازات ، فلماذا لانفخر ببعثيتنا وصداميتنا ؟

وانا واثق كل الثقة من ان أي انسان طبيعي رأى صدام لحظة استشهاده يرسم بهدوء ابتسامته الخالدة على محياه الوسيم ويردد الشهادتين ، كأنه في مسجد الكوفة يؤدي الصلاة العادية خلف الامام علي كرم الله ، انتابته مشاعر اعجاب دافق بصدام ، واكتشف من كان معاديا له انه مارس ذنب رمي المحصنين بما ليس فيهم ، وتمنى ذلك الشخص ان يكون من اتباع صدام وان يكون مثل صدام في بطولته وتمسكه بمبادئه وحقوق عراقه وعروبته ، لسبب بسيط هو ان بطولة كبطولة صدام لا تنبع من فراغ بل من مصدر قيمي واخلاقي ومبدأي لابد ان يكون عظيما وصحيحا .

بأختصار : ما معنى بطولة صدام الخارقة ؟ حينما يقبل انسان ما على الموت بالطريقة التي اختارها صدام لا يمكن ان يكون ذلك الا نتاج تربية راسخة مبنية على مبادئ عظيمة وشريفة تغلب في الانسان الاستعداد للموت على حب الحياة ، وهو اغلى هبات الله ، فالموت ليس خسارة وظيفة او مال او زوجة او ولد انه انهاء الحياة ، لذلك فان القدرة على اختيار الموت من اجل قيم ومبادئ واهداف وطنية وقومية ودينية هي من صفات القديسين وابطال استثنائيين روحهم طاهرة ومطهرة وخلقهم قويم ودوافعهم نبيلة . ربما يقول البعض ( ولكن صدام أخطأ ) ونحن نرد بالقول : انك تشرك بالله لانه هو وحده الكامل المنزه من العيوب . ان ملحمة الوجود كلها تقوم على التطهر من الاخطاء والتغلب على الانانية والتقدم نحو المخلوق الاقل انانية ونقصا ، وصدام حسين قدم لنا انموذجا عظيما لهذه العملية الارتقائية النادرة في التاريخ بتضحيته بناسوته من اجل الارتقاء بلاهوته .

أيها البعثيون : ارفعوا رؤوسكم اعلى فاعلى ، فخرا وثقة بالنفس وبصحة المبادئ البعثية لانكم رفاق سيد الشهداء صدام حسين ، ولكن عليكم ان لا تركنوا لذلك وتتساهلوا في الجهاد وبل يجب مواصلته وتصعيده احتراما لذكرى شهيدنا الاسطورة الحية صدام حسين ، الم يقل لنا في رسالة استشهاده بانني اكملت رسالتي وعليكم ايها البعثيون ان تواصلوا المسيرة من بعدي ؟

salah_almukhtar@gawab.com

 

                                      شبكة المنصور

                                    01 / 05 / 2007

لمناسبة ميلاد سيد الشهداء : الوجه الحقيقي لصدام