بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

ثغرات سياسيَّة في مبادرة الشيخ حسين المؤيَّد

 

 

شبكة المنصور

سعد داود قرياقوس

 

أطلق السيِّد الشيخ حسين المؤيَّد مبادرة سياسيَّة حملت عنوان: "مبادرة المرجع الديني آية الله الإمام الشيخ حسين المؤيِّد ‏لحلِّ الأزمة الحاليَّة في العراق"، نشر نصَّها موقع "الكادر" ومواقع عراقيَّة أخرى في الثامن عشر من آب الجاري. هدف المبادرة، وفقًا لما ورد في مضمونها، ينصبُّ على إيجاد حلٍّ للأزمة العراقيَّة من خلال "منح الشعب العراقي فرصة ليتحمَّل المسؤوليَّة، وليُصاغ الحلُّ بناء على إرادته" عبر استفتاء شعبيٍّ عام على العمليَّة السياسيَّة بصيغتها الراهنة، أو صيغ بديلة بشكل يقود إلى تحديد "المسارات المستقبليَّة للوضع السياسي في العراق."

الملفت في "المبادرة" تزامنها مع اللهفة المفاجئة لتدويل قضيَّة العراق، وتناغم  مضمونها مع بيانات صدرت مؤخًّرًا عن "تشكيلات" عراقيَّة سياسيَّة عاملة خارج القطر تضمَّنت ترحيبًا بدور للأمم المتَّحدة في العراق، إثر صدور قرار مجلس الأمن   1770، ومع ما صدر من دعوات لعقد مؤتمرات دوليَّة وإسلاميَّة وعربيَّة لإيجاد حلٍّ  للأزمة العراقيَّة.

الشيخ المؤيَّد، ومن دون أن نبخسه حقَّه أو نقلِّل من جهده ونواياه في التعبير عن قناعاته السياسيَّة، للأسف، لم يحالفه التوفيق في "مبادرته" لما احتوته من ثغرات سياسيَّة وتنفيذيَّة/إجرائيَّة. فإلى جانب عدم واقعيَّتها وافتقارها إلى آليَّات تضمن تحقيق نتائج ملبِّية لمصالح شعبنا، واستحالة قبول فصائل المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة بها، فإنَّ الفجوة الأكبر والأكثر أهمِّيَّة فيها، تكمن في استنادها على تحليل غير صائب، ومناقض لطبيعة الصراع الدائر في العراق وعناصره، بالإضافة إلى كونها لا تقدِّم حلًّا جذريًّا للتخلُّص من قيود الاحتلال الأمريكي- الإيراني المزدوج وتبعاته، وأهمُّها عمليَّة واشنطن السياسيَّة.

تطرح هذه المساهمة تساؤلات وملاحظات تشكِّل في مجموعها موقفًا رافضًا لمضمون

مبادرة الشيخ المؤيِّد الأخيرة. ونحن إذ نبدي ملاحظاتنا، وملاحظات من قد يساهم  في هذا الحوار لاحقً، نأمل أن يتَّسع صدر الشيخ لها ولنا، وأن ياخذها بعين الاعتبار، ويعيد النظر في مبادرته. ونظرًا إلى ما نكنُّه للشيخ من تقدير، نرجو بشحاعته المعهودة، أن يُقدم على خطوة غير مسبوقة في التجربة السياسيَّة العراقيَّة، ويسحب مبادرته لكونها لا تقدِّم حلاًّ جذريًّا للتحدِّيات التي يواجهها شعبنا من جرَّاء الاحتلال. على العكس من ذلك تمامًا، مع عدم الشكِّ إطلاقًا في مضمون المبادرة، وحرص الشيخ المؤيد ورغبته الصادقة في الحفاظ على مصالح شعبنا، فالمبادرة تنطوي على فجوة كبيرة يمكن استغلالها من الإدارة الأمريكيَّة وعملائها لتكريس الاحتلال ومكتسباته.

ما هي الثغرات السياسيَّة في مبادرة الشيخ المؤيَّد؟

قبل طرح جوهر المبادرة المؤلَّف من فقرتين، قدَّم لنا الشيخ المؤيَّد عرضًا غير موفَّق لطبيعة الصراع الدائر في العراق وعناصره وقواه الرئيسة. وهمش الصراع، وحوَّله من صراع ذات أبعاد وطنيَّة وإقليميَّة ودوليَّة إلى مجرَّد عقدة مستحكمة ما عاد بوسع "القوى السياسيَّة في العراق" حلَّها حلاًّ "موضوعيًّا ينطلق من  نظرة مجرَّدة ."

مبادرة الشيخ المؤيَّد، قدَّمت معادلة أزمة غريبَّة بعيدة عن واقع الصراع. فأزمة شعب العراق إستنادًا إلى تحليل الشيخ المؤيَّد، ناجمة عن فشل طرفي المعادلة  "القوى السياسيَّة" في تأمين موقف شعبي حاسم من مجمل العمليَّة السياسيَّة وتركيبتها، ومن جرَّاء عجزهم عن الوصول الى اِّتفاق بشأنها، فالقوى "السياسية الممسكة بالسلطة والمتشبَّثة بالشرعيَّة الانتخابيَّة" ترفض العودة إلى نقطة البداية، والشروع ببناء جديد على أسس مختلفة." هذا الرفض، يقابله رفض القوى المعارضة للعمليَّة السياسيَّة التنازل عن موقفها المعارض للعمليَّة برمَّتها. الأزمة إذًا، وفقًا لرؤية الشيخ المؤيَّد، لا تتجاوز كونها نتاجًا لصراع قوى سياسيَّة عراقيَّة على مفردات العمليَّة السياسيَّة وتوجُّهاتها، وليست صراعًا دائرًا بين شعب محتلٍّ ومقاومته الشرعيَّة، وقوَّات أجنبيَّة محتلَّة متعدِّدة الجنسيَّات والأهداف، وكلُّ ما يرتبط بها من أحزاب وحركات طائفيَّة وعرقيَّة!

إنَّ محتوى "المبادرة" لم يعكس قصورًا واضحًا في فهم متغيِّرات معادلة الصراع وديناميَّكيته فحسب،  بل تجاهل بشكل يصعب فهمه وتفسيره دورالمقاومة والمقاومين، وتجنَّب ذكرهم وذكر الاحتلال ومأزقه وخططه. فالمبادرة لم تُشر ولو بطرف خفيٍّ إلى طرفي الصراع،  "سلطة الاحتلال" و "المقاومة". وأعتقد أنَّ الشيخ المؤيَّد لا يختلف معنا في حقيقة أنَّ أيَّة محاولة لعرض طبيعة الأزمة في العراق، وتقديم حلول ناجعة لها دون التطرُّق إلى طرفي الصراع الأساس، المقاومة الوطنيَّة وقوى الاحتلال،  تبقى محاولة ناقصة لا يمكن التعامل معها بجديَّة وموضوعيَّة. إنَّ مسلَّمات الاحتلال وطبيعة الصراع في العراق وهويَّتة العناصر المتصارعة بعد ما يزيد على أربعة أعوام ونيف من الاحتلال مشخَّصة وواضحة، ونستغرب تجاهل الشيخ المؤيَّد الواضح لها!  

لا جدال في أنَّ الصراع الدائر في العراق ليس صراعًا  بين أطراف سياسيَّة محلِّيَّة، بل صراعًا تدور رحاه بين فصائل مقاومة وطنيَّة  تتجسَّد فيها  كلُّ مقوِّمات الشرعيَّة الوطنيَّة والقانونيَّة والأخلاقيَّة، وقوَّات محتلَّة تساندها عصابات طائفيَّة وعرقيَّة تنفِّذ بتحجُّرٍ وحماس مشروع تغيير الهويَّة الوطنيَّة والقوميَّة لشعب العراق. فالجذور الحقيقيَّة للأزمة لا تمتُّ بصلة لعمليَّة واشنطن السياسيَّة في العراق. فشعب العراق وقواه الوطنيَّة غير معنيِّين بالخلاف الدائر بين باعة الوطن على اختلاف انتماءاتهم ومذاهبهم وأصولهم ومراجعهم على تفاصيل عمليَّة سلطة الاحتلال السياسيَّة. موقف القوى الوطنيَّة المناهضة للاحتلال من العمليَّة السياسيَّة واضح ومحسوم، فهي ترفض الاعتراف بها والتعامل معها بأيِّ شكل وصيغة، لكونها تأسَّست على معايير المحاصصة الطائفيَّة والعرقيَّة أوَّلاً، ولكونها عمليَّة غير شرعيَّة تأسست في ظلِّ احتلال غير شرعي ثانيًا، ولكونها تشكِّل أحد الأعمدة  الأساس  لمشروع المحافظين الجدد في العراق والمنطقة ثالثًا.

لم يحالف التوفيق الشيخ المؤيَّد أايضًا في استخدامه  مصطلح "حالة طوارئ لوصف المشهد العراقي. فهناك فرق شاسع بين "حالة  طوارئ" وبين "ظرف الاحتلال". شعب العراق لا يعيش حاليًّا "حالة طوارئ" كما ذهب إليه الشيخ المؤيَّد، بل يعاني من بطش احتلال أمريكي–إايراني مزدوج، ومن قمع وإرهاب عصابات طائفيَّة وعرقيَّة أفرزها الاحتلال، وفرضها على شعبنا من أجل  تدمير مقدَّراته وتفتيت وحدته التاريخيَّة وتغير هويَّتة  الوطنيَّة والقوميَّة.

ما هي الحلول التي يقترحها الشيخ المؤيِّدة لإنهاء الأزمة؟

من البديهي أن يقود الخطاء في فهم طبيعة أيِّ صراع ومحركاته إلى تقديم حلولٍ خاطئة وغير موضوعيَّة. وهذه البديهيَّة حاضرة في شطريها في مبادرة الشيخ المؤيَّد. لحل الأزمة الحاليَّة لشعب العراق،  يقترح علينا الشيخ المؤيَّد حلاًّ مكوَّنًا من فقرتين:

الأولى: عرض العمليَّة السياسيَّة بصيغتها الحالية وبإفرازاتها على ‏استفتاء شعبي عام خاضع لإشراف دولي، وتتَّخذ كلُّ الاجراءات المطلوبة ‏لضمان نزاهته. ويكون رأي الشعب القرار الفاصل الذي يحسم الأمور، ‏ويحدِّد المسارات المستقبليَّة للوضع السياسي في العراق.

ولا بد من توفير المناخ الصحيح، وبعيدًا عن الديماغوجيَّة بكلِّ أشكالها ‏ليعبِّر المواطن العراقي عن قناعاته، ويقرِّر ما إذا كان يريد للعمليَّة السياسيَّة ‏أن تستمرَّ بوضعها الحالي، أو يختار البديل، وهو تصحيح مسار العمليَّة ‏السياسيَّة، وبناؤها من جديد في ضوء الثوابت الوطنيَّة بعيدًا عن ‏المحاصصات الطائفيَّة والإثنيَّة والتكتُّلات التي تقوم على أسس دينيَّة أو ‏طائفيَّة أو إثنية .‏

الثانية: في ضوء نتائج الاستفتاء، يُصار إلى عقد مؤتمر دولي تحضره ‏كلُّ الأطراف الداخليَّة والخارجيَّة ذات العلاقة للخروج بمشروع عمل يُبنى ‏على أساس رأي العراقيِّين الذي أفرزته نتائج الاستفتاء. ‏ويصار إلى تطبيق هذا المشروع بإسناد ورعاية دوليَّة من خلال الأمم ‏المتَّحدة، وإسلاميَّة من خلال منظَّمة المؤتمر الإسلامي، وعربيَّة من خلال ‏الجامعة العربيَّة ‏"

لن نناقش جميع النقاط المتعلِّقة بالحل المطروح في الفقرتين أعلاه،  لكونه حلاًّ خاطئًا ناجمًا عن تحليل خاطئ لطبيعة أزمة شعب العراق، وبعيدًا عن كلِّ خصائص الواقعيَّة. وسندع جانبًا موضوع الإشراف والنزاهة، ودور الأمم المتَّحدة والأطراف الأخرى المدعوة للمساهمة في لعب دور في إنهاء أزمة العراق، باستثناء التساؤلات والملاحظات التالية:

1.    لن تتوفَّر في الاستفتاء المُقترح مقوِّمات الشرعيَّة الوطنيَّة أو القانونيَّة. فالقوانين والأعراف الدوليَّة تحول دون محاولة القوَّة المحتلَّة من تغيير الواقع السياسي والاجتماعي للبلد المحتل. لذا، أيُّ استفتاء أو اقتراع  يُنظَّم في ظلِّ الاحتلال لن تتوفَّر فيه مقوِّمات الشرعيَّة.

2.    يطالب الشيخ المؤيَّد في أن تكون نتائج الاستفتاء الشعبي ملزمة لكافَّة الأطراف. وعلى "الجميع حينئذ أن يخضعوا لإرادة الشعب ‏وقراره." فهل يتوقَّع الشيخ المؤيَّد حقًّا من شعب العراق وقواه الوطنيَّة المناهضة التخلِّي عن الحقوق الوطنيَّة والرضوخ لواقع الاحتلال وتبعاته، لمجرَّد أنَّ العصابات السياسيَّة المستفيدة من غطاء الاحتلال نجحت في حسم الاستفتاء لصالحها بشكل أو بآخر! إنَّ الشيخ المؤيَّد يدرك تمامًا من خلال دراسته للتجربة الإنسانيَّة بأنَّ مصائر الشعوب المحتلَّة لا تُحدَّد عبر استفتاءات تشرف عليها منظَّمات عقيمة، وبأنَّ مستقبل الأجيال القادمة لا يمكن تحديد سماته بالنسب المئوية، بل عبر مشاريع وطنيَّة مستندة على المقاومة وثقافتها، ومن خلال تعبئة الجماهير على رفض الاحتلال وتبعاته ومقاطعة مؤسَّساته بشكل قاطع .

3.    من الواضح أنَّ الشيخ المؤيَّد المعروف في حرصه الوطني ومواقفه الرصينة لم ينتبه الى أنَّ مقترح الاستفتاء يتضمَّن ثغرة خطرة تستطيع إدارة الاحتلال والعصابات المتجحفلة معها استثمارها لتكريس الاحتلال وفرض عمليَّته السياسية على شعب العراق. باستطاعة سلطة الاحتلال والأحزاب العميلة المتحالفة معه ولأسباب معروفة تضليل شرائح كبيرة من الشعب، وتأمين نتائج تخدم مشروعها ومكتسباتها، وبالتالي استخدام نتائج الاستفتاء  لتقوية مواقعها وزيادة مكتسباتها.

من نافلة القول انَّ مبادرة الشيخ حسين المؤيَّد، مع تقديرنا الشخصي له ولمواقفه، تعاني من أكثر من ثغرة جوهريَّة، وأنَّ هدفها لا ينصب على دحر الاحتلال الغاشم وكل افرازته  السياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، بل هدفها، ينصبُّ على  تصحيح مسار العمليَّة السياسيَّة، وبالتالي، فإنَّها لا توفِّر حلاًّ جذريًّا  لمأساة شعب العراق. وعليه فإنَّ مقترح الشيخ المؤيَّد في استفتاء شعب العرق على طبيعة العمليَّة السياسيَّة ومكوِّناتها، خاطئ، ولن يحظى في تقديري بموافقة شعب العراق وقواه المناهضة للاحتلال.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الجمعة / 24 / أب / 2007