بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

قرار مجحف ودعوات مشبوهة

 

 

شبكة المنصور

سعد داود قرياقوس

 

لعلَّ أكثر حقائق التاريخ قوَّة حقيقة كون الأحداث الكبرى لا تولد من رحم المصادفة، فالتاريخ وأحداثه لا يمتُّون إلى تلك بصلة. والأحداث السياسيَّة كقرارات مجلس الأمن لا تولد كنتاج عرضٍ لتفاعلات سياسيَّة آنيَّة، أو كمخاض مرحليٍّ في مُعزل عن السياق التاريخي للحدث أو ضرورات مراحله المستقبيَّلة. سبق للرئيس الأمريكي فانكلين روزفلت أن عبَّر عن هذه الحقيقة حين قال: "في السياسة لا شئ يحدث بالمصادفة، وإذا حدث شئ ما، فمن المؤكَّد كان مُخَّططًا له أن يحدث بذلك الشكل."

وقرار مجلس الأمن 1770 المتعلِّق بالشأن العراقي، لم تفرزه المصادفة التاريخيَّة، ولم يأتِ كنتاج لحلم من أحلام ليالي الأمين العام الصيفيَّة في نيويورك، بل صدر بعد مداولات طويلة بين اللاعبين الكبار منهم والصغار، وبعد زيارات كوندليزا رايس وروبرت غيتس للمنطقة، وسلسلة الاجتماعات والمؤتمرات الدوليَّة والإقليميَّة. وفكرة عقد "اجتماع دمشق" الفاشل لم تكن بعيدة عن هذا المخطط.

هذا القرار المجحف يشكِّل إعلانًا عن بداية مرحلة جديدة سيدفع شعب العراق تكاليف فشلها المؤكَّد. الهدف الأساس منه تخفيف قبضة المقاومة والمقاومين على أعناق الغزاة، وأهمُّهم الرئيس الأمريكي "المعزول" بوش، ومساعدة الإدارة الأمريكيَّة على التملُّص من مسؤوليَّاتها القانونيَّة تجاه شعب العراق، وغسل أياديها الملطَّخة بدماء شعبنا، وإلقاء التبعات على الآخرين، وتسهيل مخطَّط الانسحاب العسكري طويل الآمد، وتخفيف السيطرة الأمريكيَّة الإداريَّة المباشرة على العراق دون أن تخسر مكتسباتها النفطيَّة، بالإضافة إلى مساعدة اللاعبين الآخرين في الحصول على جزء من "الكعكة العراقيَّة"، ومشاركتهم في الاستثمارات النفطيَّة بعد احتكارها من قبل الشركات النفطيَّة الأمريكيَّة خلال المرحلة المنصرمة للاحتلال.

اذا كان صدور قرار مجلس الأمن بعيدًا عن المصادفة، فإنَّ اللهفة التي أبدتها أطراف عراقيَّة لإنجاح ما أُطلق عليه: "التدّخُّل الأممي"، والدعوات لعقد "مؤتمر دولي" عن العراق بإشراف "نزيه" من الأمم المتَّحدة وتحت رعايتها، وبحضور بارز لممثِّلي الإرادة الوطنيَّة العراقيَّة من المقاومة الوطنيَّة المسلَّحة والقوى المناهضة والمقاومة للاحتلال كافَّة، لا تمتُّ للمصادفة بصِلة أيضًا. فأصحاب الدعوة ليسوا مطَّلعين على تفاصبل هذا القرار مسبقَّا فحسب، بل مشاركين بمستوى آو بآخر في تهيئة مستلزماته. ويبدو أنَّ "الجماعة" قد حزموا حقائبهم منذ وقت طويل في انتظار إشارة آمر الانطلاق. فالمؤتمرات والمبادرات والملفَّات البحثيَّة، وإعداد أطرٍ سياسيَّة تنفيذيَّة هامشيَّة لم تكن مجرَّد جهود وطنيَّة كما هو معلن! بل مساعيًا لتوفير خيار احتياطيٍّ يمكن للإدارة الأمريكيَّة استخدامه في الوقت الملائم بشكل يساعدها على تخفيف أعبائها دون أن تخسر مكتسباتها.

إنَّ الدعوة لإعطاء الأمم المتَّحدة دورًا فعَّالاً في الأزمة العراقيَّة، ولعقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتَّحدة في هذه المرحلة التي يتقهقر فيها الغزاة، وتنهار أعمدة مشروع الاحتلال، هي دعوة مشبوهة ومضرَّة بمصالح شعب العراق، وإسفين عميق في مسار قضيَّته الوطنيَّة. لا نفهم كيف يمكن للمطالبين بتفعيل دور المنظَّمة الدوليَّة أن يتغافلوا عن الدور المدمِّر لهذه المنظَّمة العقيمة في العراق! فالأمم المتَّحدة لم تكن مجرَّد منظَّمة لا حول لها ولا قوَّة تجاه جبروت القوَّة الكونيَّة الأوحد، بل شريكًا أساسًا في جميع جرائم استباحة شعب العراق، ابتداء من دورها في إطالة أمد الحرب العراقيَّة الإيرانيَّة، ومرورًا بتوفير الغطاء القانوني لجريمة جورج بوش الأب، وتبرير العدوان الثلاثيني على العراق، وفرض الحصار الجائر على شعبه وإطالته، والتغافل عن جريمة فرض مناطق حظر الطيران، وانتهاء بتوفير الغطاء للحرب الإجراميَّة على شعب العراق واحتلاله، وما نجم عنهما من دمار وتخريب وجرائم بشعة، بما فيها جرائم تفيتيت وحدة شعب العراق عبر تقديم معايير المحاصصة الطاثفية والعرقيَّة وتثبيتها، وتمرير الدستور الطائفي، والانتخابات المزوِّرة واللاشرعيَّة.

من الصعوبة فَهْم التناقض الكبير في موقف المطالبين بدور حيوي للمنظَّمة الكونيَّة في الشأن العراقي، فَهُم من جانب يدافعون عن براءتها وعن أدوراها السابقة في العراق، وبكونها لم تملك القدرة أو القوَّة على وقف المغامرات الأمريكيَّة الطائشة، ومن جانب آخر، يطالبون بمنحها دورًا حيويًّا لحلِّ أزمة شعب العراق! فإذا كانت الأمم المتَّحدة عاجزة وعقيمة، وهي فعلاً كذلك، فلماذا إذًا يطالبون بدور أمميٍّ لها في حلِّ أزمة شعب العراق وإنهاء الاحتلال؟ إنَّنا لا نستغرب صدور قرار جديد خلال الأيَّام القليلة القادمة، يتمُّ بموجبه تعيين "أخضر إبراهيمي" جديد كمبعوث للأمين العام! ولن نستغرب أيضًا تعيين منسِّق عام للتجمُّعات العراقيَّة الرافضة للاحتلال لتسهيل تمرير هذه المناورة الخبيثة!

إنَّ الدعوة الأخيرة التي أطلقها تجمُّع هامشيٌّ هجين لإعطاء دور للأمم المتَّحدة، وعقد مؤتمر دوليٍّ بإشرافها هي دعوة لا نستطيع وصفها إلاَّ بالخاطئة والمشبوهة. فشعب العراق لن يتحرَّر بالمؤتمرات الدوليَّة، أو وفق قرارات مجلس الأمن، بل من خلال العمل على تصعيد المقاومة العراقيَّة المسلَّحة، ومن خلال الموقف السياسي الصلب الرافض لكلِّ أنصاف الحلول، ومن خلال التعامل مع المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة كممثِّل شرعيٍّ وحيد لشعب العراق، وكمرجعيَّة وطنيَّة وحيدة موحَّدة لا شريك لها.

من الخطاء الاستهانة بهذه الدعوة المشبوهة، ومن الخطاء أيضًّا القبول بدور للأمم المتَّحدة لتحرير العراق. الهدف الأساس من قرار مجلس الأمن الأخير، هو تجفيف منابع المقاومة وواحاتها، وخلق شرخ بين المقاومين وحاضنتهم الوطنيَّة. وعليه يجب الوقوف بقوَّة وحزم لإفشال هذه المشروع الخبيث المشبوه.انه مشروع نقل الشعب العراق من حالة الوصاية الامريكية الى الوصاية دولية .

وعليه ، فان على القوى الوطنيَّة السياسيَّة الصادقة في مواقفها من الاحتلال وفي مقدَّمتها هيئة علماء المسلمين كهيئة وطنيَّة نؤمن بدورها كمحرِّك وطنيٍّ أساس في الموقف المضاد للاحتلال، والمؤتمر التأسيسي، وغيرها من الحركات والأحزاب الوطنيَّة المناهظة للاحتلال أن تعلن رفضها المطلق لأيِّ دور للأمم المتَّحدة لا يستند على ثوابتنا الوطنيَّة المُعبَّر عنها في برامج المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة ان لم يكن رفضه كليا . وعليها كذلك أن ترفض الدعوة لعقد أي مؤتمر دوليا كان ام اقليميا لا يمكن أن يخرج بنتائج محددة مسبقا وموافق عليها من قبل فصائل المقاومة علنا، نتائج تقود لحرِّيَّة شعبنا الكاملة، بما فيها حرِّيَّة اتِّخاذ القرار الاقتصادي الوطني، وحرِّيَّة السيطرة على ثروتنا النفطيَّة بشكل مطلق. والأهم من كلِّ ذلك، على فصائل المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة، الهدف الأساس من هذا القرار، أن تثبت موقفها الرافض لدور الأمم المتَّحدة، ولفكرة عقد المؤتمر للأسباب المثبتة أعلاه، وأن تحسم للأبد أدوار التجمُّعات المستعدَّة كلَّ الاستعداد للمتاجرة بدماء شعب العراق. ونحن في الانتظار.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاحد / 19 / أب / 2007