بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

بعض ما ينبغي أن يُقال!
ملاحظات في موضوع "الجبهة الوطنيَّة والقوميَّة الإسلاميَّة"
(الحلقة الرابعة)

 

 

شبكة المنصور

سعد داود قرياقوس

 

(1)

من يقف خلف فكرة تنظيم المؤتمر في دمشق وما هي الأهداف المتوخَّاة من عقده؟

ندع جانبًا الأسباب التي قدَّمها بعض أعضاء اللجنة التحضيريَّة لعقد المؤتمر، ولنتجاوز المبرِّرات التي تضمَّنتها دعوة اللجنة التحضيريَّة لأطراف سياسيَّة واجتماعيَّة مهمَّة لحثِّهم على المشاركة في المؤتمر، ولنركِّز على الدوافع الحقيقيَّة لعقده التي لا نتوقَّع من مهندسي فكرة المؤتمر على مختلف مستوياتهم الاعتراف بها.

هناك طرفان يقفان خلف فكرة عقد الاجتماع أو المؤتمر. جهة أساسيَّة قياديَّة تتمثَّل في القيادة السوريَّة ومؤسَّساتها. وجهة ثانويَّة تابعة تتمثَّل في جماعة خير الدين حسيب وحلفائهم من المتلهِّفين للتفاوض مع محتلِّي شعبهم. يضاف إلى الجهتين أطراف أخرى لا نعلم إن كانت قد ورِّطت في المشاركة في تنظيم المؤتمر، أم أنَّها ساهمت فيه استنادًا إلى حسابات خاصَّة.

ما هي أهداف القيادة السوريَّة من عقد المؤتمر؟

اعتقد أن ليس هناك من يمكن أن تصل به السذاجة ليتصوَّر إمكانيَّة عقد مؤتمر داعم فعليًّا للمقاومة الوطنية العراقيَّة، العدوِّ الأوَّل للولايات المتَّحدة الأمريكيَّة في عاصمة عربية، ودمشق تخصيصًا. فعقد مثل هكذا مؤتمر يشكِّل موقفًا معاديًا للولايات المتَّحدة تترتَّب عليه تبعات لانعتقد بأن الحكومة السوريَّة قادرة أو مستعدِّة لتحمُّلها. وفي أحسن الاحوال لا تتوفر مؤشِّرات على رغبتها في اتِّخاذ مثل هذا الموقف.

الحكومة السوريَّة، أسوة بالأنظمة العربيَّة الأخرى، سعت وما تزال للعب دور مهمٍّ في المنطقة. وهذا طموح مشروع ومفهوم. خلال العقود الخمس المنصرمة، تركَّز الدور السوري في المنطقة على القضيَّة الفلسطينيَّة والوضع اللبناني المعقَّد بشكل أساس. إلاَّ أنَّ هذا الدور شهد تراجعًا كبيرًا  خلال السنوات الخمس الماضية لأسباب عديدة تتعلَّق بالتطوُّرات التي شهدتها المنطقة، ولا سيَّما على صعيدالصراع العربي ـ الصهيوني، كتطبيع  بعض الأقطار العربية علاقاتها  مع الكيان الصهيوني، وبروز منظَّمة حماس، وتراجع  دور الفصائل السياسيَّة والمقاومة التي احتضنتها دمشق لزمن طويل، يُضاف إلى هذا كلِّه الانسحاب السوري من لبنان نتيجة لتحوُّل الموقف الدولي من التواجد السوري في لبنان.

هذه العوامل مجتمعة، قلَّصت من أهميَّة الدورالسوري في الملفَّين الفلسطيني واللبناني، وحوَّلته من دور أساس إلى دور ثانويٍّ يستمدُّ عوامل قوَّته وبقائه من تحالفه الاستراتيجي مع إيران أوَّلاً، ومن علاقاته بكلٍّ من حزب الله وحركة حماس، وبالحركات السياسيَّة الفلسطينيَّة واللبنانيَّة الرافضة لوجود الكيان الصهيوي، والمقاومة لمشاريعه.

تطوُّرات الاحتلال الأمريكي للعراق، ولا سيَّما  فشل الإدارة الأمريكيَّة في ترويض شعب العراق وقواه الوطنيَّة، وعجزها عن السيطرة على الملفِّ الأمني، وبالتالي فشلها في تأسيس "العراق الديمقراطي النموذج"، خلق فرصة للقيادة السوريَّة مشابه للفرصة التي حقَّقها فشل المحتلِّين لتجَّار السياسة العراقيِّين والعرب، وإن اختلفت الأهداف.

هذا الفشل الأمريكي في السيطرة على الجانب الأمني، أجبر الإدارة الأمريكيَّة المتغطرسة على التفكير في دخول في صفقات مساومة مع الدول المجاورة للعراق، سورية وإيران خاصَّة من أجل إيجاد حلٍّ لمأزقها مقابل منحهم بعض الامتيازات الإقليميَّة أو لتخفيف الضغط الأمريكي عليها.

إنَّ الحديث عن دورٍ سوريٍّ لتخفيف أزمة الإدارة الأمريكيَّة في العراق بات حديثًا مطروقًا من المسؤولين السوريِّين والأمريكان وغيرهم، وإن غُلِّف بمساعي السلام، وإيجاد حلٍّ لأزمة الشعب العراقي، ومحاربة الإرهاب وغيرها من العناوين والمسمَّيات!

المشكلة التي واجهت القيادة السوريَّة، وشكَّلت عائقًا أمام تفعيل دورها في العراق، تكمن في فقدانها امتدادٍ داخل المقاومة، وعدم قدرتها على التاثير في قراراتها، بالإضافة إلى عدم تأثيرها في الحركات والشخصيَّات السياسيَّة المناهضة للاحتلال المتمركزة خارج  الحدود السوريَّة. فليس غريبًا أن تسعى دمشق  لخلق مثل هذا الامتداد.

أوَّل جهود إيجاد الامتداد السوري، جاءت عبر تبنِّي مجموعة من المفصولين من حزب البعث العربي الاشتراكي ومساعدتهم على خلق تنظيم بديل من الحزب الشرعي في العراق. لكن سرعان ما بانت ملامح فشل هذه المحاولة بسبب عجز هذا التنظيم  الهامشي عن استقطاب الكوادرالبعثيَّة المتواجدة خارج سورية لأسباب عديدة لا نودُّ الدخول في تفاصيلها كونها خارج اهتمام هذه المساهمة. هذا الفشل، أدركته المؤسَّسات السوريَّة، فكان لا بدَّ من توظيف خدمات مجموعة أخرى.

الإعلان عن انبثاق "الجبهة الوطنيَّة والقوميَّة والاسلاميَّة"، وتشكيل المكتب السياسي للمقاومة العراقيَّة، والإعلان عن عقد مؤتمر عامٍّ لأطراف عراقيَّة لا يخرج عن نوايا خلق دور سوريٍّ في العراق عبر فريق عراقي مستعدٍّ لممارسة هذا الصنف من التجارة السياسيَّة، وتقديمه للمحتل الأمريكي كطرف عراقي مستعدٍّ للتفاوض باسم المقاومة!

العوائد المتوقعه من المساعي السوريَّة واضحة، وتكمن في نجاح الجهد السوري في تقديم آليَّة تخفِّف من حدَّة مآزق الإادارة الأمريكيَّة في العراق، ويساعد الحكومة السوريَّة على تحسين موقفها الإقليمي، وإعادة ترتيب علاقاتها بالولايات المتَّحدة الأمريكيَّة بشكل يضمن مصالحها القطريَّة، ويعزِّز دورها في المنطقة. هذه هي الدوافع الحقيقية لفكرة عقد المؤتمر.

هذا الطرح لا يشكِّل تجنِّيًا على القيادة السوريَّة، ولا اتِّهامًّا غير مستند على أدلَّة. فالقيادة السوريَّة وعدد من رموزها سبق لهم أن أعلنوا من أكثرمن منبر إعلامي عن استعداهم لتنفيذ هذا الدور، سواء بشكل منفرد أو من خلال حليفهم الاستراتيجي، النظام الإيراني. لا بل أنَّ نفرًا منهم، والسيِّد فاروق الشرع تحديدًا قد تذمَّروا من تردُّد الإدارة الأمريكيَّة، وعدم حماسها لاستخدام البُعد السوري لحلِّ الأزمة في العراق.

هنا لا بدَّ من الإشارة إلى أَّننا نفهم تمامًا حقَّ القيادة السوريَّة في تأمين المصالح السوريَّة. وندرك بأنَّ من حقِّها أن تلعب دورًا في المحاور الأساسيَّة في المنطقة. لكن بشرط ألاَّ تكون تلك المصالح والأدوار على حساب مصالح  شعب العراق ومقاومته. عشمنا أن تدعم سورية المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة أسوة’بدعمها المقاومتين اللبنانيَّة والفلسطينيَّة. ونأمل أن تتبَّنى القيادة السورية فصائل المقاومة الحقيقيَّة، وأن تدعم بصدق التنظيمات السياسيَّة الرافضة للاحتلال، وأن تبتعد عن تقديم تجَّار المقاومة الذين سيكونون في مقدِّمة من يطعن سورية حكومة وشعبًا بعد أوَّل عرض مغرٍ يُقَّدم لها من أعداء الأمَّة العربيَّة.

إنَّ الدعم السوري الحقيقي للمقاومة العراقيَّة سيساهم بدون شكٍّ بتعجيل انتصارها، وهزيمة المشروع الأمريكي ـ الصهيوني المعادي للأمَّة العربيَّة، ويوفِّر ضمانة لأمن شعب المنطقة واستقراره وازدهاره.

الطرف الثاني، أو اللاعب الثانوي المساهم في فكرة عقد "مؤتمر دمشق" هم جماعة "مؤتمر بيروت" أو "التجمُّع العراق للتحرير والبناء". أسباب حماسهم لعقد المؤتمر واضحة ومرتبطة بأسباب تكوين تجمُّعهم وأهدافهم التي سبق أن تطرَّقنا لها في القسم الأوَّل من هذه المساهمة. فكرة اجتماع دمشق وعقده كان خطوة متمِّمة لمخطِّط  تشكيل "الفريق العراقي" الذي يمكن تقديمه للإدارة الأمريكيَّة كخيار مقبول يمكن استخدامه لإخراج مسرحيَّة تفاوض شكليِّ مع قوى تدَّعي بأنَّها تمثِّل المقاومة، والوصول إلى صفقة  تؤمِّن خروج قوَّاتها من العراق باقلَّ الخسائر الماليَّة والسياسيَّة، التي يصفها معلنو الاستعداد للتفاوض بـ "حفظ ماء الوجه"، ودون أن تخسرمكاسبها السياسيَّة والنفطيَّة في العراق والمنطقة. هذه هي باختصار شديد الأسباب الحقيقيَّة للتفكير في عقد اجتماع دمشق.

(2)

ثمَّة عدَّة نقاط، نرى ضرورة في طرحها حتَّى تكتمل الفكرة الأساسيَّة لهذه المساهمة بأجزائها الاربعة.

أ- من البديهي أن يكون من بين الذين شدُّوا الرحال إلى دمشق للمشاركة في الاجتماع الذي كان من المزمع عقده في 23 تمُّوز المنصرم مَن كان مدفوعًا برغبة صادقة في المساهمة في تأسيس تجمُّع وطنيٍّ مساند للمقاومة، أو المشاركة في تظاهرة وطنيَّة داعمة للمقاومة.

ب - الملفت للنظر في غالبيَّة المشاريع المطروحة تحت عنوان: "إيجاد حلٍّ للأزمة العراقيَّة"، بما فيها تلك التي حملت عنوان التحرير والبناء، ورفعت شعارات تأييد المقاومة ودعمها، ركَّزت على جوانب تختصُّ بمرحلة ما بعد انسحاب المحتلِّ وهزيمته، وتجنَّبت جوانب التحرير وآليَّاته. فالتحريرعند هذه الأطراف يعني التفاوض مع المحتل وليس مقاومته.

ج - إنَّ نظرة ثاقبة ومراجعة دقيقة لما طُرح من مشاريع سياسيَّة خارج العراق خلال المدَّة الأخيرة، ودراسة تحرُّكات العميل إياد علاَّوي ومساعيه لتشكيل ما يُطلق عليه "جبهة الإنقاذ"، وكذلك تحرُّكات حازم الشعلان وأصدقائه، تقود إلى اكتشاف بصمات علاَّوي والشعلان على جميع مشاريع التفاوض مع المحتلِّين.

د - ينادي مؤسِّسو "التجمُّع العراقي للتحرير والبناء" لتأسيس "مرجعيَّة وطنيَّة لا تستثني أحدًا"! كيف يمكن ألاَّ يستثني أحدًا؟ وهل المرجعيَّات الوطنيَّة منتديات اجتماعيَّة عامَّة لكي تبقى مفتوحة للجميع؟ ثمَّ ما هي الفائدة من جمع أطراف عديدة متباينة الخلفيَّات والأهداف والطموحات في مشروع واحد؟ وهل حقًّا أن هناك مَن يمتلك القدرة على إدارة مثل هذا المشروع الكبير في هذه المرحلة بشكل فعَّال وناجح، ويؤمِّن ديموته وعدم انحرافه مستقبلاً؟

أليس الأجدر والأكثر منفعة  تأسيس جبهة قائمة على تحالف مبدئيٍّ صلب من أطراف يربطها حدٌّ أدنى من القواسم السياسيَّة المشتركة، ومن ثمَّ توسيعها وفق شروط وضوابط تحول دون  تسلُّل العناصر الانتهازيَّة المعادية  لشعب العراق ومقاومته!

هـ. سبق الدعوة إلى تشكيل جبهة وطنيَّة "لا تستثني أحدا"، دعوات للمسامحة والعفو وتجاوز هفوات الماضي، ورفع شعار: "عفى الله عمَّا سلف"!

هذه الدعوات بدون شك دعوات نبيلة إن كان المقصود بها تنقية الأجواء، وتجاوز إشكالات الماضي، والتمهيد لمشروع موحِّد للصف الوطني المناهض للاحتلال.

لكن إذا كان الهدف من هذا الطرح إعادة تجميل بعض الوجوه القبيحة، أو إذا كان المشمولين بهذه الدعوة أولئك الذين سبق أن عملوا في خدمة المشروع الأمريكي-البريطاني- الصهبوني لتدمير العراق، سواء في مرحلة الحصار أو قبلها، أو مرحلة التمهيد للعدوان على شعب العراق، أو مرحلة الاحتلال، فإنَّ رفض شعب العراق وقواه الوطنيَّة واضح ومؤكَّد.

إنَّ غرض  نفرٍ من المطالبين بقيام مرجعيَّة "لا تستثني أحدًا"، ومسوِّقي شعار "عفى الله عمَّا سلف" واضح ومشخَّص. إنَّه مطلب "اصحاب السوابق الجرميَّة" من الذين سبق لهم أن تعاملوا مع الحكومات والمؤسَّسات التي ناصبن شعب العراق العداء، وارتكبت أبشع الجرائم الإنسانيَّة بحقِّه. إنَّها محاولة مفضوحة لتجميل وجوه لا تُجمَّل، ولخلق فجوات في سياج العمل السياسي المناهض للاحتلال، يتسلَّل عبرها إياد علاَّوي وحازم الشعلان، وربَّما أحمد الجلبي لاحقًا. 

إنَّ رافعي هذا الشعار بصرف النظرعن مكانتهم وانتماءاتهم ومواقعهم وتاريخهم وشعبيَّتهم لا يملكون حقِّ منح "صكوك الغفران" للخونه والعملاء.

هل سأل المطالبون بتطبيق مبدأ "عفا الله عمَّا سلف" أهالي الشهداء والمعتقلين والمغتصبات والمهجَّرين قبل مطالبتهم بالتغاضي عن جرائم شركاء الجلبي وأصدقاء الشعلان؟

هل سألوا الدماء المراقة في الفلوُّجة والنجف وهيت والعمارة وأم قصر وكركوك وأربيل وبغداد قبل منح أنفسهم الحقَّ في إعفاء مَن خان الوطن وباعه، وعاد رافعًا شعارات "الوطنيَّة والمقاومة" بعد أن يأس من الحصول على وظيفة في حكومات الاحتلال؟

إنَّ صلاحيَّة إعفاء مرتكبي جرائم الخيانة الوطنيَّة محصورة بالمؤسَّسات العراقيَّة الدستوريَّة بعد التحرير. ولا يملك أحد الحقَّ في إصدار قرارات العفو مهما كانت منزلته الوطنيَّة.

و- دأبت الأطراف التي تعنيها هذه المساهمة على توجيه اتِّهمات ساذجة لأطراف شكَّلت ما نعًا أمام تنفيذ برامج الالتفاف على المقاومة وإجهاضها. واستطاعت للأسف إقناع شخصيَّات كان يفترض بها أن تكون أكثر وعيًا وحرصًا لقبولها. ونجحت كذلك في استخدام تلك الاتِّهامات لإرباك برنامج عمل "الجبهة الوطنيَّة والقوميَّة والإسلاميَّة، وفكِّ ارتباط الأطراف المتحالفة في إطار "الجبهة".

الاتَّهامات الساذجة المقدَّمة لتبرير التخلِّي عن تحالف جبهوي مع أطراف ذات مواقف مبدئيَّة والارتباط بشخصيَّات انتهازيَّة وحركات مشبوهة،  واستخدمت أيضًا لمحاصرة شخصيَّات وطنيَّة معروفة، والإساءة لها، تنحصر في تُهم التسرُّع والتشنُّج  والانفعاليَّة وغيرها من السمات السلبيَّة.

نحن نعرف تمامًا الشخصيَّات المقصودة بتلك التهم الساذجة، ونتشرَّف بعلاقتنا بهم كرفاق قضيَّة وأصدقاء. وهي قطعًا شخصيَّات غير مرنه في قبول المساهمة في مشاريع الالتفاف على المقاومة والتعامل مع الانتهازيِّين والخونة، وإن أظهروا "التوبة والندم". فلا عجب أن كان هؤلاء الرفاق والأصدقاء غير متردِّدين ولا وجلين في رفض عروض المشاركة في مشاريع ناقصة، ومتشنجَّين  تجاه كلِّ مَن يطرح نفسه بديلا من المقاومة.

على المخلصين من أبناء شعبنا ولا سيَّما أولئك الذين أنيطيت بهم مهام إدارة العمل السياسي في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ شعبنا أن يدركوا بأن قضيَّتنا الوطنيَّة تتطلَّب وجود صمَّامات آمان تحول دون تسلُّل العناصر التي جذبها وقع انتصارات المقاومة. وأنَّ المرحلة تتطلَّب وجود متشدِّدين ومتطرِّفين في الدفاع عن حقِّ المقاومة ومشروعيَّتها. فالحقوق الوطنيَّة لا تستردُّ بالمواقف المائعة أو عن طريق أنصاف المواقف، ولن يستردُّها مطلقو دعوات التفاوض وهم في مواقع لا تسمح لهم بإطلاق مثل هذه الدعوات. وليسوا مخوَّليين أصلاً بإطلاقها . ولن تسترد عن طريق تقديم "خصومٍات سعرية"  للمحتلَّين  من اجل تقليل قيمة مستحقَّات شعب العرق بادِّعاء الواقعيَّة وغيرها من معايير المهزومين. الحقوق الوطنيَّة تستردُّ من المطالبين بانسحاب القوَّات المحتلَّة بدون قيد أو شرط، و عن طريق الداعين إلى إلحاق الهزيمة العسكريَّة بها، والمطالبين بتعويض كاملٍ وتامٍّ لشعب العراق عن كلِّ الجرائم المرتكبة بحقَّه، وبمعاقبة مرتكبي تلك الجرائم. إنَّ تقديم التنازلات للمحتلِّين تحت أيَّة ذريعة أو عنوان يشكِّل إهانه لدماء شهدائنا وتضحيات شعبنا، وبخسًا لجهود مقاومتنا الرائعة المنتصرة.

ز-  قد يتسائل نفرٌ: ما الخلل في إطلاق دعوات التفاوض مع سلطة الاحتلال إذا قادت نتائج المفاوضات إلى إيقاف التدمير المنظَّم للمجتمع العراقي، ويحفظ دماء أبنائه؟

نحن لا نختلف مع طارحي التساؤل على شرعية السوال ، وندرك حقيقة أنَّ التفاوض مع سلطة الاحتلال آليَّة حتميَّة لا بدَّ منها. ومهما طال الصراع فلا مناص للأاطراف المتصارعة من أن تجلس معًا لحسم صراعها بشكل أو بآخر. وبقدر تعلُّق الأمر بالصراع العراقي الأمريكي، أو تحديدًا المعركة الدائرة بين شعب العراق ممثَّلاً بالمقاومة الوطنيَّة وقوَّات الاحتلال، فإنَّ تحديد الموقف السليم من موضوع المفاوضات يتطلب الإجابة عن الأسئلة التالية:

1. من يحدِّد التوقيت الزمني للتفاوض؟

2. ما هي شروط التفاوض، ومن هي الجهة التي تحدِّدها؟

3. من يمثِّل شعب العراق ومقاومته في التفاوض، وما هي سمات المفاوضين وآهليَّتهم، ومَن يحدِّد هويَّة المفاوضين؟

4. ما هي آليَّات التفواض، ومن يحدِّد استرتيجيَّتها؟

5. كيف نؤمِّن تحقيق المصالح الوطنيَّة لشعب العراق عبرالتفاوض؟

6. وأخيرًا، هل يحقُّ للذين أفصحوا عن عزمهم على توجيه الدعوةللمحتلِّين للتفاوض إطلاق مثل تلك الدعوات؟   

سنترك الاجابة عن هذه الأسئلة المهمَّة إلى الذين يؤمنون بحقِّ الجميع بطرح دعوات التفاوض للمحتلِّين. ولكنَّنا على ثقة بأنَّ أجوبتهم عن جميع الأسئلة ستتمحور حول قيادة المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة.

ح – مع كلِّ ما تعرَّض له الوطن من تدمير، ومع  معاناة الحركة السياسيَّة المناهضة للاحتلال من إرباك وشلليَّة وفوضى وتسيُّب،  ما يزال هناك من يتحسَّس من  التصدِّي للظواهر المرضيَّة ومن محاولات الالتفاف على المشروع الوطني ومعالجته إعلاميًّا. إنَّنا نتفهَّم حرص هؤلاء  على معالجة الاخفاقات والأخطاء ومحاولات التآمرعلى المقاومة بعيدًا عن المنابر الإعلاميَّة. لكنَّنا لا نتَّفق مع نهجهم على الإطلاق، ولأكثرمن سبب. أوَّلها وأهمُّها، أنَّ من حقِّ شعب العراق ومقاومته، أصحاب المصلحة الحقيقيَّة والذين يتحمَّلون ثمن الأخطاء الباهظ أن يلمُّوا بما يجري. نعم، من حقِّ الأحزاب والحركات السياسيَّة معالجة أخطائها، أو أخطاء أعضائها داخليًّا، وبشكل بعيد عن أجهزة الإعلام. لكن عندما يتعلَّق الأمر بإحباط مشروع وطنيٍّ فتيٍّ، وعندما يتعلَّق بأمن المقاومة وديمومتها، عندئذٍ يختلف كليًّا. وتنتقل المسألة من الحيِّز الحزبي إلى الحيِّز الوطني، وبالتالي فإنَّ من حقِّ شعب العراق ومقاتلي المقاومة معرفة الأخطاء ومرتكبيها. ومن واجب العالمين بتلك الأخطاء عرضها ومعالجتها بموضوعيَّة وحرص. ومن واجب المنابر الإعلاميَّة التي لا نشكُّ بحرصها على المقاومة وإخلاصها للعراق نشر تلك المعالجات.

(3)

ما العمل؟

كيف يمكن معالجة الإرباك والاستفادة من الأخطاء المرتكبة لضمان عدم تكرارها مستقبلا؟

كيف يمكن أن نحصِّن الخندق المناهض للاحتلال ونزيد من مناعته الوطنيَّة؟

لا ندَّعي امتلاك الأجوبة الكاملة عن الاسئلة المطروحة. وفي نهاية الأمر، يحتاج إلى مساهمة كلِّ الحريصين على المشروع الوطني العراقي. لن نقدِّم للقاري نواة مشروع وطنيٍّ  أو برنامجًا سياسيًّا جديدًا، فنحن نؤمن بأنَّ لشعب العراق اليوم برنامجًا وطنيًّا متكاملاً ومتجسِّدًا في مشروع المقاومة الوطنيَّة العراقيَّة. لكنَّنا نودُّ تقديم بعض الاقتراحات، آملين أن تحظى باهتمام من يهمُّه الأمر.

1. نقترح على الأطراف والشخصيَّات التي تتحمَّل مسؤوليَّة الإرباك الحاصل، ولا سيَّما أصحاب مشروع "التجمُّع العراقي للتحرير والبناء" مراجعة برنامجهم ومواقفهم ونهجهم السابق بكلِّ موضوعيَّة وشجاعة، وتنقية صفوفهم من الانتهازيِين ونهَّازين الفرص. نقترح عليهم تغيير موقفهم من المقاومة، والاعتراف بها "ممثِّلاً شرعيًّا ووحيدًّا لشعب العراق" بكلٍّ وضوح، والتخلِّي عن فكرة المقاومتين المسلَّحة والسلميَّة المنحرفة، والتوقُّف عن تقديم نفسها بديلاً من المقاومة، أو وكيلاً عن فصائلها.

2. نقترح على الأطراف المكوِّنة لـ "الجبهة الوطنيَّة والقوميَّة والإسلاميَّة" تجاوزهذا الإرباك، وإعادة تفعيل "الجبهة" على الأسس والمبادئ المتَّفق عليها منذ العام 2005. ونقترح عليهم ضرورة الالتزام بالتحالف الجبهوي القائم، كتحالف استراتيجي، وليس كعمل تكتيكي فرضته متطلَّبات المرحلة أو التعامل معها كتحالف قابل للتعويم، ويمكن التخلي عن التزاماته لسبب أو لآخر.

3. نقترح على الرفاق والإخوان في قيادة "الجبهة" الإسراع في تشكيل المكتب السياسي على الأسس، ومن الشخصيَّات المتَّفق عليها بعد قيام الجبهة عام 2005، مع مراعاة المعايير المشار إليها في هذه المساهمة.

4. النظر في توسيع إطار "الجبهة" ليشمل الحركات المناهضة للاحتلال التي لم تتمّ عمليَّة ضمِّها سابقًا لسبب أو لآخر، أو مدِّ جسور التعاون معها على أقلِّ تقدير.

5. أخيرًا، نقترح على من أنيطت بهم مهمَّة إدارة "مشروع الجبهة" التعامل بحبٍّ وثقة مع حلفائهم الأساسيِّين في "الجبهة"، والحذرمن أصحاب مشاريع الدعوة للتفاض مع المحتلِّين.

دعوتنا هذه تنطلق من حبِّنا لهم وحرصنا عليهم وعلى مصالح شعبنا ومقاوميه الابطال . فلهم ولجميع إخواننا ورفاقنا  في قيادة "الجبهة الوطنيَّة والقوميَّة والإسلاميَّة" محبَّتنا وتمنِّياتنا بالموفقيَّة لخدمة شعب العراق ومقاومته الباسلة، الممثِّل الشرعي والوحيد لشعب العراق ومرجعيَّته الوطنيَّة.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاربعاء / 08 / أب / 2007