بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

الرفيق الدكتور عبد المجيد الرافعي في حديث مع موقع «الخيمة» الألكتروني
لا للتدخلات الخارجية، سواءٌ أتت من الغرب أم من الشرق

 

 

شبكة المنصور

 

 

في خضم الصراع السياسي الذي يشهده لبنان بين أكثرية نيابية تحكم ومعارضة تقاطع ولا تعترف بشرعية الحكم، يقف جزء رئيسي من التيار القومي العربي على مسافة من هذا الصراع مفضّلاً الثبات على موقفه المعادي لإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية دون الخوض في صراع الأخوة أو لغة التخوين المتبادلة.

القوميون العرب في لبنان، وهم الموزعون عملياً بين ناصريين وبعثيين، شكلوا خلال عقود حالات محدودة على المستوى التنظيمي، ولا سيما الناصريين منهم، وحدود هذه الحالات في معظم الأحيان قيادات محلية ينتمي غالبها إلى الطائفة السنية، ولم يستطيعوا الخروج من دائرة التمثيل المحلي أو الصراعات التنظيمية التي شتتهم وأضعفتهم بحيث بات في لبنان ما لا يقل عن عشرة تنظيمات ناصرية صغيرة على سبيل المثال.

لكن في صلب التيار القومي العربي، استمر حزب البعث العربي الاشتراكي المرتبط بالقيادة القومية السابقة في العراق (برئاسة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين) ينشط في أكثر من منطقة رغم تعرضه للقمع الشديد إبّان مرحلة الوجود السوري في لبنان، وملاحقة كوادره وقياداته من الجنوب إلى الشمال.

وكان للحزب في لبنان الذي يتزعم قيادته النائب السابق الدكتور عبد المجيد الرافعي حضور في مختلف المناطق والطوائف، وتجلّى هذا الحضور بعد غزو العراق في العام 2003 والمرحلة التي تلته من كف الملاحقات السورية بحق قيادييه وناشطيه، فعاد الرافعي من بغداد بعد الاحتلال الأميركي إلى مدينته طرابلس، وأُعيد تشكيل الحزب والحصول على رخصة جديدة باسم حزب «طليعة لبنان العربي الاشتراكي«نظراً لأن ترخيصه السابق قد سحبته منه حكومات العهد السابق الحليفة لدمشق».

ومع عودة الحزب للعمل بشكل علني عاد كوادره الذين ينتمون إلى طوائف عديدة للنشاط في أكثر من منطقة، ولينظموا المهرجانات والاحتفالات والمشاركة في تظاهرات في بيروت وصيدا وطرابلس احتجاجاً على محاكمة صدام ومن ثم قرار «إعدامه»، دون أن ننسى المشاركة في الانتخابات النيابية في شمال لبنان التي أجريت في العام 2005 بالتحالف مع المعارضة التي خسرت معركة الشمال آنذاك.

فكيف يقرأ الحزب اليوم التطورات اللبنانية على ضوء الصراع بين الحكومة والمعارضة، وأين يقف من التجاذبات بين السياسيين اللبنانيين؟ للإجابة على هذه التساؤلات قصدنا دار أمين عام الحزب، النائب السابق الرافعي في أبي سمراء بمدينة طرابلس الشمالية حيث عرضنا معه جوانب الأزمة اللبنانية.

الرافعي الذي أكّد رفضه لأي تدخل خارجي في الشؤون اللبنانية سواء كان أميركياً أو من الشرق (مسمياً إيران)، أكّد انتماء طليعة لبنان الاشتراكي إلى «المدرسة القومية المعروفة وهي مدرسة حزب البعث العربي الاشتراكي، وهي التي وصفها بأنها «حركة قومية شعبية منطلقة من دراسة معمقة من الواقع العربي بحالة التجزئة والتخلف وعدم امتلاكه لحريته».

وقال «نحن لا نزال متمسكين بهذا المنطلق الفكري المبدئي الأيديولوجي، نؤمن بالحرية بمفهومها الواسع أي حرية الوطن والمواطن (الديمقراطية) ونؤمن بضرورة تجميع كل الجهود العربية، ونؤمن بالعدالة الاجتماعية المتمثلة بطريق عربي للوصول إلى الاشتراكية».


لبنان يتعرض لهجمة أميركية إسرائيلية

وتطرق الرافعي إلى ما يجري في لبنان قائلاً: «لبنان الذي هو جزء غالٍ من الوطن العربي والذي أثبت عروبة هويته وكرس انتماءه في مؤتمر الطائف الذي شاركنا فيه بكل فعالية يتعرض كما تتعرض الأمة لمخططات إمبريالية صهيونية وخاصة أميركية مدعومة بكل إمكانيات الصهيونية لتفتيت الوطن العربي إلى دويلات طائفية مذهبية حدودها بحدود الطائفة أو المذهب أو العرق وتكون غالباً متناحرة بين بعضها (..) وبالتالي ضعيفة، وبحيث يكون الكيان الصهيوني الرابض على أرض فلسطين هو القوة المقررة في هذا الوطن والحامية لمصالح أميركا والامبريالية قمة الرأسمالية، وهذا بدأ في «سايكس – بيكو» التي فتّتت المنطقة إلى دويلات وفي السبعينيات مع كسينجر، وتجدد مع المحافظين الجدد ليكون مكوناً لسايكس بيكو جديد يضرب هذه الأمة في أعز ما لديها وهو وحدة أبنائها، ولبنان ليس بعيداً عن هذا المخطط».

وأضاف الرافعي «لذلك نحن ننطلق من ثوابت مبدئية، هذه الثوابت تقول: لا لأي تدخل، لا احتلالا ولا تدخلاً سياسيا ولا ضغوطاً، مرة اقتصادية ومرة سياسية ومرة أمنية، سواء من الشرق أو من الغرب، طبعا نحن بالمطلق ضد أميركا في تدخلها في وطننا العربي كله، وضد الصهيونية وما تفعله، وكيان الأمة يجب أن يكون معبئا وموحداً ضد الصهيونية بما هي حركة عنصرية وتوسعية لها أطماع في الأرض والمياه والتسلط على الأمة العربية».

وشرح الرافعي هذا الموقف بالإشارة إلى أنه، كما يرفض التدخل الأميركي والعدوان الصهيوني، فـ«أنا لا أقبل من الشرق أي تدخل وكلنا كنا جبهة واحدة (في حرب تموز/يوليو الأخيرة)، دعماً للمقاومة الإسلامية (حزب الله)، بل ودعونا، منذ البداية إلى أن تشارك الأحزاب والقوى الوطنية، وممثلين عن كل الطوائف في المعركة، ولكن لسوء الحظ كان هناك تفرد (في المقاومة)، لأن الإمكانيات موجودة عند طرف. والحمد لله كانت النتيجة أن العدو الصهيوني لُقّن درساً له ولجيشه الذي كان يعتبره قوة لا تقهر، وتبين أن بالإمكان قهر هذه القوة إذا كان هنالك الإيمان والقوة والتحضير لمواجهة هذا العدو».

وتابع «بالنسبة لأميركا فإنها لا تخفي أنها تريد شرق أوسط جديد وتقول ذلك وهذا بدأت ملامحه في العدوان على العراق، العراق لم يمتلك أسلحة دمار شامل، ومنذ 1992 بقيت تفتش ست سنوات متتالية، دخلت كل بيت وكل مزرعة وكل ثانوية وحتى رياض الأطفال دخلتها، بحجة أن هناك أسلحة دمار شامل ولم يجدوا شيئا، وفي 1998 ضربت بغداد وكنت فيها 4 أيام بلياليها ولم يجدوا شيئا، وأتت أفواج جديدة من المفتشين ولم يجدوا شيئا، وفي 14 شباط 2003 اجتمع مجلس الأمن على مستوى وزراء الخارجية وكان هنالك وزراء الصين وألمانيا وروسيا وفرنسا وباكستان، وكلهم سفّهوا وجهة نظر أميركا، ومع ذلك أصرّ الأميركيون على العدوان، ورغما عن مجلس الأمن والأمم المتحدة اتخذ قرار العدوان»، كذلك تحججوا بصلة العراق بالقاعدة وهذا غير صحيح لأن عقيدة حزب البعث تناقض القاعدة.

وأشار الرافعي إلى أن ما جرى بالنسبة للعراق هو «مثال صارخ على أن الأميركيين ماضون في غيهم ومخططهم الذي سماه المحافظون الجدد الشرق الأوسط الجديد وهو المؤتَمِر بأميركا».

لا لتدخل أميركا ولا لتدخل إيران

لكن ماذا عن تدخل دول أخرى بالشأن اللبناني، على هذا السؤال أجاب الرافعي «انطلاقا من مبدئنا وحريتنا نحن ضد تدخل إيران، إيران تتدخل في العراق وهي تقول إنها ستلقّن أميركا درسا في لبنان، ونحن أيضا ضد هذا التدخل. نحن مع خط الحرية الكاملة للبنان دون تدخل لا من الشرق ولا من الغرب، وبالمطلق، نقاتل في سبيل وحدة بلدنا وحريته وسيادته ولسوء الحظ الأساليب التي تستعمل نحن وقفنا ضدها كما وقفنا في مواجهة العدو الصهيوني في تموز/يوليو الماضي، سواء على صعيد الموقف السياسي أو في داخل التجمعات الوطنية كلها، أو على صعيد دعم المهجرين بكل إمكانياتنا في الجنوب والشمال والبقاع وكل المناطق التي وصل إليها المهجرون».
ماذا عن الأساليب، هل هي أساليب المعارضة؟ شرح الرافعي «هناك الأساليب التي استُعملت وفي هذه الأجواء التي خيّم عليها شبح طائفي ومذهبي، نحن لم نكن لنقبل أن نستمر في هذا التوجه الذي قسم المواطنين والوطن إلى فئات، وكأن ثمة استجابة للمؤامرة والمخطط الذي يريد تقسيم الوطن، وأحدث ردّات فعل من نفس النوع وهذا ما كنا حذرنا منه، يجب أن تكون خطواتنا فيها تعقل ولا ينجرف أحد طائفياً باسم الوقوف في وجه هذه الحكومة».
لكنه استطرد «الحكومة باطلة لارتباطها بالتوجه الأميركي ومن جهة ثانية لمسؤوليتها عن الفساد وتخريب البلد اقتصاديا وماليا، والديون التي تراكمت (44 مليار دولار) في بلد ليس فيه نفط ولا يورانيوم ولا شيء من مثل هذه الثروات الطبيعية».

وخلص الرافعي إلى أن قوى الحكومة لجأت إلى هذا الأسلوب التقسيمي «ولكن المعارضة أيضا لم تقصّر بردات الفعل وخلقت ردّات فعل جديدة».

وأضاف منتقداً أن تنزل «في هذا الوقت المتوتر مجموعة معينة لها طابع معين إلى الشارع وتحتل ساحات قريبة من مقر الحكومة الذي أرادوا إكسابه طابعاً معيناً، وردات الفعل المتقابلة، وهذا جزء كبير من الذي شق الوطن».
وعن استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية المقبل قال الرافعي «نحن مع مبدأ المؤسسات، ويجب الحفاظ على المؤسسات التي هي جوهر وحدة لبنان المعرض لفسخ هذه الوحدة، ولكن ليس كما اتفق. المحافظة على المؤسسات يجب أن تكون محافظة جدية ترمي إلى الحفاظ على وحدة البلد ومسيرته».

وعن رأيه بالأغلبية المطلوبة لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد قال الرافعي «الدستور برأيي واضح لأنه عندما يقول إن الدورة الأولى للانتخاب هي بثلثي مجلس النواب فهذا يعني انه يلحظ أن (الرئيس)، رمز وحدة البلد، يجب ان لا يكون منتخباً بأقل من ثلثي الحضور، لذا لا استطيع فهم أن يعقد اجتماع لمجلس النواب بأقل من الثلثين وهذا يجب أن لا يمس، عدا عن أنه أصبح عرفاً لم يخرق في أية انتخابات رئاسية سابقة».

اما إذا أقدمت الأكثرية على انتخاب رئيس بنصاب دون ثلثي الحضور فأكّد الرافعي «المفروض عدم القبول والعودة إلى المؤسسات، هناك مجلس الشورى والمجلس الدستوري المعطل، ولكن في مثل هذه الحالات من الممكن العودة إلى المجلس الدستوري واستخدام كافة الأساليب الشعبية والقانونية في سبيل المحافظة على المؤسسات».

وشدّد الرافعي على ضرورة أن يتنازل السياسيون للوطن، ويصلوا إلى الاتفاق على رئيس توافقي، مشيراً إلى أن «تقدم حالة المقاومة والممانعة سواء في العراق أو فلسطين أو مواجهة التهديدات لسوريا أو غيرها. وكل يوم يرتفع مستوى المقاومة من الممكن أن يعيد الصواب لبعض السياسيين، ليتنازلوا للوطن، بالتوافق على رئيس وبانتخاب رئيس بكل الأساليب الدستورية».

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاربعاء /  7 رمضان 1428 هـ  الموافق  19 / أيلول / 2007 م