بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

تسلل إيراني عبر التجارة ومكافحة الكوليرا

 

 

شبكة المنصور

نــزار الســامرائي

 

أثار اعتقال العميد محمود فرهادي ، في السليمانية ضمن وفد تجاري إيراني ، يزور المنطقة ، الكثير من علامات الاستفهام ، لعل في مقدمتها ، أسباب ردود الأفعال الغاضبة ، التي أبداها الرسميون الإيرانيون تجاه الحادث ، بحيث وصلت ذروة السخط ، في القرار الذي اتخذته الحكومة الإيرانية ، بإغلاق المنافذ الحدودية الخمسة ، مع العراق في المنطقة الشمالية ، وكأن إيران تريد معاقبة طرف لاصلة له بالإجراء الذي تم تنفيذه .

وهنا سيبرز سؤال جوهري ، عما إذا كانت إيران تفترض دورا للزعامة الكردية العراقية ، في استدراج فرهادي والإيقاع به بوشاية سريعة أوصلتها للقوات الأمريكية ، والتي لم تضع وقتها للتحري عن دقة المعلومة ، بل سارعت وعلى الفور ، بمداهمة فندق بالاس ، الذي كان يقيم فيه بمعية الوفد التجاري ، الذي كان يزور السليمانية بدعوة من محافظها ، مما ترك ظلالا قاتمة على ملابسات الدعوة أصلا ، خاصة أن العميد الإيراني مطلوب بامتياز من قبل القوات الأمريكية ، فالرجل تمكن من الإفلات من اعتقال مؤكد ، أثناء مداهمة تلك القوات لمبنى القنصلية الإيرانية في أربيل ، في 11/1/2007 .

ويبدو أن الحكومة الإيرانية ، أرادت ممارسة أعلى ضغط على( حكومة كردستان) لتضغط بدورها على أصدقائها الأمريكيين ، من أجل إطلاق سراح العميد فرهادي ، غير أن القلق ، والشعور العالي بوطأة الأزمة المحتملة جراء القرار الإيراني ، لا بد أن يثير شكوكا حول امتلاك المنطقة الكردية في شمال العراق لمقومات مشروع الدولة المستقلة ، والذي يرفع لابتزاز العراقيين كافة من أجل الحصول على أكبر قدر من التنازلات ، ففي الحجج التي ساقها المسؤولون في ( حكومة كردستان ) ، كانت قضية السيادة الوطنية ، أضعف أطروحة ، في حين برز التذمر من تعرض المنطقة الشمالية في العراق، إلى كارثة إنسانية واقتصادية نتيجة للقرار الإيراني ،بأجلى صوره لينسف أي احتمال لقيام دولة كردية ، ما لم تحصل على قبول دول الجوار ، ويبدو أن الزعامة الكردية تقرأ مواقف إيران بشكل خاص ، والتي تدعم تلك الزعامات ، لمجرد الرغبة في إبقاء العراق في أضعف مستوى ، سياسيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا ، على أنها دعم للمشروع الكردي ، بصرف النظر عن النقطة التي سيتوقف عندها ، وهذا الخلط هو الذي أوقع المنطقة الكردية في العراق في مسلسل المآسي الذي مرت به ، لأنها كانت تستخدم كورقة ضد الحكومة العراقية من طرف قوى إقليمية ودولية ، وبمجرد تحقيق الهدف من وراء الاستخدام المرحلي لتلك الورقة ، سرعان ما تلقى في أقرب سلة للنفايات ، فمخاوف إيران من القضية الكردية ، أكبر من مخاوف الدول الاخرى التي تعيش فيها أقليات كردية ، لأن إيران هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تختلف مع الأكراد قوميا وطائفيا .

لقد أظهر جلال الطالباني ، في التعامل مع قضية اعتقال محمود فرهادي ، رد فعل فيه من الحرص على الروابط مع إيران ، أكثر من التعبير عن موقف عراقي ، ولو أن الطالباني تحرك بدواعي كردية ، لكان عليه أن يقف وقفة مسؤولة مع أصدقائه الإيرانيين ، ويشعرهم بشيء من الغضب ، أو عدم الارتياح على الأقل تجاه استمرار القصف المدفعي ، لمناطق عديدة في محافظة السليمانية ، وهي منطقة النفوذ السياسي للطالباني نفسه على ما يطرح ، ولذلك فإن المراقب سيحار في التعامل بهذه الثنائية ، حينما لا يجد استنكارا كرديا لذلك القصف ، بل أن ( حكومة كردستان ) كانت تحيل أزمات المنطقة ، والمسؤولة هي عن بروزها ، إلى الحكومة المركزية في بغداد محتمية بسيادة العراق ، في حين أنها تخرج عليها حيثما وجدت في ذلك منفعة لها .

الرسميون الإيرانيون ، الذين تعاملوا مع هذا الملف ، لم يستقر بهم الحال على وصف واحد لوظيفة فرهادي ، أو المهمة التي جاء لإنجازها في العراق ، فتارة يقولون إنه يتولى مهمات تنشيط التبادل التجاري مع العراق ، وأن مقره في كرمنشاه ، وتارة يقولون إنه جاء من أجل تقديم المساعدة في التغلب على مرض الكوليرا ، الذي تفشى في السليمانية ، وثالثة يقولون إنه يساعد في تقديم الخبرة الزراعية للأكراد ، ولا يشك أحد أن تعدد الروايات لا بد أن يعزز الشكوك في حقيقة مهمته أو مهماته في العراق عبر البوابة الكردية ، هذا بالطبع لمن لا يمتلك معلومات موثقة عنه .

فما هي حقيقة فرهادي ؟

يشغل العميد محمود فرهادي وظيفة قائد معسكر ظفر التابع لقوة القدس المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني ، ومقر معسكر ظفر في كرمنشاه ، وسبق أن دخل الأراضي العراقية ، أثناء الغزو الأمريكي عام 2003 ، من محور قصر شيرين ، مع فيلق بدر ، وأثناء قيادة العميد ( مسكريان )لمعسكر ظفر حينذاك ، جعل مقره في منطقة كلار ، وأصبح المسؤول المباشر لقوة القدس في محافظة ديالى ، وانحصرت مهمة قوة القدس في ذلك الوقت ، في إعادة تنظيم فيلق بدر ، وبعد ذلك عمل في قسم تأمين الأمن لقوة القدس في شمال العراق ، وأقام مدة في مكتب العلاقات الإيرانية في دربنديخان ، وفي عام 2007 تمت ترقية مسؤوليته ، فأصبح قائدا لمعسكر ظفر خلفا للعميد مسكريان ، ويتولى الإشراف على تدريب المليشيات ( العراقية ) في معسكر ظفر كما يتابع إرسال الأسلحة ، والعتاد من قبيل قذائف الهاون و RBG7 وصواريخ الكاتيوشا ، وصواريخ أرض جو ، وتحت إمرته قوات القدس المتواجدة في خانقين و السليمانية و بلدروز ، داخل الأراضي العراقية ، وفي قصر شيرين و نوسود و سومار في إيران .

في ضوء ما تقدم لا بد للمراقب ، أن يتفهم أسباب ردة الفعل القوية لإيران ، فالحكومة الإيرانية ، تخشى اعترافه عن هذا التاريخ الحافل بالمهمات الكبيرة ، لأن ذلك إن حصل فهذا سيضع تحت تصرف القوات الأمريكية كما كبيرا من المعلومات المهمة لملاحقة بقية الشبكات المقنعة بواجهات تجارية وطبية وزراعية ، غير أن سؤالا محيرا لا بد أن يطرح في التعامل مع هذه القضية ، وهو لماذا لم تتخذ طهران من التدابير الكافية ما يحول دون وقوعه في الفخ المنصوب له منذ مدة ليست قصيرة ، فهو على قائمة المطلوبين أمريكيا ، وكاد أن يعتقل لولا أن هربه بعض الشيوعيين ، أثناء مداهمة القنصلية الإيرانية في أربيل ، فهل ارتكبت إيران غلطة الشاطر ؟ ولماذا كان فرهادي يتواجد مع كل الوفود الإيرانية القادمة إلى شمال العراق بشكل خاص ؟

أسئلة لن يتمكن أحد من إعطاء جواب شاف ، ما لم يطلع عل وثائق القضية من جميع أطرافها .

 

 

 

 

شبكة المنصور

الثلاثاء /  13 رمضان 1428 هـ  الموافق  25 / أيلول / 2007 م