بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

سوريا ... الصخب والعنف

 

 

شبكة المنصور

محمد لافي "الجبريني"

 

قد يصح ماذهب اليه بعض المحللين استنادا لآراء ذوي اطلاع ومقربين للدوائر المحصنة في كل من البلدين، بأن الأحداث الاخيرة لا تعني بالضرورة إقتراب أي من سوريا أو الكيان الصهيوني من قدح فتيل المعركة القادمة، وأن كلا الجانبين قادر على قراءة الاوراق السياسية لخصمه، ويعلم الى أي مدى يمكن استفزازه، أو الى اي مدى يمكن الصبر عليه، رغم وصولهم الى الرقص على حد السكين والامساك بالشعرة الاخيرة والترنح على شفى حفرتين واحدة من الاعتراف والثانية من النار، بعد أن باتت حالة اللاشيء هذه غير مفيدة لأصحاب المصلحة "الولايات المتحدة"، وهي تصفي ملفاتها الشائكة واحدا تلو الآخر، أخرها الملف النووي في كوريا الشمالية، للتفرغ لمغارة ذهب العالم بألوانه من الاسود)النفط(، حتى الابيض ( الماء ) مرورا بكل ما يخطر على بال من ثروات في البقعة الجغرافية المشكلة للوطن العربي.

خلف الأكمة

وكما أنه قد يصح، فهو أيضا قد يجافي آراء تحتمل الصحة بنفس المقدار تعتمد على رؤستها بما تراه من حالة التحشيد والتوتر التي يذهب اليها الطرفان، الى الحد المثير للريبة بعد المبالغة والتهويل الذي تمارسه "دولة" اليهود ما دفعها حتى الى الاعتراف والترويج الى سخونة رؤوس رجالها الذين وتر واستنفر طائراتهم وراداراتهم لمرتين متتاليتين سرب عصافير أول مرة، ثم حادث عرضي في جنوب سوريا.

 اما الصمت السوري المريب على واحدة من أوقح عمليات الاختراق فهو ما يجعل الامور اللامنطقية تبحث عن تفسير في اي حركة لما جرى ويجري، والتساؤل بشك إن كان ما يحصل هو عملية تحريك، أو تنشيط، أو نفض للسجادة السورية بما يجعلها أكثر ملائمة لفكرة "الشرق الاوسط الجديد" الذي لا يحتمل الموديلات الغير امريكية في المنطقة.

"جوش" بوند !

كانت حادثة دير الزور الملتبسة وما نسج حولها من أقاويل  هي الاكثر اثارة في الاحداث الاخيرة ضمن ملف العدوان المحتمل القادم على المنطقة، والذي يجري طبخه على نار التصريحات والاتهامات بإتجاه واحد. الا أن ماهو مثير في الموضوع بعد الصمت الاسرائيلي تجاه حادثة شمال سوريا، هي التسريبات التي قامت بها وسائل الاعلام ذات الارتباطات الصهيونية على شاكلة "ذا صن" البريطانية التي تحدثت عن عملية استخبارية  تكاد تكون فصلا من فصول سلسلة جيمس بوند، تبعتها رويترز الالمانية بمعلومات جديدة عن مصدر مطلع تحدث عن تفاصيل أكثر وعملية تمويه مكلفة، قبل أن تعلن دير شبيغل أيضا عن إن بارجة استخبارات ألمانية تشارك في قوات اليونيفيل البحرية العاملة في السواحل اللبنانية رصدت في الليلة التي حلقت فيها المقاتلات الإسرائيلية في الأجواء السورية طائرتين من طراز إف15 الامريكية تخرقان المجال الجوي السوري. وقالت المجلة، نقلاً عما سمته مصدر عسكري، إن الطائرات كانت في طريقها لقصف شحنة سلاح مرسلة من سوريا إلى حزب الله، إلا أنها فوجئت بالسرعة التي كشفتها فيها الدفاعات الأرضية السورية، فاضطرت إلى العودة على أعقابها.

إذن ما الذي حدث في تلك الليلة، التي لم يفصح السوريين عن كامل أحداثها، واكتفى الاسرائيليون بالصمت الخبيث تاركين أمر التصريحات لجون بولتين سفير الولايات الامريكية الذي قال (إنها رسالة واضحة ليس إلى سوريا فقط، إنها رسالة واضحة إلى إيران أيضا..) واضعين كل ما يجري في ذات السياق المستعر تجاه ايران؟

 

إن ماترويه الاحداث لا يبدو أنه يخضع فقط لمنطق العملية الامنية التابعة معلومات استخبارية توصل لها الكيان الصهيوني عن وجود تجهيزات نووية كورية في سوريا مررتها الى واشنطن قبل ان تعطي الاخيرة الضوء الاخضر لبدء العملية، التي أدت كما قيل على ذمة الاعلام الغربي والعبري الى تفجير مصنع مموه في شمال سوريا. وتختلف حول نجاح فرقة الكوماندوس باستغلال ضجيج الطائرات لسرقة بعض الادلة والهروب بطائرات مروحية بإتجاه تركيا، وربما خطف وقتل علماء وفنيين كوريين كانوا يقومون على هذا المصنع النووي ان وجد فعلا- عززه استنكار سريع وغير معتاد من قبل الحكومة الكورية للحادث.

شحذ السكين..

إن هذه الملومات تبدو مختلة وفيها ما ليس منطقيا! فقد جرت العادة الا يتم السماح بتسريب معلومات تقنية بهذا الوضوح والتبجح لعملية استخبارية محضة بهذه الخطورة والتماس مع الخطوط الدولية الساخنة، الا اذا كان المغزى واضحا، وهو البحث عن الذريعة لشيء ما. فما الذي تبحث عنه كل من امريكا وتابعتها "اسرائيل"؟

لنستذكر تقرير تناقلته وسائل الاعلام عن محطة "فوكس نيوز" الصهيونية التي نقلت بدورها عن مصادر من "السي اي ايه" أن لديها أدلة عن تورط كوري بتمويل سوريا نوويا. إذن فهذا يحيلنا الى تاريخ ليس ببعيد عن أقرب الامثلة لما يجري، وما جرى في العراق رغم تأكيد المفتشين النويين عدم وجود أي دليل على اسلحة غير تقليدية التي كانت الذريعة الدولية للعدوان وإحتلال العراق العام 2003. فالواضح أن هذه العملية تختلف عن سابقاتها حتى ولو وضعت في اطار ما يسمى العمليات الوقائية، كما جرى في السودان 98 وفي ليبيا 86 أو العراق 98 أو حتى سوريا ذاتها 2003حين تم قصف جبال عين الصاحب بدذريعة تدمير تحصينات عسكرية فلسطينية، التي جاءات في سياق جملة من الاختراقات الجوية لسوريا كان أجرأها خرق المجال الجوي للقصر الرئاسي.

..وفتح القفص نحو القفص

رغم كل ذلك فإن الرسالة الامريكية الصهيونية من هذه الحادثة لا تعني أن الابواب قد أغلقت تماما على نظام الاسد، بل قد تحمل في طياتها رسالة ضمنية لا شك تفهمها القيادة السورية مفادها أن النظام السوري اذا اراد الافلات من مصير مشابه للنظام العراقي فعليه أن يمر من الباب الوحيد الذي ترك مفتوحا له، وهو التناغم مع الاشارات الصهيونية للتفاوض والتطبيع، فأمريكا وربيبتها العبرية لا شك يدركون أن هناك ما هو مفيد أكثر من حرب تقضي على النظام العلماني "العقلاني" وتفتح الابواب مشرعة لنشاط التنظيمات المسلحة اسلامية وغير اسلامية على الحدود المتاخمة لفلسطين المحتلة، وهو آخر شيء يحتاجه "الشرق الاوسط الجديد" وحتى القديم بوجود "اسرائيل".

ومع ذلك فإن اسقاط النظام الحليف الاقليمي المزعج لكل من ايران الطموحة، وروسيا الراغبة بإعادة استثمار قواعدها العالمية، والسند الاستراتيجي للمعارضة اللبنانية ومقاومة حزب الله، ستظل هاجسا للإدارة الامريكية، خاصة وأنها وحلفائها لا يألون فرصة للتصعيد بإتجاه إيران، ودعم تحالفها بأصوات أخرى كان آخرها وأشدها دكا للتقاليد المحلية صوت خليفة بلير بنسختة الفرنسية نيكولاي ساركوزي، الصهيوني اليهودي والمحافظ الامريكي اكثر من العديد في ادارة الحرب الامريكية.

جزرة ليهود وعصا للعرب

ومن جوانب أخرى فإن هذا الحجر أصاب عصافير أخرى لا يمكن تجاهلها، وهي اعادة رفع شعبية اولمرت بين المستوطنين اليهود ،هو ما أكدته الاستطلاعت بزيادة عشرة بالمئة. عداك عن توجيه رسالة الى العموم العربي تذكيرية لا جديد فيها، وهو أن اليد الاسرائيلية لا زالت قادرة على العربدة وتجاوز أي خطوط حمراء يمكن أن يضعها نظام عربي، وهي رسالة ربما تعني أن أي تدخل من اي دولة عربية ضد التوجهات الامريكية حتى ولو كان على مستوى فعل سري، ستقوم اليد الصهيونية بالنيل منه دون الرجوع الى القيادة في ذلك البلد، على غرار ما مارسته أمريكا مع حليفها الباكستاني الذي احرجته غير مرة بعمليسات القصف دون ادنى اعتبار لخدماته الجليلة للإحتلال في افغانستان ومطاردة القاعدة وطالبان، وكما جرى ايضا في اليمن والقائمة تطول.

سوريا المواجهة

إلا أن من المؤسف قوله، هو أن سوريا حتى لم تصل بعد الى ما يمكننا من الاقتناع انها ستكون على مستوى الاحداث القادمة، فمع احتفاظها بسلسلة حقوق الرد وضبط النفس لم تزد الكيان الصهيوني الا عربدة وتمرد وجرائة، وإن كان هذا الامر يعد لدى بعض من يثقرأون السياسة بطريقة "الاعتدال" فعلا حكيما في مواجهة كل هذه الشرور المستعرة، لإإن الامر على عكس ما يبدو يصب في مصلحة الجميع الا المصلحة القومية العربية السورية، خاصة ايران التي تخضع جميع حلفائها لمنطق الحرب الباردة وتقاسم الغنائم مع امريكا، والتي صرح قادتها مرارا وتكرارا ان دفاعهم عن طهران لن يكون الا في بغداد ودمشق.. أما روسيا فإنها على استعداد للتضحية بأي كان لقاء تواجد استراتيجي ينافس امريكا ويعكر مزاجها في المنطقة، لكن دون تكاليف، ودون إغضاب لرأس المال اليهودي المسيطر في روسيا اليوم. ومع ذلك فالرهان يظل على سوريا وقدرتها على الصمود والمواجهة رغم كل المعطيات المحبطة، وزيادة حفز الجماهير لإحتمالات المواجهة والكف عن تغييبهم إستعدادا للموقف الفصل الذي ستستلم سوريا هذه المرة شاءت أم أبت راية الطليعة فيه والذي يجب ان تكون بناء عليه بمستاوه، طبعا في حال كان الخيار عدم الاستسلام . 

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاحد /  18 رمضان 1428 هـ  الموافق  30 / أيلول / 2007 م