بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

الانتخابات الامريكية، الانسحاب من العراق والحرب القادمة
المرحلة التالية من "الشرق الاوسط الجديد" من يدفع الثمن؟
بغداد ودرب (هوشي منه)

 

 

شبكة المنصور

محمد لافي الجبريني

 

هذه المرة بدأت الانتخابات الامريكية مبكرا من الناحية الدعائية على خلاف العادة، وبوجود حشد من المرشحين لم تشهد له الانتخابات الرئاسية مثيلا من قبل، والكل يمني النفس بإعتلاء عرش الامبراطورية التي تحكم العالم، والكل يراهن على الحل الذي يؤرق الامريكيين والعالم أكثر من غيره ويراهن على طريقة علاجه له، وإعطاء الحل الامثل، للغرور الوطني الامريكي، ومصالح الشركات ، تحت مسميات وشعرات مختلفة الشكل متشابهة المضمون، هي النصر والخروج المشرف من العراق. 

الحرب بحاجة الى جمهوري

ولعل العبئ الاكبر في الخسارة يتحمله الحزب الجمهوري القيادة الترايخية لأمريكا، والذي يعتبر الدين السياسي القومي في ترادف مع البروتستانتية الانغلوساكسونية، ورغم التشابه الضمني بين الحزبين في الاهداف والاستراتيجيا، فإن الامر وطنيا يظل بالنسبة للمتعصبين الامريكيين إهانة للمحافظين الذين خاضوا الحرب ليوحدوا الولايات لثلاث عشرة الامريكية الاولى تحت راية الولايات المتحدة الامريكية، خاصة حين يتعلق الامر بحالة الحرب التي لا مناص من أن تكون قيادتها جمهوريا ولو استدعى الامر تزويرا كما حصل قبل انتخاب بوش قبل ثمان سنوات.

وإذا لم يتم إحراز أي تقدم يذكر في الجهود المبذولة في العراق بحلول العام المقبل، فإن الأرجح أن يمنى الحزب بخسائر فادحة في الانتخابات الرئاسية الحاسمة التي سوف يشهدها العام المقبل. وكما جرى التعبير عن ذلك صراحة على لسان "ديك موريس"، فإن العراق ولا شيء غيره، هو الذي يدمر صورة الرئيس بوش في نظر الناخبين، وهو الذي تتآكل فرص نجاح حزبه في الانتخابات الرئاسية المقبلة. 

الإنسحاب الى الحرب

وفي حال طرح السؤال. هل أمريكا على وشك الانسحاب من العراق؟ فإن الاجابة على الاغلب هي أنها حتما ستنسحب من العراق، ولا مناص لها من ذلك إذا أرادت ان ترضي جمهور الناخبين وتبعد عن نفسها احتمال القلاقل والصدامات الجماهيرية والشعبية التي ستكلفها الكثير،من الجمهور الذي يطالب بالإنسحاب في أسرع وقت والإلتفات الى الهموم الامريكية أكثر، وعدم إعطاء الاولوية للشركات الرأسمالية التي تسعى الى ابقاء العراق اطول فترة ممكنة في العراق

 ولكن يبقى انسحابا بالمعنى الاستعراضي للكلمة لا بالفعلي المسيطر على مخارج السياسة ومداخلها في البلاد المحتلة. 

الشركات ام الجمهور؟

إن الملاحظ للخطاب السياسي الاعلامي الامريكي، يكتشف ببساطة تصاعد لهجة الانسحاب من العراق، واستخدام ادوات الدعاية التي تساعد على حشد التأييد اكثر لهذا القرار، فمن الغريب الإقتناع ان إعلاما في دولة تسيطر تماما على ادواتها الاعلامية عبر رؤوس الاموال المسيطرة والضاغطة لمصلحة الادارة الامريكية الممثل الاعلى لتلك الشركات، يبادر بسهولة لعرض فيلم كامل يعرض مشاهد مروعة للجنود المشوهين في العراق، في حين ان الذاكرة تعيدنا الى الغضب العارم الذي اصاب الادارة يوم تسربت صور توابيت من على مدونة أحد الجنود في العراق.

وفكرة الانسحاب باتت امرا واقعا لا مفر منه حتى لبوش نفسه، لكن تبق المعطلة هي الطريقة والكيفية لهذا الامر، دون ان يبدو الامر كهزيمة حاقت بأقوى جيش في العالم، ودون تسليم البلاد للمقاومة العراقية التي يؤكد محللون امريكيون انها ستبسط نفوذها على كامل البلاد خلال ايام قليلة في مواجهة الحكومة الضعيفة المفككة والتي لا تملك اي سبب من اسباب الحياة سوى وجود الحماية الامريكية لها. 

النفط أولا

ولتنجح أمريكا في الانسحاب من العراق، دون أن تضحي بمصالحها هناك، فلا يبقى أمامها سوى فكرة الفدرالية اللامركزية- نلاحظ أن امريكا تحاول تطبيق هذه النظرية في كل مكان تسيطر عليه سياسيا او عسكريا من العالم، وتبررها فلسفة فرق تسد- وفق التقسيمة المشهورة التي تردد الحديث عنها طوال اربع سنوات،، عبر وضع العراق ضمن ثلاث أقاليم فدرالية.

بعد أن صار الامر واقعا في إقليم كوردستان بعلم خاص، وحكومة ونسبة مقتطعة من النفط، ينتظر كل من الوسط والجنوب الامر ذاته، بترحيب يقتصر فقط على بعض التيارات في الجنوب، ورفض كامل من قبل الوسط السني.

بطبيعة الحال فهذا الحل لا يعتبر مثاليا حتى للولايات الامريكية، فهو سيركز ثروة العراق النفطية في يد الشيعة في الجنوب، الذين لا يضمن ولائهم لأمريكا بوجود ايران المتغلغلة هناك، والتي بدأت أصلا منذ زمن في إختلاس النفط من البصرة بشهادات عراقية بصرية، اضافة الى أن السنة لن يسمحوا بحصول أمر كهذا دون حساب خاصة وأن العمليات العسكرية النوعية التي تنفذها فصائل المقاومة بدات تاخذ منعطفا أكصثر شراسة وتأثيرا ليس على الصعيد المعنوي فحسب بل وحتى على صعيد ميزان القوى الميداني، الآخذ بالتصاعد لصالحها بعد ان تحول سلاح الجو الامريكي الى هدف يومي بديهي لها، من الشمال وحتى الجنوب الشيعي المهادن أو يصوره الاعلام الموجه كذلك. 

الحلول المرحلية في مواجهة الخسائر

ولتجاوز هذه المعضلة في وجه الخطط الامريكية، كان لا بد للإدارة من تنفيذ سياسة أخرى مرتبطة عضويا بإستراتيجية المرحلة المقبلة..

وباستخدام الاساليب التي بدأت تطبقها فعلا على أرض الواقع، يقوم الاحتلال بتكثيف المحاولات للحوار مع السنة، تحديدا مع فصائل المقاومة الوطنية وإبراز دعمه لها للحصول على مكاسب في المرحلة المقبلة مقابل تقليل سطوة القاعدة وعزلها في محيطها السني الذي سيحاول الامريكيون جره الى متاهات طاولة الحوار، ويشجعها على ذلك حين تبدأ القوات الامريكية بإظهار امتعاضها من المليشيات الطائفية المدعومة فارسيا وتوجيه الضربات لها وهو ما نلاحظه مؤخرا من تشديد الخناق على مليشيا مقتدى الصدر، الذي ربما إستشرف هذا الامر قبل أسابيع وآثر الهروب الى ايران قبل وقوعه ككبش فداء لهذه المرحلة.

الانسحاب بات هو الحل بالتالي والجدال يدور حول التوقيت وتهيئة الظروف المناسبة له، فإدارة بوش تحرص على أن يكون الانسحاب "منظما" لا يهدر كرامة الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه يضمن الحد الأدنى من العملية السياسية في العراق. والكونجرس يصر في المقابل على بدء الانسحاب في غضون 120 يوما على الأكثر، لأن كل شهر يمر على القوات الأمريكية هناك يكلف أمريكا 100 جندي قتيل على الأقل، ويكلف الخزانة مليارات الدولارات. وعلى حد قول هاري ريد زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي: "زيادة عدد القوات لا ينفع بشيء و6 أشهر فقط تعني 600 قتيل و60 مليار دولار". كما أفادت دراسة للكونجرس أن الكلفة الإجمالية لما يسمى "الحرب على الإرهاب" - أي الغزو - قد تصل إلى 1400 مليار دولار بحلول العام 2017.

لكن هل من المنطق التسليم بأن الانسحاب سيكون بهذه البساطة؟ 

استراتيجيا "الشرق الاوسط"

هذا ما يعيدنا الى ما تحدثنا عنه قبل فقرتين أعلاه عن استراتيجية المرحلة المقبلة. أي الحرب المقبلة التي لا بد من خوضها ضد كل من ايران وسوريا، العقبتين المزعجتين للمشروع الاوسع بخصوص ما يسمى "الشرق الاوسط الجديد". فعوضا عن فكرة تامين منابع النفط في الجنوب وكف الخطر الايراني في المشاركة بها وتقويض المشروع العراقي، وعزل المقاومة في الوسط والشمال عن المقاومة السياسية في سوريا، تشير التقارير الى تزايد التعزيزات الامريكية والتركية في شمال وغرب البلاد، واستقدام المزيد من الاليات، مما يعطي التكهنات المزيد من الواقعية عن قرب انفجار الوضع الاقليمي أكثر، وإن كانت الترجيحات تحدثت سابقا عن ضرب ايران، فإن بوصلة الصواريخ الامريكية، بدأت تتحرك بوضوح أكثر بإتجاه سوريا التي تنظر اليها الادارة الامريكية على أنها لاوس العراق ودرب هوشي منه المقاومة العراقية، بإنتظار ساعة الصفر التي ربما تأت من المحكمة الدولية بشأن مقتل الحريري كما حصل مع يوغسلافيا، أو من ردة فعل الجيش السوري على التحرشات الصهيونية كما فعلته أمريكا مع اليابان في الحرب العالمية الثانية، وحتى عبر ادعاءات عن وجود مطلوبين في سوريا على شاكلة ما حدث في افغانستان قبل سبع سنوات. 

المقاومة، الكلمة الفصل

بالعود على بدء فإن الانتخابات الامريكية لن تكون بعيدة عما سيحدث في المنطقة، في محاولة من بوش لدعم ترشيح خلفائه الجمهوريين، فالانسحاب من العراق يجب ان يبرر بنصر، والنصر هو بمواجهة التهديد "الايراني" والعدوانية السورية تجاه "اسرائيل" والاستمرار في تلبية مصالح الشركات المسيطرة، وهو الرهان الذي يجب على المقاومة العربية في كل من العراق، فلسطين ولبنان، والسياسة القومية العربية أن تدرسه بعملية لفرض واقعها، والرد على سخرية وغرور أحد كبار مستشاري بوش في رده على صحافي من "هيرالد ترابيون" الذي قال بوقاحة "عندما نعمل فإننا نخلق واقعا خاص بنا"، فهل تشكل المقاومة العربية المسلحة والسياسية امرا واقعا خاصا بها وبمصالحها القومية؟

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاربعاء / 25 / تمــوز / 2007