بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

الانسحاب البريطاني من العراق
صفقة مع ايران قبل التقسيم

 

 

شبكة المنصور

محمد لافي الجبريني

 

الطلقة الاخيرة هي للمسلحين؟ هذا ما يفكر به معظم البريطانيين ويفضحه قادتهم العسكريين على "الصندي تايمز"، فما عاد هناك شيء يستحق لتخشى بريطانيا من الفضيحة أكثر مما وصلت اليه.

170 جندي ملكي كانت البصرة آخر عهدهم في الحياة، وكالعادة لا تخفي مصادر بريطانية أخرى شكها بهذا الرقم الكاذب وان العدد يفوق ذلك بكثير، حتى ولو أخذنا بعين الاعتبار أنه يتفوق نسبيا على عدد قتلى الجيش الامريكي الذي تتجاوز قواتها ال200 ألف مقابل ال5500 ونصف جندي بريطاني تتعالى الصيحات لنشلهم من الجنوب. بعد ان اصبح وجودهم هناك مكلفا اكثر مما قد يجر من مكاسب.

 

ذرائع الانسحاب

لقد بدات بريطانيا تعي حقا أن قدرتها على التواجد في العراق لم تعد ممكنة، لكن اذا لم تكن ليس بسبب المقاومة المسلحة ، ولا لحرب الاستنزاف السياسي التي تخوضها مع ايران، كما تحاول ان تنكر فمالذي تتدعيه بريطانيا كأسباب جوهرية للرحيل؟

 

دان براون بدأ سلسلة التلميحات حين صرح قبل أسابيع بما فاجئ مراقبيه قائلا حسب تقرير نشرته وكالات الانباء بعد زيارته لواشنطن، أن أفغانستان هي "الجبهة الأولى لمحاربة الإرهاب،" ، وما أدهش مراقبيه أن واشنطن تسبغ هذه الصفة على العراق. قبل ان يضيف دبلوماسي آخر أن أفغانستان هي أولوية بعد ان أصبحت مصدر 90% من الكوكايين في بريطانيا، وهي الترهات التي لا مكان له سوى في عالم دبلوماسية الاكاذيب. إذن فمالذي يمكن أن يكون سببا في هذه اللهجة المسعورة للهروب من العراق حتى ولو كان تحت قذائف وكمائن المقاومة، وبهذا الشكل المذل لأستاذة الاستعمار العالمي؟

 

تحالف المصالح

السؤال يعيدنا الى لماذا قبلت بريطانيا، وعلى اي اساس صاغت حساباتها لتقبل صاحبة تاريخ الامبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس بدور التابع لامريكا في لعبتها التي كان واضحا كم ستكون دموية في العراق.؟

لقد علمت بريطانيا منذ البداية اي كتف ستاكل، في معركة الغزو، فقد اختارت صاحبة الخبرة الاستعمارية مساعدة امريكا مقابل أن توافق الاخيرة على منحها فرصة احتلال الجنوب ذي الاغلبية الشيعية، تلك المنطقة التي كانت اكثر المناطق تاثرا بالقرابة الجغرافية مع حدود ايران، والتي كانت ملعب الشغب الدموي ضد الرئيس العراقي الراحل، وكان عملائها بإنتظار التحالف مع الشيطان لو كان ذلك يساعدهم في التخلص من سيطرة الحكومة العراقية، وتنفيذ الحلم الفارسي القديم، بعد أن عجزت الدولة الخمينة عن ذلك طوال أكثر من عشرين عاما، فكان لا بد من الاعتماد على صيغة الاحتلال الجديد الذي كانت قد بدات تعد له امريكا واعوانها في تلك الفترة، وبريطانيا تعلم أن النفوذ الايراني في المنطقة لن يتحرك لمواجهة قواتها كما لن يرحب بها اعتمادا على تجربة تمرد 91 الذي أخمدته الدولة العراقية بعد أن راهن العملاء على دعم القوات الامريكية في الكويت آنذاك.

 

وكان اختيار بريطانيا من النظرة الاولية ناجحا، بعد ان زال غبار معركة الناصرية والبصرة التي قدمت مفاجآت أذهلت الاحتلال حتى بعيدا عن سيطرة الحكومة العراقية في فترة الحرب، وتستمر المقاومة المسلحة من السكان المحليين طوال فترة الحرب، قبل ان تتعاون المليشيات مع قوات الاحتلال في محاصرة المقاومة الوطنية، لقطف ثمار السلطة الموعدة وهو ما كان ودلل من النظرة الاولى على حسن إتقان بريطانيا لخيوط اللعبة في منطقة تعتقد انها خبرتها قبل ثمانية عقود.

 

حقيقة الانسحاب

والحال كذلك تمكنت بريطانيا من الاحتفاظ بمظهر الاستعماري الخبير والإستفادة من نفط العمارة والبصرة وربما تقاسمه مع ايران المتغلغلة هناك. وحتى حين فكرت بالذهاب الى الشمال لمساندة القوات الامريكية عادت بعد ان فقدت ستة من جنودها في يوم واحد، الى حيث لم يعد الامر مناسبا كمستقر.

رغم حجم الخسائر في الارواح الذي تتكبده القوات البريطانية في الجنوب يوميا، إلا أنه ليس من الدقة بمكان وصف ما يجري بهروب دون شروط، فقد اكدت الاحداث ان ما يجري ماهو الا مقدمة للأنسحاب الامريكي، وفق الخطة التي تضمن التقسيم الفدرالي في العراق.

فلو إفترضنا بعد رحيل لقوات البريطانية من الجنوب –وهي التي يتلخص دورها منذ فترة بالاسناد للمليشيات المحلية- أنها اصبحت منطقة محررة، فهي ستكون بمعزل عن باقي المناطق المسيطر عليها من قبل الاحتلال الامريكي وحكومة طالباني لإعتبارات عديدة، أهم مافيها انها كمنطقة ادارية مستقلة ستنتج حرسها الخاص الذي سيسعى الى عدم تمدد "العنف القاعدي" الى اراضيها، وكونها تعيد بناء بنيتها التحتية، فسيتم رصد اموال ولا بد من المحافظة على الاستثمارات  العالمية فيها، ولن ننسى ان ايران صاحبة النفوذ الابرز في الجنوب ستعمل ما وسعها لتضم هذه المنطقة لنفوذها السياسي على الاقل كإقليم تابع بعد ان نجحت في محو الكثير من ملامح المدينة العربية كما اكد شهود عيان.

وبالتالي يبدو من المقنع أن الانسحاب البريطاني هو تنازل عن مكاسب مكلفة لمصلحة أقل كلفة وإن كانت أيضا اقل جدوى، في تناغم لا يمكن إغفاله مع المنطقة الكردية بالشمال والتحالف الشيعي والكردي في الحكومة الموالية للإحتلال.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الخميس / 23 / أب / 2007