بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

تقرير بيترايوس ، كروكر
عملية ترميم الجثث
هل ينتصر الطارئين على ما أنجبه التاريخ ؟

 

 

شبكة المنصور

محمد لافي "الجبريني"

 

هكذا إذن! فالمهمة لم تنجز بعد لدى فرق الاحتلال الامريكي، وإن تمني النفس ولا تعتقد فعليا بما تقوله وقاله مؤخرا جنرالها في العراق ديفيد بترايوس في تقريره الامني وحاول دعمه سياسيا بتقرير السفير كروكر إلا أنه فشل في مهنيته الشكلية لصالح الإغراق في التفاصيل الامنية من جانب واحد، ومن زاوية واحدة، ليهيء ما تفرضه أجهزة إعلام بوش وما عملت له مسبقا، على المتلقي الامريكي والغربي عموما المعتمد عليها.

فما كاد الجنرال يأخذ مكانه على منصة الدعاية الأمريكية ليقدم براهينه الواهية على النجاح الامني في العراق، وإنخفاض معدل هجمات المقاومة، حتى رد عليه خبر عاجل لم يتسن ربما له الوقت لمعرفته أثناء خطابه، يتحدث عن سقوط سبعة جنود امريكين كان لا بد من الادعاء انهم ماتوا لأي سبب آخر عدى نيران المقاومة العراقية، فلم تجد الدعاية سوى الترويج عن حادث سير.

وكما هو متوقع جاء تركيز بيترايوس بالعمل على وضع أفضل ما لديه من مساجيق تجميل لنقل المشهد العراقي على اعضاء مجلس الشيوخ الامريكي والرأي العام، مستعينا بما يمكن توفيره من رسوم بيانية وشهدات مدفوعة الأجر. فالعمليات ظهرت نتائجها "الايجابية" والقوات الامركية سيتم سحب اجزاء منها في منتصف العام القادم، ولولا تنمر ايران التي يخشى أن تستغل الفراغ في حال رحيل القوات الامريكية لكان الوضع أفضل بكثير..


على نهج السلف

لقد عملت ادارة بوش طويلا بالتوالي والتوازي على أحداث وإشاعات لينجح هذا التقرير الذي وإن لم تظهر حتى الآن ردود الفعل بشكلها النهائي عليها، الا ان الواضح أن الادارة الامريكية غير معنية بردود الفعل السريعة، بل على النتائج طويلة الأمد من الرأي السياسي النخبوي، بناء على الاستراتيجية الإعلامية، خاصة وان التاريخ يمدنا بحقائق وثوابت لا تنتهي عن تشدق أمريكا بالرأي العام والحرية الامريكية، وضرورة العمل لخدمة الشعب، فيما تشير الوقائع الى اتخاذها من التعمية الإعلامية والتزوير السياسي منهجا وعقيدة استراتيجية، منذ الثورة على بريطانيا الاستعمارية قبل خمسة قرون مرورا بكل الاحداث التي قولبت النظام الامريكي بالشكل الاكثر تجليا الذي نراه اليوم. فمن ذريعة شن الحرب على المكسيك منتصف القرن التاسع عشر بحجة حماية استقلال تكساس ومن ثم ضمها مع كاليفورنيا ونيو مكسيكو الى الولايات المتحدة، ثم قصة الحرب على اسبانيا لإنتزاع مستعمرة كوبا والتي أفرزت ضما سياسيا لبورتيريكو وهايتي واحتلالا لهاواي، تحت ذريعة مساعدة تلك الشعوب على التحرر من نير الاستعمار، وهو ما جرى للفلبين التي لم تنجح بالفوز بالاستقلال حتى منتصف القرن الماضي، مرورا بأحداث لا مكان لسردها هنا، قبل أن نصل الى العراق والمنطقة العربية التي جرى استعمارها بالطريقة العصرية او يكاد، في تكريس لمقولة إنطلقت إبان حكم ثيودر روزفلت عن أن أمريكا أمة عظيمة تحتاج للحروب لتحسن اقتصادها القومي.

تقارير تحت الفراش

إدارة بوش لن تكون بأفضل حالا عمن سبقها خاصة وهي ترى نفسها الوحيدة في هذا العالم، إلا انه مع اقتراب الوقت الذي ستبدا فيه الحملات الجدية للإنتخابات الرئاسية، على بوش ان يقدم أفضل ما لديه لخلفه في البيت الابيض وشريكه في الاستثمارات الاقتصادية، وبالتالي كان لا بد من الحملة الدعائية لسلسلة التقارير التي تقول أن الاستراتيجية آتت أكلها، مثل تقريري كل من الباحثين "كينيث بولاك"، من مؤسسة بروكنجز، وزميله مايكل أوهانلون، اللذين حظيا بتغطية واسعة بعد التوطئة التي قدموها لتقريري بيترايوس وكروكر، الى جانب تعمد التعيم وتجاهل عدد آخر من التقارير التي تؤكد فشل الاحتلال في تحقيق اي شيء، مثل التقرير الذي تحدث عن فشل المالكي، والآخر الذي تبعه متحدثا عن عجز الاحتلال عن تحقيق 11 هدفا من أصل 18 قصدت من وراء احتلال العراق دون الافصاح عنها، وإن كانت الدلائل تشير الى أن السبعة المتحققة تدور حول، تثبيت أمن الكيان الصهيوني، وإيقاف الطموح الحضاري والتطوري للأمة العربية بقيادة العراق،والسيطرة على منابع جديدة للثروات وتثبيت اخرى.

هذا الى جانب الدراسات تلك التي تحدثت عن فشل الشرطة العراقية، وعن إشعال فتيل الحرب الطائفية، خاصة رسالة "أنتوني كوردسمان" الباحث في مركز الدراسات الدولية الاستراتيجية والذي نفى وجود أي تقدم، إضافة الى ذلك المقال الذي تصدى فيه سبعة من الجنود الذين أدوا الخدمة في العراق لافتراءات "بولاك" و"أوهانلون" ولم يحظ بأية تغطية صحافية أو اهتمام عام؛ وهكذا كانت الإدارة الأمريكية تلقي في روع الشعب الأمريكي نجاح الاستراتيجية الأمنية.

بغداد الباقية

لقد جاء تقرير بروكر بترايوس كمثال ساطع لمنهجية لي عنق الحقائق، وترويج الفشل على شكل نجاح، والهزيمة نصر، والموت الى ولادة، فإذا صح ما جاء على اوراق التقرير والرسوم البيانية من أن العنف الطائفي قد إنخفض، فربما يكون ذلك نتيجة الى أن حملات التطهير الطائفي قد أتت اكلها في المناطق المختلطة، فما عاد هناك سوى أحياء شيعية صرف او سنية بذات الشكل، وإذا ما قال لنا الجنرال أن شدة المقاومة إنخفضت فسنؤيده تبعا لما تنشره وكالات الاعلام الامريكية، لا وفق ما يحدث على الارض المغيبة عن الجمهور، بل ان بترايوس نفسه قال في مناسبات سابقة بأن الحرب على العراق ستمتد الى عقود حتى رغم التحالف مع بعض وجهاء العشائر السنية الطامعين بمناصب ونفوذ في عراق امريكا الذي تثبت الايام بإطراد انه بلا افق أو مستقبل في ظل وجود العراقيين التاريخيين ومقاومتهم التي باتت أصدق أنباء من كتب بوش ومعاوينه حتى لدى الدائرة الضيقة في إدارة الحرب الامريكية.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الخميس / 13 / أيلول / 2007