بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

قراءة للمعركة المقبلة في سوريا
صمود النظام وضربة استباقية "لإسرائيل" الفرصة الوحيدة لتعطيل المشروع الامريكي
هل يمكن الوثوق بإيران؟

 

 

شبكة المنصور

محمد لافي "الجبريني"

 

اقتبس عن الاساطير الرومانية القديمة مقولة الإله الحارس ذي الوجهين حامي بوابة روما القديمة (جانوس) الذي ترادفت الاجيال ما نسب اليه (من أراد السلم فليستعد للحرب).

في الوضع العربي فإن التجهز عادة للحرب لا يكون الا في اللحظات الاخيرة قبل بدايتها، وبعد مرور الوقت بدل الضائع، الذي يستنزف على الاغلب في أمل المفاوضات وتقديم التنازلات السياسية التي لا يكون من شانها الا التعجيل –على عكس ماهو مفترض ،اي تاخير- فرصة نشوب الحرب او إختصار الطريق على العمل العسكري ، الذي لا يمكن ردعه الا بمنطق القوة، قوة الردع تحديدا. وهو ما امكن ملاحظته في أكثر من مناسبة تاريخية، ليس أخرها العدوان على العراق الذي عجلت به زيارات مفتشي الامم المتحدة.

بعد التخدير

تصاعدت في الفترة الاخيرة حدة التهديدات الامريكية والصهيونية بشن حرب على سوريا، وبدأ النظام هناك يعي بإطراد ان مرحلته القادمة تستوجب تحركا عمليا، وعقلية مواجهة أكثر، على حساب الدبلوماسية، ولغة المفاوضات، أيقن من خلالها عقم أي نتيجة يمكن ان تتمخض عنها، ولعلنا لا نبالغ اذا افترضنا ان النظام السوري استشف أن ما كان يجري طوال السنوات الاربع بعد احتلال العراق من مفاوضات واشارات تطمين وايفاد مبعوثين على شاكلة النائبة الديمقراطية بولسي لم يكن الا ابر تخدير وعملية اكتساب وقت اكثر، لضمان التزام سوريا السكون وعدم الاخذ بزمام المبادرة في الضربة الاستباقية في وقت لا تكون فيه الادارة الامريكية والجيش الصهيوني مستعدين لمثل هذا الوضع، الذي لا مناص منه.

الأقاليم العسكرية

المشروع الامريكي في المنطقة - مايسمى "الشرق الاوسط" بجديده وكبيره، تحدثنا عنه بإسهاب في غير مناسبة، وكانت النتائج تظهر بوضوح ان العالم بالنسبة للإدارة الامريكية لا ينفصل عن بعضه الا بمقدار ما ترى الامبراطورية المسيطرة مصلحة في ذلك، بالطريقة التي تتعامل فيها مع مستعمراتها، فالظروف في امريكا الجنوبية إنعكست مرارا على ظروف شرق آسيا، وبالتالي لا يمكننا الادعاء بأن اي حدث تساهم فيه الخطط الامريكية في أي من البلدان العربية هو مجرد مشروع محلي ليس جزءا من المشروع الاكبر. ونظرة سريعة الى التقسيمات العسكرية ضمن خارطة البنتاغون للعالم ومقارنتها بالتحرك السياسي ستكشف لا محالة عن وضوح الصورة.

سوريا بدورها، تم وضعها في التقسيم الجيوسياسي ضمن دائرة القيادة الوسطى الامريكية، التي تشمل الجزء الاسيوي للعالم العربي اضافة لتركيا والدول شرقا حتى حدود روسيا الاسيوية الجنوبية،فيما ترك الجزء الافريقي العربي المسمى في الأدبيات الغربية "شمال أفريقيا" خاضعا لسيطرة المنطقة الاوروبية او الشمالية، والمتابع للسياسة الامريكية يجد بسهولة اعلاميا وثقافيا عوضا عن سياسيا، كيف يتم فصل الشرق عن الغرب العربي الا بما تفرضه ظروف القضية الفلسطينية على محيطها العربي مجبرة الجميع على وضعها على رأس أولوياته.

الدب يبحث عن أسماك المتوسط

أمريكا بدأت تحث الخطى نحو توسيع نطاق عملياتها العسكرية في المنطقة، بالتزامن مع إيجاد الحلول في العراق المحتل، بما يؤمن نسبيا لها الوقت والجهد الكافي، عبر محاولة استقطاب السنة العراقيين للعملية التسووية ومحاصرة مقاومتهم، وتأمين منابع النفط، وتوسيع النفوذ السياسي لقوات البشمركة الكردية التي شكلت ما يشبه الدولة في شمال العراق، وتأمين الهدوء المؤقت بينها وبين تركيا، لتضمن عمقا استراتيجيا، تنطلق منه قواتها البرية بإتجاه سوريا أو ايران في حال توسع نطاق العمليات وفق ما تفرضها الظروف الميدانية للمعركة القادمة.

تلك المعركة التي تريد منها امريكا كسر آخر شوكة آخر حياض الممانعة العربية –ولا نقول المواجهة- للمشروع الامريكي الكبير، فقد تأكد للإدارة الامريكية ان سوريا لا ترغب تحت أي ظرف التخلي عن قيادتها للمشروع القومي السياسي في المنطقة، خاصة وهي تزيد من عمق ومساحة تحالفاتها العسكرية والشعبية، من ايران التي وضح زعيمها صراحة أن بلادها لن تقف مكتوفة الايدي إذا ما هوجمت سوريا، حتى روسيا بوتين اخيرا التي وجدت الظروف مواتية لرد الصاع الامريكي في بولندا وشرق أوروبا على شكل قاعديتين بحريتين للأساطيل الروسية على شواطئ سوريا المتوسطية، وهو تهديد ضمني جاء كتصعيد روسي وإستعدادا لمواجهة الدرع الصاروخي في مساحات استراتيجية امريكية، لا يمكن المراهنة عليه في حال الهجوم على سوريا.

صمود 56 من جديد

تصريحات الرئيس السوري بشار الاسد حول ضرورة استعادة الجولان بالسلم او بالحرب، زادت الثقة بقرب وقوع الحرب والحيرة بمدى الثقة التي يتحلى بها النظام وهو يقدر فارق القوى بينه وبين أعدائه الذين يحاصرونه في أكثر من جهة.

الدولة السورية رغم كل استنتاجاتها من حرب تموز الاخيرة، وماقبلها من مقاومة البعثيين العراقيين وباقي فصائل الشعب هناك، تعي بلا شك أنها مستهدفة كدولة ونظام سياسي ثقافي حاكم، وأن حرب العصابات هي ذات جدوى على الصعيد الشعبي، ومقاومة المحتل بعد فرض وجوده ميدانيا، اي بعد اسقاط النظام، الذي سيتم بعده تحييد قطاع واسع من الآلة الحربية المتطورة صهيوينا وأمريكيا، وبذلك فإن المراهنة السورية على اساليب المقاومة هل تعني أن الرئيس الاسد بدأ يستعد عمليا لمصير النظام العراقي، ويستعير ذات الخطاب الفدائي بالتخلي عن السلطة مقابل الكرامة العربية وعدم الرضوخ للمخطط الاحتلالي، والمراهنة على افرازات الشعب الثورية، وتربيته الثقافية على مر عقود؟

إن منطق السياسة وتحييد العاطفة القومية لمصلحة المنطق، ستجعلنا نحييد مثل هذا الاحتمال الذي سيكون بمثابة الظرف الذي لا بد منه وبطبيعة الحال المنطقي بعد أي احتلال. والتركيز على مسألة صمود النظام قبل كل شيء على شاكلة نصر مصر جمال عبد الناصر ابان العدوان الثلاثي في 56.

في خطاب الرئيس بشار قبل ايام في يوم الجيش، دعا الرئيس السوري أفراد قواته للإستعداد لكافة الاحتمالات، وتواترت الانباء عن استعدادات الجيش على الحدود مع الجولان، عبر ازالة العوائق والحواجز وإقامة الدشم والخنادق، وعن حركة تنقلات لقوافل عسكرية مدرعة، ثم عقد صفقات طائرات متطورة وصواريخ روسية متوسطة المدى تغطي عمليا كامل مساحة فلسطين المحتلة، وتكثيف التدريبات على صواريخ الكاتيوشا التي أثبتت فاعلياتها في مواجهة عمليات الرصد الجوية في حرب تموز.

لكمة البداية، نصف النصر

بذلك فإنه وحال توصل المستوى السياسي السوري الى آخر نقطة في أمله من منع حدوث الحرب، سيكون عليه والحال على ماهو عليه ان يقوم مجبرا على الخطوة الاولى في الحرب وتوجيه اللكمة الاولى، التي يعي انها ستكون مكلفة على كافة الصعد، ولكنها ستكون الفرصة الوحيدة على ضعفها للمحافظة على السلطة السياسية حاكمة في سوريا، والأمل ان تفي إيران بتعهداتها في دعم سوريا في تلك الحرب –بطبيعة الحال فهو لن يراهن على اي تدخل عربي بعد وضعه في قائمة الشر الجديدة مقابل وتحييد النظام الرسمي العربي عن أي تدخل سياسي، وحرب لبنان ليست ببعيدة-، وأن لا تخونه بعد إشتعال الحرب في صفقة سياسية قد تجري من وراء ظهره مع أمريكا، تقايض فيها ايران برنامجها النووي ونفوذها في العراق مقابل عدم التدخل عسكريا في الحرب مع سوريا.

شن هجوم سوري مباغت على الجولان وضربة دقيقة مباشرة لقواعد الرادار والمطارات الصهيوينة، ستشكل كسبا ميدانيا وسياسيا عداك عن معنوي هائلا في تلك الحرب، خاصة ان القوات السورية في حال سيطرتها على الجولان، ستشرف من موقعها الاستراتيجي النادر على مساحات هائلة من فلسطين المحتلة تجعل تحت مرمى نيرانها مهما كانت بدائية اهم البنى التحتية الصهيونية، من موانئ الشمال عصب الكيان الاقتصادي، الى مصانع البتروكيماويات في حيفا، مطارات حيفا واللد، معسكرات الجيش في الشمال، واكثر من ثلاثة ملايين يهودي سيكونون تحت رحمة صواريخ سكود، حوالي مليونين تحت رحمة الكاتيوشا قليلة التكلفة. وهو بلا شك ما سيجعل القوات الامريكية حذرة في تلك الحرب، وقد لا نستبعد في حالة اليأس الامريكية تلك توجيه ضربة نووية تكتيكية لأي من المدن السورية الكبرى، تحاول ان تقلد فيها مجزرة هيروشيما ونجازاكي.

"إسرائيل" الحلقة الاضعف

من جانب، ستكون القوات الصهيونية على اهبة الاستعداد، للقيام بحركة السبق وفرض سيطرة كاملة على الجولان والهضاب المحيطة، وتأمين الاجواء عبر راداراتها الارضية وطائرات الاستطلاع وقواعدها القريبة، وتامين نوع من الخطاب الاعلامي الذي ستساهم فيه الحركة الصهيونية عالميا للتشويش على المعلومات الواصلة للرأي العام الدولي. وذلك ما تستعد له عمليا منذ قرابة الشهر بعد اطلاق اخر نسخ القمر الصناعي التجسسي أفق 7 المخصص للتجسس على سوريا وإيران، وفي المناورات التي تجريها شمال فلسطين، وهي الاولى من نوعها وحجمها لم تشهد لها الدولة العبرية مثيلا منذ نشؤها فوق فلسطين المحتلة قبل ستين عاما. والتي تهمها هذه الحرب، لقطع الهواء عن المقاومة في جنوب لبنان وفلسطين، وتهيئة الظروف ل"شرق اوسط" جديد وفق القياسات الصهيوأمريكية. الا انها ستظل الحلقة الاكثر ضعفا ليس عسكريا او سياسيا خارجيا، بل داخليا سياسيا واجتماعيا، فثقة الجمهور اليهودي بدولته هي في أسوأ مستويتها، وهذا يعني ان الصمود الشعبي لا يمكن المراهنة عليه في حال تلقى الجيش صفعة أخرى بعد صفعات المقاومة في لبنان وفلسطين، وقد لا نبالغ انها ستكون ذات نتائج كارثية على الدولة المصطنعة المفككة.

 

 

 

 

شبكة المنصور

الاحد / 12 / أب / 2007