شبكة ذي قار
عـاجـل











في التطبيع مع الكيان الصهيوني، تناول هادئ في قضية عاصفة

الجزء الثالث

ما العمل:

دور الجماهير العربية والهيئات المنبثقة منها

 

د. محمد مراد

تمهيد:

في مقاربتنا التحليلية للتداعيات السلبية التي أفضت اليها اتفاقات التطبيع مع الكيان الصهيوني تناولنا السلبيات الخطيرة التي تركتها المسارات التطبيعية وتداعياتها في المستقبل لان الكيان الصهيوني يبقى هو المستفيد وحده في توظيف علاقاته التطبيعية مع الأقطار العربية في الاتجاه الذي يستجيب لمشروعه التلمودي في الوطن العربي. ومن أجل مغادرة مواقف الدول والقوى التحررية في الوطن العربي موقف الشجب وردود الأفعال، إلى الموقف الفاعل والمؤثر، تناولنا بعض العوامل والاستراتيجيات التي تساهم في تحصين الدول العربية من الخضوع إلى شتى التهديدات والضغوطات الخطيرة التي تهدف إلى وقوعها في منزلق التطبيع الخطير. واستكمالاً لذلك نتناول في هذا الجزء الثالث والاخير دور الجماهير العربية والهيئات المنبثقة منها في مقاومة التطبيع والتحصين من حدوثه وتداعياته الخطيرة.

 

وفي هذا المجال نبدأ بالتأكيد على ما يلي:

إن معركة مقاومة التطبيع هي معركة كل الجماهير العربية ومعها كل القوى الحية الفاعلة من هيئات تشريعية ونقابية واعلامية ومجتمعية على اختلافها.

وفي هذا المجال نولي أهمية كبرى لثلاث هيئات لها مواقعها في مراكز التأثير السياسي والحكومي والشعبي وهي:

الأولى، دور البرلمانات العربية في التصدي لكل محاولات التطبيع مع الكيان الصهيوني والدول الداعمة له والضاغطة باتجاهه من حلف الاطلسي (الناتو) وغيرها. وذلك يعود لعدة أسباب منها:

1.    إن البرلمانيين العرب يتمتعون بثقة شعبية وازنة تخولهم مناهضة سياسات التطبيع، وبالتالي فهم يشكلون في رفضهم هذا، قوة مجتمعية كبيرة لتقوية الحكومات التي تتعرض لضغط الخارج للسير في عمليات التطبيع، لتمكينها من مقاومته والوقوف بوجه تلك الضغوطات والتهديدات بقوة وحزم مستندة عندها إلى ارادة شعبية، تجسدها قوة سياسية تشريعية كبيرة. فالتطبيع لن يخدم سوى مصالح العدو الاستراتيجية على حساب كل اقطار وطننا العربي من الخليج إلى المحيط.

1.    ولأن البرلمانات العربية هي هيئات تشريعية منتخبة من الشعب، لذا فإنها تتمتع بشرعية أمام المجتمعات في الخارج والرأي العام العالمي. وهذا يحتم وضع الاستراتيجيات الكفيلة بتفعيل دورها للتحرك على البرلمانات الاقليمية والعالمية من أجل كسب تأييدها لمواقف الدول العربية لمناهضة التطبيع، وبالتالي خلق مناخ سياسي عالمي داعم وحامي لموقف الدول العربية التي تقاوم التطبيع وتقف ضده.

 

الثانية، تفعيل دور الهيئات النخبوية الفكرية والسياسية والثقافية والأكاديمية والعلمية، وفتح القنوات الفعالة بينها وبين الدولة لممارسة دورها المجتمعي في تحصين دولها ومجتمعاتها من التحديات والتهديدات الامنية والاقتصادية والسياسية التي تؤدي إلى التطبيع. فلمثل هذه النخب دور مميز وريادي كبير من خلال:

1.    تحديد العوامل الواقعية التي من شانها حماية البلد مسبقاً من الوقوع في هذا المنزلق الخطير، ووضع الاستراتيجيات الكفؤة اللازمة لتحقيق تلك الحماية، وتوفيرها للدولة، ثم الضغط عليها لتنفيذها.

2.    تفعيل شبكة التواصل بين هذه الهيئات النخبوية الوطنية والقومية مع مثيلاتها الإقليمية والدولية وتحشيد الأخيرة لخلق مناخ رأي عام لصالح العرب ودعمها لقضايانا الوطنية والقومية.

3.    قيادة الجماهير وتفعيل دورها، لا في توسيع دائرة الرفض الشعبي الجماهيري للتطبيع بكل مفرداته وعناوينه المزيفة وحسب، وانما في ممارسة الدور الايجابي الذي يتعدى مجرد الرفض، إلى المساهمة الفاعلة في التحصين الامني والاقتصادي والسياسي للمجتمع منه.

4.    تفعيل كافة الوسائل المتاحة مثل تكثيف عقد المؤتمرات الوطنية والقومية، وإصدار النشرات المتخصصة وغير ذلك، لبحث مخاطر التطبيع مع الكيان الدخيل على وطننا العربي من جهة، ووسائل الحماية والتحصين المسبق منه من جهة أخرى.

 

الثالثة، دور وسائل الإعلام من صحافة ودوريات مختلفة ومحطات إذاعة وتلفزيون ووسائل تواصل اجتماعي على تنوعها، على هذه القوى الاعلامية توجيه برامجها وكتاباتها واعلامها في قيادة حملة جماهيرية واسعة تكشف من خلالها مضار التطبيع مع العدو الصهيوني، وفضح مخططات الغرب الاستعماري الهادفة إلى توفير مناخات مساعدة تخدم استراتيجية الصهاينة في الاحتلال والهيمنة والتحكم بمصير شعبنا وامتنا العربية ومستقبل بقائها ووجودها.

 

في الخاتمة:

إن خيار التطبيع مع الكيان الصهيوني لم يكن حتى اللحظة، ولن يكون في المستقبل، لصالح أيّاً من العرب دولاً وانظمة سياسية ومجتمعات مدنية، فهو تطبيع مخطط ومهندَس في استراتيجية أمريكية - صهيونية مشتركة.  ففي الولايات المتحدة الامريكية باتت الشركات العملاقة (شركات النفط والطاقة والصناعات العسكرية والفضاء والالكترونيات والاعلام)، باتت هي الحاكمة والمتحكّمة في السياسة الخارجية الامريكية، وهي شركات رأسمالية متفلّتة في عصر العولمة، تسعى إلى نهب العالم وتوظيف ثرواته في الاتجاه الذي يحقق لها سيادة وهيمنة تراكمية خطيّة مستمرة. لذلك هي تسعى إلى تطبيع العلاقات العربية - الصهيونية التي تخدم إضعاف الدول العربية المطبّعة من جهة، وتعزز التفوق الصهيوني في الاقتصاد والامن والسيطرة على المجال العربي وتقديمه لخدمة الشريك الأمريكي من جهة أخرى.

 إن الوطن العربي بكل أقطاره ومجتمعاته يواجه اليوم اربعة مشاريع سيطرة وتغول وهيمنة، تشترك كلها في كونها تشكل تحديات جوهرية ووجودية ومصيرية ضاغطة على الدول العربية لإجبارها على التطبيع، وهذه المشاريع هي:

الأول، مشروع أميركي يسعى لقيام "شرق أوسط" يستجيب لمصلحة الاستراتيجية الامريكية لحكم العالم بأحادية قطبية ومن غير أي شراكة لقطبيات أخرى صينية كانت أو روسية أو غيرها وهذا يتطلب الهيمنة المطلقة على ثروات الوطن العربي المعنية بالطاقة وهي النفط والغاز.

الثاني، مشروع صهيوني - توراتي يسعى إلى تهويد المجال العربي من الفرات إلى النيل، وهو يرى في التطبيع مع أنظمة الحكم العربية فرصته الذهبية لتحقيق أحلامه في التوسع والسيطرة بكل الوسائل المساعدة من الحروب إلى التطبيع وصولاً إلى المزيد من التجزئة والتشرذم في الوضع العربي.

الثالث، مشروع تغوّل فارسي يهدف إلى التوسع في المجال العربي عبر اعتماد الوسائل الأيديولوجية الطائفية - المذهبية المدفوعة بطموحات جيوبوليتيكية تسعى للتمدد داخل الوطن العربي وصولاً إلى البحر المتوسط.

الرابع، مشروع تركي يهدف إلى استعادة دور السلطنة العثمانية التي استمرت تحكم البلاد العربية لقرون عديدة، وها هي تركيا تحتل حاليا اراض في سوريا والعراق، ولها حضور وتدخلات في ليبيا والصومال وفي غير بلد في أفريقيا العربية.

 تزدحم كل هذه المشاريع المذكورة أعلاه في ظل حالة غير مسبوقة من الضعف والانهيار العربي على كل المستويات لتشكل تهديدات وجودية تؤدي خدمتها في دفع بعض الدول العربية إلى التطبيع متوهمة انها بذلك انما تحمي نفسها من بعض أو كل هذه التهديدات.

إن مثل هذه المشاريع ذات الطموحات الاستعمارية والاحتلالية والهيمنة لما كانت لتجد لها مواقع نفاذ واختراق في المجال العربي لو كان هناك مشروع قومي وحدوي عربي يعمل على توظيف امكانات الأمة وثرواتها البشرية والطبيعية وخصوصياتها التاريخية والحضارية في توليد نهضة عربية تستعيد معها الأمة دورها الريادي في نشر القيم والعدالة والسلام الانساني لكل العالم.

 إن التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني هو بداية انهاء وجود الأمة العربية وإخراجها من التاريخ، ولا سبيل لخلاصها الا بوحدتها أو تكامل بعضها مع البعض الآخر كحد أدنى، لاستعادة حريتها وثرواتها المسلوبة كي تتمكن من مقاومة التطبيع الصهيوني ومعه كل المشاريع الاستهدافية الأخرى.

 






الجمعة ١٢ رمضــان ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / أذار / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مكتب الثقافة والإعلام القومي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة