شبكة ذي قار
عـاجـل










موقف غربي عنصري ضد الأونروا

ولاء سعيد السامرائي

 

في موقف فاضح للفوقية والتماهي الكامل مع تطرف المستوطنين الصهاينة، قامت الولايات المتحدة وتبعتها ثمانية عشر دولة والاتحاد الأوربي على رأسهم فرنسا بتعليق تمويل وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة) الاونروا (التي تأسست للاهتمام بشؤون اللاجئين الفلسطينيين بعد تهجيرهم وسرقة أرضهم سنة 1948 من قبل الكيان الصهيوني. وجاء هذا الموقف الجماعي المنسق بعد جلسة مجلس الامن التي عقدت بطلب من الجزائر تهدف الى إعطاء قوة الزامية لحكم محكمة العدل الدولية فيما يخص الإجراءات المؤقتة المفروضة على الاحتلال الإسرائيلي وقال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيت بضرورة اتخاذ خطوات ملحة لنقل المساعدات بشكل آمن ومنتظم ووصولها بشكل سريع ودون أي عوائق ومن عدة نقاط عبور وهذا يحتاج الى خفض التصعيد، اكرر نداء الأمين العام بوقف إنساني فوري لإطلاق النار في قطاع غزة. من المؤكد ان هذا التصريح لا يتماشى مع خطط نتانياهو الذي يريد إطالة زمن الحرب ويرفضه تماما بل يقصف الجيش عمدا بشكل منتظم قافلات الإغاثة بعد تفتيشها وتقليص محتوياتها في معبر رفح.  

يبدو جليا أن موقف الدول الغربية التي تشعر نفسها بالخيبة هو هدية لحكومة المتطرفين برئاسة الفاشي نتانياهو الذي فشل في تحقيق أي نصر بالقضاء على المقاومة امام المجتمع الإسرائيلي الذي ينتظر منه هذا النصر منذ أكثر من أربعة أشهر دون نتيجة. بشكل جماعي اتخذت هذه الدول هذا الموقف المنحاز وبادرت بسرعة غريبة بقطع التمويل عن المؤسسة الدولية التابعة للأمم المتحدة دون ان تتحقق) أليس المتهم بريء حتى تثبت ادانته في القانون وقوانين هذه الدول؟ (من الادعاءات الإسرائيلية التي ظهر كذب بعضها حول السابع من أكتوبر باعتراف امريكي اوربي! بعد تدمير واسع لغزة ومدارسها ومستشفياتها وجامعاتها وكل بناها التحتية لتصبح غير قابلة للحياة، توجه حكومة اليمين المتطرف الفاشية انظارها الى وكالة الاونروا متهمة إياها بتشغيل فلسطينيين ينتمون الى حماس والمقاومة لكن الكذبة انكشفت مثل سابقتها.

لقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرا لمجندة إسرائيلية تدعى "كاري كيلر لين" تدعي فيه ان اثنا عشر موظفا، من مجموع ثلاثين ألف يعملون في الاونروا، هم أعضاء في حماس وكتائب القسام، لكن يبدو ان قناة سكاي نيوز الامريكية لم تقتنع بالكلام فقامت بتدقيق التقرير ووجدت انه لا يوجد أي دليل في التقرير على ما تدعيه الجندية الإسرائيلية. لكن وبحسب الاعلام الأمريكي فأن الحكومة الإسرائيلية لم تكتف بهذا بل انها أرسلت تقريرا آخر للموساد يزعم هذه المرة وجود 190 موظف ينتمون الى حماس وفصائل الجهاد الإسلامي في الوكالة، لكي يصرح الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض عن تعليق تمويل الاونروا. ان العملية الإسرائيلية التي تستهدف شيطنة الاونروا واضحة هنا لا لبس فيها ولا تحتاج الى أدلة إضافية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه على هذه الدول التي تتكلم بالأخلاق والقانون، لماذا تم تعليق التمويل قبل عمل تحقيق للتأكد من تقارير الحكومة الإسرائيلية؟ لماذا لم تطلب هذه الدول التي تغضب من التجاوز على القانون من الأمم المتحدة القيام بأجراء محدد لتوضيح هذا الامر؟ وحتى لو وجد من بين الموظفين أتباع للمقاومة فهل من المنطق الحكم على الوكالة بالإلغاء وعلى حرمان الملايين من اللاجئين من خدماتها؟ بأي حق تقوم دولة بالمطالبة بإنهاء مؤسسة رسمية بحجة كاذبة؟ أم أن التعامل بمعيارين لحماية الكيان هو اهم من احترام القانون؟ في لقاء للفيلسوف الفرنسي برتراند بادي قال لقناة الميديا حول هذا الادعاء: وماذا لو ان هناك غزاويون يعملون مع الاونروا من حماس وفصائل؟ لا أرى في ذلك أي مشكلة، ان ذلك امر طبيعي ولهم الحق في التفكير كما يشاؤون في ارضهم.

يبدو موقف الدول التي هرولت لقطع تمويل الوكالة انها تنجد نتانياهو وحكومته وتنجد المتطرفين الذين يرددون بفرح وحماس عبارات الاستيلاء على غزة والإبادة والقتل واعتبار الاخر حيوان يتوجب قتله. هذه الدول تقف بشكل لا أخلاقي ومعيب ربما يقودها ذلك الى تهمة مساندة الإبادة للشعب الفلسطيني إذا ما ثبتْت محكمة الجنايات الدولية ذلك في القريب العاجل لأنها تستهدف بموقفها هذا حياة مجموعة بشرية وتحرمها وتعاقبها جماعيا من التعليم والتطبيب والاستفادة من كل ما تقدمه هذه الوكالة منذ عقود للاجئين. بل انها لم تنبس بكلمة ولم تتخذ موقفا من اجرام الجيش الإسرائيلي حينما قتل عمدا 152 موظفا من الاونروا، بل تتصرف بعكس القيم والقانون العزيزين عليها، فهي تنجد هذا الجيش الذي اقترف الفظائع بحق الإنسانية والذي ربما ستصدر بحقه احكام تدينه بالإبادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية لتعيد له الاعتبار وتجمل صورته امام العالم بعد ان ظهرت صورته الحقيقة. ان تسويق الأكاذيب والادعاءات لشن الحروب والشيطنة أصبحت رياضة مشتركة للدول الغربية. بموقفها المنحاز، تشارك هذه الدول فعليا مع حكومة نتانياهو بتجريم الأونروا التي لم تكل المحاولات الصهيونية والدولية عن التعرض لها منذ عقود. يرى الاحتلال والداعمين له فرصة لا تفوت في خضم الحرب والدعم الأمريكي والاوربي غير المحدود للتخلص من مؤسسة اممية تتبع اعلى مرجعية دولية وقانونية في العالم تساهم في ادامة قضية اللاجئين والحفاظ على هويتهم الوطنية وتوثق ما يقرب من ست ملايين ونصف لاجئ اليوم وهو الامر الذي يؤرق دولة الاحتلال اليهودية المهدد وجودها بديمغرافية أصحاب الأرض. هذا الحلم الصهيوني "لرمي قضية اللاجئين "في البحر" او إيجاد "الحل النهائي" لها او التخلص منها بتصديرها لبلدان الجوار، اعتبر منذ بداية الاستيطان أكبر عائق في اقامة الدولة اليهودية على ارض فلسطين التاريخية وما بعدها، وأدعى انه غير مسؤول عن تهجير الفلسطينيين ورفض عودة الفلسطينيين الى مدنهم وقراهم التي هجروا منها في النكبة.

ومنذ سنة 1949 قامت الولايات المتحدة الامريكية بالعمل على انهاء قضية اللاجئين والتنصل فيما بعد بسنوات من قرار الأمم المتحدة رقم 194 الذي صاغته بنفسها والذي ينص على وجوب السماح بالعودة للاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من ديارهم إبان النكبة. هناك اجماع على ان الهدف من المحاولات المستمرة لتقويض الأونروا هو التلاعب بتعريف اللاجئ الفلسطيني استنادا الى تعريف اللاجئ في ميثاق اللاجئين لعام 1951 بدلا من اعتماد تعريف أونروا للاجئ الفلسطيني وذلك لتقليص عدد اللاجئين كما تعرفه الهيئة الدولية التابعة للأمم المتحدة. اللاجئ الفلسطيني حسب الاونروا هم الذين كانت فلسطين مكان اقامتهم الطبيعي خلال أعوام 1946-1948 وفقدوا منازلهم نتيجة حرب 1948 والمنحدرين منهم مؤهلين للتسجيل لدى اونروا. ان الرقم الذي وصل اليه عدد الفلسطينيين المسجلين والذي يصل الى 6,4 ملايين لاجئ قد جعل من قضية تصفية الاونروا وتفكيكها للتخلص من اللاجئين ومنع انشاء دولة فلسطينية على جدول أولويات الدولة العبرية حسب دراسة مطولة نشرها معهد دراسات الامن القومي الإسرائيلي الذي اقترح بدائل منها نقل ميزانيتها الى حكومات الدول المضيفة ليتم تصفيتها بالكامل ودمج اللاجئين في الدول التي يتواجدون فيها. ان مثل هذه الخطط لا يمكنها ان تتم الا بالتنسيق مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي ودوله لدعم مثل هذا التوجه لان وكالة الغوث تتبع للأمم المتحدة وليس من السهل الهجوم عليها وتفكيكها لتحقيق أحلام دولة الاحتلال المريضة.

لن تتمكن دولة الاحتلال لا هي ولا من يدعمها اليوم من تفكيك الاونروا ومن الصعب حتى لو وافقت الأمم المتحدة على تحقيق بهذا الخصوص برئاسة وزير الخارجية الفرنسي الذي يعتبر وصم جيش الاحتلال باقتراف جرائم حرب من الجنائية الدولية هو تجاوز أخلاقي وربما لا يرى بتفكيك الاونروا الامر نفسه لأنه ينحاز الى دولة الاحتلال مثل نظرائه في الاتحاد الأوربي. أعاد طوفان الأقصى قضية عدالة الحق الفلسطيني الى قلب الاحداث العالمية والى الوجود مجددا ليحتضنها تضامن عالمي واسع ما يزال بعد أربعة أشهر يجوب شوارع العواصم والمدن ليطالب العالم والنظام العنصري في فلسطين بالكف عن المجازر والقتل ويطالب بالدولة الفلسطينية ولتعيد القوى التي صنعت هذا الكيان التصريح بحل الدولة الفلسطينية وان حماس ليست منظمة إرهابية وفكرتها لا يمكن ان تموت.






الجمعة ٦ شعبــان ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / شبــاط / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ولاء سعيد السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة