شبكة ذي قار
عـاجـل










في ضوء بيان القيادة القومية الصادر يوم ٢١ أكتوبر ٢٠٢٣ م

حول الحرب على غزة

 

 

احتلال العراق أطلق يد الكيان الصهيوني فتمادى في إجرامه

 

الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس

أكاديمي عربي من العراق

 

لا يتجادل اثنان في حقيقة الثقب الهائل الذي أحدثه غزو العراق واحتلاله في جسد الأمة العربية، والنتائج الكارثية التي أحدثها في البنية القومية العربية على جميع المستويات، وفي مقدمتها كفة القوة العربية في المواجهة التاريخية مع هذا الكيان الاستيطاني.

إن هذا الإطلاق لا يتعلق بقوة العرب كجيوش نظامية وكمجسمات اقتصادية وسياسية كان العراق وجيشه يقف على هرم تمكنها ويمثل ذراع التحدي الأعظم لها بل إن اختلال معادلة الإتزان قد نفذت إلى القوة المغذية الأساسية لجسد المقاومة الفلسطينية حيث كان العراق:

 أولاً: يمثل حاضنة طبيعية لعدد كبير من الشعب الفلسطيني.

 ثانياً: كان العراق بطوله وعرضه يمثل معسكر تدريب للمقاومة الفلسطينية، وكان هذا المعسكر يمتلك خبراء تدريب محترفين ماهرين وأسلحة تدريب كاملة وتمويل مالي وكل نوع من أنواع الإسناد.

ثالثاً: كان العراق هو اليد الطويلة التي تصل إلى العمق الفلسطيني، وتمده بأسباب الصمود والتحدي، وتحتضن عوائل الشهداء، وتكرم الرجال الذين يديمون ديمومة الحياة لقضية فلسطين التي بدأت أيادي الردة والاستسلام تخنقها رويداً رويداً بعد كامب ديفيد سيئة الصيت.

إن بوسعنا أن نقول إن العراق كان أرضاً فلسطينية، والفلسطينيون يعيشون فيه، ويعملون كما العراقيون تماماً، ومنه يتحركون بحرية مطلقة، والإعلام العراقي فضلاً عن المال والسلاح تحت سلطة طلباتهم التي لا ترد.

واليقين التام الذي لا يداخله أدنى شك هو أن قرار غزو العراق واحتلاله سنة ٢٠٠٣ م كان دافعه الأول هو إنهاء هذا الدور العراقي الحاضن لثوار فلسطين وللقضية الفلسطينية والمؤثر دولياً، وليس عربياً فحسب، في صناعة المواقف وفي تغييرها لصالح فلسطين وشعبها.

إن قرار احتلال العراق، وبعد مرور عشرين سنة عليه، ووضوح كامل خارطة التداعيات المرتبطة فيه قد أوصل أمتنا العربية إلى مواقع وهن وضعف وحقق تراجعاً مريعاً في كامل مواقف الأمة من القضية الفلسطينية وتراجعات مهنية للأنظمة تتمثل في التهالك من أجل اظهار الطاعة العمياء لمخططات تصفية القضية الفلسطينية، ليس فقط عبر الانخراط في سياسة كامب ديفيد وما تلاها فحسب بل وفي فتح ثغرات خطيرة في خطوط الأمن القومي عبر ما يعرف بالتطبيع مع الكيان الصهيوني المغتصب لفلسطين والذي يقوم يومياً بممارسات تنكيل وحشية وقتل وتهجير واعتقال وعدوان على المقدسات في فلسطين المغتصبة.

إن العدوان اليومي للكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين في كل الأرض المحتلة وفي الضفة الغربية وغزة الذي يحرك أفئدة وحوش الغاب صار يمر يومياً والحكام العرب يرتشفون قهوة الصباح مع رموز النازية الصهاينة وعناق المودة يمتد متواصلاً متجدداً مع رموز القهر والهمجية، ومع اتساع رقعة التطبيع والاستسلام اتسعت رقعة العنجهية الصهيونية وباتت مخططات الكيان الصهيوني في توسيع عدوانه وبانت نياته المعروفة سلفاً تتحول إلى وقائع على الأرض، وراودته الظنون بأن الزمن قد أزف للدخول في مراحل تصفية القضية النهائية.

ومع ما قد حصل من تغييرات جيوسياسية على مستوى الوطن العربي كله بعد احتلال العراق برزت ظاهرة تماهي الصهيونية في مسارات عدوانها على العرب، تلكم هي ظاهرة التمدد الإيراني الاستعمارية على حساب العرب، وبما يكمل خطوات وخطوط سير العدوان الصهيوني الامبريالي، وتبين تماماً أن خط سير العدوان الإيراني على العرب هو أخطر من العدوان الصهيوني بما يجعل بعض العرب يستسهلون الخنوع للعنجهية الصهيونية لتلافي ما هو أخطر عليهم بكل المعاني من الوجود والعدوان الصهيوني.

ويتمثل التفوق في النهج العدواني على العرب مقارنة بالعدوان الصهيوني باختصار شديد في:

 أولاً: إن العدوان الإيراني يرتدي ستاراً دينياً إسلامياً وطائفياً شيعياً مما يمكنه من مسك مفاتيح اختراق خطيرة لا يمتلكها المنهج الصهيوني أو بالأحرى لا يمتلك خبثها وباطنيتها لأن الصهيونية معلنة العداء واضحة التضاريس المفترسة للعرب.

ثانياً: إن إيران لا تطمع بجغرافية عربية واحدة بل إن أطماعها وعدوانها موجه لكل العرب بدءاً من مشرق الأمة، وهذا الكلام ما عاد يحتاج إلى برهان فلقد شاركت إيران الولايات المتحدة غزو العراق واحتلاله ثم أوكلت لها مهمة إدارة الاحتلال كاملة بعد سنة ٢٠١١ م كما هو معروف.

ثالثاً: إن احتلال العراق قد أجبر بعض فصائل المقاومة ومنح بعضها الذرائع للوقوع في الفخ الفارسي، إن هذا الفخ هو أعمق بئر تم حفره للمقاومة الفلسطينية لتقع فيه، لأنه قد أدخل على جسدها عدواً بثياب صديق.

لقد استخدمت المقاومة الفلسطينية سلاحها وعبقرية رجالها لتنفذ حرب يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ م كجزء من واجبها تجاه الأرض والعرض ومجمل القضية، وقد كانت خطط وتداعيات معارك طوفان الأقصى سيفاً عربياً طال أوصال الاستسلام والتطبيع ووضع العنجهية الصهيونية أمام واقع جديد، محتواه المكثف هو أن القضية لن تصفى وأن التطبيع لن يمر على الجسد الفلسطيني الذي أثخنته جراح ٧٥ سنة غير إنه ظل باسقاً شامخاً يتحدى الفناء كطائر العنقاء.

إن طوفان الأقصى قد وضع الأنظمة العربية ووضع العالم برمته أمام حقيقة الإجرام الصهيوني الذي لن ينفع في تغطيته إعلام الامبريالية، ولا صمت أعراب الأمة، كما إنه كشف حقيقة لطالما أعلن عنها حزبنا المناضل  حزب البعث العربي الاشتراكي وفصيله المجاهد في فلسطين كلها وفي غزة والضفة هو أن لا وجود لمحور إيراني يدعى (محور المقاومة)، بل إن هذا المحور شريك باطني بل وحتى ظاهر في العدوان على فلسطين وشعبها، وإن ما نراه من تحركات تمويه وتغطية إيرانية عبر أذرعها الميليشياوية والطائفية في المنطقة لم يعد يمر إلا على من قرروا سلفاً أن يقبلوه ليكون بديلاً عن قضية فلسطين المركزية التي يعيش العرب على رجاء تحريرها وإن هذا التحرير القادم حتماً بعون الله هو طريق الأمة نحو وحدتها المنشودة.

 






الاحد ٧ ربيع الثاني ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / تشرين الاول / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مكتب الثقافة والإعلام القومي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة