شبكة ذي قار
عـاجـل










في ذكرى ميلاده ..

مات صدام الجسد عاش صدام المبادئ

حسن خليل غريب

 

بين الحي الميت، والميت الحي، مسافة واسعة. فالحي الميت هو من أساء إلى مجتمعه فمات في ذاكرتهم، أو من لم يترك أثراً في مجتمعه يستذكره الناس من بعده. والميت الحي هو من ترك أثراً يستفيد منه المجتمع الخاص والمجتمع الإنساني.

وبهذا المعنى مات صدام حسين جسداً، ولكن ما بقي منه من تأثيرات جمة جعلته حياً في ذاكرة كل من عاصرها أو سمع بها.

إن هذا التعريف يستدعي التمييز بين شهادتين تتداولان على ألسنة من كتب عنه، وهما: صدام الديكتاتور، وصدام الرائد في بناء دولة حديثة.

وبرأينا كان صدام حسين يجمع الصفتين، ولكن بمعنى وحدة الشخصية، لا تنافر بين حديها، لأن الرائد في بناء الدولة الحديثة التي تضمن استتباب مبادئ العدالة والمساواة لجميع مواطني تلك الدولة، سواءٌ أكان فرداً عادياً فيها أو مسؤولاً عن بعض أو أكثر من جانب، تكون شخصية الإنسان مرتبطة بمجموعة المبادئ التي اقتنع بها منهجاً لحياته الشخصية والعامة في علاقته بالمجتمع. ومن هو غير مرتبط بتلك المبادئ قد لا يعرف أين وقعت مظاهر الفشل، وأين وقعت مظاهر النجاح، لأنه يجهل القواعد (المبادئ) التي يقيس عليها تلك المظاهر.

كان صدام حسين يمتلك تلك المبادئ في حياته الشخصية قبل توليه شؤون إدارة الدولة، وبعد أن أصبح رئيساً لها. وتلك المبادئ كان قد استقاها من ثوابت حزب البعث العربي الاشتراكي في الوحدة والحرية والاشتراكية. وهي المبادئ التي، حتى الآن، لم تضع المجاميع الفكرية أفضل منها لإدارة الدولة العربية، سواء أكانت الدولة القطرية التي رسمت حدودها الجغرافية اتفاقية سايكس – بيكو، أو الدولة القومية التي رسمت حدودها السياسية نتائج الأبحاث الفكرية القومية.

ولأن بناء الدولة القطرية السائدة، أو بناء الدولة القومية المنشودة، بناء حديثاً ومعاصراً تواجه الكثير من العوائق والعراقيل، سواءٌ منها الداخلية أم كانت الخارجية، كان على من يعمل على نجاح المشروع القطري أم القومي، أن يتَّصف بسمات خاصة تقع بين اللين والشدَّة. بمعنى تشجيع من ينجح، وعقاب كل من يفشل أو يعرقل. وكان عقاب من يعرقل هو الأشد.

وبمثل تلك السمات كان صدام ديكتاتوراً صارماً في تطبيق تلك المبادئ، لا يتهاون مع أي عمل مقصود في افشال التجربة، ويعمل على تصويب الطريق أمام من يفشل في التطبيق.

كان صدام حسين ديكتاتوراً، يُنزل العقاب الشديد بحق كل من يُبذِّر بمصلحة المجتمع الوطني عن سابق إصرار وتصميم. بل يُصرُّ على التخريب بالأمن الوطني أو الأمن الاقتصادي أو الأمن الاجتماعي. ويكون بغاية السعادة والرضى عمن يعمل مثقال ذرَّة لخير الوطن، لا فرق عنده بين وزير أو عامل وفلاَّح. والكلُّ متساوون بالغُنم والغُرم. وكان يقيس المواطن، على شتى المستويات الوظيفية في الدولة، بمقدار عمله وليس بمقدار إيمانه الديني أو المذهبي، أو بمقدار رتبته الوظيفية. وكان الموظف في وظيفته، أو العامل في عمله يُثاب على أي نجاح، ويُعاقَب على أي خطأ. ولا يُرجئ ثوابه أو عقابه، بل كل تقييم لعمل المواطن يصاحب نتيجة أي جهد يقوم به.

كان مثال الحاكم (الظالم العادل)، ولهذا أغرق معادو صدام حسين، لمنهجه في إدارة شؤون العراق، وفي النظر إلى إدارة العجلة القومية، بتشويه هائل مقصود. وقد خُيل للكثيرين أن التشويه يعود لأسباب تعود لعداوات شخصية معه، أو لمواقف شخصية منه؛ أما القليل فقد وضع السبب من وراء التشويه إلى ما هو أبعد من ذلك.

ومن منظورنا نعتبر أن منهجه في إدارة شؤون الدولة الوطنية كان يستند إلى تلك الأسس، فإنه كان يبني الدولة وكأنها جزء من الدولة القومية المنشودة. يده وعينه على العراق وقلبه على الأمة العربية، ومن دون استطراد عن إنجازاته القومية وهي أكثر من أن تُحصى، نقول بأنه كان يبني العراق وكأنه يبني الدولة القومية على مثاله. وتلك كانت جريمته الكبرى في نظر المعادين له، والمعادين للنظام الوطني في العراق. وهذا السبب أدى إلى كوارث طالت العراق وصدام حسين.

كان السبب في إعدام صدام حسين أبعد من النيل منه كفرد. بينما كانت المبادئ التي اتخذها قواعد لتنفيذ سياسته في إدارة الدولة الوطنية هي المقصودة بالإعدام. تلك القواعد كانت ثوابت حزب البعث.

بالعودة إلى بدايات القرن العشرين التي تؤكد انتشار الحالات العدائية للقومية العربية، التي ابتدأت بمشاريع الاستعمار والصهيونية، والتي اتصلت بمشاريع الإسلام السياسي لاحقاً، فقد عرف العراق آخر فصولها بعد احتلاله. وكان منع وحدة العرب أولاً، وإبقائهم في دائرة التخلف ثانياً، تشكل أهدافاً استراتيجية للقوى المعادية. ولما تجاوز مشروع صدام حسين الخطوط الحمر للاستعمار والصهيونية وحركات الإسلام السياسي، فقد (استحق) العراق عقوبة الاحتلال، و(استحق) صدام حسين عقوبة الإعدام.

وعلى أرض العراق المحتل، بدأت تتكشف فصول المؤامرة وأهدافها الاستراتيجية ضد مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي على التوالي:

في أول قرار لبول بريمر، الحاكم الأول للعراق بعد الاحتلال، أصدر في الأول من أيار 2003، القرار الرقم (1) تحت مسمى (اجتثاث البعث)، والقرار الثاني حل الجيش العراقي لأنه يعتنق عقيدة البعث.

حصل هذا قبل القيام بملاحقة الإثنين وخمسين مسؤولاً عراقياً، والتي يتصدر صدام حسين لائحة أولئك المسؤولين، من الذين شاركوا في الحكم الوطني قبل الاحتلال.

ما هي الدلالة من وراء إصدار تلك القرارات؟

 السبب أنهم خططوا لاجتثاث المبادئ، فهي أخطر عليهم من الأشخاص. ولو ارتضى صدام حسين أن يعلن اعتزاله العمل السياسي لكان قد نجا بحياته، ولكان قد تم توفير حياة لائقة له في أي دولة أجنبية يختارها، ولما رفض إغراءاتهم، فقد ارتكبوا جريمتهم بشكل مناف لكل القوانين والأعراف الدولية.

تم إعدام صدام حسين شنقاً حتى الموت لأنه تجاوز كل الخطوط الحمراء. وأعدموا العراق حرقاً وتدميراً واغتيالات وتفتيتاً طائفياً، حتى أعادوه إلى ما قبل العصر الحجري، كما هدد جيمس بيكر، وزير الخارجية الأميركية الأسبق.

ونحن إذ نقف أمام ذكرى ميلاده البيولوجي، نعتبر أن جسد صدام حسين قد مات، ولكنه في كل عام وفي الـ28 من نيسان، نراه بأم العين حياً ينطق. كما نراه حياً في عيون العراقيين الذين عاصروا تجربته الرائعة على أرض الواقع. وكما تراها أجيال العراقيين الشابة بعد أن خبروا مأساة الشعب العراقي بعد احتلال العراق، ولمسوا أهدافهم العدائية التي عملوا على تنفيذها وفي المقدمة منها اغتيال المبادئ التي بنى البعث عليها العراق المعاصر.

بعد عشرين سنة من احتلال العراق ظنَّ الناعقون الخونة أن مبادئ البعث دُفنًت، وأن جسد صدام حسين أصبح رميماً؛ ينتفض البعثيون، منذ اللحظة الأولى للاحتلال، كالعنقاء من بين بحور الدماء، وركام الحرائق، وسلاسل الاغتيالات والإعدامات، ليرددوا من جديد ثلاثية البعث في الوحدة والحرية والاشتراكية. وكلما قبض البعثيون على جمر مبادئ الدولة المدنية، ينتصب صدام حسين حياً، وكذلك جميع رفاقه الذين قدموا حياتهم لتحيا أمتهم، ليعودوا إلى الحياة من جديد.

ونختتم مرددين في ذكرى ميلاد صدام حسين، رمز النضال الوطني والقومي والإنساني، (صدام حسين وإن مات فهو يولد كل يوم يُصر فيه البعثيون على العمل من أجل تطبيق مبادئهم في الوحدة والحرية والاشتراكية).






الثلاثاء ١٩ شــوال ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / أيــار / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حسن خليل غريب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة