شبكة ذي قار
عـاجـل










بعد المتغيرات الدولية والإقليمية والعربية

التحالف الأميركي-الصهيوني يعيد تفجير مشروع

"الشرق الأوسط الجديد” من السودان

 

حسن خليل غريب

 

إن المرحلة الحالية تعتبر أكثر المراحل حساسية التي يمر بها الوطن لعربي، ويعتبرها المحللون أنها مفصلية بين محطتين تاريخيتين: مرحلة بدء تطبيق مشروع "الشرق الأوسط الجديد" وفقدانه توازنه بعد أكثر من عشر سنوات، ومرحلة ما بعد ظهور ملامح لاستعادة القرار السيادي العربي، وإن كان لا يزال تحت الاختبار، منذ آذار الماضي.

في هذه المرحلة المفصلية، يتوخى المراقبون والمتابعون أن يستعيد الوطن العربي توازنه احتفاء بالخلاص من التداعيات الخطيرة التي تركتها مرحلة تنفيذ مشروع ما يسمى "الشرق الأوسط الجديد". إذ أصبح من الثابت أن أميركا والصهيونية كانتا عرابتيْ المشروع، ونظام إيران المستفيد والمنفِّذ الاساسي له، وتركيا بدرجة اقل.

ولكن مرحلة فقدانه التوازن، تم تتويجها بخسارة للمشروع الأميركي-  الصهيوني بعد أن واجه وعي عربي لمخاطره عبر عن نفسه من خلال عدة تطورات ذات دلالات ايجابية، أبرزها تواصل الانتفاضة الشعبية وتجددها سلميا في العديد من الساحات العربية وتنامى تأثيراتها عالمياً.

إن المتغيرات التي حصلت، وإن كانت مملؤة بالوعود الخاضعة للتجربة، فإنها من دون شك زرعت الخوف عند التحالف الأميركي - الصهيوني، الذي كان المتابعون يترقبون حصول الرد عليها، وراحوا يترقبون زمانه ومكانه. ولما اندلعت أحداث الصراع الاخير في السودان، كان لا بد من الربط بينها وبين القرار الأميركي - الصهيوني بتفجير الساحة السودانية.

فإلى ماذا يعود الربط بين اندلاع الصراع السوداني بين المكون العسكري، والأيدي المحركة التي يقوم بها التحالف الأميركي - الصهيوني؟

أولاً: لأن التحالف تراجع دوره كثيراً عن التقرير في المنطقة. وثانياً تدل عليه العودة لاستخدام وسائل الفوضى "الخلاقة"، كأنموذج للوسائل التي استخدمها التحالف سابقاً، والمستفيدين منها من الانظمة الاقليمية التي نفذتها نيابة عن التحالف، في العراق ولبنان وليبيا وسورية واليمن.

 

وجهة نظر حول ما يجري في السودان الآن:

أصبح من الواضح أن التحالف المذكور، بذل جهداً واسعاً للحصول من نظام المكون العسكري السوداني على اتفاقية تطبيع مع العدو الصهيوني قبل أشهر من العام الماضي، وهذا ما يتيح له حرية اتخاذ القرار الذي يضمن له مصالحه في الأوقات التي يراها مناسبة له. وتحت تأثيرات التطبيع السلبية قام المكون العسكري بانقلاب الردة على الاتفاق الانتقالي السابق مع قوى الحرية والتغيير المدنية التي انضمت إليه مكونات سلام جوبا، والذي قضى بتسليم السلطة للمدنيين من أجل استكمال مراحل الانتقال الديمقراطي السلمي في السودان.

ولأن تسليم السلطة للمدنيين وتعزيز الحياة الديمقراطية في السودان سيؤسس لقوة القرار الشعبي ويُرسِّخ استقلاليته وسيادته، وفي ظل المتغيرات التي أخذت تتصاعد في أجواء المنطقة والتي تعزز المكتسبات الديمقراطية لشعبنا في السودان تحت قيادة تيارات وقوى المجتمع المدني ومكونات الحراك الثوري السلمي التغييرية.

ولأن التحالف المذكور أصيب بنكسة كبرى من تلك المتغيرات، كان لا بد من تفجير الأوضاع في السودان لإعادة إرباك القوى الدولية والاقليمية والعربية التي تعمل من أجل التصدي لاستراتيجية الفوضى اللاخلاقة بل الهدّامة التي احدثها التحالف الامريكي الصهيوني في الوطن العربي، والانتقال منها الى مرحلة تتسم بشيء من الاستقرار الضروري لإنعاش الجانب الاقتصادي. وهذا مما يعود بالضرر الفادح على التحالف الأميركي -الصهيوني، خاصة أن تلك المتغيرات تزامنت مع بروز وتعاظم الدور الصيني والروسي في المنطقة واللذان يعملان بدورهما على الاستفادة من اخطاء السياسة الأميركية الحمقاء في استعداء حتى حلفائها، السياسة التي كانت تقوم على التحريض ضد كل من هو غير أميركي وتصطدم بإرادة وخيارات الشعوب وتطلعاتها، بدلاً من سياسة التهدئة كمناخ ملائم للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

 

الفوضى "الخلاقة" وسيلة استراتيجية أميركية للتحقيق المشروع الشيطاني:

إن اتفاق المكون العسكري في السودان، قيادة الجيش النظامي وقوات الدعم السريع وغالب مكونات سلام جوبا وواجهات نظام الانقاذ، على الانقلاب ضد إنجازات قوى الانتفاضة ذات الطابع الثوري، في انجاز التحول الديمقراطي المدني، لم يكن قراراً داخلياً سودانياً خالصاً.

كما أن انقسام ذلك المكون لاحقاً، إلى فريقين متناحرين يمكن أن يتطور إلى حرب أهلية وفق بعض التقديرات، كان قراراً أميركياً - صهيونياً، من أجل خلط الأوراق في الوطن العربي، خاصة بعد أن أصبحت مصالح التحالف تحت مرمى أهداف المحور الدولي المناهض للرأسمالية الغربية الاخذ بالبروز والتبلور، اضافة إلى تراكم وتنامى الوعي بمخاطره.

وبين هذا وذاك، كان قرار التحالف، بإعادة إنتاج مشروع ما يسمى "الشرق الأوسط الجديد" في السودان على قاعدة إحياء استراتيجية الفوضى "الخلاقة"، والتي هي في حقيقتها شيطانية هدّامة، لإعادة رسم الخرائط، بخلط الأوراق من جهة، وإرباك حركة المتغيرات الجديدة من جهة ثانية، وإعاقة أي تحول ديمقراطي حقيقي على عكس ما ترفعه من شعارات ديمقراطية من جهة ثالثة.

 

ليس كل مشروع أميركي في الوطن العربي مكتوباً له النجاح:

إذا كانت حركات الإسلام السياسي تعرف كيف تهدم، وتجهل كيف تبني، وفق التجربة، فإن استراتيجية الفوضى "الخلاقة" الأميركية - الصهيونية تماثلها في التشبيه، لأنها تقود الشعوب التي تنخرط فيها إلى الخراب، وتجعلها تدفع الدم، وتؤدي إلى الإضعاف والشرذمة والتفتيت وتهجير الملايين والتغيير الديموغرافي وتهدر الثروات الوطنية، من دون أن تؤدي إلى ما يخدمها ويخدم مصالحها. وهذا هو مصير شعبنا في السودان إذا ما استمر الصراع على هذا الشكل، وإذا لم يتراجع الفريقان عن لعبتهما الخطيرة، ويتم الوقف الفوري للقتال الذي تلعب الارادة الشعبية المنظمة والمبادرات الاهلية، وتشكيل رأي عام واسع وفاعل مطالب بذلك، العامل الحاسم.

لقد أصبحت الاستراتيجية الأميركية مكشوفة بالكامل امام كل جماهيرنا العربية وخاصة في القطر السوداني العزيز، وذلك بعد أن اختبرتها معظم الأقطار العربية منذ احتلال العراق وتأكد ذلك بعد العام 2011.  ولعل القوتان العسكريتان في السودان تعيدان قراءة التجربة المرّة التي خبرتها الأقطار العربية الأخرى، وتعودان إلى رشدهما قبل فوات الأوان.

ولو افترضنا أنهما لن ترعويا، وهذا ما نتوقعه لأنهما فقدتا السيطرة على اتخاذ القرار السيادي، فان ذلك لن يكون آخر الدواء، لأن الوطن العربي أخذ يسير الخطوة الأولى على طريق الألف ميل في إحداث متغيرات إيجابية، ونأمل أن تنعكس تلك الخطوات على القطر السوداني الشقيق.

 

الأمن القومي العربي يبقى ناقصاً إذا لم يكن السودان في صلب الاهتمامات العربية:

بانتظار ثبوت رؤية العمل الجدي في المرحلة الحالية في ظل بعض المؤشرات التي يشهدها الوطن العربي، وعلى قاعدة شمولية مفاعيلها كل القضايا العربية التي عانت الأمرّين من مراحل ويلات المرحلة السابقة.

وعلى قاعدة الابتعاد عن المساومات والمقايضات والمحاصصات التي تراهن عليها القوى الإقليمية في الحلول كما كان يحصل من قبل.

على العرب، عبر مؤسسة جامعة الدول العربية، ومؤسسات القمة العربية، أن يضعوا قضية الامة العربية في قطر السودان على طاولة البحث، وأن يولوها الاهتمام والاولوية الكافية، من أجل الضغط على الفرقاء في الداخل لإيقاف النزيف الداخلي لمنع تحوله إلى حرب أهلية، يقتل فيها السودانِي أخيه السوداني، ويدفع السودان وحدته الجغرافية والاجتماعية ثمنا باهضاً.

ولأن تجربة الأقطار العربية الأخرى، التي ذاقت مرارة التجربة، واختبرت تأثيراتها الأشد سلبية على أمنها الوطني الجغرافي والاجتماعي، مما انعكس سلباً على الأمن القومي العربي برمّته، فقد أصبح من الضروري اطلاق المبادرات و اعتماد اليات ووسائل سريعة لوضع حد لهذه الازمة الخطيرة ومنها أن تتشكل لجنة عربية دائمة لإدارة هذه الأزمة وتضع الحلول الملائمة لها مع اعتماد الاسس الكفيلة بتنفيذ تلك الحلول ونجاحها بالتأكيد على الدور الوطني للقوى والمكونات السياسية والاجتماعية وتعزيز جهودها ومبادراتها والحيلولة دون اطالة امدها وتدويلها.






الاربعاء ١٣ شــوال ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / أيــار / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حسن خليل غريب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة