شبكة ذي قار
عـاجـل










الطائفية السياسية النظام الذي يفترس أبناءه

حسن خليل غريب

زادت غضبي على غضب إحدى نتائج الدراسات العلمية التي قامت بها شركة الأبحاث العالمية «غالوب»، لمعرفة المجتمعات الأكثر غضباً في العالَم. واعتمدت الدراسةُ على خمسة مؤشرات هي: التوتر، الحزن، الغضب، القلق، والألم النفسي. وشمل الاستطلاع أكثر من 100 دولة، وقد احتل لبنانُ المركزَ الأولَ عالمياً وعربياً بلا منازع، وتلاه العراق. وكنا نتمنى أن تضيف مؤشرات أخرى، ولعلَّ منها ما يتعلَّق بأسباب ونتائج تلك المؤشرات. كالجوع والإذلال والاستهانة بوعي المواطنين، والسخرية ممن يثورون في وجه تلك الأحزاب. ومن أهم نتائجها انتشار ظاهرة الانتحار، والهجرة، وازدياد معدَّلات السرقات، والقتل من أجل الحصول على لقمة العيش. وتسابق من لهم علاقة بالمواد الأولية ذات العلاقة بالأمن الغذائي والاجتماعي والإنتاجي، كالمواصلات، والكهرباء، ناهيك عن الرغيف ومواد الطاقة للتنقل والتدفئة....

ولذلك رحت أفتِّش عن أكثر المواصفات والألقاب والنعوت التي علينا أن نردح بها أحزاب السلطة الحاكمة في القطرين العربيين، من فنون بابتكار الجرائم المغطَّاة بلبوس الأخلاق والتدين.

وبقيت متردداً في إطلاق هذه الصفة عليهم أو تلك. وإلى ذلك الوقت، لا يلومنَّني أحد إذا كنت من المتطرفين في إطلاق البعض منها.

هم وحوش وليسوا بوحوش، بل هم أقل رتبة منهم. يعتمرون لباس البشر، وهم ليسوا ببشر. هم أبالسة عصرهم، وأكثر شيطانية من الشيطان. هم كل هؤلاء، إلى الحدِّ الذي لم نجد أوصافاً تليق بجرائمهم. 

أجل، لقد باتت معاجم اللغة عاجزة عن الإلمام بمواصفاتهم اللعينة، وأصبحنا عاجزين عن اختيار المصطلحات التي تليق بمقامهم الوضيع. وهم الأكثر انحطاطاً في تاريخ العلاقة بين الحاكم والمحكوم، سواءٌ أكانوا حاكمين في لبنان، أم كانوا حاكمين في العراق.

بأية لغة نخاطبكم يا أحزاب السلطة؟

إذا راقبت الوحش، فسوف تجد فيه بعضاً من سمات الغرائز البشرية الأخلاقية. وحش الغابة يقتل حيواناً من قطيع آخر، ولكنه يتنحَّى جانباً ويدع قطيعه يأكلون ملء بطونهم، ولا يتقدَّم إلى الفريسة إلاَّ بعد أن تشبع العائلة كلَّها.

فأنتم يا أحزاب السلطة أدنى رتبة من الوحوش الضارية، لأنكم تفترسون قوت قطيعكم، وإذا رأفتم بهم، فتتركون لهم بقية لا تضمن بقاءهم أحياء.

لن نستخدم صرخة بدر شاكر السياب، الشاعر العراقي، لأننا نرى أنه من الحرام أن نتَّهم أمهاتكم، لأنهنَّ دعون لكم بأن يحميكم الله من أولاد الحرام، فإذا بكم تتحوَّلون إلى أولاد حرام. تغوون الشياطين أنفسهم، وتفوزون عليهم بوسائل الاحتيال. فأنتم تغوون أنصاركم بأكثر الأساليب الشيطانية خبثاً ومكراً، وتصوِّرون لهم أنفسكم بأنكم ملائكة الرحمن، بينما أنتم الشياطين شكلاً ومضمونا.

لست أنتم وحدكم من يتحمَّل المسؤولية. بل يساعدكم عفاريت المؤسسات الدينية المتواطئة معكم كـ(ناطقين باسم الله) كما يزعمون. ويظهرونكم بصورة (الحاكم باسم الله)، كما كان يفعلها السابقون لكم منذ زمن طويل... وحوَّلوكم إلى أمراء للمؤمنين تأمرون وتنهون من دون رادع أو وازع من ضمير. فراح أنصاركم، نتيجة فتاوى تجار الدين، يسبِّحون بحمدكم، ويتباركون بكم على الرغم من أنكم ترتكبون أفظع الجرائم بحقِّهم. وتحدوهم الفتاوى والإرشادات، التي تحميكم من غضب ما يُطلقون على أنفسهم بأنهم (مؤمنين)، والتي تزعم أنكم تحكمون بـ(مشيئة الله)، وكأن وصولكم إلى كراسي الحكم تمَّت بإرادة منه. ولو شاء الله أن يكون غيركم في الحكم، كما يزعم تجار الدين، لكان قد اختاره.

عندما تصبح معاجم اللغة عاجزة عن المفردات التي تليق بجرائم أهل السلطة، خاصة ما يُسمُّونها (مفردات موضوعية ومهذَّبة)، فقد فقدت تلك المفردات موضوعيتها لأنها أصبحت تتناقض مع حجم جرائمكم ونوعيتها.

 

أمراؤكم ينقرون على دفِّ الفساد، وأنتم ترقصون على عزفهم:

(يا أمراء المؤمنين)، ويا (أيها المؤمنون)، أتركوا الله جانباً لأنه لن يتفرَّغ لأمثالكم من المحتالين. واتركوا للإنسان أن يعبد الله على الطريقة التي يشاء، لأنه (عليك البلاغ، وعليه الحساب). وانزعوا عن أنفسكم ثياب التقوى، فإنه (مخطئٌ من ظنّ يوماً أنّ للثعلب دينا..). وإذا كان المثل يُضرَب: (كما تكونوا يُولَّى عليكم)، فإنه أيضاً يصح أنَّ من يُولى عليكم إذا كان لصاً كبيراً فمن مصلحته أن يكون في خدمته من يتقن فنون اللصوصية.

ولأنكم أرباب البيت، فإنكم المسؤولون من دون أدنى شك عن (أهل بيتوكم)، إذا أخطأوا. ولأن القانون لا قيمة له من دون تنفيذ وتطبيق، وراعٍ يسهر على تطبيقه. وإذا ضربتم عرض الحائط به، فأنتم مسؤولون عن كل ذرة شر، يفعلها أو يرتكبها مواطن على كامل الأرض التي أوكلكم الشعب بإدارتها.

ولأنكم ضاربون بالفساد، وارتكاب الجرائم على كل أشكالها وألوانها وأحجامها، وبدلاً من السهر على تطبيق القوانين في كل المؤسسات الرسمية والخاصة لحماية المواطنين، فقد زرع كل أمير طائفة منكم في كل زاوية من زواياها موظفاً، من أكبرهم رتبة، إلى أصغرهم من الحراس والبوابين، لكي يحموا سرقاتكم لأموال الدولة، أموال الشعب.

نعم، كلكم، (ولن أستثني منكم أحداً)، شركاء في الفساد. لا بل لأنكم في أعلى هرم في السلطة، تتحملون المسؤولية كاملة عن كل خطأ يرتكبه موظف في المؤسسات الرسمية والخاصة. ولأن كل موظف محسوب على طائفة ممن تتزعَّمون، ويحظى بحماية واحد منكم. فأنتم تتحمَّلون المسؤولية كاملة. وبذلك تحوَّلت دوائر الدولة إلى بؤر تغصُّ بالفساد والفاسدين.

ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود، فأنتم كـ(ِرب البيت بدف الفساد ضارب)، وأنتم ملح السلطة، وإذا فسَدَ الملح، بماذا يُملح أنصاركم في كل إدارات الدولة؟

وأما بالنسبة للمؤسسات الخاصة، فأنتم تتحملون مسؤوليات انتشار التهريب، والتهرب من الضرائب، والتلاعب بالأسعار، لأن في كل مؤسسة منها شيطان محمي منكم لأنه يتقاسم معكم عائدات السرقة والنهب بالأسعار.

وحدِّث ولا حرج، بالنسبة إلى المؤسسات التجارية الكبرى، التي حصرتم الاستيراد بها، التي لم ولن يستطيع فقير أن يقوم بتأسيس مثلها بل من يؤسسها هم من أصحاب الرساميل، أي من تجار الاقتصاد الذين يقاسمونكم الأرباح. وبقي تاجر المفرَّق بالحوانيت والمحلات الصغيرة، التي يؤمن أصحابها بالمثل القائل: (إذا لم تكن ذئباً تأكلك الذئاب)، وهذا ضمن الواقع المرير الذي يعاني منه المواطن اللبناني، يعني أنَّ فقراء التجار، ما عليهم سوى أن يأكلوا من جيوب صغار المستهلكين. وبهذا يأكل الفقير فقيراً.

وإذا كان هذا غيض من فيض قبائحكم يا ِ (وحوش السلطة)، ماذا ننتظر منكم أن تفعلوه أكثر بحق هذا الشعب المسكين المقهور المغلوب على أمره بالتبعية والجهل والانقياد السهل لكم.

لا يعرف الشعب كيف يتسوَّل لقمة عيشه، ولقمة عيش أطفاله. وهو يترقَّب هبوط قيمة العملة الوطنية. ومعها أصبح الدولار شبحاً يُؤرق جفون المساكين والمرضى وأبناء السبيل من الذين التحق بهم من كانوا يشكِّلون الطبقة الوسطى. ومع هذا، ومع أننا نعجب من أن حبل الأمن الغذائي لم ينفلت حتى الآن، ونعجب أكثر من أن الجميع لم يندفعوا حتى الآن إلى النزول للشوارع، ويعلنون الطلاق بالثلاث بينكم وبينهم.

لقاء هذا الواقع الأكثر مأساوية في تاريخ العالم، هل رفَّ لكم جفن؟

وكيف يرفُّ جفن من تبيع الهوى إذا عيَّرها الآخرون بفعلتها؟

هل تبادر إلى أذهانكم مرة، منذ استوليتم على السلطة، أن وجود المؤسسات الدستورية ضرورة مُلحَّة لتسيير شؤون الناس؟

لم تتبادر إلى أذهانكم تلك الحقيقة، لأنكم درستم القانون في خنادق الميليشيات وخلف متاريسها. وكل ميليشيا منكم أنست إلى الاستقواء بقوَّادي الخارج، الذين يتاجرون بكرامتنا الوطنية، ويقتسمون الأرباح معكم.

أقراصنة أنتم؟ أزبانية للخارج أنتم؟ أقوَّادون أنتم تتاجرون بأعراض الوطن؟

أما الآن، يا سادة الفلتان، والفساد، والجريمة المنظَّمة، وبعد شغور المؤسسات الدستورية في العراق مثلاً، قمتم بالاستيلاء عليها لقاء مساومة بين أميركا وإيران. أعطى فيها كل منهما للآخر ما لا يملك. وهكذا وانتظاراً لملء الفراغ في المؤسسات الدستورية، تنتظرون في لبنان، مساومة أخرى وشبيهة بها.

 

نظامٌ طائفي سياسي وضع الشعب في خدمته عوضاً عن أن يكون خادماً للشعب

إذا كانت جرائم أولاد الحرام من لصوص أمراء الطوائف في لبنان، أصبحت ثقافة شعبية لكل عائلة من الأكبر إلى الأصغر فيها، وتعقد الأسرة اجتماعات دورية صباحاً وظهراً ومساءً، حتى أنها تشكل جزءاً كبيراً مما يحلمون بالحصول عليه. يمسون على أخبار انخفاض قيمة الليرة، وتأثيرها الحاد على مستوى رواتبهم، ويصبحون على انخفاض جديد.

وإنه على الرغم من كل ذلك، لا يأبه لصوص النظام بكل ذلك، لأن كل واحد منهم تحوَّل إلى ماري أنطوانيت جديدة، يتساءلون: (إذا كان الخبز مفقوداً أمام الفقراء، فليأكلوا البسكويت). وإذا كان الميسورون من أبناء العائلات العريقة الذين ركبوا الكرسي مطمئنين إلى وراثة ما تركه آباؤهم وأجدادهم من أموال ومؤيدين، فإن القطط السمان الجدد أصبحوا من الطينة نفسها. وتنكروا لطبقتهم، وأبناء جلدتهم من الفقراء.

في ظل الأجواء الشعبية الخانقة، والفقر المنتشر حتى في أوساط الطبقة التي كانت تُعرف حتى وقت قريب بـ(الطبقة الوسطى)، وتحوَّلت فيها إلى مستوى ما دون خط الفقر. وفي ظل الفراغات الدستورية، وفي الطليعة منها انتخاب رئيس للجمهورية، ظلَّت المسرحية الملهاة مستمرة أسبوعياً، لا يعرف اللبناني من فصولها العشرة حتى الآن، أكثر من أسماء مرمَّزة بألوان مختلفة. وكأنه كان ينقص الشعب اللبناني المقهور، مسلسلاً آخر، غير تركي أو إيراني أو أميركي، يتكلَّم بكل اللغات باستثناء اللغة العربية. ويدافع عن كل المصالح باستثناء مصلحة الشعب. راح أمراء الفساد يُنقِّبون عن رئيس يصدر عفواً عاماً عن جرائمهم السابقة، ويتغاضى عن جرائمهم اللاحقة.

إن هذا لعمري مسرحية ترف الوقت عند أحزاب السلطة لأن ممثِّليها في البرلمان خانوا طبقتهم الفقيرة، وراحوا يكدسون الرواتب المميزة التي يحصلون عليها من قيادات ميليشياتهم، ناهيك عن حصصهم من عائدات السرقات والرشاوى، والإكراميات الدسمة لقاء ترويجهم لبضاعة قادة المليشيا الملتحقين بها.

عيب على من يتاجر بوقت الفقراء وقوت عيشهم.

عيب عليكم أن تناموا ملء جفونكم، وينام أطفال الفقراء يؤرقهم الجوع والمرض وشدة البرد...

اللهم إن من يتاجرون باسمك، تجار الدين، يحمون هؤلاء الذين خانوا الأمانة، وتاجروا بعرق الفقراء وجوعهم. نضرع إليك اللهم أن تكشف كل عوراتهم وجرائمهم، فهم يقتاتون من الرشاوى للدفاع عن الظالمين. فليتَّعظ تجار الدين أنهم يرتشون من السحت الحرام الذي يحصل عليه من يُسكتهم بالرشاوى، يحصلون عليه بالسرقات والنصب والاحتيال والصفقات والسمسرات...

 

 

 






السبت ١٥ جمادي الثانية ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٧ / كانون الثاني / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حسن خليل غريب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة