شبكة ذي قار
عـاجـل










ما هو البديل المؤهل للحكم في حالة زوال النظام الإيراني التعسفي

أ.د. مؤيد المحمودي

 

 

بعد أن تعدت الانتفاضة الإيرانية منتصف الشهر الثالث، باتت الاضرابات تعم أسواق إيران والاحتجاجات تملأ شوارعها مؤكدة على عزيمة الشعب الإيراني الراسخة لدعم الانتفاضة الشعبية ضد النظام الحاكم.

لقد نجحت هذه الانتفاضة لحد الآن في تحدي جميع التهديدات والوسائل القمعية الوحشية التي لجأ اليها النظام الإيراني في محاولاته المستميتة لإيقاف جذوتها بأي وسيلة ممكنة. فلا تحذيرات حسين سلامي قائد الحرس الثوري الأخيرة التي وجهها إلى الشعب الإيراني المنتفض والذي أبلغهم فيها: "دعوا الشر جانباً، اليوم تنتهي أعمال الشغب ولا تنزلوا إلى الشارع بعد الآن" ولا أحكام الإعدام الجائرة بحق المتظاهرين ولا نزول الحرس الثوري والقوات القمعية الأخرى إلى الشوارع ولا تهديدات القادة العسكرين، كلها لم تعد قادرة على إيقاف مد الانتفاضة الإيرانية التي تزداد تصميما يوما بعد يوم للمضي قدما  في الإطاحة بديكتاتورية الملالي ، بعد أن وصفت صحيفة الاندبندنت حكمهم بأنه فاشل في جميع أهدافه تقريباً "فالإيرانيون اليوم أقل ازدهاراً وأقل حرية وحتى أقل تديناً مما كانوا عليه قبل ثورة 1979 التي جلبت هذا الحكم إلى البلاد".

الانتفاضة الشعبية في إيران وضعت رجال الملالي على المحك وأظهرت مدى سخط الشعب بكافة أطيافه عليهم مما أثار الرعب في نفوسهم  وبدأ القلق يساورهم على مدى قدرة السلطة في التماسك وإدارة الأزمة الحالية. فاستمرار الانتفاضة الشعبية والعجز في إيقافها ولد كابوساً مؤرقاً للنظام الإيراني بدأت تداعياته تترك أثراً كبيراً على مستقبل وجود هذا النظام، حسب المؤشرات التالية: 

1.ما نقله قاأني إلى مجموعة من الولائيين خلال الاجتماع السري الذي عقد في السفارة الإيرانية ببغداد قبل شهر تقريباً وحضره عدد من رؤساء الكتل والأحزاب السياسية المحسوبة على إيران. حيث أوضح لهم قائد الحرس المذكور دقة المرحلة الصعبة التي تمر بها إيران وأن الأشهر الثلاثة القادمة سوف تكون عصيبة على النظام الحاكم. 

2.الوثيقة السرية المسربة مؤخراً بواسطة أحد الهاكرز عن اللقاء الثنائي الذي جمع علي خامنئي وقائد الحرس الثوري الإيراني، والذي أبدى فيه المرشد الأعلى تذمره من عدم فعالية نظام القمع ضد الاحتجاجات الشعبية  بسبب ضعف قوات الباسيج  في القيام بهذا الدور التعسفي.

واعتبر الحكومة هي الأخرى غير موفقة في شيطنة الانتفاضة الحالية واقناع الناس بأنها تتلقى التوجيهات من أطراف أجنبية.

3. المعلومات الحساسة التي استلمتها وسائل المخابرات الروسية من مصادر غربية موثوقة وأوصلتها إلى حكومة الملالي وهي تؤكد على أن الشعب الإيراني وصل به الغليان إلى حد التحول إلى ثورة عامة، وهذه الحالة مشابهة لما حصل في الفترة التي سبقت سقوط الشاه.

4. اتساع زخم الاحتجاجات الشعبية ووصولها إلى 157 مدينة ايرانية  بالإضافة إلى انضمام 143 جامعة إليها، والتي جاءت عكس توقعات السلطات الإيرانية . بعد أن كانت تلك السلطات تأمل من خلال وسائل القمع ومحاولة شيطنة الانتفاضة إلى انحسارها أو تخفيف زخمها على أقل تقدير.

5.أضطرار النظام الإيراني إلى مراجعة  قرار الزامية الحجاب، وهو أول تنازل أجبرته على تقديمه الانتفاضة الشعبية بعد أن كان يرفض في السابق بإصرار أي محاولة للقيام بتنازل من هذا النوع. وهذه الخطوة تعتبر تحولاً مهماً في صالح الانتفاضة التي سوف تعمل على جر النظام إلى سلسلة من التنازلات الأخرى مثلما حصل في عهد الشاه حتى تجرده في النهاية من  شرعية وجوده القانوني والدستوري.

وفي الوقت الذي يمضي فيه الشعب الإيراني  قدماً في انتفاضته بلا تردد أو خشية من بطش النظام، أخذت آمال هذا الشعب تتطلع إلى  بزوغ  فجر جديد  يظهر فيه قيام نظام وطني ديمقراطي بديل بحيث تستعيد إيران مكانتها الحقيقية في المجتمع الدولي المعاصر. وهذا التوجه الجديد للشعب الإيراني وما قابله من عنف دموي مضاد لسلطة الملالي بدأ يشهد تعاطفاً كبيراً لدى معظم دول العالم مع القضية الإيرانية المشروعة. وظهرت قناعة دولية أكثر من أي وقت مضى بأن حل مشاكل الشرق الأوسط يحتاج لإسقاط نظام آيات الله واستبداله بنظام آخر متعايش مع شعبه ومع دول المنطقة.

وهناك عدة سيناريوهات محتملة لما يمكن أن يؤول إليه طبيعة النظام الذي يخلف حكم الملالي الحالي في حالة سقوطه. بعضها يتطرق إلى حلول وسطية تحاول أن تجمع بين مشاركة بعض أقطاب النظام الحالي مثل الحرس الثوري أو الإصلاحيين مع المعارضة الإيرانية المنتفضة. وذلك للخروج بنظام هجين يحتفظ ببعض الأفكار التقليدية للجمهورية الإسلامية لكنه يضيف عليها شيئاً من التحسينات كي تواكب عصرنة الواقع الدولي الحالي. إلا أن ما يضعف مصداقية هذه الحلول الوسطية هو حجم الشرخ الكبير وانعدام الثقة الموجودة حالياً بين أركان نظام الملالي وقوى الانتفاضة المضادة لهذا النظام.

فحتى  لو تمرد الحرس الثوري على حكم الملالي أو مارس الإصلاحيون بعض النقد لأساليب النظام القمعية ، تبقى هذه الأطراف محسوبة على النظام السياسي الحالي وتتحمل جزء من المسؤولية عن الفساد والقمع الدموي الذي مارسه هذا النظام بحق شعبه. لذا يبقى الطريق الأفضل للتغيير هو مجيء نظام ديمقراطي تعددي بديل يجمع في بوتقته كافة أطياف الشعب الإيراني.

وبالرغم من أن انطلاق الانتفاضة الحالية قد حصل بصورة عفوية كرد فعل للوحشية التي قتلت فيها مهسا أميني من قبل شرطة النظام في 16 تشرين الثاني من هذا العام . إلا أن اجتياح هذه الانتفاضة جميع أنحاء إيران ونوعية الشعارات التي ترفعها واستمرار زخمها بنجاح حتى وقتنا الحالي يثبت يوما بعد يوم أنها لا بد أن تكون حركة منظمة وموجهة وهي امتداد للانتفاضات السابقة وليست منفصلةٌ عنها.

 وفي هذا السياق يبدو أن النشطاء المحليون الذين يطلقون على أنفسهم " الجبهة المتحدة لشباب أحياء إيران" والمتوزعون على عشرات المدن الإيرانية، لهم دور فاعل في تنظيم وتوجيه حركة التظاهر على مستوى الشارع الإيراني. لكن أحد الخبراء في الشؤون الإيرانية يعتقد أن هؤلاء النشطاء لا يمتلكون الخبرة والمعرفة الكافية لإدارة الصراع وحدهم مع النظام الإيراني الحالي أو التخطيط إلى انشاء نظام الحكم البديل في المستقبل. بل لا بد من وجود قيادة ذات مقدرة على القيام بهذه المهام الكبيرة وتمتلك المرونة السياسية للدخول في تسويات ديمقراطية مع عدة قوى معارضة كي تصل إلى فهم مشترك حول طبيعة النظام الجديد. وهنا يظهر أهمية دور المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية الممثل بمنظمة مجاهدي خلق، كأبرز قيادة مؤهلة لإدارة المعركة الحالية مع النظام الإيراني بكفاءة عالية وكذلك لكونها تمتلك القدرة على وضع الأسس المناسبة لقيام نظام الحكم البديل في المستقبل. ويعزز الدور القيادي للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ما يمتلكه من تاريخ عريض في مقارعة حكم الملالي يمتد إلى منتصف عام 1981 عندما قاد مظاهرات شعبية ضد انفراد خميني بالسلطة. بعد أن اكتشف مبكراً اللعبة التي قامت بها القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية في استبدال دكتاتورية الشاه بدكتاتورية ثيولوجية يقودها الخميني. وبسبب المضايقات التي تعرض لها أعضاء القيادة في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية من حكم هذا الطاغية، لجأ معظمهم إلى النفي الاختياري خارج إيران. لكن هذا المجلس لازال يمتلك جيش تحرير شعبي مكون من وحدات المقاومة في مختلف مدن ومناطق إيران والتي يحسب لها الدور الفعال الذي قامت به مؤخراً في الوقوف بوجه أذرع القمع للنظام الحاكم. وفي هذا الصدد يقول عبد الرحمن مهابادي الخبير في الشأن الإيراني: "انتهى عصر الانتفاضات العفوية في إيران، ويخبرنا التاريخ بأن الانتفاضات العفوية سرعان ما تنطفئ، لكن انتفاضة الشعب الإيراني هذه المرة متواصلة لعدة شهور. فهذا النظام لن يسقط أبداً على طريقة الحركة المدنية والحلول السلمية ذلك لأنه سيقمع الشعب حتى آخر ذرة من قدراته وإمكانياته محاولاً البقاء في الوجود، وعليه فإن الجواب الوحيد هو رد النار بالنار".

هذا وإن المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية يمتلك حضوراً دولياً مرموقاً تمخض عنه اعتراف شبه رسمي به من عدة دول خاصة الغربية منها وشهدت مؤتمراته التي عقدها في أوروبا حضور شخصيات عديدة رسمية وغير رسمية. فضلاً عن أن حركة المقاومة الإيرانية بقيادة مجلسها الوطني سبق وأن طرحت مشروعاً موضوعياً حول خارطة الطريق التي يمكن أن تؤدي إلى تحقيق نظام وطني بديل في إيران. ويتضمن هذا المشروع باختصار تكليف حكومة مؤقتة كي تدير البلاد لمدة ستة أشهر ومن ثم يتم بعدها تشكيل الجمعية التأسيسية وتحديد الإدارة المستقبلية للبلاد بشكل قانوني. وذلك وفق خارطة طريق تأخذ في نظر الاعتبار التعددية الديمقراطية وفصل الدين عن الدولة ومساواة المرأة والرجل وحرية القوميات وضمان بقاء إيران دولة غير نووية وتعايشها السلمي مع جيرانها.






الثلاثاء ١٢ جمادي الاولى ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / كانون الاول / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. مؤيد المحمودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة