شبكة ذي قار
عـاجـل










تاريخنا الإسلامي بين الحقيقة وتهمة التزوير

أبو شام

 

"التاريخ في اللغة هو التعريف بالوقت، فيكون تعريف الشيء بوقت حدوثه، ويعرف عند البعض بإسناده إلى حدوث أمر شائع ومشهور، كسقوط دولة أو قيام حرب أو غير ذلك..."

وأما التاريخ اصطلاحاً، فقد تعددت فيه الأقوال من حيث الاصطلاح بين العلماء والباحثين قديماً وحديثاً، ومن أفضل تعريفات التاريخ ما وضعه ابن خلدون الذي يعتبر أحد المؤسّسين لهذا العلم في صورته الحديثة، حيث قال: "إنَّ التاريخ في باطنه هو النظر والتحقيق وتعليل الكائنات ومبادئها، وعلم بكيفيّات الوقائع وأسبابها".

أما في الغرب فإنّ التاريخ بحسب كولينغوود هو" الماضي الذي يدرسه المؤرخ، بحيث يكون الماضي ما زال حياً في الزمن الحاضر".

ما استوجب ذكر تعريفين للتاريخ هو للانطلاق من خلالهما إلى فهم التشويه الذي يتعرض له تاريخنا، قديمه وحديثه، من البعض الذي يتشدق بالكلام جزافاً ليتهم تاريخنا الإسلامي بالتزوير، ويشوه تاريخ دولتين إسلاميتين صنعتا مجداً لا يمكن حتى للخصوم نكرانه.

لا ندعي مثالية التاريخ، كما لا نلغي حقائقه الماثلة، فالحديث عن تزوير التاريخ الإسلامي فيه نسفٌ لشواهد ما زالت ماثلة للعيان حتى يومنا هذا. فلو أخذنا بفرضية التزوير لتاريخ الدولة العباسية والدولة الأموية ولبعض الشخصيات التي تحدث عنها المُدَّعي ( أحد عملاء إيران من ذيول المالكي ) فإننا سنلغي وجود بعض المدن والآثار الماثلة أمامنا.

تهمة التزوير التي تواجه تاريخنا ليست حديثة العهد، فقد تعرض عبر عصوره المختلفة إلى التزييف والعبث على أيدي من كان لهم توجهات معينة وأهواء مختلفة، فقد تم تشويه تاريخ الأمويين والعباسيين وحتى تاريخ صدر الإسلام لم ينجُ من إفكهم.

فنلاحظ أنهم يتعمدون تشويه الإسلام وتاريخ المسلمين من خلال استخراج من بين دفتي التاريخ ما يسيء للمسلمين ويشوه ماضيهم المشرق.

فيسردون روايات ضعيفة وقصص مختلقة ومواقف ملفقة وأقوال مكذوبة وأحداث مغلوطة، ويلصقونها بتاريخ المسلمين، ويتغافلون عن الأخبار العظيمة والمواقف الكريمة من تاريخنا العظيم، ويستلُّون بأقلامهم الرديئة وأفواههم النتنة من صفحات التاريخ ما يُسقِطُ القِمم، ويقدح في القادة، ويطعن في البطولات.

 

إن المتحدث الذي اتهم تاريخنا بالتزوير يستندُ إلى:

-    مؤلفين قدامى كتبوا التاريخ وصنفوه إرضاء للحاكم السلطان أو لحزب أو مذهب أو دولة، وكان تركيزهم على رموز الحكم لا على أبناء الأمة.

– بعض (المستشرقين أو المبشرين) الذين طعنوا تاريخنا وجرحوا قادتنا.

-    الروايات الفارسية الملفقة والموجودة في بعض كتب التاريخ، كتلك الروايات التي نقلها الطبري عن أبي مخنف ذلك الكذَّاب الأشر، وغيرها الكثير.

-    إضافة إلى بعض أبناء جلدتنا الذين وجدوا بين أيديهم ُكتباً وضعها خصوم الأمة، فصدقوها وبنوا عليها أحكامهم.

لماذا يتم تشويه تاريخ الدولة الأموية عن عمد، ويلصقون بهم كل نقيصة، رغم أن الإسلام انتشر في عهدهم حتى وصل الصين والهند وفرنسا، وفُتحت الأندلس في عهدهم؟

لماذا يذهب هؤلاء إلى الاعتداء وتشويه القادة، ثم يقفون عند عمر بن عبد العزيز ويرونه النقطة المضيئة الوحيدة في تلك الفترة الزمنية المظلمة، متغافلين دور القادة الآخرين في نشر الإسلام وإعلاء كلمته في أرجاء المعمورة.

ثم لماذا يتم تشويه تاريخ الدولة العباسية، والذم والقدح بقادة ومؤسسي الدولة، كأبي جعفر المنصور، وهارون الرشيد؛ حيث زيف البرامكة تاريخه وادَّعوا عنه أنه كان مغرماً بالنساء ولا يفارق الجواري وصوَّروه على هيئة خليفة لاهٍ عابث، وهو ما يخالف الحقيقة بالطبع، فقد كان الرشيد من أقوى وأتقى الخلفاء الذين عرفهم تاريخ الإسلام وكان يحج عاماً ويغزو عاماً.

والخليفة أبو جعفر المنصور الذي لحقه من التشويه الكثير، وادعوا فيه أموراً لا يمكن أن تكون في قائد استطاع أن يبني مدينةً أصبحت حاضرة الدنيا علماً وأدباً هي مدينة بغداد، وغيرها من المدن التي ما زالت شواهد حتى الآن، والتي احتضنت خلال الحقبة العباسية علماء وأدباء وشعراء الأمة، وراعية لكل نتاجاتهم التي وصلت إلى أقصى أرجاء المعمورة في الطب والهندسة والرياضيات والفلك وغيرها من العلوم، والتي يعترف الغرب أنه بنى حضارته على نتاج حضارة الدولة الإسلامية، الأموية والعباسية، وهذا أمر لا يمكن لأحد أن ينكره، فهو موثق في مراكز وجامعات الغرب.

 

ختاماً:

إن التاريخ الإسلامي مليء بالإشراقات ويكلله المجد، فهو ليس أقاصيصاً تُحكى ولا روايات تاريخية تُروى للتسلية، وليس تسجيلاً مجرداً للوقائع والأحداث.

إن التاريخ الإسلامي إشعاع حضاري إنساني ندرسه للعبرة وتربية الأجيال ولتقويم اعوجاجات الأمة وتنويرها ومحاولة الدفع بها إلى الأمام، والوقوف على ركائز تاريخية متينة بعيداً عن التزوير والتشويه المتعمد لهذا التاريخ.




الاربعاء ٢٩ ربيع الثاني ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / تشرين الثاني / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أبو شام نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة