شبكة ذي قار
عـاجـل










دولة كارتونية ونظامها من ورق

الأستاذ الدكتور عبد الرزاق محمد الدليمي

 

لا يختلف اثنان أن للدول الفاعلة مصالح هنا وهناك لابد وأن يحرصوا عليها سواء كان هذا الأمر مقبولاً أو غير مقبول من قبل الآخرين، وهذا ينطبق على أمريكا وبريطانيا ونظام الملالي في طهران وغير ذلك من دول العالم، وهذا ما جعل المالكي يقود العملية السياسية، ويتحكم بكل دفاتها، بعد أن كان متهماً يطالب البعض من خصومه السياسيين بمحاكمته على سجله الإجرامي المهول، وآخرها وليس أخيرها ما تضمنته الدعوى المقدمة ضده من التيار الصدري، والعيب ليس فيما تقوم بها هذه الدول حفاظاً على مصالحها المزعومة، بل العيب كله على الدول التي تسمح لغيرها بالتجاوز عليها، وهذا ما يحصل في الدولة الكارتونية التي أنشأتها دول الاحتلال، منذ 9 نيسان 2003.

في ظل شلل الحكومة الجديدة وعدم قدرتها على وقف تجاوزات الميليشيات المسلحة، وعجزها عن تقديم الخدمات للمواطنين، تزداد حدة الصراعات والاضطرابات والمآسي للشعب العراقي، إن العراق داخلياً وخارجياً وعلى المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، منذ احتلاله بات دولة فاشلة، لا يمكن لها أن تبسط سلطتها على أراضيها أو على شعبها، ووفقاً للتسريبات بين الأطراف المتصارعة على المصالح فقد ظهرت نقاط الضعف في العراق مرة أخرى بشكل حاد وستزداد خلال الفترات القريبة القادمة عندما يفشل محمد شياع عن الإيفاء بالتعهدات التي وعد بها خلال مرروه إلى رئاسة الحكومة، ولا نستبعد أن تندفع الأمور إلى أعمال عنف، فالوضع مرشح للانفجار مرة أخرى بشكل أكبر مما كان عليه في خلال العقدين الكارثيين من عمر الاحتلال.

العراق ما بعد نيسان سنة 2003، وفق تقديرات الأطراف الدولية ليس دولة فاعلة، كما لم يكن فيه حكومات لها سيطرة على أي من مفاصل الدولة، ولولا الثروة النفطية الهائلة وغيرها لانهار العراق بشكل كبير، علماً أن 99% من العراقيين لا يرون أبداً أية فائدة من تلك الثروة، ويعانون من غياب الكهرباء والمدارس المتهالكة وغياب الرعاية الصحية والمياه الصالحة للشرب.

 والملفت أن كل حكومة- منذ حكومة علاوي حتى الآن- تأتي لتلعن التي قبلها وتحملها أسباب الكوارث المستمرة المؤرقة لحياة المواطن العراقي، والملفت أن جميع العملاء الذين شاركوا في العملية السياسة المعوقة الهجينة يحذرون من المستويات المذهلة للفساد التي كانت وما تزال تستنزف موارد العراق وتشكل تهديداً لوجوده، وكأن الشعب هو الفاسد والسارق والقاتل والعميل للأجنبي!!، في وقت بات واضحاً أن الولايات المتحدة تبتعد بشكل متزايد عن العالم العربي، وركزت بشكل أساسي على احتواء إيران وتعزيز ظاهرة عمليات التطبيع المتسارعة مع الكيان الصهيوني، في وقت تزداد القناعات لدى الأطراف الدولية الفاعلة، أن العراق المحتل بلداً فقد أهميته في المنطقة والعالم سيما وأنه أصبح مرتعاً خصباً لصراعات الميليشيات الشيعية الصفوية من أجل السيطرة على مقدرات العراق وأهله، ورغم أن العراق يمثل رابع أكبر احتياطي نفطي في العالم، إلا إن عائدات النفط التي بلغت منذ الاحتلال أكثر من تريليونين (ألفي مليار دولار) ذهبت لدعم الفساد بشكل واسع. ووفقاً لمسؤولين حكوميين ومحليين فإن الميليشيات والجماعات العميلة المدعومة من الاحتلال تستحوذ على عائدات الكمارك من ميناء أم قصر العراقي على الخليج العربي، إضافة إلى المعابر على طول الحدود مع إيران، كذلك تسيطر الميليشيات المدعومة الصفوية في العراق على قطاعات مثل الخردة المعدنية، وتبتز الشركات مقابل توفير الحماية، كما أن العقود الحكومية تشكل أيضاً مصدر رئيسياً آخر للفساد.

إن الاحتلال هو السبب الأساسي في عدم استقرار العراق وفقدانه السيطرة على نسبة كبيرة من حدوده المائية وأراضيه لصالح الكويت وإيران منذ نيسان 2003، كما إن تبديل وجوه العملاء الذين سبق وأن جربوا وفشلو فشلاً ذريعاً لا يمكن أن يكونوا طوقاً للنجاة من الوضع المزري في العراق بل إنهم جزء مدمر من النظام الذي أسسه الاحتلال الأمريكي البريطاني الصفوي الصهيوني.

 

لن يحل مجلس النواب

لم يكن مفاجئاً نجاح ثلة الهالكي والعامري والخزعلي في تشكيل حكومة توليفية من الوجوه الفاشلة، بعد تمسكهم بمرشحهم محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة، وإعطاء ذيولهم الأولوية بمقاعد الحكومة، لزيادة نفوذهم السياسي والعسكري والاقتصادي ليصنعوا بما يحقق مصالحهم في صنع القرار البرلماني والحكومي مع أمثالهم من ما يسمى بكتلتي السنة والكرد، وهذا ما يتعارض مع رغبة ومواقف وتطلعات كل الشعب العراقي، واستغلت أدوات ملالي طهران التي ستقرر الخطوات السياسية التنظيمية اللاحقة، وهذا بحد ذاته سيكون مبرراً أساسياً لانفجار الوضع الشعبي احتجاجاً على فشل الحكومات المتعاقبة منذ الاحتلال سنة 2003، إلى الآن في حل مشاكل العراق المعيشية والاقتصادية وسياسات المحاصصة التمزيقية، كما ستسمح هذه المعطيات لمزيد من التدخل الإيراني الذي لن يقبل التنازل عما وفره الاحتلال البريطاني الأميركي لنظام الملالي من صيد ثمين الذي أدى إلى ابتلاع العراق، أو أن تكون طهران شريكة من خلال نفوذها وأدواتها، في صياغة جغرافية العراق السياسية وماهيته ومستقبله.

إذن نحن على أعتاب موجة عارمة من الصراعات بين الإرادات الصفوية الساسانية، وبين إرادات عراقية مزيج من طموحات  الغالبية العظمى من الشعب، مع استغلال من قبل التيارات الميليشياوية، لهذه الظروف لمواجهة خصومها، علماً أن مقتدى الصدر رغم ما أتيح له من فرص ذهبية لم يستطع التخلص من عباءة المرجعية الفارسية، لكي يصبح حراً، ونؤكد هنا ما سبق أن كتبناه من احتمالية أن يطرح الصدر نفسه بصفته سياسياً لا دينياً طائفياً، وهذا ما سيوسع امكانية زيادة حدة المواجهات بين أطراف جبهة عملاء طهران المتصارعة على مصالحها في العراق المحتل.

كانت وما تزال أساليب بريطانيا الاستعمارية البغيضة في تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية وغيرهما تعتمد الأدوات الناعمة الخبيثة، وتحرك بيادقها بنفس طويل، وهذا الأسلوب، استخدمته بريطانيا في وصول عملائها لإدارة الدول، وهذا ما نلاحظه أيضاً بما يقوم به نظام طهران في العراق وغيره، وقد يعتقد كثيرون خطأ أن هناك تناقض بسياسات وأهداف الملالي وبريطانيا، والحقيقة إن هناك جوانب كثيرة يلتقيان من خلالها، دون أن نبعد التقاءها مع ما تريده الامبريالية الأمريكية في المنطقة.

معروف أن بريطانيا أكثر الدول معرفة وتجربة وخبرة من غيرها من الدول الاستعمارية، وهذا ما جعل الولايات المتحدة تسلم إدارة الملفات الساخنة لبريطانيا وتحديداً في الدول التي شهدت تغولاً فارسياً خطيراً وفي مقدمتهم العراق بعد احتلاله، بريطانيا وأمريكا لم ولن يمانعوا من الوجود الفاعل لنظام الملالي في كل هذه الدول طالما أنه لا يخرج عن إطار التخادم بينهم، إلا أن الذي يحصل أن ملالي طهران وذيولهم، يتجاوزون أحياناً الخطوط الحمراء البريطانية والأمريكية، ويحرجون المسؤولين في دولتي الاحتلال، الأمر الذي أوجد مبررات لدخول بريطانيا على الخط الساخن ليس لإنهاء التغول الفارسي في العراق  تحديداً، ولكن لإعادة رسم الحدود المسموح لنظام الملالي التحرك داخلها. ومن يتابع بدقة تفاصيل ما يحدث يومياً يقتنع تماماً أن بريطانيا ونظام طهران يمارسان تحريك أدواتهم وعملائهم وكأنهما يمارسان لعبة الأتاري في العراق.

اعتقد كثير من المراقبين خطأ أن رجال الدين العراقيين انفصلوا عن المشاركة السياسية التي يعتقدونها في تناقض صارخ مع نظام طهران، لكن للأسف منذ سنة 2003، يؤدي كثير من رجال الدين المسيسين دوراً سياسياً بارزاً في تشكيل دولة وحكومات ما بعد الاحتلال، خاصة أن بعضاً منهم كانوا أعضاء في كتابة الدستور المعوق الهجين، وتولوا مناصب عامة،  كما كان لهم نشاط واسع ومؤثر في الحراك السياسي العراقي؛ وكان أشهر محطات ذلك النشاط هو أن المؤسسة الدينية أصدرت دعوة ملزمة دينياً بحمل السلاح، في سنة 2014، لمحاربة داعش، وكان المفروض أن هذه الدعوى ظرفية تنتهي بانتهاء مبرراتها، إن الذي انكشف لاحقاً أن الغاية منها لم تكن مواجهة  وضع استثنائي بل عمل خطط له لإنشاء قوة عسكرية تابعة لإيران، وتمول من ميزانية الدولة شاءت أم أبت، ورغم الادعاء أنها جزء من القوات المسلحة  تشريعياً، إلا أنها في الواقع لا تأتمر إلا بأوامر من طهران مثل بقية الميليشيات المسلحة الأخرى، أياً كان اسمها، ومن المسؤول عنها، رغم زوال أسباب ومبررات وجودها، لأنها اصبحت عبئاً على العراق وأهله.

 






الثلاثاء ٢٨ ربيع الثاني ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / تشرين الثاني / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الأستاذ الدكتور عبد الرزاق محمد الدليمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة