شبكة ذي قار
عـاجـل










وعود السوداني الخاوية سوف تستنزفها أزمات النظام التعجيزية

أ.د. مؤيد المحمودي

 

 

 من السهل على السوداني اطلاق الوعود المرتجلة حول زيادة رواتب المتقاعدين أو تحسين كمية الحصة التموينية أو توزيع الأراضي على السكان ، لكن ترجمة هذه الوعود الى تحسين حقيقي في الأوضاع المعاشية للعائلة العراقية غير مجدي لأنه يصطدم على ارض الواقع بمعوقات كثيرة.  فرفع الرواتب من غير تثبيت أسعار المواد الاستهلاكية  في السوق لا يأتي بالفائدة على العائلة العراقية لأن أي ارتفاع في أسعار تلك  المواد سيمتص الزيادة في الرواتب وتصبح  مثل هذه الزيادة بلا قيمة مرجوة. كذلك هو الحال  بالنسبة الى زيادة كمية الحصة التموينية فما هي الفائدة من هذه الزيادة اذا كانت  بعض مفردات المواد المدرجة في الحصة التموينية ذات نوعية رديئة لا تصلح للاستهلاك البشري. وذلك بسبب الفساد في وزارة التجارة  الذي  يستحوذ على 200 مليار دينار شهريا من تلك الحصة ، حسب ما ذكره أحد النواب في البرلمان. وهل من المعقول أن الطبقة الفاسدة في الدولة تسمح بتوزيع الأراضي على المواطنين المحتاجين بصورة عادلة، قبل أن تجير هذا المشروع لصالحها.  اذن الوعود شيء والواقع شيء أخر والسوداني أعجز عن تلبية تلك الوعود التي يغلب عليها الطابع الدعائي ويهدف من ورائها الى دغدغة مشاعر الطبقات المسحوقة من الشعب العراقي عسى ولعله ينجح في تلميع صورته أمامها. وهو نفس الهدف الرخيص الذي يسعى اليه من خلال زيارته لبعض المستشفيات في بغداد حاملا سيف عنتر ابن شداد عليها . وكأنه لا يدري أن الخدمات معدومة بصورة عامة في جميع مستشفيات العراق بفضل العجز في الرقابة المركزية من وزارة الصحة التي تغوص في وحل من الفساد. علما أن رؤساء حكومات سابقين أمثال الجعفري والعبادي وعبد المهدي والكاظمي قد بدأوا مشوارهم الوزاري أيضا بزيارات للمستشفيات لكن هذه الخطوة في النهاية لم تساعدهم في كسب تزكية الشعب.

 ان الطريق الحقيقي لتحسين الأوضاع المعيشية للناس لا يأتي من خلال خطوات ترقيعيه خداعة بل أن البلاد بحاجة الى حلول جذرية لإصلاح حالة  الاقتصاد العراقي بشكل عام ، بحيث تنعكس نتائجه الايجابية على وضع العائلة العراقية . خاصة وان الحكومة الحالية ورثت خزينة غنية من الكاظمي لم تحصل عليها الحكومات السابقة والتي تقدر ب85 مليار دولار و130 طن من الذهب . وهذه  الثروة لم تأتي بسبب نمو الاقتصاد العراقي مؤخرا ، بل تجمعت نتيجة لازدياد عائدات النفط ووجود وزارة تصريف أعمال مقيدة عن الصرف حتى على المشاريع الحيوية مثل تكملة سدي بادوش في الموصل ومكحول في كركوك الذي كان بإمكانه تخفيف مشكلة شحة المياه التي يعاني منها البلد حاليا.

كل الخطوات التي قام بها السوداني لحد الأن خلال الفترة القصيرة التي تسلم بها السلطة والتي لا تدل على أنه يسير على طريق الاصلاح ، يمكن تلخيصها بما يلي:

1.أعاد مناصب نواب رئيس الجمهورية بتعيين المالكي والخنجر فيها والتي تم إلغائها سابقاً بسبب عدم وجود فائدة منها و تكلف الدولة ملايين الدولارات شهرياً من حمايات ونثرية وسواق

2.تراجع عن فكرة اجراء انتخابات نيابية مبكرة ، كما تنصل عن  قرار إرجاع سعر صرف الدولار الى سعره القديم ، بالرغم من انتقاده الشديد لهذه الخطوة في حينها.

3.عمل على ترسيخ مفهوم سلطة المليشيات في الدولة عن طريق اخضاع جهاز المخابرات بشكل تام الى المليشيات  تمهيدا لسيطرة ايران الكاملة عليه . وتغيير فريق مستشارين الكاظمي لرئاسة الوزراء و المجيئ بفريق قناة العهد العائدة لميليشيا عصائب اهل الحق بما في ذلك تعيين رئيس مكتب اعلام  مليشياوي في ذلك المجلس. كما عهد الى المليشيات  لتولي مسؤولية حماية المنطقة الخضراء.

4.طرح السوداني مشروع التجنيد الاجباري  معتقدا ان هذا المشروع سوف يسحب مجموع الشباب المعارض من الشارع. لكنه وأعوانه الاطاريين وجدوا نفسهم في ورطة كبيرة لاحتمال أن تكون هذه  الخطوة  منفذا لبناء جيش وطني كالسابق فاضطروا الى العمل على تسويف قرار موافقة البرلمان على هذا المشروع.

5. استبدل 169 من موظفي الدرجات الخاصة المحسوبين على الكاظمي والصدريين بمثلهم من المحسوبين على الاطار (أي مجرد تصفية الحسابات) بينما كان يتحدث قبل تسلمه السلطة عن فكرة  تسريح بعض موظفي الدرجات الخاصة نهائيا لتوفير الأموال الى خزينة الدولة.

6. كلف قاضيا لرئاسة هيئة النزاهة  توجد عليه ملفات فساد مالية وادارية والتي سبق أن أعفي من منصبه بسببها.

جميع هذه المؤشرات تؤكد على وجود شكوك في قدرة السوداني على  تصويب الأوضاع المختلة في البلاد طالما ان  النظام الفاشل الذي جاء بالسوداني لم يتغير. لا سيما وأن هذا النظام يعاني منذ 2003 من أزمات حادة  ليس بمقدور السوداني وحكومته المهلهلة أن تصمد أمام تحدياتها بعد أن أثبتت جميع الحكومات التي جاءت في تلك الفترة فشلها في هذه المواجهة. وأسباب هذا الفشل تعود الى وجود المعوقات التعجيزية  التالية :

1.انتشار ظاهرة الفساد المالي والاداري

 في فترة حكم المالكي من 2006- 2014  ازدادت العائدات المالية العراقية  بسبب ارتفاع أسعار النفط عالميا حتى تجاوزت الــ900 مليار دولار. ولكن جميع هذه  الأموال لم تصرف لأغراض التنمية أو الاعمار بل تلاشت بسبب النظام الإداري والمالي الفاسد الذي ابتلع كل شيء . فقد وثق البرلمان العراقي في ذلك الوقت اختفاء 600 مليار دولار من ميزانية العراق دون وجود ايصالات رسمية عن كيفية صرف هذه الأموال .  كما كشف الجلبي حينها ان فساد التصريف للبنك المركزي في زمن المالكي  قد وصلت الى 313 مليار دولار. ولم يتبقى من هذه الأموال في خزينة الدولة سوى 3 مليارات دولار استلمتها  حكومة العبادي التي تبعت حكومة المالكي في الحكم. ومن مظاهر الفساد الأخرى البارزة هو تسريب العملة الأجنبية الى الخارج عن طريق مزاد العملة ووجود الشركات الوهمية والموظفين الخياليين. وبالرغم من استفحال هذا الفساد في العراق ، فان السوداني لن يجرأ على محاربة حيتان الفساد لان الذين يحيطون به هم من المقربين لأعتى طغمة الفاسدين أمثال المالكي وقيادات الحشد الشعبي.

2. التضخم الوظيفي في القطاع العام:

نتيجة للسياسة الاقتصادية الخاطئة طوال عشرون عاما فان القطاع العام تم اغراقه بالتوظيف ، بعد أن أهمل القطاع الخاص عن عمد وجرد من مساعدة القطاع العام على هذه المهمة. وقد  أدى ذلك  إلى تضخم بيروقراطي كبير في أعداد الموظفين الحكوميين  يقدر بحوالي  %40 من جميع الوظائف في الدولة، وهي نسبة كبيرة جدًا من العمالة الحكومية مقارنة بالدول الأخرى.

3.العراق بلد محتل من قبل ايران

من المعروف أن البلد القائم بالاحتلال يمارس ضغوطات على  الحكومة الموجودة في البلد الخاضع للاحتلال بما يتلاءم وتوجهاته ومصالحه الخاصة، وبالتالي فان جميع المشاريع الاقتصادية في هذا البلد تخضع الى تحكم وسيطرة الدولة المحتلة. وعليه فان العراق غير مسموح له بتطوير اقتصاده اذا كان هذا التطوير يتعارض ومصلحة ايران الاقتصادية. ولهذه الأسباب فقد حكم علي القطاع الخاص بالشلل وتم تجميد النشاط الصناعي والزراعي.  كما أصبح العراق يحرق الغاز المنطلق من أباره النفطية كي يبقى معتمدا على الغاز الايراني في تشغيل بعض محطات الكهرباء التي تعمل بالغاز.  وفي نفس السياق  يجبر العراق على  استيراد الطماطم والتمور ومحاصيل زراعية أخرى من ايران بالرغم من وجود تخمة لهذه المحاصيل الزراعية في حقوله.

4. انعدام  خطط التنمية

منذ عام 2003 لم يشهد العراق وجود خطط للتنمية من شأنها أن تطور اقتصاد البلاد وتساعد على تقليل الاعتماد على النفط كمصدر أساسي لهذا الاقتصاد. وكان من نتائج هذه السياسة الخاطئة هو اغراق العراق بالديون الخارجية بسبب العجز المالي في ميزان المدفوعات عندما هبطت أسعار النفط عالميا في الأعوام 2014 ، 2019 و2020.

فضلا عن أن الوضع السياسي الحالي في العراق لا يشجع على جلب الاستثمارات الأجنبية التي من شأنها تطوير الخطط الاقتصادية في البلاد. فانعدام الأمن ووجود السلاح المنفلت لا تطمئن هذه الاستثمارات على القدوم الى العراق. ولعل قتل مدير شركة دايو الكورية في البصرة من قبل المليشيات المسلحة لعدم رضوخه لابتزازها والادعاء بانه تعرض الى عملية انتحار، خير دليل على عزوف الشركات الأجنبية عن العمل في العراق.

وفي غياب خطط التنمية والاستثمارات الأجنبية في العراق والنهوض بالقطاع الخاص فان معدل البطالة أخذ في الازدياد  بهذا البلد ، خاصة في صفوف  الشباب. حيث تصل نسبة البطالة في هذه الشريحة  من المجتمع الى أكثر من 25%. وتتفاقم المشكلة البطالة  باضطراد لأن عدد الأشخاص الذين يدخلون سوق العمل سنويا يفوق عدد الوظائف المتوفرة.

 

5. غياب الكفاءات ذات الانتماء الوطني

هناك حقيقة أصبحت معروفة لدى كافة العراقيين أن المسؤولين الذي شغلوا مناصب عليا في الدولة من مدير عام فما فوق بعد الغزو الأمريكي ليسوا بنفس الكفاءة والنزاهة والاخلاص التي كان يحملها أقرانهم من المسؤولين الذين شغلوا نفس المناصب قبل عام 2003. والدليل على ذلك أن نظام المحاصصة الطائفي الحالي لم ينجح في بناء معلم حضاري واحد بعد مرحلة الغزو الأمريكي ،  مقارنة بمعالم الحضارة  الشامخة لحد الأن والتي بناها النظام الوطني قبل عشرين عاما مثل السدود والطرق و الجسور والمشاريع الزراعية والصناعية التي دمرت عن قصد. ناهيك عن أن معظم تلك المعالم العمرانية قد تم بناؤها بالاعتماد على الخبرة الذاتية. واليوم نجد في حكومة السوداني وزراء لا يملكون شيئا من الكفاءة أمثال وزير التعليم العالي الذي يحمل شهادة دكتوراه مزورة وجيء به لأنه الناطق الرسمي لعصائب أهل الحق وفي نفس السياق عين وزير العمل لأنه الناطق الرسمي باسم الحشد .أما وزير المواصلات الذي لم يركب في حياته طائرة مدنية فقد عين في تلك الوزارة لأنه محسوب على قوات بدر. ان هذه المجموعة من الوزراء تمثل نماذج من التكنوقراط الذين  يريد السوداني الاعتماد عليهم في اصلاح العراق من فساد متجذر في النظام الحالي مضى عليه عشرين سنة.

لا شك أن بعض المطبات التي تواجه حكومة السوداني حاليا مثل اغتيال المواطن الأمريكي ستيفن ترول في العراق من قبل المليشيات الولائية  بتوجيه ايراني لتصفية الحسابات مع الجانب الأمريكي. ورفض الميلشيات الانسحاب من المدن المحررة كما افتى بذلك خميس الخنجر على أنه قرار متفق عليه بين القوى السياسية المشاركة في الحكومة، وقصف ايران للمنطقة الشمالية مؤخرا. ان جميع هذه الأحداث تجعل حكومة السوداني في وضع لا يحسد عليه وحتما سوف تعمل على تقصير عمر حكومته وتضطره الى أن يعيد حساباته حول فرصة بقاؤه في السلطة لمدة ثلاث سنوات حتى وان تباها بأنه مدعوم من الاطار التنسيقي . بل سوف يكون محظوظا اذا بقي في الحكم فترة عدة شهور مقارنة مع تجربة عادل عبد المهدي الفاشلة الذي كان يحلم بالبقاء في الحكم أربعة سنوات  مستندا على ما ا دعاه في وقتها من تزكية  المرجعية له و الدعم الذي حصل عليه من قبل الصدر والعامري .  كل ذلك الاسناد لم يساعد  عادل عبد المهدي على الصمود في الحكم أكثر من سنة واحدة  بسبب تصدي حركة تشرين والانقلاب عليه من جميع الأطراف التي كانت داعمة له.

 

 

 






الاربعاء ٢٢ ربيع الثاني ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / تشرين الثاني / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. مؤيد المحمودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة