شبكة ذي قار
عـاجـل










قراءة غير مُكتَمَلة لترسيمٍ مُختَلَفٌ عليه

نبيل الزعبي

 

ثمة أمور أساسية ثلاث لا نعتقد أن الحقيقة ستتجاهل واحداً منها أو الثلاثة معاً في الأيام القادمة وتتمثل بما يلي:

١- لا صحة لأي انتصار هلّل له الرئيس اللبناني السابق المنتهية ولايته في ترسيم الحدود البحرية مع العدو الصهيوني، والذي صدع به رؤوس اللبنانيين، وإنما ما جرى هو جرعة أمل أسدتها له حكومة العدو مكافأةً له على تنازله عن سبعة عشر بالمئة من حقل قانا، بعد تخلّيه عن حقل كاريش.

٢- إن اتصال الرئيس الأميركي بايدن بالرئيس السابق ميشال عون، لم يأتِ دون ثمن مقابل، قدمه لبنان في مجلس الأمن الدولي بتصويته ضد ضم روسيا لأراضي في أوكرانيا، كما طلب الرئيس الأميركي وكانت تلبيته غبّ الطلب.

٣-اهتزاز موقف الممانعة الذي تلطّى خلف موقف الرئيس اللبناني، وتلك سابقة يُقدِم عليها وستُضعِف من مصداقيته أمام جمهوره مهما كانت المبرّرات.

انطلاقاً مما تقدم نرى أنه:

-بين التخوين والاتهام في التفريط بالسيادة والتخلّي عن بضعة آلاف من الكيلومترات المربعة في ترسيم الحدود البحرية مع العدو الصهيوني...

-وبين الإعلان الرسمي الصادر عن الرؤوس الثلاث في البلد...

إن مسودة الترسيم التي قدّمها الوسيط الأميركي آموس هوكستاين، هي "إنجازٌ" كبير للبنان.

-ثمة ثروة وطنية ضائعة بين حقوقنا الشرعية المُتَخلّى عنها في حقل كاريش ، وشبه ما أُعطِيناه من حقوق في حقل قانا، رُبِطت الموافقة الصهيونية عليها بالحصول على ما اعتبرته حقوقاً لها في هذا الحقل وستلتزم الشركة الفرنسية المنقّبة عن البترول "توتال" بتعويض ما لها من حقوق، من غير أن يتم ذلك من "جيبة" الدولة اللبنانية، في مخرجٍ "موضّب" يحفظ للدولة اللبنانية ماء الوجه أمام شعبها بجعلها تخرج منتصرةً بعد اثني عشر سنة من المفاوضات غير المباشرة مع العدو الصهيوني ولم تكن لترسو على اتفاقٍ مبدئي كما حصل في المسوّدة التي قدمها الوسيط الأميركي في مفاوضات الترسيم مؤخراً، حيث رأى طرفان على الأقل ، من ثلاثية الترويكا الرئاسية، ضالّته في ادّعاء ما له من حصةٍ من هذا الانتصار ، سواء بمن عزاها إلى عامل القوة التي هدّد بها، فكان له ما أراد، أو من الجهة الأخرى الباحثة عن " انجازٍ" ما، تنسبه إليها وهي على بعد أيام من مغادرة القصر الجمهوري، بينما اكتفى الثالث باعتبارها خطوة على الطريق الصحيح، ليعقب ذلك في تصريحٍ آخر إنها كانت لتفادي الحرب !!

وحدهم، أبواق المنظومة السياسية، هلّلوا وطبّلوا للحدث، فيما خرجت أصواتُ أكاديمية وعسكرية وسياسية مُعتَبَرة تسلّط الضوء على التنازلات الخطيرة التي أقدمت عليها السلطة ووجه بعضها تهمة الخيانة ضد الموقعين على اتفاقية الترسيم في الوقت الذي تقدم البعض الآخر بالادعاء على هؤلاء بتهمة التفريط بالسيادة والرضوخ لمطالب العدو.

ماذا يعني ما تقدم سوى الحاجة الماسّة إلى قراءة موضوعية علمية وتقنية ترسو بنا إلى بر الأمان بعيداً عن " البروباغندا" الناجمة عن تقاطع مصالح أميركية اسرائيلية لبنانية "رسمية" تزيّن لنا الانتصار في هذا "الإنجاز "على أيدي الإدارة الأميركية التي يمثلها في مفاوضات الترسيم، أميركي يحمل جنسية كيان العدو أيضاً، أمضى خدمته العسكرية لديه، وعمل مستشاراً لشمعون بيريز مع بدء حياته السياسية، وهو الصهيوني العضوي الذي يعمل اليوم في إدارة لم تكن يوماً في صف حقوقنا.

والايام المقبلة هي التي ستكشف المستور في هذا "الإنجاز"، وكم استعجلت الإدارة الأميركية التوقيع عليه في ظل أزمة الغاز الخانقة التي أحدثتها الحرب الروسية الأوكرانية ومدى الحاجة الماسة إليه من القارة الأوروبية على أبواب فصل الشتاء، بعد أن تأكد أن كل ما صدر عن خلافات وتشنجات داخل المعسكر الصهيوني، لم يدخل سوى من باب تحسين شروطه مع لبنان والخروج بأكبر المكاسب الاقتصادية عبر التهديد والابتزاز، وعدم الاكتفاء بالتنازلات التي قدمتها الدولة اللبنانية في حقل كاريش.

سُئل أحد شيوخ القبائل القوية قبل الإسلام: ما العدل عندكم؟

قال: العدل أن أسطو على غنم جاري فآخذها.

فقيل له: إذا كان هذا العدل، فما الظلم عندكم؟

قال: أن يأتي جاري ويطالب بغنمه.

بماذا يختلف هذا النمط من العدل، عن تفكير الكيان الصهيوني وهو يعالج مع الإدارة الأميركية، مسألة ترسيم الحدود البحرية مع لبنان!

فلا نتوهمنّ أن الوسيط الأميركي بعيد أيضاً عن تفكير العدو الصهيوني وهو (أي هوكستاين) القائل عن بلدنا في مقابلة تلفزيونية أميركية: إن لبنان الذي لا يملك شيئاً، عليه أن يقبل بأي شيء.

(يَتبَع: ماذا بعد الترسيم!)






الاربعاء ١٥ ربيع الثاني ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / تشرين الثاني / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة