شبكة ذي قار
عـاجـل










 

اصلاح نظام الحكم الحالي في العراق.... بين الواقع والطموح

أ. د. مؤيد المحمودي

 

الخطوات المسرحية التي قام بها محمد السوداني في بداية حكمه لغرض الظهور إعلامياً بمظهر الشخص المصلح الحريص على مصلحة المواطن ، هي محاولات مفضوحة سبقه إليها كل من عادل عبد المهدي والكاظمي . وتهدف بالدرجة الأولى إلى الضحك على عقول العراقيين من خلال تحقيق اصلاحات شكلية كزيادة  رواتب المتقاعدين أو زيادة الحصة التموينية  التي بمجملها لن تحسن الوضع المعاشي المتدهور للعائلة العراقية. وكذلك  زيارته  إلى وزارة الصحة و تباكيه على حالة المريض العراقي هي الأخرى سوف لن تحل مشكلة حصول هذا المريض على الدواء بسعر مناسب، اذا لم يتم معالجة السبب الحقيقي لهذا الخلل وهو الفساد المستشري في تلك الوزارة . و كان لهذا الفساد  دور رئيسي في هروب أحد وزراء الصحة السابقين إلى خارج البلاد ليسلم بجلدته من  محاربة كادر الوزارة  له لأن ذلك الوزير  تجرأ  غلى إجراء عمليات نظيفة تخص صفقات شراء الدواء إلى الوزارة.

إن تشكيلة حكومة السوداني الوزارية لا تدعو إلى التفاؤل اذا كان أحد التكنوقراط المعين فيها كوزير للتعليم العالي والمحسوب على عصائب أهل الحق يحمل شهادة دكتوراه من جامعة اسلامية في بيروت لا تعترف بها وزارة التعليم العراقية نفسها . لأن تلك الجامعة اللبنانية معروفة ببيع الشهادات العليا بالدولار الأمريكي مما جعلها تستقطب العديد من المسؤولين العراقيين وعلى رأس القائمة  رئيس المحكمة الاتحادية الحالي فائق زيدان.  لذا فان القادم من الأيام تحمل معها انتكاسات كبيرة لوزارة التعليم العالي ، بما في ذلك منح صك الاعتراف  من قبل هذا الوزير المليشياوي الجديد لجميع الشهادات المزورة التي يحملها المسؤولون في الدولة الحالية . ناهيك عن أن فساد هذا الوزير ليس استثناء ا بل يوجد  أشخاص أخرين اختارهم السوداني في بطانته الوزارية  سبق وأن ثبتت عليهم شبهات من الفساد.

إن السراق من الإطاريين الذين جاءوا بالسوداني كواجهة للحكم يعرفون جيدا أنه مجرد روبوت  يقوم بتأدية ما يوكل اليه من أوامر عليا بما فيها القيام بتلك الاصلاحات الشكلية . وذلك لاستمالها كتمويه  كي تبعد الأنظار عن  هدفهم الرئيسي وهو الاستحواذ على المئة مليار دولار أو  ما تبقى منها في خزينة الدولة من موارد النفط التي حصل عليها العراق بسبب ارتفاع أسعار البترول مؤخرا ، والدفع بالحصة الأكبر منها إلى ايران كما جرت العادة في السابق. ان حكومة السوداني التي يطلق عليها حكومة المالكي الثالثة سوف لن تتردد في اتخاذ مثل هذه الخطوة الخطيرة بحجة استخدام تلك الأموال في تقديم خدمات  تافهة إلى الشعب تعرف جيدا أنها لا تستحق صرف أموال بهذا الحجم. وفي هذا الصدد توجد سابقة معروفة عندما اشتكى العبادي من استلامه الحكم  بعد حكومة المالكي الثانية ولم يكن وقتها في خزينة الدولة سوى ثلاثة مليارات دولار.  إلا أن أحداً لم يجرأ في حينها على سؤال المالكي أين ذهبت بباقي الأموال التي كانت موجودة في خزينة الدولة.

 لقد تجاهل السوداني في الخطة الوزارية وفي خطاب التكليف الأزمات الحقيقية التي أثقلت كاهل المجتمع العراقي طوال عشرون سنة والتي وردت بعضها في عدة تقارير أممية ،على النحو التالي:

         نسبة البطالة في البلاد 31%‏ ويوجد 35% من العراقيين تحت خط الفقر

          3 ملايين و400 الف مهجر خارجي موزعين على 64 دولة و مليون و200 الف نازح داخل العراق.

         العراق في المرتبة الأولى عالميا بالنسبة إلى عدد المغيبين والمفقودين

         يحتل العراق المرتبة 123 من أصل 189 دولة في العالم حسب مؤشر التنمية البشرية

         يوجد 5 ملايين و600 الف يتيم و2 مليون ارملة

         انتشار 39 مرض ووباء وارتفاع نسبة الإصابة بالسرطان والتشوهات الخلقية.

       6 ملايين عراقي لا يجيد القراءة والكتابة

         6% من السكان  يتعاطون الحشيش والمواد المخدرة

         ازدياد نسبة التضخم في البلاد الذي أدى إلى ارتفاع أسعار المواد في السوق..

         الدستور ملغوم وكتب لأغراض ومصالح تخدم فئات معينة ويشجع على تفكيك البلاد

         القضاء مسيس وخالي من النزاهة ويعتريه الفساد

         تهميش وتهجير وتصفية الكفاءات العلمية النزيهة المستقلة.

         غياب الدور الرقابي والتشريعي للبرلمان الذي لا يمثل الشعب العراقي تمثيلا حقيقيا

         ضعف السلطة والقانون في كشف الفساد ومحاسبة الفاسدين وتقديمهم للعدالة

         اعتماد النظام على النفط  متجاهلا التجارة والصناعة التي من شأنها أن تنوع موارد البلاد

         تدمير القطاع الزراعي

         تعمد غلق المصانع ومحاربة  المنتج الوطني المحلي  لغرض تشجيع الاستيراد من الخارج

         تهريب النفط إلى الخارج بشكل  منتظم من قبل مافيات الفساد

         أزمات خانقة في الخدمات شملت الماء والكهرباء والمواصلات والصحة والتعليم

         غياب دور القانون أدى إلى انتشار السلاح المنفلت بيد المليشيات خارج إطار الدولة والتي فقدت هيبتها

         خضوع النظام السياسي العراقي إلى إرادة غير عراقية خارجية تتحكم فيه وبثرواته ومستقبله

 

إن الحلول الجذرية  لتلك الأزمات  تتجاوز قدرات حكومة السوداني المتواضعة ، بل حتى لو جاءت حكومة مدعومة من قبل الصدريين سوف لن تكون قدراتها على الاصلاح أفضل حظا منها لأنها تبقى جزءا  من منظومة الحكم الفاشلة التي جربها العراقيون طوال 20 عاما .  لذا فان النجاح في اصلاح الحكم بالعراق لا تتعلق بذهاب حكومة  طائفية ومجيء أخرى لا تختلف عنها الا في الشكليات، بل هي أعمق من ذلك تخص التعامل مع طبيعة الخلل البنيوي في النظام السياسي المتهالك الذي نخره الفساد وشل  قدرته على بناء النهضة  المطلوبة في البلاد . وهذا متأتي .من عدم وجود رؤى حقيقية وجادة  لتحقيق الإصلاح لدى جميع الحكومات المتعاقبة على العراق بعد 2003 .

إن بلاد الرافدين لم تعد تتحمل أن تكون مجرد حقل تجارب لحكومات تفتقر إلى النزاهة والكفاءة والمصداقية والانتماء الوطني. لذا فان تقويم الحكم في العراق بصورة  شاملة يحتاج إلى قيام ثورتين متعاقبتين ، الأولى راديكالية تعمل على تخليص البلاد من الطغمة الفاسدة الحالية التي حكمت بعد الغزو الأمريكي والثانية تنموية  تأخذ على عاتقها  تصويب الأوضاع المزرية التي خلفتها تلك الطغمة الفاشلة و اطلاق عجلة التنمية من جديد.

 

 

 






الاربعاء ٨ ربيع الثاني ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / تشرين الثاني / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ. د. مؤيد المحمودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة